خاص: إعداد- سماح عادل
“نعمان عاشور” هو كاتب مسرحي مصري، ولد بمدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية عام 1918، اكتسب عشقه للمسرح وهو صغير من والده الذي كان دائم التردد على مسارح شارع عماد الدين بالقاهرة، وخاصةً مسرح “الريحاني”، وكان منذ طفولته مغرماً بالاطلاع والقراءة، وجده كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم العديد من المؤلفات في مختلف الميادين، أكمل دراسته حتى وصل إلى الجامعة، ودرس بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وتخصص في اللغة الإنجليزية، وحصل على الليسانس فيها عام 1942، واتصل بالحركة الأدبية الصاعدة في مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وظهر في مقدمة المثقفين الشباب في طليعة النهضة الأدبية بين الخمسينيات والستينيات.
“نعمان عاشور” هو كاتب مسرحيات: «المغماطيس»- «الناس اللي تحت»- «الناس اللي فوق»- «حملة تفوت ولا شعب يموت»- «سيما أونطه»- «عيلـة الدوغرى»- «عطوة أفندي قطاع عام»- «ثلاث ليالي»- «الجيل الطالع»- «سر الكون»- «يا حلم يا مصر»- «صنف الحريم» (1962)- «وابور الطحين»(1965)- «بلاد بره» (1967)- «بشير التقدم» (1975)- «برج المدابغ»(1975). كما صدرت له في مجال القصة: «حواديت عم فرح» (1954)- «فوانيس» (1957)- «سباق مع الصاروخ» (1964)- «بطولات مصرية» (1971). يصفه البعض بأنه “فارس الدراما المسرحية الواقعية” أو “أبو المسرح”.
وظل “نعمان عاشور” عبر كتاباته المسرحية رائداً في الدراما الواقعية على مدى ربع قرن وشارك في الحركة السياسية النشطة قبيل ثورة يوليو، وبعد الثورة كان واحداً من العناصر التي أثرت الحركة المسرحية
عمل “نعمان عاشور” لفترة محررًا بدار أخبار اليوم، كما انتخب عضوًا في لجنتي القصة والمسرح بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وحصل منهما على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب في عام 1968.
حياتي في المسرح..
في كتابه “حياتي في المسرح” يقول “نعمان عاشور” عن حياته: ” كانت البيئة التي نشأت فيها تجمع بين التحضر المدني والأصالة الريفية والجمال الطبيعي الساحر الخلاب.. وبذلك تعددت منطلقات خيالي من البداية.. وعشت ولازلت أعيش تتجاذبني هذه العوامل الثلاثة واقعية أبناء المدن ونشاطهم.. وقدرية أبناء الريف وخمولهم وطيبتهم.. وشاعرية أبناء الطبيعة وشطحاتهم. فإذا انتقلنا من البيئة إلي الوراثة، وجدتني وقد جمعت بين نقيضين.. فأمي ريفية من بنات القرى ولكنها من عائلة إقطاعية المنبت.. وأبي سليل عائلة مدنية خالصة من عائلات الطبقة الوسطي.. وكان جدي لأمي من بكاوات الريف الذين وزعت عليهم الأراضي علي عهد سعيد ثم عهد إسماعيل للارتكان عليهم في تكوين طبقة تخدم الأسرة العلوية وتثبيت سلطانها بعد ثبوت عجز السلالات التركية والشركسية في السيطرة بالقوة الجبرية علي جماهير الفلاحين في الريف. وقد سماهم الرافعي (كبار أعيان البلاد) كان يملك مئات الأفدنة ولكنه عرف بالانصراف عن السياسة وهواية الأدب والفن.. ورث أبي حب الفن والهيام به من عائلة