خاص: إعداد – سماح عادل
مع تعثر النشر الورقي أصبح النشر الإلكتروني ملاذا للكاتب، حتى أن بعض الكتاب يعتبرونه ثورة في مجال النشر، لأنه استطاع أن يقدم أصوات الكتاب ليس فقط في أوطانهم إنما تخطى حدود البلدان، لكن مع ذلك يعتبر كتاب آخرون أن النشر الالكتروني له عيوبه الكثيرة والتي منها احتمالية فقدانه، والسرعة والتسطيح في إعداده، وأيضا صعوبة استمراره واعتباره مصدر هام للأبحاث أو الاقتباسات، أو ربما يكون وسيلة لتسهيل السرقات الأدبية والثقافية. كما عبر البعض عن حدوث تغييرات جذرية في مجال النشر والثقافة في السنوات المقبلة وظهور أشياء جديدة كظاهرة الكاتب الناشر المستقل.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الأسئلة كالتالي:
1. هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
2. هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
3. هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني؟
4. هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي؟
ظاهرة الكاتب/ الناشر المستقل..
يقول الكاتب والناشر المصري “مروان محمد عبده”: “نعم تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية العالمية والمحلية وهي كالآتي:
أولاً: الأسباب العالمية:
1- ارتفاع سعر الخامات عالميا والتي تدخل في صناعة الكتاب نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية.
2- مشاكل في سلاسل الإمداد والتموين وهي من تبعيات وباء كوفيد ١٩.
ثانيا: الأسباب المحلية:
3- انهيار سعر الجنيه المصري أمام الدولار زاد من كلفة استيراد الخامات الداخلة في صناعة الكتاب.
4- تشديد إجراءات الاستيراد لنقص الدولار في السوق المصري أدى إلى شح في المعروض بالسوق المصري فزاد سعره فوق زيادة الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري.
5- ارتفاع سعر الأحبار وتكاليف صيانة ماكينات الطباعة ارتفعت إلى حد كبير بسبب نقص العديد من قطع الغيار الخاص بتشغيل تلك الماكينات بسبب تشديد إجراءات الاستيراد من الخارج لنقص الدولار الأمريكي.
6- ضعف شديد في الإقبال على شراء الكتب الورقية وذلك يرجع للأسباب التالية:
أ- ضعف القوة الشرائية للمواطن العربي عامة والمصري خاصة نتيجة لأزمات اقتصادية مصرية متتالية، أدت إلى أن القارئ المصري يعيد ترتيب أولوياته والتخلي عن بعضها والتخلي عن أغلب سلم الرفاهيات وفي آخر سلم الرفاهيات الكتب. القارئ المصري شبه أسقطها من حساباته إن لم يسقطها بالكامل بالفعل.
ب- نتيجة للأسباب السابقة محليا وعالميا والتي أثرت على صناعة الكتاب تضاعف ثمن الكتاب عدة مرات بما لم يعد محتملا بأي حال من الأحوال مع الوضع الاقتصادي للقارئ المصري”.
ويضيف: “أغلب المعارض الإقليمية باءت بالفشل وضعف الإقبال عليها للدرجة التي دفعت الجهات المنظمة لمعارض الكتاب الإقليمية المختلفة لرد كامل الإيجار أو نصفه للناشرين المشاركين فيها من مصر وغيرها من الدول العربية، وأبرز الأمثلة على ذلك دول الخليج العربي وكثير من الناشرين المصريين يعتمدون في معارض إقليمية أخرى سواء كانت بالمغرب أو الجزائر أو العراق أو معارض محلية بمصر على بيع البوسترات والنوت بوك وبعض الأدوات المكتبية لتغطية تكاليف الإيجار والشحن والمسكن والانتقال وأجور البائعين مع هامش ربح بسيط.
ولذلك أحجمت دار حروف منثورة للنشر والتوزيع عن المشاركة في المعارض الإقليمية والعديد من المحلية للخسائر الكبيرة التي يمُنى بها الناشرين في الوضع الاقتصادي الحالي.
وعن النشر الالكتروني يقول: “بالنسبة للنشر الإلكتروني على سبيل المثال دار حروف منثورة للنشر والتوزيع طرحت للكتّاب مبادرة بديلة للنشر الورقي وهي النشر الميكس وهو مزيج من النشر الورقي والالكتروني
حيث يتم عمل إعدادات للكتاب من تنسيق وإخراج فني داخلي وتدقيق لغوي وتصميم غلاف واستخراج رقم إيداع وترقيم دولي للكتاب لحفظ حقوق الملكية الفكرية للكاتب مع طباعة ٦ نسخ ورقية فقط من الكتاب. تسلم ٥ نسخ للهيئة العامة المصرية للكتاب ونسخة تعطى للكتاب ويتم نشر ذلك العمل على منصات عالمية لبيع الكتب الرقمية مثل كوبو – كيندل أمازون وجوجل بلاي كتب وهي بديل آمن وأرخص لأزمة النشر الورقي حالياً”.
وعن مستقبل الثقافة يقول: “لو استمرت هذه الأزمة الاقتصادية لخمس سنوات أو ربما عقد من الزمن قد ينتج عنها تغيرات كثيرة ستمثل ثوابت جديدة في عالم الثقافة ليس فقط محليا ولكن عربيا أيضا وأما لوكان الوضع الحالي مرشح لأن يستمر لعامين أو ثلاث فسيظل السوق الأدبي أو سوق الكتب في حالة ارتباك وتخبط طوال هذه المدة أما بالعودة إلى احتمالية استمرار هذا الوضع لأكثر من ثلاث سنوات فأن تخيل دارحروف منثورة للنشر والتوزيع سيكون كالتالي:
١- سيتم التحول في مجال حفلات التوقيع من وجودها على أرض الواقع إلى أن تكون أونلاين فقط لخفض التكاليف وهو ما بدأ يحدث ولكن على استحياء.
٢- سيتم خفض عدد الموظفين في العديد من دور النشر لتفادي الإغلاق وسيكون في المقابل هناك عدد كبير من دور النشر ستغلق أبوابها.
٣- ستبدأ أعداد المكتبات في الانحصار لتصبح مكتبات معدودة على مستوى مصر وبعضها سيغير النشاط تماما.
٤- خلال العامين القادمين مع استمرار الوضع الاقتصادي المتردي ستنسحب عدد من دور النشر من المشاركة سواء في معارض محلية أو إقليمية لارتفاع التكاليف وخسائر في المقابل سيتبعها وغلق عديد من دور النشر لأبوابها ووقف النشاط تماما.
٥- العديد من دور النشر التي كانت تقدم النشر المجاني ستوقف هذه السياسة وتتجه للنشر مناصفة أو بمقابل فقط أو لغلق الأبواب أمام نشر أي أعمال جديدة والاكتفاء بإعادة طبع الكتب التراثية والكتب التي أصبحت ملكية فكرية عامة وترجمات لكتب أجنبية فقط وهذا ما بدأ يحدث بالفعل
٦- ستبرز في الأعوام القادمة ظاهرة الكاتب/ الناشر المستقل كرد فعل من الكتّاب اتجاه الأزمة الاقتصادية نتيجة لغلق معظم أو كل دور النشر الباب أمام الكتّاب لنشر كتابات جديدة. البعض من المنضمين لهذه الظاهرة سيحقق نجاحات ملحوظة والغالبية العظمى ستفشل في هذه التجربة ومن ثم ينسحبون مجبرين من سوق الكتب أو يلجأوا لمنصات مجانية لنشر أعمالهم كحلقات متتالية.
٧- عدد العناوين التي ستصدر سنويا ستقل لأكثر من النصف عن دور النشر وكذلك عدد النسخ التي تنتج عن كل عنوان جديد وسيظل هناك انحسار متتالي في عدد العناوين وعدد النسخ كلما استمر تأزم الوضع الاقتصادي حتى يصل عدد العناوين الصادرة إلى ٢٥% فقط مما يصدر حاليا سنويا.
٨- مع استمرار الأزمة الاقتصادية لعدة سنوات أكثر من نصف المطابع ستوقف نشاطها وهو ما بدأ يحصل بالفعل.
٩- ستنكمش عدد المعارض المحلية والإقليمية ويصبح البديل عنها مواقع الكترونية تقدم هذه الخدمة بديلا عن معارض الكتب التي تقدم على أرض الواقع وسيتجه الكثير من المغامرين في تلك الأوقات لإطلاق منصات رقمية بديلا لمعارض الكتب وستكون هناك كثافة في أعداد تلك المنصات والتي مع استمرار تدفقها ستصل لمرحلة الانهيار وخروج العديد من تلك المنصات الرقمية من المنافسة وبقاء عدد محدود فقط منها على الساحة الرقمية.
الوعي الجماهيري سينحو نحو الكسل..
يقول الكاتب المغربي “مصطفى لغتيري”: “النشر الورقي فعل بشري خالص، ظهر وانتشر بسبب تحولات اجتماعية وتطورات تكنولوجية، وكان ذلك استجابة لحاجة إنسانية عميقة وملحة، وقد ساهم بشكل كبير وحاسم في تطور الإنسانية، وذلك من خلال تعميم المعرفة، ومن الضروري جدا أن يتأثر بما يحدث حوله من تغييرات اقتصادية إيجابيا وسلبيا كذلك، فمن باب تحصيل الحاصل أن الدول الأكثر تطورا اقتصاديا، هي بالضبط تلك التي يزدهر فيها النشر بشكل كبير، فيما تعاني الدول الفقيرة والنامية من محدودية النشر.
لذلك من المنطقي جدا أن تؤثر التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في النشر الورقي، لقد زاحم النشر الالكتروني النشر الورقي بشكل كبير، كما أن جائحة كورونا ساهمت بشكل كبير في استفحال ظاهرة تراجع النشر الورقي بشكل كارثي”.
وعن تأثير الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “من الطبيعي جدا أن تؤثر أزمة النشر الورقي في الحركة الثقافية، فنحن الآن نعيش في كنف مرحلة تحول عميقة، أضحى فيها لكل ما هو الكتروني هيمنة كبيرة على حياتنا اليومية، بل أضحى يشكل وعينا من جديد، ويغير أذواقنا، ويصنع رأيا عاما جديدا، ومختلفا عن ما ألفناه خلال فترة النشر الورقي، التي كان الرأي يتشكل عموما من المثقفين الذين يواظبون على قراءة الكتب والمجلات والجرائد، أما الآن فأصبح كل من له هاتف، يستقبل كما هائلا من المعلومات، في أغلبها ذات طابع سطحي، لكنه للأسف يساهم في تشكل رأي معين، يصبح معه التافه مهينا على الجدي والرصين من الأفكار”.
وعن النشر الإلكتروني يقول: “طبعا لا نتمنى أن يختفي النشر الورقي لأن له أهميته في الترويج للثقافة الجادة وفي التوثيق، وفي بناء المعلومة بشكل متدرج ومتين، وفي تكوين رأي يتمتع بقدر كبير من المصداقية، لكن هذا لا يجعلنا أبدا في موقف رافض لحركية التاريخ، فالنشر الالكتروني يغزو الحياة الفكرية والعلمية والأكاديمية والثقافية عموما، وهو أمر إيجابي بشكل كبير خاصة إذا تكامل مع النشر الورقي ولا ينفيه.
أما إشكالات النشر الالكتروني، فيمكن تلخيصها في السرعة، وبالتالي عدم التدقيق، وفي الاختزال، وفي فتح المجال لمن لا يتوفرون على مؤهلات محددة للكتابة في مجالات لا يعرفون عنها شيئا، أو على الأقل غير متخصصين فيها، كما يفتح المجال لنقل فقرات من مقالات دون الإشارة للمراجع المقتبسة منها، كما أن ما ينشر الكترونيا يصعب الإحالة عليه، لأنه قد يحذف أو يغير في أي وقت”.
وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة يقول: “التغيير هو الثابث الوحيد في الحياة، فكل شيء يتغير، ولا يمكن أبدا أن نوقف مجرى التاريخ، لذا فمفهوم الثقافة لابد أن يطاله التغيير كذلك بتأثير من التحولات العميقة التي يعرفها ميدان النشر الورقي، وهيمنة النشر الالكتروني، إذ ستصبح السيادة للصورة بدل الكلمة، وسيتجه العالم تدريجيا نحو الاختزال، فتصبح الجملة المركزة المصحوبة بالصورة تنوب عن المقال.
لذا فالوعي الجماهيري سينحو أكثر نحو الكسل والتسطيح، وسيصبح ميالا أكثر للصيغ التعبيرية الجاهزة، لكن مع ذلك لا ننكر أن النشر الالكتروني قد يحقق ديمقراطية من نوع ما، خاصة فيما يخص صنع المعلومة وتداولها والتفاعل معها. كما أنه يوفر الكتاب الذي لا يصل للقارئ ورقيا، فيصله بصيغة الكترونية، وفي ذلك ربح كبير للثقافة والبحث العلمي والأكاديمي”.
ثورة الكتاب الالكتروني..
ويقول الكاتب اليمني “حميد الشامي”: “اعتقد أن التأثر هو بسبب التغيرات في مجال التكنولوجيا وثورتها وهذا تغير إيجابي أي تكن تبعاته على الكتاب بشكله الورقي الساحر.
حيث جعلت هذه الثورة مسألة التواصل للطباعة أو الاقتناء أو التوصيل أمرا سهلا.. ولكن الحديث عن كتاب عربي واقتصاد أمر غريب لأنه لا يمكن لأحد في العالم العربي أن يعيش من كتبه أو حتى يشتري أوراقا للكتابة ولا يمكن للقارئ العربي أن يخسر دولارا واحدا على كتاب أدبي مثلا مهما كان شغفه للقراءة.
وأيضا لعدم وجود قوانين الملكية الفكرية لحسن الحظ لأنه بمجتمعات الحاجة ولا استقرار اقتصادي هذه كان لابد لكل شيء يخص الثقافة أن يصلنا مجانا.. أو أننا لن نحصل على رواية واحدة. أو فيلم واحد. أو أي ما يخص الإبداع”.
وعن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “بالطبع لأن توقف الزخم في الطباعة والترويج للكتاب الورقي وقلة الفعاليات المهتمة بتوقيع الكتب أو إقامة المعارض الدورية أثر سلبا على التواصل والحضور للمبدعين والمهتمين بهذا الشأن، وأصبح الأمر يختصر في كثير من الحالات لفعالية الكورونية”.
وعن النشر الإلكتروني كبديل يقول: “لا اعتبره كذلك ولكن النشر الالكتروني أعطى مساحة أوسع للنشر والتبلور وخصوصا عندما يكن الكاتب في بداية مشواره، النشر الالكتروني صنع ثورة حقيقية لإيصال صوت الكاتب وتعريف القارئ بكل العالم بمنجزه الإبداعي..إذا طبع أحدهم كتابا في صنعاء ولم ينشره إلكترونيا فلن يعرفه أو يصل لقارئ في القاهرة مثلا. وهنا يصبح النشر إلكترونيا حلقة تواصل لمعرفة المنجز الإبداعي بكل العالم أي يكن المكان الذي ولد فيه هذا المنجز”.
ويقول عن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي: “لا اعتقد ذلك، أكثر مما سبق وأشرت إليه هنا، التأثير متبادل وليس سلبيا إطلاقا”.