26 ديسمبر، 2024 2:48 م

نصي حقي (3): النشر تجارة رابحة أدت لتزايد أعداد دور النشر

نصي حقي (3): النشر تجارة رابحة أدت لتزايد أعداد دور النشر

خاص: إعداد- سماح عادل

في هذه الحلقة من الملف سوف نستكمل رصد أحوال النشر الورقي للكتب في بلدان المنطقة، في محاولة لإظهار كيف أن حقوق الكاتب والصاحب الأول للنص يتم إهدارها لصالح من يقوم بتسليع صناعة النشر والتعامل معها كتجارة رابحة في المقام الأول.

تاريخ النشر في الأردن..

عند تأسيس إمارة شرقي الأردن في العام 1921 لم تكن في البلاد أية مطبعة؛ بل كانت الإمارة وسكانها يعتمدون في تأمين حاجياتهم من الكتب والمطبوعات والصحف على استيرادها من البلاد المجاورة، وكانت أول مطبعة في الإمارة هي مطبعة “خليل نصر” في عمَّان التي أنشئت 1922، ثم ظهرت مطبعة الحكومة العام 1925.

ومطبعة “خليل نصر” تأسست في حيفا العام 1909 بإدارة صاحبها “خليل نصر” اللبناني الأصل، ولظرف ما نقل مطبعته إلى عمّان 1922، بعد تأسيس إمارة شرق الأردن، وقد أطلق عليها مطبعة الأردن، وكان من أهم مطبوعاتها طباعة ونشر صحيفة الأردن، تلاها إنشاء مطبعة الحكومة بعد 3 أعوام في الأردن 1925، والتي كانت تقوم بطباعة ما تحتاجه في شؤون إدارة الدولة والحكومة والجيش.

وقد لعبت مطبعة الأردن مع المطبعة الوطنية، وهي ذاتها المطبعة الأميرية التي باعتها الحكومة ل”محمد نوري السمان”، دوراً مهماً خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات في حركة الطباعة والنشر والثقافة في الأردن، وقد ترافق نشاطهما مع نشأة الصحافة في البلاد، حيث طبعت فيهما أولى الصحف الأردنية، كصحيفة “الشريعة” ل”كمال عباس” و”محمود الكرمي”، و”جزيرة العرب” ل”حسام الدين الخطيب”، و”صدى العرب” ل”صالح الصمادي”.

ثم ظهرت مطابع أخرى مهمة، منها مطبعة “الاستقلال العربي”، التي أسسها في عمان “جودت شعشاعة” في 1932، حيث ساهمت أيضاً في نشر ثقافة الطباعة والكتب المدرسية والقرطاسية والمطبوعات التجارية لكنها توقفت بعد سنوات، ومطبعة جمعية عمال المطابع التي أنشئت في 1959 في شارع الملك الحسين، وهذه المطبعة أسسها مجموعة من عمال المطابع الأخرى، واتفقوا على أن تكون وقفاً لهم ولورثتهم من بعدهم.

أزمة نشر حاليا..

واختلف حال النشر في الأردن في وقتنا الحالي، يقول الكاتب الفلسطيني المقيم في الأردن “سليم النجار” ل”كتابات” عن أحوال النشر هناك: “قضية النشر في الأردن قضية غير مطروقة في المشهد الثقافي، ويبقي الحديث فيها في الأروقة الخاصة، وتعبر من القضايا غير الهامة، وهي على هامش اهتمامات الكاتب في عمّان، ويعود السبب في ذلك أن الكاتب استكان لهذه الأزمة،  والبعض استمد شرعية “إبداعه” من هذه الأزمة لتمرير كتاباته الرديئة، كما ويصور نفسه على أنه ضحية هذه القضية.. أما مشكلة النشر في الأردن أن معظم أصحاب دور النشر من الطبقة غير المتعلمة، على الرغم من أن الجهة المسئولة عن تراخيص دور النشر تشترط أن يكون صاحب دار النشر حاصل على شهادة جامعية، والمدير المسئول له خبرة في العمل الصحفي،ويتم التحايل على تلك الشروط من خلال الاستعانة بأشخاص يملكون هذه الشروط ويقدمون بأسمائهم مقابل مبلغ مالي متفق عليه بين الطرفين.