أمه، لكنه لما مات والده ورث عنه إلي جانب الثروة. مكتبة كبيرة عامرة تفتحت عليها عيني حين نقلوها إلي منزلنا من بيت جدي بعد وفاته.. وكان ذلك بالتحديد عام 1924 وأنا في السادسة من عمري تقريبا.. وأنا أذكر هذا التاريخ بكل وضوح وجلاء.. لأن هذه المكتبة التي كونت فراغ ثلاث حجرات واسعة من منزلنا الكبير.. كونت المهد الحقيقي لطفولتي.. ومن هنا نمت عندي هواية القراءة نموا باكرا قويا حتى أصبحت كالطعام والشراب في حياتي.. في عام 1940 علي وجه التحديد وكنا في غمار الحرب العالمية الثانية. وكنت أثناءها في السنة الثانية في كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية.. بدأت أتعرف علي المادة الجديدة المثيرة التي ندرسها.. ويسمونها عادة الدراما.. كان جميع أساتذة القسم من المدرسين الانجليز وكنا ندرس إلي جانب “الدراما”.. مادة الشعر الرواية وعدد من المواد الأخرى. ولم تكن عقليتي لغوية.. بمعني أن حصيلتي من القدرة علي استيعاب الإنجليزية كانت محدودة بالقياس إلي معظم الطلبة.. ولذا لم أكن ولازلت عاجزا عن إجادة الكتابة باللغة الانجليزية السليمة أو التحدث بها.. وسبب ذلك أصلا أنني لم أدخل قسم اللغة الانجليزي وفي ذهني أن أتخرج منه مدرسا في اللغة.. إنني لم أحفل بداية بما كنا ندرسه.. فيما عدا الشعر.. فرغم ضعف حصيلتي اللغوية إلا أنني كنت أقرأ بكثرة.. وسرعان ما وجدت في المقررات ما أشبع نهمي خاصة من الروايات والقصص.. ديكنز ولورنس وإدجار ألن بوفيلدنج والعديد من المؤلفين الآخرين وكنت لا أكتفي بما يقرر من رواياتهم علينا.. وإنما أقرأ لكل منهم إلي جانب روايته أو مجموعته المقررة العديد من الروايات والقصص الأخرى التي يضمها رصيد إنتاجه الأدبي.. ولم أكن أقرأها كما تعودت أن أقرأ أرسين لوبين.. أو روايات الجيب مثلا.. وإنما أعيش فيها مع كل من يصادفني بلا أدني محاولة لمراجعة ما هو مكتوب عنها من دراسات نقدية. بل أكون فيها رأيي الشخصي وانطباعي وكأنها ألفت لي وحدي لأفهمها بطريقتي الخاصة هذه.. تماما كما كنت أفعل حين قرأت عودة الروح للحكيم والأيام لطه حسين.. وعديد من الأعمال الأدبية والروايات العربية الأخرى.. زينب لهيكل، وسارة للعقاد وروايات المازني ومنها إبراهيم الكاتب.. وكل كتبه.. لأنني عشقت المازني وأدمنته”..
معايشة الكادحين..
وعن الفترة التي عاشها في الجيزة بعد التخرج والعمل يواصل: “والحق أن الجيزة ردت لي سابق صباي وعادت لتفتح آفاقي وأنا في أطوار نضجي الثقافي علي الكثير من الأغوار الحياة التي عشتها وعشقتها وهمت بها ولم ولن أزهد يوما فيها وهي حياة جموع الناس في أرضية القاع الاجتماعي الواسع للبيئة المصرية كلها.. وكما يهيم الشاعر بمغاني الطبيعة وورود الحدائق وأزهارها والأنهار والأطيار. فقد همت ومازلت وسأظل حتى آخر رمق من حياتي أهيم بالبيئات الشعبية وأعيش مع ناسها.. لا عن رومانتيكية أو تدله أو ارتباطات فكرية واهية، ولكن عن إيمان عميق جارف بأن هذا هو البحر الذي لا يمكن أن أسبح خارجه.. ولست أدري كيف أستطيع أن أصور لكم ذلك لكن يكفي أن أشير إلي أني رغم ما أهلتني له ظروف حياتي من الارتباطات الاجتماعية، التي كانت تصل بي أحيانا إلي ما يسمونه أعلي القمم أو الذروة الاجتماعية، إلا أني لا أحس بأني موجود فعلا إلا بين هؤلاء الناس. ولهذا أرتطم دائما بل أهرب هروبا واضحا من أن أعيش علي السطح، في الهيئات التي يرسو فوقها ركب الكبار من أصحاب المكانة والمركز والجاه والسلطان ولا أحسب لي زميلا أو صديقا وصل إلي مكانة أو سلطة إلا وانقطعت علاقتي به بمجرد أن يصبح كذا أو كيت من مراتب الوظائف والمكانات.. ولعل منشأ ذلك طبيعتي الذاتية. فأنا لا أكاد أفرق بين الناس من ناحية أوضاعهم الاجتماعية أو مكانتهم بحيث أني إذا تحدثت إلي وزير أو عظيم لما اختلف حديثي معه عن حديثي أو لقائي مع أي بائع بطاطة أو جرسون قهوة أو ماسح أحذية فأنا لا أعرف معني القيود الاجتماعية أبدا.. وربما كانت هذه هي العقبة التي حالت بيني وبين أن أكون أو أمشي أو أسير في ركاب أحد.. ولهذا أتحاشي الكبار ولا أحس بكياني إلا وأنا بين العاديين من بسطاء الناس.. لا عن شعور بالضعف أو رغبة في التمايز أو تحقيق الذات بالانكفاء عليها.. وإنما عن إيمان عميق جارف وحب أكيد صارخ لهم حتى ولو أدي ذلك إلي الإضرار الكامل بي وبارتباطاتي الاجتماعية الأخرى التي تتعلق بها أخطر مصالحي.. هذا الحب الفطريّ البدائي للطوائف العادية وجموع الناس من أبناء الشعب.. وهذا الركون الدائم إليهم بوصفهم أجدر الناس بالعشرة.. كان أرسخ ما نضج- في كياني من الصغر. ولهذا فما أن داخلتني فكرة الاشتراكية ومبادئها حتى انسابت إلي كل كياني.. عاطفيا في البداية ثم فكريا مع التطور والنضج والمتابعة”.
ويضيف عن انتمائه للاشتراكية: “ولذلك كان تأثري بالاشتراكية تأثرا طبيعيا لم تداخله المظهرية الثقافية التي تدفع بالكثيرين إلي أن يصبحوا اشتراكيين.. قلت إنني تعرفت علي الاشتراكية من خلال الدراسة ولكني في تلك الفترة أخذت أتعرف علي الاشتراكية عن طريق القراءة والتجربة والانغمار في خضم الناس وحياتهم وفي مبدأ الأمر جاء ذلك عن إعجاب متزايد بالاتحاد السوفيتي إثر التضحيات والانتصارات التي أصمت آذان العالم ثم نهاية الحرب العالمية الثانية. وهكذا أخذت أقرأ كل ما تقع عليه يدي عن روسيا كما كانت تسمي وكان لي من سابق معرفتي وإعجابي بالأدب الروسي الكلاسيكي.. ما دفعني إلي متابعته خاصة في أعمال جوركي ثم كتابات إلكسي تولستوي وإيليا أهرنبرج وشولوخوف.. وكانت مؤلفاتهم هي الغالبة علي كل ما يردنا من كتب أجنبية.. وكانت كتبهم رخيصة ولم تكن قد حرمت أو صودرت بعد.. بل أن الانجليز كحلفاء للروس كانوا يشجعون تداولها.. وبقدر ما عم التيار اليساري أوروبا بأسرها بقدر ما زحفت إشعاعاته علينا. لا في مصر وحدها.. بل وفي العالم العربي كله.. وبدأت تردنا المجلات السياسية والكتب المترجمة العديدة من سوريا والعراق ولبنان.. وكانت كلها مصدرا كبيرا للارتباط بما يلف الغرب من تيارات وأفكار تقدمية.. وأذكر من أهم أوقع قراءاتي في تلك الفترة. كتب جون شترانشي وهو من كتاب اليسار البارزين.. ثم أعمال العديدين من أدبا الغرب وعلي رأسهم وليم سارويان الأميركي”.
الناس اللي تحت..
في مقالة بعنوان (نعمان عاشور والناس اللي تحت) يقول “وجيه ندى”: “كانت مسرحية «الناس اللي تحت» لحظة فارقة دقت فيها أجراس البداية لمسرح مصري خالص بعد أن عاش المسرح لسنوات طويلة يقتات من التجارب الغريبة والاقتباسات التاريخية التي جاءت بلا أقنعة أو ظلال علي الواقع في لحظته الآنية، فكانت مسرحية «الناس اللي تحت» أول مسرحية تتغلغل في تربة القضية الاجتماعية لتناقش بجرأة ـ مشكلات الطبقة الوسطي والطبقة الفقيرة.. بلغة تحمل قدرا كبيرا من السخرية والكوميديا اللاذعة، وربما جاءت المسرحية لتعكس التحولات الاجتماعية العاصفة بعد ثورة 23 يوليو عام 1952. وقد قدمت المسرحية لأول مرة فرقة المسرح الح ـ التي كان نعمان عاشور ـ مؤلفها الأول عام 1956 من إخراج الراحل كمال ياسين. بالإضافة إلي عدة مسرحيات تنتمي إلي مسرحيات الفصل الواحد لعل من أشهرها «عفاريت الجبانة» التي كتبها إبان العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956. وفي هذه المسرحيات وغيرها ظهرت قدرته علي قراءة التاريخ القديم جيدا بالإضافة إلي قراءته الواعية للحظة المعيشية، مما منحه زخما في الرؤية جعل مسرحه يخرج من حالة «الدراما التاريخية» إلي «التاريخ بالدراما» بمعني أنه اتخذ من التاريخ قناعا لعرض القضايا اللحظية.. لقد استطاع نعمان عاشور أن يجمع الناس حول خشبة المسرح، تدب فوقها شخصيات من لحم ودم تصطرع حول هموم وقضايا حية وساخنة، ولا أحد ينسى مسرحية «المغناطيس» وأيضا الشخصيات التي ظهرت في مسرحية “المغناطيس” كلها شخصيات موجودة في الحياة، وهي شخصيات خفيفة الظل، رقيقة الحركة، وادعة التفكير، كان المسرح قبل «نعمان عاشور» من خلال مسرحيات «علي أحمد باكثير» و«توفيق الحكيم» و«نجيب الريحاني و«علي الكسار»، وكذلك من خلال الشعراء أمثال «خليل مطران» الذي ترجم «ليدي ماكبث» لشكسبير، وأمير الشعراء أحمد شوقي ومسرحيته «كليوباترا»، وعزيز أباظة ومسرحيته «العباسة» التي عرضت علي المسرح القومي وقام ببطولتها أحمد علام وفردوس حسن ومسرحيات يوسف وهبي وما تقدمه الفرقة المصرية للمسرح وفجأة ظهر علي السطح في منتصف الخمسينات نعمان عاشور فلفت إليه الأنظار وسعد به النقاد بمسرحيته «الناس اللي تحت» وتنبأوا له بمستقبل كبير لكاتب كبير وبجيل مسرحي جديد وكتب عنها د. طه حسين ود. محمد مندور ود. لويس عوض وكانت حدثا ومن هنا أصبح نعمان عاشور رائد المسرح الحديث، بعدها بعامين كتب مسرحية «الناس اللي فوق» 1958 ليقدمها المسرح القومي. كان نعمان عاشور ثمرة من ثمرات التطور التعليمي والثقافي الذي شارك في إرساء لبناته إسماعيل القباني ود. طه حسين، و كان اعتقال نعمان عاشور في عام 1945 بسبب مقال نشره في جريدة «الفجر الجديد» اليسارية أشاد فيه بالاتحاد السوفييتي وستالين، وفي عام 1946 في حملة إسماعيل صدقي التي عرفت باسم «القضية الشيوعية الكبرى» نأي بعدها عن المعترك السياسي النضالي والعلني وانصرف بكل ثقله إلي الحياة الكبرى كاتبا ومترجما”..
