29 مارس، 2024 12:57 م
Search
Close this search box.

نكبة جديدة: نقل السفارة الأمريكية للقدس

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ آية عبد العزيز
نقلت الولايات المتحدة الأميركية يوم الأثنين 14 مايو/ أيار 2018 سفارتها من “تل أبيب” إلى مدينة “القدس” باعتبارها عاصمة دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحضور الوفد الأميركي الذي يضم 250 عضوًا يأتي في مقدمتهم “إيفانكا ترامب”، وزوجها “جاريد كوشنر” كبير مستشاري “ترامب”، و”جيمس سوليفان” نائب وزير الخارجية الأميركي، و”ستيف منوشين” وزير الخزانة، وأكثر من 30 دولة، بينهم دول أوروبية وأفريقية وبعض دول أميركا اللاتينية، في ظل غياب روسي.

والجدير بالذكر؛ أن الرئيس الأميركي قد أعلن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر / كانون الثاني 2017.

وعليه؛ فقد عقب الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” أثناء اجتماعه مع القيادات الفلسطينية على افتتاح السفارة الجديدة بإنها “بمثابة بؤرة استيطانية” معلنًا إضرابًا عامًا وحدادًا في الضفة تزامنًا مع الأحداث. فيما “وصفت اللجنة التنفيذية لـ “منظمة التحرير الفلسطينية”، القرار الأميركي بإنه “نكبة جديدة” بشرعية دولية، معتبرة أن القرار جاء وفقًا لمنطق القوة في العلاقات الدولية ضاربًا كافة الأعراف الدولية عرض الحائط. فمازالت “تل أبيب” مستمرة في ظلمها واحتلالها المتواصل للأراضي الفلسطينية برعاية أميركية؛ حيث يأتي ذكرى النكبة وعاصمة الشعب الفلسطيني معرضة لانتهاك دولي قانوني سياسي(1).

شرعية القرار

جاء قرار نقل السفارة من قبل الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” ليبرهن لـ”تل أبيب” إنه جدير بالثقة، مؤكدًا على أن إسرائيل دولة مستقلة يحق لها أن تحدد عاصمتها الحقيقة وهي القدس، موضحًا إنه مازال ملتزمًا باتفاق السلام عبر رسالة بالفيديو أثناء الافتتاح. فيما اعتبر “جون ساليفان” أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، خطوة مهمة في تحقيق السلام في المنطقة.

ومن جهته أشار “جاريد كوشنير” بأن “ترامب” الوحيد الذي حقق الوعد بنقل السفارة؛ حيث تعود الجذور التاريخية للقرار إلى عام 1995، عندما صدق الكونجرس الأميركي على نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، إلا إنه أعطى الحرية التوقيع على القرار للرئيس، بالإضافة إلى إمكانية تأجيل تنفيذه، وهو ما قام به الرؤساء الأميركيون منذ 1998، خوفًا على مصالحهم في المنطقة.

وفي المقابل شكر “بنيامين نتنياهو” الإدارة الأميركية على الخطوة التاريخية تجاه دولة إسرائيل قائلًا “إننا في القدس وسنبقى هنا” لكونها عاصمة الشعب اليهودي والدولة الإسرائيلية(2).

وعليه؛ يعد هذا القرار مخالفًا لقرار التقسيم القاضي بمنح القدس وضعًا قانونيًا خاضًا تحت وصاية الأمم المتحدة، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1947، علاوة على العديد من القرارات الدولية القاضية بإلغاء كافة التدابير والإجراءات القائمة من قبل قوات الاحتلال في القدس التي من شأنها تغير طبيعة المدنية.

ردود الفعل الدولية

أثار قرار نقل السفارة العديد من ردود الفعل المتباينة بين التنديد والرفض والاعتزام على انتهاج نفس القرار ؛ فقدت عبرت موسكو عن موقفها إزاء نقل السفارة، حيث أعرب “سيرجي لافروف” وزير الخارجية الروسي أثناء المؤتمر المشترك (2+2) لوزراء الخارجية والدفاع روسيا ومصر عن رفضه للقرار لكونه أحادي الجانب، موضحًا أن القرارات المتعلقة بعملية التسوية ووضع القدس لا يمكن حلها إلا عبر الحوار بين الجانبين.

وعلى الصعيد الأوروبي؛ جددت لندن رفضها لقرار نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، دون التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن وضع المدينة. فيما اعتبرت الخارجية الفرنسية القرار الأميركي متناقضًا على المواثيق والأعراف الدولية، داعية التحلي بالمسئولية لتفادي المزيد من التصعيد على غرار مقتل العشرات من الفلسطينين. في المقابل؛ أعلنت جمهورية التشيكية، أنها تعتزم إعادة فتح قنصليتها الفخرية في القدس خلال الشهر الحالي.

وعلى الصعيد الإقليمي؛ أعرب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أن واشنطن بقرارها الأخير وضعت نفسها جزءًا من المشكلة وليست طرفًا في حلها. كما رفضت “بغداد” نقل السفارة في بيان رسمي من قبل وارة الخارجية، رافضةً أن تكون القدس –المدينة العربية- عاصمة للكيان الصهيوني.(3) فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني، أن قرار نقل السفارة “سيسرع من زوال “تل أبيب” وستكون بداية لاندلاع الصراعات في المنطقة متعهدًا بدعم الشعب الفلسطيني ومقاتليه، ومجاهدي انتفاضة القدس” و”طرد المحتلين ومعاقبة حماتهم الإقليمين والدوليين(4).

وفي هذا الإطار؛ قررت الجامعة العربية عقد اجتماعًا استثنائيًا بناءً على طلب مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية يوم الأربعاء 16 مايو/ أيار 2018 لمواجهة القرار غير القانوني الذي انتهجته واشنطن. في حين صرح الأمين العام للجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” “بإنه من المشين أن نرى دولًا تشارك في احتفال نقل السفارة إلى القدس، في مخالفة للقوانين الدولية ولقرارات مجلس الأمن”، مناشدًا جميع الدول الابتعاد عن اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بحقوق الشعب الفلسطيني(5).

توقيت القرار

يتزامن افتتاح السفارة مع اندلاع الاشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية على حدود غزة راح ضحيتها 59 شهيدًا فلسطينيًا، و2271 مصابًا، بينهم 1400 أصيبوا برصاص قوات الاحتلال، بين المصابين 12 صحافيًا، و17 مسعفًا وذلك وفقًا لوزارة الصحة في القطاع. وقبل يوم على ذكرى قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في 15 مايو/ أيار 1948.

ويعتبر الاثنين 14مايو/ أيار 2018، الأكثر دموية على قطاع غزة منذ الحرب التي شنتها قوات الاحتلال على القطاع في صيف 2014.

الأمر الذي برره رئيس الوزراء الإسرائيلي باعتباره حق مشروع لـ”تل أبيب” في الدفاع عن حدودها، فيما نددت السلطة الفلسطينية، وتوعد الفلسطينيين باستمرار المسيرات التي انطلقت منذ 30 مارس/ آذار وتعرف باسم “مسيرات العودة” عند السياج المحيط بالقطاع، وخروج مظاهرات بالضفة الغربية احتجاجًا على مجزرة غزة، وذلك بع الإعلان عن إضراب عام وثلاثة أيام حداد داخل الضفة.

دفعت هذه الأحداث إلى المجتمع الدولي للانتفاض والقلق إزاء الأوضاع الداخلية في القطاع؛ فقد دعت دولة الكويت إلى اجتماع عاجل لـ”مجلس الأمن”، بعد منع واشنطن المجلس من إصدار بيانًا يدعو للتحقيق في أعمال العنف الواقعة على حدود القطاع من قبل قوات الاحتلال تجاه الفلسطينين.

فيما استدعت جنوب أفريقيا سفيرها في “تل أبيب”، بالإضافة إلى تركيا التي اتهمت الممارسات الإسرائيلية بإنها “إرهاب الدولة”، معتبرة أن واشنطن شريكًا لها في هذه الممارسات. كما استنكرت إيران من الأحداث واصفةً بـ “بانه يوم عار عظيم”(6).

مآلات القرار

جاء الموقف الدولي من القرار على استحياء بدون اتخاذ أي قرار ات حاسمة لمواجهة الإدارة الأميركية وحلفاءها في الشرق الوسط. بسبب الرغبة الكامنة في الحفاظ على مسار التفاعلات واستمرار التقارب مع الشريك الاستراتيجي الأقوى.

ومن المتوقع؛ أن تأتي قرارات المنظمات الدولية والإقليمية في سياق الإدانة دون تحرك فعلي بسبب الدعم الأميركي، لذا فستمر الاشتباكات الداخلية على نحو مماثل دون جدوى لحين تتراجع بعد تكبدها المزيد من الخسائر البشرية، نتيجة تراجع دعم السلطة الفلسطينية لهم.

في المقابل ستصعد “تل أبيب” في هجومها على الفلسطيني مبررةً حقها الشرعي في الدفاع عن حدودها. وهنا ستكون الفرصة سانحة أمام منافسي “إسرائيل” في دعم الفلسطينين لتكون حربًا بالوكالة وتأتي في مقدمتهم “طهران”. فقد شهدت الأراضي السورية حالة من التصعيد بينهم لذا فستكون فرصة لـ”طهران” بنقل حدة الصراع إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وخاصةً بعد إعلان الحرس الثوري الإيراني زيادة الدعم للمجاهدين والمقاتلين، لمواجهة المحتلين.

سينعكس القرار بشكل سلبي على مسار المصلحة الوطنية بين حركتي “فتح” و”حماس”؛ حيث سترفض تسليم سلاحها بحجة استمرار المقاومة تجاه قوات الاحتلال، مع انشغال حركة “فتح” بالحصول على الدعم الدولي لتصدي للكيان الصهيوني وسياساته الرامية لتزيف الحقائق.

ختامًا؛ يظل الموقف الدولي مرهونًا بتوازنات القوى، وتبادل المصالح على حساب الشعوب والأوطان. وفي حقيقة الأمر لم يكن قرار نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني “نكبة للشعب الفلسطيني، ولكنها للعالم أجمع، نكبة للمواثيق والأعراف الدولية، نكبة للمدافعين عن الحقوق والحريات، نكبة للهوية العربية.

المراجع:

1) “منظمة التحرير الفلسطينية: افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس “نكبة جديدة””، CNN عربي، 14 مايو 2018. الرابط

2) ” افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس”، روسيا اليوم، 14 /5/2018. الرابط

3) “ردود الأفعال على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس”، روسيا اليوم، 14/5/2018. الرابط

4) “الحرس الثوري الإيراني: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيسرع زوال إسرائيل”، روسيا اليوم، 14/5/2018. الرابط

5) ” أبو الغيط: مشاركة أمريكا في القدس عمل مشين… وسقوط الشهداء رسالة تحذير”، اسبوتينك عربي، 14/5/2018. الرابط

6) ” اجتماع طارئ لمجلس الأمن حول العنف في غزة والفلسطينيون يجددون التظاهر في ذكرى “النكبة””، فرانس 24، 15 مايو 2018. الرابط
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب