خاص: إعداد- سماح عادل
يجمع معظم الكتاب على أهمية الكتاب الورقي من الناحية الجمالية، والتاريخية، والمعرفية، كما يعتقد البعض بحتمية عودة الكتاب الورقي لمكانته المعروفة ولقيمته في مجال الثقافة. لكن يتخوف البعض من احتلال الصورة الإلكترونية والفيديوهات مساحة مبالغ فيها في الوقت الحالي، ورغم التفاهة والاستخفاف الذي يحيط بهما إلا أن ذلك الغزو للفيديوهات والصورة الإلكترونية قد يؤثر علي معدلات القراءة سواء للكتاب الإلكتروني أو للورقي.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف البلدان العربية، وكانت الأسئلة كالتالي:
- هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
- هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
- هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وماهي إشكاليات النشر الإلكتروني؟
٤. هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي.
تحدي الصورة الإلكترونية..
يقول الكاتب الكردي السوري “إبراهيم يوسف”: “لم يكن الكتاب، في عالمنا، على نحو خاص، من أولويات الجهات المعنية، إلا من قبيل التقليد وعلى نحو وظيفي، إذ إن دعم الكتاب، ومن ثم الثقافة، عامة، في آخر جداول اهتمامات المعنيين، لاسيما في بلداننا التي لا يؤمن رغيف عوام رعيتها، إلا بعد معاناة، وينام على امتداد خريطة عالمنا الملايين من دون أن يؤمنوا رغيف أطفالهم. طبابتهم وأدويتهم وأكسيتهم ومساكنهم.
وإذا كان أولو الأمر لا يشجعون على نشر الكتاب، كما يلزم، ويحاولون ما استطاعوا نشر كتب محددة، في إطار سعيهم الدؤوب لتقليم أظافر المبدعين، وإن دون جدوى، إلا إن هناك علاقة خفية بين هذه السياسة والرغيف. إذ إن سياسة التعامل مع الكتاب تأتي في إطار حصار هؤلاء على رغيف رعاياهم”.
ويضيف: “ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل إن وزارات الثقافة في عالمنا، وهي الأقل ميزانيات عادة، باتت أحوالها في نصف القرن الماضي، بل بضعة العقود الماضية، في حال أفضل إذا ما قورنت مع أحوال اليوم. إن الكثير من الأعمال الأدبية والفكرية كانت تطبع في نسخ محدودة لا تتجاوز الألف نسخة لمئة مليون قارئ، تذهب أكثر النسخ كإهداءات لمقربي الكاتب، بل إن معارض الكتب، ماعدا ما يتعلق بكتب أسماء محددة، لا تنجح في مهماتها ما لم يقوم البلد مستضيف هذا المعرض أو ذاك بشراء أكداس من الكتب التي تذهب لمستودعاتها، أو مكتباتها غير المعنية بها، إلا في إطارها الديكوري، مكتفين بنشر عبارة: اقرأ!
إن دعم قراءة الكتاب يأتي ضمن برنامج متكامل يتعلق بحياة الكاتب وقارئه، في مجال الاقتصاد والحريات، وأعتقد أن ما قلته في هذه العبارة الأخيرة يكفي لإعطاء صورة عن واقع العلاقة بين ثلاثية: الكاتب- الكتاب- قارئ الكتاب!”.
وعن الأزمات الاقتصادية وتأثيرها على تعثر النشر الورقي يقول: “أما فيما يتعلق بالأزمتين: أزمة الاقتصاد وأزمة النشر الورقي، فهي تكاد تكون نتاج السياسات الخاطئة التي تتم، إذ إننا نكاد لا نجد بلدا من بلدان عالمنا يجتمع برلمانه من أجل ثلاثية الكاتب والكتب ومقتني الكتاب بل قارئه الفعلي، وكيف يجتمع هكذا برلمان يصله أميون، وجهلة، وبيادق، ينفذون ما يمليه عليهم ولي نعمتهم الذي سهل لهم طريق الوصول إلى هذا الفردوس الأرضي المصطنع الذي يرتد كلعنة”.
وعن النشر الإلكتروني يقول: “أجل، إن عالم النشر الافتراضي، الإلكتروني، ثورة التقانة ووسائل الإعلام أثرت إلى حد بعيد على القراءة الورقية، إلا إن الكتاب يظل الوعاء الأكثر قرباً إلى وجدان القارئ الحقيقي، ناهيك عن إننا في حاجة إلى دراسات من قبل مختصين لتبين جدوى وأهمية المعلومة أو الجماليات الإبداعية التي تصل المتلقي عبر الكتاب، على عكس ما يتم تسويقه عبر المدونات الإلكترونية التي سهلت انتشار الكتاب، وآزرت الكاتب والقارئ في آن واحد، رغم ذلك لا غني البتة عن الكتاب، وقد تناولت ذلك في أكثر من كتاب لي، من بين ذلك:
استعادة قابيل: صياغات جديدة للوعي والأدب والفن
إبرة الذهب في شعرية النص الفيسبوكي”.
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا يقول: “لي رؤية خاصة في هذا الصدد، ألا وهي ضرورة ردف النشر الورقي بالنشر الإلكتروني، إذ لم يعد لأحدهما الاستغناء عن الآخر، إذ إن الكتاب الإلكتروني يكسر الحدود الجغرافية. يخترق الرقابات المتعددة، بينما نجد الكتاب الورقي حالة راقية، تجسد السمو الجمالي، في أعلى أشكاله، لاسيما إن دور النشر باتت تتبارى في تقديم الكتاب الورقي في أبهى أشكاله”.
وعن تغيير ثوابت كثيرة في عالم الثقافة يقول: “لاثوابت الآن، في عالمنا، كل ما كنا نراه راسخا في يقينياته غدا معرضا للمحاكمة، وإعادة القراءة، وهكذا بالنسبة إلى عملية القراءة التي باتت بشكليها الورقي والإلكتروني أمام تحد أعظم ألا وهو تحدي الصورة الإلكترونية. الفيديو الذي بات أكثر تأثيراً، وإن بات منفلتاً في فوضاه المسعورة إلى حد التدمير، التحطيم، في غياب القوانين الفعلية!”.
عودة الكتاب الورقي أكيدة..
وتقول الشاعرة السورية “فاطمة عيزوقي”: “تأثر النشر الورقي بالتأكيد بسبب سعر الورق. وعزوف الناس عن القراءة الورقية وذهابهم إلى الكتاب الإلكتروني. فالناس باتوا يتلقفون المعارف من الكتب المسموعة أو البوستات المختصرة والمجزوءة على وسائل التواصل الاجتماعي. وغالبا دون تحري المصدر”. 3
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي تقول: “لا يلغي النشر الإلكتروني النشر الورقي، إنما هو بديل هش مؤقت. يبقى النشر الورقي أثمن وأدق وأقرب عاطفيا للمثقف الباحث”.
وعن حدوث تغييرات جذرية في حركة الثقافة بسبب تعثر النشر الورقي تقول: “تغيرت حتماً أمور كثيرة في مجال الثقافة، باتت الظروف النفسية والاقتصادية للمثقف تستوجب من وجهة نظره السرعة بالحصول على المعلومة. وسهولة اقتنائها وغالبا بشكل مجاني ودون دفع أموال. لكني أظنها ثورة مضادة سريعاً ما ستؤول للاندثار ويعود الكتاب الورقي ليحتل مكانته المعهودة والمعروفة. وأرجو أن يحدث ذلك قبل فوات الأوان، واعتياد الناس الاستسهال وعدم إعطاء المصدر والنية الحق الأهمية المطلوبة”.