ويضيف: “فلما انتكست انتفاضة عام 1946 لم يجد ما ينفس فيه عن طاقاته الجياشة سوي الأدب والثقافة فأخذ يؤلف القصص القصيرة، ويترجم ويلخص الكتب ويعرف بكبار الأدباء العالميين، ويكتب التمثيلية الإذاعية. وفي سنة 1949 اشترك مع المرحوم محمد مفيد الشوباشي وعلي الراعي وأحمد عباس صالح ومحمد محمود شعبان وأنور فتح الله في إصدار مجلة «الأديب المصري» وفيها اكتشف ميله الطبيعي للمسرح، فحينما توفي نجيب الريحاني نشر في المجلة دراسة عن مسرحه وتطور مواقفه الاجتماعية ووضح فيها تأثره بفنه وحبه له. ونتيجة لمعايشته الحميمة للطبقات الشعبية في عابدين والسيدة زينب وحواري الجيزة وتسجيله لتصرفات الشباب التي عرضها في قصصه القصيرة، واندفع عام 1950 في تأليف مسرحيته الأولى «المغناطيس». وبعد عشر سنوات من عمله في بنك التسليف الزراعي ضاق بوظيفته الروتينية فيه وتركه والتحق بوظيفة باحث اجتماعي في وزارة الشئون الاجتماعية، ولما قامت ثورة عام 1952 اختارت الثورة المحامي المعروف زهير جرانة وزيراً لشئون الاجتماعية وكان يعرف « نعمان عاشور » ويتابع كتاباته، فعهد إليه بتكوين مكتب صحفي تابع للوزير والإشراف عليه. وقتذاك كانت الفرقة القومية للتمثيل تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية، وكان الإشراف عليها من بين المهام التي عهد بها إلي نعمان. وهكذا اتصلت أسبابه بالفن التي تعلقت بها آماله، وعندما تولي المفكر الكبير فتحي رضوان وزارة الإرشاد، وأنشأ بها مصلحة الفنون سنة 1955 برئاسة الأديب الكبير يحيي حقي، وجمع فيها أكبر عدد من الأدباء وفنانيها عبد الرحمن صدقي ونجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير، انضم نعمان عاشور إليهم ثم نقل بعد ذلك إلي الرقابة علي المصنفات الفنية إلي أن ضمه عبد المنعم الصاوي إلي المكتب الفني الذي أنشأه للوزارة بعد أن أصبحت وزارة الثقافة في عهد الدكتور ثروت عكاشة. ولكن فصل عام 1958 بسبب ميوله التقدمية مع الفنان الراحل حمدي غيث، وعام 1964 أصدر حلمي سلام قراراً مازالت ظروفه وملابساته غامضة إلي اليوم بطرد نعمان وعشرات من الكتّاب في مصر من عملهم في جريدة الجمهورية ونقلهم إلي وظائف مختلفة في مؤسسات الدولة التي لا علاقة لها بالصحافة أو الثقافة، فبعضهم نقل إلي المجمعات الاستهلاكية وشركات الأخشاب، والبعض نقل إلي وزارة التموين، ونقل آخرون إلي وظائف مشابهة من هذا النوع العجيب، وبقي البعض عاطلا دون عمل لا يدري سر ما حدث ولا يعرف تفسيرا لمثل هذا القرار. ومن المفارقات أنه كان من بين المطرودين من جريدة الجمهورية الدكتور طه حسين ومحمد مندور. وكانت صدمة نعمان عاشور بسبب هذا القرار كبيرة، مما بثت في نفسه أنه لن يحصل علي الاستقرار في حياته أبدا، وزاد في يقينه بأنه يتعرض لمطاردة ليس لها نهاية، واستطاع نعمان بعد جهود شاقة أن يعمل في دار أخبار اليوم حيث كان يكتب عمودا قصيرا أسبوعيا، وقد بقي في هذا الموقع حتى نهاية حياته راضيا ومسرورا رغم أن تلاميذه ومن هم أقل منه كانوا يتمتعون بأوضاع أفضل وفرص أحسن. وآخر ما أصابه قبل وفاته بأسابيع أن مسرحيته التي أعدها عن الحملة الفرنسية علي مصر قد تعرضت للرفض من المسرح القومي بسبب عدم وجود ميزانية لتقديم العرض وكان من حقه أن شعر بلمسة حادة من الاضطهاد الذي عاني منه كثيرا. ولكن نعمان عاشور لم يغيره ولم يساوم عليه حين اختار منذ البداية أن يقف في صف العدالة الاجتماعية بقلبه وعقله وقلمه وفنه”.
وفاته..
توفى ” نعمان عاشور” في عام 1987عن عمر يناهز 69 سنة.
لقاء مع نعمان عاشور
مسرحية المغماطيس
مسرحية عيلة الدوغري