خاص: قراءة- سماح عادل
دوما ما يمثل النقد الأدبي ركنا هاما في عملية الإنتاج الأدبي، وهناك تاريخ طويل من النقد الأدبي، صنع في الغرب. والاطلاع علي تلك النظريات أمر هام
واليوم معنا كتاب “نظريات القراءة في النقد الأدبي” للكاتب “جميل حمداوي” صدر في 2015
النقد الغربي..
في المقدمة تناول الكتاب النقد الغربي: “مر النقد الأدبي في الغرب بعدة مراحل كبرى، ويمكن حصرها في:
مرحلة الذوق مع الانطباعيين كجول لوميتر، وأناتول فرانس، وأندريه جيد؛ ومرحلة التأريخ الأدبي مع جوستاف لانصون …؛ ومرحلة النفس مع مجموعة من النقاد النفسانيين، كفرويد، وشارل مورون، وجاك لاكان، ومارت روبير…؛ ومرحلة المرجع الواقعي مع الواقعية الاشتراكية جورج لوكاش، وبليخانوف… ، والبنيوية التكوينية مع لوسيان كولدمان، وجاك لينهاردت، وروني جيرار….
ومرحلة النص مع البنيوية اللسانية والسردية والسيميائيات كما عند فلاديمير بروب، وتودوروف، ورولان بارت، وكلود بريمون، وأمبرطو إيكو، وغريماس، وجوزيف كورتيس..؛ ومرحلة الأسلوب مع مجموعة من الأسلوبيين، مثل: ميخائيل باختين، وفينوغرادوف، وغريفتسوف، وإيف تادييه، وبيير غيرو…؛ ومرحلة الموضوعة أو التيمة مع غاستون باشلار، وجان ستاروبنسكي، وبيير ريشار….
ومرحلة مابعد الحداثة التي ركزت على مجموعة من المفاهيم والقضايا، مثل: التأويل، والتفكيك، والتاريخ، والبيئة، والمصادر، والجنوسة، والجنس، والاستشراق، والجمالية، والقراءة…
ثم انتقل للتركيز علي نظريات القراءة: “نظريات القراءة التي تبلورت مع مجموعة من الأسماء، كولفغانغ آيزر Izer ، وهانز روبير يوس Jauss ، وأمبرطو إيكو U.Eco، ورولان بارت R.Barthes ، وميشيل شارل M.Charles، وتزتيفان تودوروف Todorov ، ورايمون ماهيو Raymond Mahieu ، وفرناند هالين F.Hallyn ، وستانلي فيش Stanly Fish ، وميشال أوتن Otten، وروبرت إسكاربيت) R.Escarpit..
سياق الاهتمام بنظريات القراءة..
ينتقل الكتاب إلي تناول السياق الذي ظهرت فيه هذه النظريات: “لم يظهر الاهتمام بالقارئ أو المتلقي إلا بعد مرحلة البنيوية والسيميائيات التي ركزت كثيرا على النص، بشكل من الأشكال، وأقصت بشكل كلي مفهوم المؤلف والمرجع والسياق والإحالة. وكان التركيز على النص باعتباره مجموعة من البنيات الداخلية المغلقة، وعالما من العلامات اللغوية والأيقونات البصرية. بيد أن النص في منظور السيميائيات أخذ حيزا كبيرا من الاهتمام على حساب القارئ الذي اهتم به رولان بارت، وتودوروف، وأمبرطو إيكو. ومن ثم، فقد جاءت نظريات القراءة في مرحلة مابعد الحداثة لتعيد الاعتبار للمتلقي، بعد أن تسيد المؤلف زمنا طويلا مع علماء النفس ومؤرخي الأدب وكتاب السير الذاتية. وبعد ذلك، استأسد النص مع البنيويين والسيميائيين لمدة لابأس بها.
وعليه، فلم يبرز دور القارئ إلا مع نظريات مابعد الحداثة Postmodernisme، وتطور النظريات الحديثة كالتأويلية، والفينومينولوجيا، والتداوليات، والنقد الثقافي، والنقد النسائي، والتاريخية الجديدة… ومن ثم،” برز دور القارئ كعنصر فعال في تناول النص وعملية التحليل والتأويل والإدراك والسرد والقص. ولعل مايزيد في صعوبة تحديد هذه المدرسة هو إفادة ممارسي هذا النوع من النشاط النقدي من الطروحات الحديثة سواء اللغوية منها أو النفسية أو الحفرية أو البنيوية أو التقويض أو مكتشفات النقد النسائي.
ولما لم يكن لهم مدرسة توحد غايتهم أو تحدد منهجيتهم، فإن كل من اهتم بالقارئ أو القراءة هو منتسب وإن لم ينتسب إلى هذا التوجه: سواء كان هو رولان بارت أو كان هارولد بلوم. والأسماء التي ترتبط بهذا النوع من النقد هي في الأصل الأسماء الألمانية، خاصة التي قامت على مقولات الناقد الهولندي رومان إنغاردن، أمثال: فولفغانغ آيزر وهنز روبرت يوس. أما على الجانب الأمريكي، فهناك نورمان هولاند وجيرالد برنس، وغيرهم كثير.”
بيد أن الاهتمام بالقارئ كان قبل فترة ما بعد الحداثة بكثير، فقد ظهر نوع من العناية بالمتلقي حتى مع البنيويين والسيميائيين أنفسهم، وكذلك مع الشعراء والكتاب والمثقفين. وإذا كانت البنيوية اللسانية قد أغفلت المؤلف والطبقة الاجتماعية والتاريخ، وكل مايمت بصلة إلى المرجع، فإن البنيويين الجدد، مثل: تزتيفان تودوروف، وجاك دريدا، وجوليا كرستيفا، ورولان بارت، وأمبرطو إيكو، وميكائيل ريفاتير… قد أولوا
أهمية بالغة للقارئ؛ لما له من دور هام في فهم النص وتفسيره وتأويله.
دور القراء..
وعن ظهور دور للقراء يواصل الكتاب: “ومن الإشارات الأولى إلى دور القراء ما نجده في النقد الأدبي الإنجليزي على عهد إدغار ألان بو Edgar Allen Poe، وما كتبه شارل بودلير CH.Baudlaire، والشاعر الرمزي فاليري Valery الذي قال:”لأشعاري المعنى الذي تحمله عليه”.
ومهما يكن من أمر،” فإن الاهتمام بالقارئ جاء كرد فعل على إهمال السياق الخارجي، وصب الاهتمام على النص ذاته مقولة النقد الجديد، فجاء نقد التلقي أو الاستقبال ليقلب المقولة تماما، ويركز على سياقات النص المتعددة التي تفضي إلى إنتاجه واستقباله أو تلقيه. من هنا، كان استقبال النص يستتبع الاهتمام بالقارئ، وبعملية القراءة، وتحديد معنى النص وتأويله. ولئن كانت مثل هذه العناصر جزءا من العملية النقدية عموما، فإن أهمية القارئ أو هويته لم تكن إشكالية في السابق.
فالأسئلة التي تعنى بمن هو القارئ؟ وكيف يستقبل النص ويتلقاه؟ لم تكن مطروحة. وقد يستغرب المرء النتائج التي يمكن الوصول إليها عندما يكون القارئ أو هويته هي محور العملية النقدية.”
جنس القراء..
وعن تصنيف القراء يكمل الكتاب: “هذا، وقد صنفت نظريات القراءة جنس القراء إلى عدة أصناف، حيث يمكن الحديث عن: القارئ النموذج عند أمبرطو إيكو، والقارئ الجامع عند ميكائيل ريفاتير، والقارئ الخبير عند فيش، والقارئ المرتقب عند وولف Wolf، والقارئ القصدي عند إيفيس شفيل Yves Chevel، والقارئ المثالي عند آيزر، والقارئ الخيالي عند آيز أيضا، والقارئ الضمني عند آيزر كذلك، والقارئ الملتزم، والقارئ المستهدف، والقارئ المورط، والقارئ المسقط، والقارئ التاريخي،…
هذا، وقد تحدثت نظريات القراءة عن الخبرة الافتراضية عند المتلقي، فاشترطت فيه مجموعة من الخبرات: كأن يمتلك الخبرة العادية، والخبرة اللسانية، والخبرة المعجمية، والخبرة الإيديولوجية، والخبرة التواصلية، والخبرة المنطقية، والخبرة المعرفية، والخبرة الأخلاقية، والخبرة التاريخية، والخبرة الثقافية، والخبرة النفسية، والخبرة الافتراضية”…
آليات للقراءة..
وعن آليات للقراءة: “كما حددت مجموعة من الآليات التي تعتمد عليها نظريات القراءة، كالمسافة الجمالية، وأفق انتظار القارئ، وملء الفراغات، والخطة الإستراتيجية، والقطب الفني والجمالي، والقطب الدلالي، والتناص، والسياق، والوقع الجمالي، والتأويل، والاتصال الأدبي، والمعنى، والنص المغلق، والنص المفتوح، والصورة الذهنية، وفجوات النص، والتفاعل، والروابط والاستنتاجات، والمعرفة الخلفية، والإطار المرجعي، والأعراف والتقاليد والقواعد، والتجربة المألوفة، والاستجابة، ولذة النص، وإشباع الرغبة، ومتعة القراءة، والهوية الذاتية…
ومن ثم، فقد كانت نظريات القراءة تتبع منهجية قائمة على الإدراك التوقعي والافتراض المسبق، والفهم الداخلي للنص، والتأويل السياقي والذاتي”.
نظريات القراءة..
ويفصل الكتاب عن نظريات القراءة: ” ليست هناك نظرية واحدة تهتم بالقراءة، بل هناك قراءات متعددة ومختلفة ومتباينة، فكل قراءة تحلل النص الأدبي في ضوء منهج معين، ويمكن تحديد بعض هذه القراءات التي يمكن حصرها في:
القراءة الفينومينولوجية، والقراءة النفسية، والقراءة التأويلية، والقراءة الشعرية، والقراءة السوسيولوجية، والقراءة السوسيونقدية، وبلاغة القراءة، والقراءة السيميائية، وجمالية التلقي أو التقبل، والقراءة التواصلية.. وتجربته الشخصية وثقافته” غير أنه إذا كانت القراءة ترتبط بالحدس، وإذا كان هذا الأخير وظيفة لعوامل فردية، فإنه يوجد في هذه الحالة معيار لتصديق القراءات.
وفي المقام الأول، فكل قراءة يجب أن يكون لها انسجامها الداخلي الذي يقوم بإعطاء صورة عن انسجام العمل الأدبي. لكن هناك أيضا انسجام خارجي، فالقراءة لايمكنها أن تتعارض مع بعض المعطيات الموضوعية التاريخية، واللغوية، إلخ… التي تتعلق بالعمل الأدبي. وتبعا لذلك، فإن قراءات مختلفة يمكن أن تكون متعارضة، ذلك لأن أي تأويل ما لايجب أن يكون احتماليا فحسب، بل وأكثر احتمالا من تأويل آخر، وهناك معايير للتفوق النسبي…”
هذا، وتستند القراءة التأويلية عند بول ريكور إلى الدائرة التأويلية التي تتكون من مرحلة ماقبل الفهم، ومرحلة الفهم، ومرحلة التأويل التي تستحضر الذات والإحالة والسياق. وهكذا، تكون القراءة التأويلية مرتبطة أشد الارتباط بخاصية التأويل الذاتي والسياقي”.