شعر
خاص : إبداعات – مؤمن سمير :
مصر
ظللتُ طول عمري أقولُ أنا صياد رغم أنني لم أكن ماهرًا أبدًا في استخدام الشَبَكة أو السّنارة ولم أنجح مطلقًا في تجربة اختراعات أصدقائي المحترفين الذين يلقون بعلبة الدهانات الكبيرة المفرغة من أسفل، والمصفوف فيها دبابيس تجعل الأسماك تخرجُ زاهيةً ومشنوقة.. في ليالي الشتاء، اعتدتُ على أن أُحشو عينيَّ بالنجوم وأنام متحفزًا، رغم فشلي المتكرر كل ليلة في استحضار أجدادنا الذين كانوا يُشبهون الجبال في صمتهم ثم يفتحون أحضانهم للعواصف ويرشقون رماحهم بسرعةٍ خاطفة في السمكة أو في قلبها الماكر بالأحرى.. وبالرغم من هذا كله، سأظل الصياد الماهر صاحبُ الطريقة المبتكرة.. الطريقةُ التي لا تحتاجُ إلا إلى عيْنين محشوَّتيْنِ بالحنين.. أنظرُ للماء طويلاً إلى أن تصدِّق سمكةٌ كلام نظرتي وبَوْحِها فتُخرِجَ رأسها على استحياء ثم تنسابُ من نظرتها الوديعة حكاياتٍ لا تنتهي.. إنها لحظاتي الجميلة الرائقة.. أتذكرُ في القلب منها مثلاً، نظرات حبيبتي التي كانت تطير من النافذة وتحرسُ خطواتي من الحُفَر واللصوص.. وتتذكر هي كيف أحبَّت طفلاً كان يطفو على خَشَبةٍ وقبل أن تطلُعَ الجَنَاحاتُ من وراءِ ظهره وقعت منهُ ابتسامةٌ رقصت على ظَهْرِها وجعلتها أَصفى من كل الشِباك.. هي لحظاتٌ أكون فيها مَلاكًا، يعني نصف إنسان.. وأَضطرَ دائمًا كي تكتمل الحكايةُ أن أكمل النصف الآخر، فترتدي عيوني نظرةَ شيطانٍ أريب وعندها لا تملك المسكينة إلا القفز في سلَّتي وهي تلهث.. كانت أمي تقول ولدي ساحرٌ سيحرقهُ الله قريبًا في قلب القرية ووقتها سينقلبَ البحر لهيبًا وأبي كان يشمَئِّزُ مني أو ربما يخاف إلى أن صحا يومًا وهو ينظر إليَّ بدهشةٍ حقيقيةٍ.. نسيَنِي الرجل وصار خفيفًا بدوني.. كانت طريقتي ترضيني رغم أنها بنتُ عجزي الأصيل.. عجزي في الحرب الوحيدة التي قَبِلَتْني، عن اقتناصِ رصاصةٍ، تخطيءُ الطريقَ نحو قلبي وتصطادُ عيني، فأصير روحًا شفيفةً أقرب للسماء.. وحكيمًا مهيبًا كذلكَ، في كل ممالك الظلام..