15 نوفمبر، 2024 5:25 م
Search
Close this search box.

 “نشر الكتاب”(11).. تغير جماليات اللغة العربية وأهمية النشر الورقي للتوثيق

 “نشر الكتاب”(11).. تغير جماليات اللغة العربية وأهمية النشر الورقي للتوثيق

خاص: إعداد – سماح عادل

هناك رأي يعتقد أن التطور السريع في مجال النشر الالكتروني، وفي تطور المواقع قد يضر باللغة العربية وجماليتها، خاصة مع إعطاء الأولوية للغة الانجليزية، وحدوث تغييرات كثيرة. في حين أن هناك رأي آخر يجزم أن الكتاب الورقي لن ينته، على الأقل في الزمن القريب، وأن تعثره لا يعني انتهاء وجوده، كما أن التغيير له جوانبه الإيجابية التي لابد من الاستفادة منها. وهناك رأي يعتبر أن أهمية النشر الورقي تكمن في التوثيق وحفظ النصوص والكتابات.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الأسئلة كالتالي:

  1. هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
  2. هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
  3. هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني؟
  4. هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي؟

تغير جماليات اللغة العربية..

يقول الكاتب “أحمد فضل شبلول”: “بالتأكيد تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم الآن، وكل شيء تأثر بتلك التغييرات، وليس النشر الورقي فحسب، المواصلات والتنقل من مكان إلى مكان وأسعار المنتجات والأغذية والمشروبات، حتى الأمزجة اختلفت وتأثرت، فالإنسان يؤثر ويتأثر بما حوله، وخاصة فيما يتعلق بالعامل الاقتصادي الذي هو محور حياته اليومية”.

وعن تأثير الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “من حسن الحظ أن هناك الآن بدائل للنشر الورقي، وأعني به النشر الرقمي أو النشر الإلكتروني، وهو ما لم يكن متاحًا من ثلاثين أو أربعين سنة على سبيل المثال، وقد ظهرت هذه البدائل وقفزت إلى المشهد الثقافي بطريقة لافتة أثناء أزمة أو عزلة كورونا، فلم يكن متاحًا النزول إلى الشارع والذهاب إلى الأسواق ومتاجر الكتب، فكانت المكتبات الإلكترونية هي البديل، عن طريقها نستطيع أن نجلب الكتاب سواء كان بالمجان أو بطريقة الدفع الإلكترونية، ونحمِّلُه على جهاز الكميبوتر أو التليفون المحمول، ونبدأ في التعامل معه، حتى من كان يظن أو يعتقد أن هذه الوسيلة غير فعَّالة أو غير محببة بالنسبة له، استطاع أن يتأقلم معها ويتعامل معها بسهولة ويسر. أنا شخصيا أنزلت عشرات الكتب والمراجع التي لم أجدها (ورقيا) عندي وبدأت أقرأها على الشاشة وأتفاعل معها.

وليس الكتب أو المجلات فحسب، ولكن كانت هناك ندوات ثقافية شاركت فيها أثناء العزلة عن طريق تطبيقات حديثة ربما لم تكن موجودة قبل العزلة، أو كانت موجودة ولم نلجأ إليها، مثل تطبيق زووم وغيره من التطبيقات السهلة في استخدامها.

إذن وجدنا بدائل ثقافية أثناء الأزمة، وليس الكتاب فحسب، فالكتاب ليس وحده منبع أو حامل الثقافة، فهناك الأفلام واللوحات التشكيلية والموسيقى والأغاني والمحاضرات والندوات والملتقيات وغيرها”.

وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني يقول: “حتى الآن لا يمكن اعتباره بديلا، ومن وجهة نظري هو يتكامل مع النشر الورقي، وقلت في مقدمة كتابي “ثورة النشر الإلكتروني” (إننا الآن أمام مفترق طرق ووضع صعب، فمع احتياجنا لترسيخ إحدى قدمينا في أساسيات الماضي، نجد أننا بحاجة أيضا إلى انطلاق الأخرى قدما نحو المستقبل. وقد اقتحمت ثورة النشر الإلكتروني، جميع المجالات في عالم اليوم، مثلما اقتحمته من قبل مطبعة جوتنبرج، فتحقق لعالم النشر قفزةٌ نوعيةٌ هائلة). وقلت: (إن هذا الكتاب يجئ كمحاولة لفهم ما يحدث في العالم الآن، حتى لا يقف المرء مجرد مستهلك سلبي، لما يقذف أمامه من منتجات إلكترونية).

ومن إشكاليات أو سلبيات النشر الإلكتروني التي لاحظتها أثناء تعاملي لسنوات مع هذا العالم أو مع الفضاء الإلكتروني ما يلى:

1 ـ يعد النشر الإلكتروني وسيطا باردا يَحد من قدرة الفرد على نقل أفكاره وأحاسيسه، وقد يؤدي إلى الانعزالية.

2 ـ السرقات الأدبية والعلمية. فوجود هذا الكم الهائل من المعلومات على شبكة الإنترنت يجعل من السهل القيام بعمليات القرصنة والسطو على المواد المنشورة، من خلال إنزال هذه المواد أو نسخها على الهارد ديسك. وقد سمعنا عن رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه) تُسرق أو تُترجم بالكامل من شبكة الإنترنت. ومع صعوبة متابعة كل ما ينشر على الشبكة بجميع لغاتها، فإنه يصعب اكتشاف السرقة بسهولة. ولكن على أية حال إن محركات البحث النشطة مثل جوجل Google  أو ياهو yahoo  ونتسكيب     netscapeونظرة وسندباد وغيرها، قد تسهم في اكتشاف مثل هذه السرقات.

3 ـ لأن اللغة العربية تعتبر دخيلة على لغات البرمجة، فقد ظهرت بعض المشكلات في المحارف العربية على مستوى الصرف والنحو، الأمر الذي يؤدي إلى انغلاق نصي يؤدي بدوره إلى انعزالية وثائقنا الإلكترونية، وسرعة اندثارها، وضعف فاعلية مواقعنا العربية، بل الأخطر من ذلك أن اللغة العربية في ظل العولمة وثورة المعلومات، تتعرض لحركة تهميش نشطة، بفعل الضغوط الهائلة الناجمة عن طغيان اللغة الإنجليزية على الصعيد السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والمعلوماتي. وهنا علينا أن ندرك مدى خطورة ما يعنيه اقتصاديا وثقافيا وسياسيا قرار منظمة التجارة العالمية (الجات) بعد اعتبار اللغة العربية ضمن لغاتها الرسمية.

4 ـ نظرا لسرعة التعامل المطلوبة لغويا على صفحات الويب، حيث إن كل ضربة على لوحة المفاتيح لها ثمنها على الشبكة العالمية، فقد أدى هذا إلى اختزال النصوص إلى كلمات مفتاحية، الأمر الذي سيؤثرـ في المدى البعيدـ على جماليات اللغة العربية في عمومياتها، وأيضا في طريقة شكلها أو رسمها. وربما بعد عشرين أو ثلاثين عاما من التعامل اللغوي بهذه الطريقة، نجد لغة عربية أخرى غيرا لتي نتعامل بها اليوم.

وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي يقول: “أعتقد أنه بمضي الوقت ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تغير النشر الورقي، مثلما يحدث مع الصحافة الورقية على سبيل المثال، فنحن نجد الآن أشكالا جديدة للثقافة، وأصبحت هناك صحيفة لكل مواطن عن طريق صفحته على الفيسبوك وتويتر وانتسغرام وغيرها، وأتذكر مقولة الراحل الدكتور نبيل علي في كتابه المهم “الثقافة العربية في عصر المعلومات”: “هناك من يقول إن الإنترنت ستزيد من قدرة الإبداع والابتكار من خلال مداومة الإبحار اللامحدود في فضاء المعلومات وتوفير العديد من وسائل التعلم الذاتي وتنمية القدرات الذهنية، خاصة أن التعامل مع النظم الآلية والبرمجيات يساعد على نمو التفكير المنطقي والمنهجي.

في المقابل هناك من يقول إن الإنترنت ستحيل عملية الإبداع إلى نوع من الاجترار (أو إعادة الإنتاج) لينحو الأدب إلى الوثائقية والفن التشكيلي إلى الكولاج (القص واللصق) والموسيقى إلى نوع من المزج الإلكتروني، ويصبح إبهار العرض واستغلال إمكانات وسيط الإعلام عوضًا عن مضمون الرسالة التي ينقلها تحقيق المقولة “الوسيط هو الرسالة” التي أطلقها مارشال مكلوهان رائد التنظير الإعلامي”.

وكما بدأت أنهي حواري هذا بالتأكيد على أننا أمام مفترق طرق، ولكن بدأت الطريق تتضح، خاصة مع هيمنة الذكاء الاصطناعي في مجالات كثيرة في حياتنا”.

النشر الورقي للتوثيق..

ويقول الشاعر “د.عيد صالح”: “بالتأكيد التغيرات الاقتصادي والوبائيات والحروب ثالوث يضر بكل شيء في الحياة من رغيف الخبز للكتاب، فالذي لا يملك ثمن الرغيف لا يملك ثمن الكتاب فما بالك بطبعه كما أن المؤسسات الثقافية تخضع لميزانيات قلصت عدد الكتب والنسخ وحتي الصفحات وبنط الخط الذي يطبع به الكتاب الذي يظهر في صورة تنفر من القراءة”.

ويضيف: “ليس إلي الحد المؤثر والمخيف لأن النشر الورقي أصبح فقط للتوثيق وأغلب القراءات تتم عبر النشر الالكتروني ونسخ ال  pdfوالوورد متوفرة.

هما متكاملان ويؤثر كلا منهما في الآخر ومن ثم لكل منهما احتياجاته وقارئه والمتحمسين له، بل إن الثورة الرقمية لا تستغني عن الثورة الورقية وقد حفظ لنا الورق تراثا وأرصدة حين ضربت المواقع أو غزاها القراصنة”.

ويؤكد: “تغيرت فعلا ثوابت كثيرة حتى أن النشر الورقي بسبب غلاء الورق وبالتالي سعر الكتاب مما يضطر القارئ المستهلك وحتى المبدع إلي النشر الالكتروني غير المكلف”.

إيجابية التغيير..

وتقول الكاتبة “عبير عواد”: “بالتأكيد تأثر النشر الورقي بتلك التغييرات، خاصة مع ارتفاع سعر الدولار وتغيير إجراءات الاستيراد بما رفع من سعر طن الورق بنسب عالية جدًا وغير متوقعة، جعلت من الصعوبة بمكان على الناشرين توفير احتياجاتهم من الورق وبالتالي تقليل عدد الأعمال المنشورة وتضييق حيز ونطاق قبول أعمال جديدة، وهذا بتفاوت حجم الدار وإمكانياتها المالية بالطبع”.

وعن تأثير الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة تقول: “إن الحركة الثقافية بمجملها تتأثر بعوامل عديدة منها السوشيال ميديا والوسائط التي تتيح عملية التبادل الثقافي والمعرفي بصفة عامة، كذلك نوعية المنتج الثقافي المتاح، بالإضافة إلى تصنيف الأعمال والكتاب وتأثيرهم في المتابعين لهم بالمنطقة، لكن تأثير الأزمة من وجهة نظري لن يتضح إلا لو انعدم تواجد المنتج الثقافي أو توقف الكُتّاب عن الكتابة وهذا لم يحدث ولن يحدث بالصورة التي تؤثر على حركة الثقافة حتى لو قلّت فعاليات الحراك الثقافي فسيبقى موجودًا وفاعلًا في كل الأحوال”.

وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني تقول: “يمكن اعتباره وسيلة مساعدة وليست بديلة تمامًا، مازال للكتاب الورقي تأثيره وسوقه ومُحبّيه الذين يفضلونه أكثر من النسخ الإلكترونية، وقد ثبت هذا في بداية العام بالتزامن مع معرض الكتاب2023 والذي خالف الكثير من التوقعات وكان عليه إقبال لم يكن متوقعًا حتى لو كان أقل مما هو معتاد، لكن بالنظر لتوقعات الناشرين والعاملين بالمجال والكُتّاب وبعض القرّاء فنسبة شراء الكتب أثناء المعرض كانت أفضل من النسب المتوقعة على اختلاف دور النشر وما طرحته من أعمال.

وهناك نقطة أخرى يجب ألا نتغافل عنها، المنصات الإلكترونية التي تطرح أعمالًا منشورة ورقيا في نسخ الكترونية يلزمها وجود الكتاب الورقي كي تستطيع طرحه الكترونيًا، ولم نصل بعد لمرحلة أن يكون النشر نفسه والتوزيع الكترونيًا من الألف للياء، وأيضًا أعتقد لن نصل لهذا الأمر قريبًا بعيدًا عن التشاؤم أو التفاؤل؛ فقط مجرد قراءة لواقع الحال ليس أكثر”.

وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي تقول: “بالعودة إلى النقاط السابقة لن يحدث هذا إلا بانتهاء النشر الورقي، وليس “بتعثّره” فقط.

أما بالنسبة لاستخدامنا لفظة ثوابت، أعتقد أنه استخدام يجانبه الصواب، فهل طبيعة النشر نفسها ونوعية المطروح وأساليب العرض والمسابقات والجوائز الأدبية وحتى طرق وأساليب الكتابة ونوعية الكُتّاب مازالت ثابتة لم تتغير خلال العشر سنوات الأخيرة مثلًا؟! الحياة تتغير وتتبدل باستمرار والثوابت كلمة جامدة تعيق التطور، حتى مسألة البيع والشراء ستبقى مسألة عرض وطلب تتغير بتغير الحاجات والرغبات، وإن كان تغيير بعض الثوابت سيؤدي إلى نتائج أفضل فلا بأس من التغيير مع الاستفادة منه بإيجابية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة