خاص: إعداد- سماح عادل
“نعيمة عاكف” ممثلة وراقصة ومغنية مصرية.
حياتها..
قدمت”نعيمة عاكف” فن الرقص والغناء والمونولوج والتمثيل، أسعدت الملايين وكان حظها في هذا العالم قليلا، تزوجت مرتين ورزقت بطفل وحيد، وهاجمها المرض الذي أنهى حياتها التي كانت مفعمة بحب الحياة والسيرك والفن، فكانت حياتها قصيرة.
ولدت في مدينة طنطا، في عام 1929 حيث كان سيرك والدها يقدم عروضه خلال ليالي الاحتفال بمولد السيد البدوي، وخرجت إلى النور لتجد نفسها بين الوحوش والحيوانات والألعاب البهلوانية مثل أبيها وأمها وسائر أفراد أسرتها، ولما بلغت سن العاشرة تزوج والدها من أخرى غير والدتها التي اضطرت إلى ترك السيرك مع أولادها لتستقر في شقة متواضعة بشارع “محمد علي”، ثم انتقلت “نعيمة” إلى ملهي “الكيت كات” الذي كان يرتاده معظم مخرجي السينما، فالتقطها المخرج “أحمد كامل مرسي” وقدمها كراقصة في فيلم “ست البيت”، ومنه اختارها المخرج “حسين فوزي” لتشارك في بطولة فيلمه “العيش والملح”.
وبعده تعاقد معها على احتكار وجودها في الأفلام التي يخرجها لحساب نحاس فيلم، وقامت بأول بطولة سينمائية لها في “لهاليبو” ورغم فارق السن الكبير بينهما إلا أن المخرج “حسين فوزي” تزوجها ونقلها من شارع “محمد علي” إلى فيلا بمصر الجديدة. وتوالت أفلامها ولمع نجمها في السينما من خلال أفلام: (بلدي وخفة، بابا عريس، فتاة السيرك، جنة ونار، تمر حنة، يا حلاوة الحب). وبعد عشرة أعوام من الزواج انفصلت “نعيمة” عن زوجها في هدوء شديد بعد أن أخرج لها 15 فيلماً آخرها فيلم “أحبك يا حسن”. ثم تزوجت من المحاسب “صلاح الدين عبد العليم” وأنجبت منه ابنها الوحيد “محمد”.
حصلت “نعيمة عاكف” علي لقب أحسن راقصة في العالم من مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت في هذا المهرجان.
الكلاكيت..
اتفق “علي الكسار” مع “نعيمة” في بداية حياتها مقابل إثني عشر جنيها في الشهر لتعمل هي وشقيقاتها في فرقته، وظهرت “نعيمة” في مسرح الكسار، فبهرت الأنظار وهذا ما جعل “بديعة مصابني” تعرض عليهن العمل في فرقتها مقابل خمسة عشر جنيها، وكان ضمن فرقة “بديعة” فتاة تدعي “تيشي” تلقي مونولوجات على حركات رقص الكلاكيت، وكانت “بديعة” تشيد دائما بموهبتها فأحست “نعيمة” بالغيرة منها، وقررت أن تتعلم رقصة الكلاكيت وإلقاء المونولوجات فذهبت إلى مدرب للرقص ليعلمها فطلب أجرا كبيرا عن كل حصة، ولم تكن مواردها تسمح بدفع هذا الأجر فقررت أن تعلم نفسها بنفسها، وفي أحد الأيام انتهزت فرصة غياب “تيشي” ودخلت حجرتها وسرقت الحذاء الذي كانت ترقص به، ودهشت من قطع الحديد الموجودة في هذا الحذاء، ووضعته في قدميها وبدأت في تقليد الرقصة، وبعد ساعتين من التدريب المتواصل تعلمتها، وأخذت الحذاء معها، وذهبت إلي عامل أحذية وطلبت منه أن يضع في حذائها قطع حديد مشابهة، وفي اليوم التالي أعادت الحذاء إلي مكانه، وبدأت التدريب بحذائها، وبعد أسبوع ذهبت إلى “بديعة مصابني” وطلبت منها أن تتيح لها فرصة تقديم رقصة الكلاكيت، وبعد تردد سمحت “بديعة” لها وهي غير مقتنعة، وعندما أنهت الرقصة صفقت لها “بديعة” بحرارة مع الجمهور.
تعلم اللغات..
في عام 1953 كانت قد تزوجت المخرج الشهير “حسين فوزي” وسكنت في فيلا فاخرة وامتلكت سيارة وأصبح لها رصيد في البنوك، وشعرت بأنها لم تحصل على قسط كاف من التعليم لأن عملها في السيرك كان يمنعها من الاستقرار في كتاب أو مدرسة، فاستعانت بمدرسين تلقت منهم دروسا في العربية والإنجليزية والفرنسية وبذلك أصبحت تتحدث ثلاث لغات. وفي عام 1956 اختارها “زكي طليمات” بطلة لفرقة الفنون الشعبية في العمل الوحيد الذي قدمته هذه الفرقة وكان أوبريت بعنوان “ياليل ياعين” تأليف “يحيي حقي”. في شهر سبتمبر من عام 1956 سافرت “نعيمة” مع البعثة المصرية إلى الصين لتقديم الأوبريت. وفي عام 1957 سافرت إلي موسكو لعرض ثلاث لوحات استعراضية كانت الأولى تحمل اسم “مذبحة القلعة” والثانية “رقصة أندلسية” والثالثة “حياة الفجر”.
لم تكتف “نعيمة عاكف” بما اكتسبته من موهبة في طفولتها فباتت تعمل على تجويدها طوال الوقت، فالمتتبع لتاريخها السينمائي لا يجد لها عملًا شبيهًا بالآخر فهي دقيقة في اختياراتها ونمط أدائها الذي تستخدمه من عمل إلى آخر، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى نقطة هامة لعلها ارتباطها بالظروف الحياتية المتخبطة التي مرت بها “نعيمة عاكف”، خصوصًا بعد نزوحها إلى القاهرة وما تبعها من جولات لها بالشوارع تقدم فيها ما تعلمته بنشأتها في السيرك ما جعلها أقرب لتجسيد دور الفتاة الفقيرة التي تنتمي للطبقات الشعبية في العديد من أفلامها، ما نتج عنه تلقائيتها في تجسيد هذه الأدوار دون مبالغة أو افتعال يحسب عليها ربما رأته بعض الآراء في تجسيدها لنوعيات أخرى من الأدوار.
حكاية طريفة..
في حكاية طريفة حدثت مع “نعيمة عاكف” كان صلاح سالم يقود سيارته “الجيب” متجهًا إلى منشية البكري، لحضور أحد الاجتماعات المهمة وأثناء مروره في ميدان باب الحديد “رمسيس”، فوجئ بسيارة ملاكي يقودها رجل وتجلس خلفه امرأة حسناء، وكانت السيارة مسرعة فانحرفت فجأة واحتكت بقوة في سيارته. توقف صلاح سالم قائلاً: “مش تحاسبوا يا جماعة”، فإذا بالسائق يوجه إليه سيلًا من الشتائم والسباب وينطلق بسرعة، وهو ما دفع صلاح أن يتعقبه إلى أن وصلوا إلى محل “الزعبلاوى” بمصر الجديدة، فإذا بالسيدة الحسناء تنزل من السيارة وتدخل المحل ليلحق بها صلاح سالم يعاتبها على إساءة أدب السائق، وبدلًا من أن تعتذر له فوجئ بها تشتمه، وهو ما أفقد صلاح سلام أعصابة فانهال عليها وضربها بالقلم على وجهها، حسبما ذكرت مجلة “صباح الخير” في عددها الصادر عام 1989.
فحاولت الإمساك به لترد الضربة، والتفت الزبائن إلى هذه المشاجرة، وحتى هذه اللحظة لم تكن تعرف السيدة أنها شتمت صلاح سالم، ولم يكن يعرف هو أيضًا أنه ضرب “نعيمة عاكف” أشهر ممثلة وراقصة. ودخل مدير المحل مسرعًا يحاول فض الاشتباك قائلاً لها: “ده صلاح سالم بتاع الثورة هتودي نفسك في داهية يا ست نعيمة”، فانهارت وبكت، وحاول بعض الزبائن الاعتداء عليها بعد أن عرفوا شخصية صلاح سالم، فرفع صوته فيهم وأمرهم بالانصراف قائلًا: “أنا اتهنت والثورة اتهانت من هذه السيدة”.
علم البوليس الحربي بهذه المشاجرة، وفي اليوم التالي، أرسل إلى نعيمة عاطف ضباط بملابس مدنية، فعندما وصلت القوى إلى بيتها أراد زوجها المخرج حسين فوزي الذهاب معها إلى البوليس، ولكنهم رفضوا حيث أرادوها وحدها. ظلت نعيمة عاكف في غرفة المباحث الجنائية يومًا كاملًا انهارت فيها من الدموع، فإذا بمدير المباحث الجنائية يقول لها: “حضرتك غلطتي في حق صلاح سالم وده عضو مجلس قيادة الثورة وهو مصمم على محاكمتك”، فازدادت بكاءً وهي تقول: “يا سعادة البيه اللي ما يعرفك يجهلك.. أنا ماكنتش اعرف سواقي هو اللي شتمه الأول.. ولما سعادة البية حاول يوقف عربيتنا وطاردنا افتكرناه واحد قليل الأدب جاي يعاكس ويضربنا فضربناه وحصل اللي حصل”.
استدعى رئيس المباحث الجنائية شاويشًا لحراستها ومنع دخول أي شخص إلى الغرفة، كما أمر الشاويش بأن يحضر “كباب” ويدخله إلى الغرفة لكنها رفضت أن تتناوله، واقترح عليها البعض أن تكتب اعتذارًا بخط يدها إلى صلاح سالم حتى لا تسوء الأمور بينهما.
كانت “نعيمة عاكف” لا تجيد الكتابة، فقام أحد الأشخاص بكتابته بالنيابة عنها، وكان نص الاعتذار كالتالي: “عزيزي صلاح بكل دقة في قلبي وشعرة في رمش عيني أنا بعتذرلك وبقول لك آسفة جدًا وحقك عليّ وما تزعلش منى ويا بخت من قدر وعفي وسامح والترضية اللي تأمرني بيها أنا تحت أمرك فيها ومرة تاني بعتذر لك”.
وحينما وصل جواب الاعتذار إلى مجلس قيادة الثورة الذي كان موجودًا به جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم، طلب جمال عبد الناصر الإفراج عنها، وأخذ يقرأ الجواب وهو يضحك بشدة ضحكات تهز قلبه، وحينما قرأ عبد الحكيم عامر هذه الجواب انهال ضحكًا، وكان هذا هو حال كل من يقرأ الجواب.
ورغم أن صلاح سالم كان غاضبًا وقال: “إيه الكلام الفارغ ده نقطع اجتماعنا وكلامنا في مستقبل البلد عشان الكلام الفارغ بتاع الست نعيمة”، إلا أنه كان غارقًا في الضحك هو الآخر، وهو ما فع عبد الناصر أن يقول له: “خلاص الست اعتذرت لك وبكل شعرة في رمش عنيها، الست نعيمة تخرج فورًا وتذهب إلى بيتها النهاردة”.
وفاتها..
شعرت “نعيمة عاكف” ببعض الألم أثناء عملها في فلم “بياعة الجرايد” وذلك في عام 1963، وعند عمل الفحوصات اكتشفت أنها مصابة بالسرطان، وصارعت المرض في الثلاث سنوات الأخيرة من حياتها، حيث توفيت في 23 أبريل 1966 بعد رحلة مع مرض سرطان الأمعاء، وهي لم تتجاوز السابعة و الثلاثين من عمرها، وأنهت مشوار سبعة عشر عاماً من الفن والتألق والإبداع.
https://www.youtube.com/watch?v=GnutBusPMQU
https://www.facebook.com/Elfaslaonline/videos/325046471527352/