ويواصل عن التوزيع: “ومن أسباب أزمة النشر أيضاً مشكلة التوزيع، وهي مشكلة معقدة في عمان إذ لا يوجد منافذ للتوزيع على الرغم من أن هناك العديد من الأكشاك التي تبيع الكتب في وسط البلد، لكن هؤلاء يتعاملون مع الكاتب الأردني بعقلية اللص، وهناك عشرات القصص الطريفة حول هذا الموضوع، ومخيلة الكاتب الأردني مليئة بتلك القصص، على سبيل المثال، أن يقوم الكاتب بإعطاء الكشك عدد من نسخ الكتاب الذي قام بتألفيه على أمل الحصول على بضعة دنانير بعد أسابيع ، وتمر المدة ويذهب الكاتب إلى تلك الأكشاك وتبدأ عملية النصب من صاحب الكشك الذي يدعي أن الكتاب لم يتم بيع أية نسخة منه،  وعندما يتجرأ الكتاب ويطالب بالنسخ تبدأ عملية “الاستعباط” يمارسها صاحب الكشك بإبلاغ الكاتب بصوت عالٍ، أنه ليس “فاضي” للبحث عن كتابه وعليه العودة بعد أسبوع ليعطيه الكتاب،  وطبعاً الكاتب لا يعود إلى صاحب الكشك بعد أن شعر أنه شحاذ و يتسول من صاحب الكشك. واللافت أن هذه الأكشاك لا تتعرض لأية مساءلة قانونية، علماً أن تراخيصهم يتم الحصول عليها من نقابة الصحفيين، التي لا تتابع هؤلاء وماذا يفعلون؟. وحتى المؤسسات الثقافية غير معنية بتلك القضية، مثل وزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين”.

وعن دور النشر يوضح: “كل هذه العوامل تجعل دور النشر تتعامل مع الكاتب كزبون معه “فلوس” يطبع كتابه، بهذه البساطة يتم التعامل مع الكاتب، والأمر لا يقف عند هذا الحد بل دار النشر تمارس عمليات النصب على الشكل الآتي: يتم الاتفاق مع الكاتب على طباعة ١٠٠٠ نسخة للمخطوط  بمبلغ قدره ١٠٠٠ ألف دينار أردني بمواصفات محددة، كعدد الورق ونوع الورق وتصميم الغلاف  إلى آخره من تفاصيل،  وهناك بند يتم تسريبه بحرفية لص محترف أن يُقال للكاتب أن أعطيك ٣٠٠ نسخة والباقي للدار من أجل توزيعه محلياً وعربياً وعالمياً، طبعا كل هذه الإدعاءات ما هي إلا عدّة نصب على الكاتب، ويتم الاتفاق على لصوصية دار النشر من خلال تحرير عقد يوقع عليه الطرفين الكاتب الضحية وصاحب دار النشر وبدوره تطبع دار النشر ٣٥٠ نسخة  تعطي ٣٠٠ نسخة للكاتب حسب الاتفاق وتحتفظ دار النشر ب٥٠ نسخة فقط، وتحاسب الكاتب على ١٠٠٠ ألف نسخة، وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أن تكلفة طباعة ٣٥٠ لا تتجاوز ٤٥٠ دينار والباقي تذهب إلى جيب صاحب دار النشر، أي ٥٥٠ دينار  لهذا ليس مستغرباً أن هناك أكثر ٣٥٠ دار نشر عاملة في الأردن وهو رقم كبير بكل المقاييس مقارنة بحجم السوق المحلي قياساً لعدد السكان، إنها تجارة رابحة”.

وعن عدم وجود دعم من الدولة للكاتب وللثقافة يستطرد “سليم النجار”: “كما هناك سبب آخر أن الكتاب الأردني لا يلتقي أي اهتمام من قبل الجهات الرسمية وحتى الأهلية، سواء في الترويج للكتاب أو التعريف بالكاتب، كما أن الجامعات الرسمية والأهلية لاتقتني الكتب الأردنية بحجة أنه لا يوجد ميزانيات لشراء الكتب! وإذا تطرقنا إلى وزارة التربية التي تشرف على أكثر من  خمسة آلاف مدرسة تمارس نفس سلوك الجامعات وعلى نفس الطريق تهتدي المدارس الخاصة. الموضوع ذو شجون ويحتاج إلى صفحات وصفحات  ولقد حاولت قدر الإمكان الإحاطة بالموضوع”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة