15 نوفمبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

نشأة المسرح العربي (8) .. ولد في الجزائر أبناً للشارع الشعبي وأظهر فشل المثقفين والنخبة !

نشأة المسرح العربي (8) .. ولد في الجزائر أبناً للشارع الشعبي وأظهر فشل المثقفين والنخبة !

خاص : كتبت – سماح عادل :

في آخر حلقة من ملف (نشأة المسرح العربي) سوف نوجز نشأة المسرح في بلدان المغرب العربي، والتي تفاوتت فيها مستويات نهضة المسرح، وارتبطت بحركة التحرير الوطنية.

المسرح في ليبيا..

يعتبر الكاتب الليبي “عبدالحميد اﻟﻤﺠراب” والشاعرين “أحمد قنابة” و”إبراهيم الأسطى عمر”، في مقدمة الجيل الأول من رجال المسرح في ليبيا، الأول أسهم في العديد من المسرحيات التي كانت تقدمها فرقة إيطالية عرفت باسم “الدبولاكورو”، وكانت تتألف من مجموعة من الهواة وكان أغلبيتهم من الأجانب بينهم عدد قليل جداً من أبناء البلاد، وقد ظلت الفرقة تعمل من ١٩٢٥ حتى ١٩٣٦، وشارك الشاعر “أحمد قنابة” في التمثيل مع الفرقة طيلة هذه الأعوام، ومن ثم أحب المسرح وجاءت الزيارات التي قامت بها الفرق العربية من “مصر وتونس” لتدعم الحس المسرحي عند “قنابة” وغيره، منها فرقة “جورج أبيض” وفرقة “منيرة المهدية” وفرقة “يوسف وهبي”، وقد لاقت هذه الفرق إقبال الكبير مما شجع “قنابة” وزملاءه من مدرسي مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية على المضي على درب المسرح، وبخاصة بعد أن زارت إحدى الفرق الليبية، وهي فرقة درنة “فرقة هواة التمثيل” طرابلس، وقدمت فيها مسرحية (خليفة الصياد)، تشجع “أحمد قنابة” فأسس الفرقة الوطنية الطرابلسية ١٩٣٦، وقدم مسرحيته الأولى (وديعة الحاج فيروز)، وأعقبتها مسرحية (حلم المأمون( من تأليف وإخراج “أحمد قنابة”.

اضطهاد الإستعمار..

كان يساعد “قنابة” في عمله نخبة من الفنانين؛ بينهم “الهادي المشيرقي” و”محمد حمدي” و”الدكتور مصطفى العجيلي” و”فؤاد الكعبازي”، وكان يتولى مهمة إعداد الديكورات، وقدمت الفرقة أعمالها على مسرح “البوليتياما”، وكانت هذه الفرقة وغيرها، ما بين محلية وعربية، تعمل في وجه مقاومة شرسة من سلطات الإستعمار الإيطالي، التي أحست بخطر المسرح فكانت تعمد إلى محاربة فرقة مدرسة الفنون والصنائع، ورغم اضطهاد السلطات الإستعمارية فقد نجحت الفرقة في تقديم مسرحيات اجتماعية، كما قدمت الفن المسرحي لدعم الروح القومية، كان هذا في “طرابلس”.

أما في “درنة” فقد بدأت فرقة هواة التمثيل عملها هناك في ١٩٢٨، وكان إذ ذاك› “محمد عبدالهادي”، الذي برع في تمثيل الأدوار الكوميدية وإلقاء المونولوجات الفكاهية، وقد أصطدمت الفرقة بمعوقات كثيرة من عزوف الجمهور ومحاربة السلطات وإنعدام العنصر النسائي وعدم وجود قاعة عرض، وساند الرائد المسرحي “إبراهيم الأسطى عمر” جهود الفرقة  وأسهم في تمثيل بعض الأدوار وإخرج عدد من المسرحيات وأختيار النصوص وتعديلها وقدم الدعم المادي.

الكتاب..

في ١٩٦٥ كتب “عبدالله القويري”، أحد أدباء ليبيا، مسرحية (الجانب الوضيء)، وفي ١٩٧٢ كتب مسرحية أخرى هي (الصوت والصدى) وموضوعها رجل أرتكب الخطيئة الكبرى التي تتململ في مواجهتها كثير من الأنظمة السياسية وهي المعرفة، ممن كتبوا للمسرح الليبي أيضاً “المهدي أبو قرين” الذي طبعت مسرحيته الاجتماعية (زريعة الشياطين) في  ١٩٧٣، والكاتب “عبدالكريم خليفة الدناع” الذي ساهم في تأسيس الفرقة المسرحية التابعة للنادي الأهلي المصراتي، وقد قام بإعداد بعض المسرحيات العربية والعالمية لعروض الفرقة، وقد مثلت مسرحيته (دوائر الرفض والسقوط) في كل من “مهرجان المسرح الليبي” الأول، الذي أقيم عام١٩٧١، وفي “المهرجان الوطني الجزائري” عام ١٩٧١ كذلك.

وقد كتب “الدناع” مسرحيات: (سعدون)، و(باطل الأباطيل)، و(دوائر الرفض والسقوط)، و(المحنة)، و(العاشق)، وكتب “عبدالحميد الصادق اﻟﻤﺠراب” مسرحية (الإنتهازي) ١٩٧٥، وقد كتب مسرحيات أخرى لم تنشر هي: (الصبر باهي) ١٩٥٧، (المتشرد) ١٩٥٨، (لو تشرق الشمس في الليل) و(من الأرض إلى الأرض)، وللكاتب “الأزهر أبو بكر حميد” مسرحيات كثيرة، منها مسرحيتا: (وتحطمت الأصنام) و(السماسرة)، وقد طبعتا ١٩٧١، ومسرحيتا: (الأرض والناس) و(دولاب الملابس وحجرة المكياج)، وقد طبعتا ١٩٧٣، ومسرحية (إبليس كان هنا) طبعت ١٩٧٥، ومسرحيتا: (يوم الهاني) و(نقابة الخنافس)، وقد نشرتا ١٩٧٦، وقام بإنشاء فرقة المسرح الليبي ثم أصبح مديراً لها.

والكاتب “أحمد إبراهيم الفقيه”، كان عضواً بالمسرح القومي وأسس فرقة مسرحية أهلية ١٩٥٩، وقام بالتأليف والإخراج لها، كما أنه شارك في التمثيل أيضاً، قدمت في ١٩٧١ مسرحية غنائية هي (هندا ومنصور) من تأليفه وإخراجه، ومسرحيتان آخريان من ذوات الفصل الواحد هما: (زائر المساء) و(صحيفة الصباح).

من كتاب المسرح الليبي أيضاً؛ “عبدالرحمن حقيق”، الذي نشرت له في ١٩٧٦ مسرحية (الزنجي الأبيض).

ثورة الفاتح..

بعد أربع سنوات من قيام ثورة الفاتح عام ١٩٦٩، صدر قانون ١٩٧٣، بإنشاء “الهيئة العامة للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية”، وقد أنجزت الهيئة في غضون ثلاث سنوات (١٩٧٤ – ١٩٧٦):

  • إنشاء فرقة “محمد حمدي المسرحية”، كأول فرقة مسرحية حكومية متفرغة.
  • القضاء على ظاهرة تمركز العمل المسرحي في العاصمة والمدن الكبرى، فقررت إنشاء مكاتب لها في مدن: “بنغازي ودرنة وسبها”.
  • أنشأت المركز الوطني للفنون الشعبية.
  • بتقرير حدود المكافآت عن المصنفات الأدبية والفنية ومقابل الخدمات.
  • ثم أصدرت الهيئة لائحة داخلية تحكم أعمال الفرق المسرحية الأهلية.
  • أنشأت الهيئة كذلك مسرحاً للأطفال والعرائس.
  • أنشأت الهيئة معهد “جمال الدين الميلادي للتمثيل والموسيقا”، الذي يؤهل طلبته تأهيلاً فنياً متوسطاً.

المسرح في تونس..

عام ١٩٠٨ قدمت إلى البلاد فرقة كوميدية شعبية يرأسها الممثل المصري “محمد عبدالقادر المغربي” الشهير بـ”كامل وزوز”، ومثلت مسرحية (العاشق المتهم) مقتبسة عن الإيطالية. وفي أواخر ١٩٠٨ وفدت على تونس فرقة “سليمان القرداحي”، وقدمت عديداً من المسرحيات، وما لبث الشباب التونسي أن تجمع وكون “الجوق المصري التونسي”، حيث مثل الفنانون المصريون والتونسيون وقدموا في ١٩٠٩، مسرحية مصرية هي مسرحية (صدق الإخاء) للكاتب “إسماعيل عاصم المحامي”، وتوالت زيارات الفرق المصرية وتألفت في ١٩١٢ جماعة “الشهامة العربية”، وكانت قد سبقتها “جماعة الآداب العربية” عام ١٩١١، قدمت الفرقتان العديد من المسرحيات التي كانت تعرضها الفرق المسرحية المصرية، بالإضافة إلى ثاني مسرحية تونسية يجري تأليفها، وهي مسرحية (الإنتقام) من تأليف الشيخ “محمد مناشو”.

زيارات الفرق..

زارت عام ١٩١٤ فرقة الشيخ “سلامة حجازي”، وقدمت فن الشيخ الغنائي، ثم زيارة فرقة “جورج أبيض” لتونس عام ١٩٢١، وتقديمه مسرحياته، فقد اتفقت “فرقة الآداب” مع “جورج أبيض” على أن يعطي الفنانين التونسيين دروساً في التمثيل، ويخرج المسرحيات القيمة، وفي ١٩٢٧ جاءت “فرقة رمسيس” وقدمت مسرحياتها، واستمرت المحاولات التونسية لإنشاء فرق مسرحية مختلفة كان أكثرها سرعان ما يذوي ويختفي، وحل عام ١٩٣٢ وفي تونس أربع فرق مسرحية هي: “المستقبل التمثيلي”، و”فرقة السعادة”، و”فرقة الشيخ الأكودي”، و”جمعية التمثيل العربي”، وقد إمتازت هذه الفترة بظهور أول ممثلة تونسية هي: “زبيدة الجزائرية”.

كان هناك نشاط مسرحي كبير في الأربعينيات، ‡وكان من أبرز الممثلين “خليفة السطنبولي”، الذي تعدى نشاطه ليشمل تأليف مسرحيات عن أحداث التاريخ التونسي والتاريخ الإسلامي، فكتب مسرحية (المعز لدين الله الصنهاجي)، ومثلتها الفرقة التمثيلية للاتحاد الصفاقصي الزيتوني على مسرح بلدية تونس في عام ١٩٤٤، وكتب “السطنبولي” كذلك مسرحية (سقوط غرناطة)، ومثلت ١٩٤٠، ومسرحية (زياد الله الأغلبي)، مثلتها جمعية شباب الفن بسوسة ١٩٤٧، وفي ميدان المسرحية الاجتماعية كتب مسرحية (الإنتقام الرهيب) ١٩٤٧، ومسرحية (أنا الجاني) ١٩٤٧، ومسرحية (أعرف أشكون تخالط) مثلتها جمعية الأغالبة بالقيروان، كما ألف مسرحيات أخرى لم تمثل، منها مسرحية (سقوط مالقة) ١٩٤٦.

الخمسينات..

في الخمسينيات نجد المسرح التونسي لا يزال يصطدم ببعض العقبات، وأهمها عدم توافر العنصر النسائي، وقد كون “المنصف شرف الدين” (جمعية المسرح الحديث) ١٩٥٩، وكان جل أفرادها نساء ورجالات أقارب؛ وقد نجحت التجربة نجاحاً باهراً، فقدمت الفرقة مسرحيتي: (عيطة وشهود) و(مدرسة الأزواج)؛ سمح “المنصف” لزوجته بالقيام بأحد الأدوار.

تغير الموقف في المسرح التونسي بعد الحكم الوطني، وبخاصة عام ١٩٦٢، بعد اهتمام رئيس الجمهورية “الحبيب بورقيبة” بدأت نهضة مسرحية، وقد بلغ عدد الفرق المدرسية في ١٩٦٥ أربعين، وجرى الاهتمام بالتعليم المسرحي، وأقيم “مهرجان المسرح المغربي العربي” للمرة الأولى في ١٩٦٤، ثم أصبح من بعد تقليداً مسرحياً بارزاً في تونس.

إنطلق التأليف المسرحي في تونس، فجاءت مسرحيات: (مراد الثالث)، و(الطوفان)، و(الزير سالم)، و(قريتي) و(أقفاص وسجون). وكان عدد ما ظهر من مسرحيات في السنوات الخمس ما بين ١٩٦٦ و١٩٧١، يزيد على خمسمائة مسرحية.

مسرحية عربية..

حاول “عز الدين المدني” أن يقدم المسرحية العربية في الشكل والمضمون، وقد بدأت هذه المحاولة عام ١٩٦٨، ومن ثم قام كل من: “سمير العيادي” و”محمود أرناؤوط” و”محمد رجاء فرحات”، بإعداد مسرحية شعبية على أساس إحدى القصص التي وردت في كتاب لـ”عز الدين المدني” بعنوان (خرافات)، أي قصص شعبية، أما المسرحية فاسمها (رأس الغول)، وكانت أول محاولة في تونس لتفسير التراث على أساس اقتصادي علمي، وأخذ يتعمق فيها “عز الدين المدني” خلال مسرحياته، مثل مسرحياته (ثورة صاحب الحمار) ١٩٧١، و(رحلة الحلاج) ١٩٧٣، و(ديوان الزنج) ١٩٧٤، و(الغفران) ١٩٧٦، و(مولاي السلطان الحسن الحفصي) ١٩٧٧، نظر “المدني” إلى التاريخ نظرة عميقة وأستهلمه، ولا ينسى “المدني” أبداً في مسرحيته الإفادة من تقاليد المسرح الشعبي.

ومن الكتاب الشباب الذي يكتبون للمسرح التونسي “سمير العبادي”، الذي كتب مسرحيات: (عطشان يا صبايا) و(هذا فاوست الجديد) و(رحلة السندباد)، والكاتب “محمد رجاء فرحات”، الذي كتب (جحا والشرق الحائر)، و”محمد علي الحامي” وكتب بالإشتراك مع “المدني”؛ (صيف٢٦) و(كليلة ودمنة) و(باب الأسد والثور)، وهناك الكاتب “مصطفى الفارسي” و”التيجاني زليلة”، وقد كتب “مصطفى الفارسي” مسرحية (الفتنة) ١٩٦٩، ومع “التيجاني زليلة” كتب “مصطفى الفارسي” مسرحية (الأخبار) نشرت ١٩٧٣.

المسرح في الجزائر..

خلال عام ١٩٢١، زارت فرقة “جورج أبيض” الجزائر ولم تلق النجاح، فقد كان الوضع في الجزائر مختلفاً إذ إن ظهور المسرح لم يرتبط بالترجمة ولا بنخبة المثقفين ولم يكن هواية فقط، إذ إنه ارتبط في بداياته بشركة الأسطوانات المسماة “غوموفون”، حيث ظهرت أولى الإسكتشات المسرحية مسجلة على أسطوانات وكانت غنائية هزلية اجتماعية.

سمات المسرح الجزائري:

  • إنه ظهر من خلال العرض الشعبي مرتبطاً بذوق الجماهير الشعبية غير المثقفة، حيث كانت الإسكتشات الأولى تقدم في مقاهي الأحياء المزدحمة بالسكان، وهو لهذا مسرح تجاري، ولهذا فقد لبى منذ البداية مطالب الإهتمامات الشعبية وتقاليدها الفنية الأصيلة.
  • إنه مسرح أرتبط بالغناء وبلغة خفيفة قادرة على توصيل الفكرة والتعبير الفني، وإرضاء ذوق المتفرج والغناء، وأرتبط بالفكاهة أيضاً، ولذا غلبت سمة الفكاهة على طريقة الأداء حتى في المسرحيات الجدية.
  • إنه مسرح شعبي غير مثقف، بقي بعيداً عن رجال الأدب، حتى أن بعض هؤلاء حينما جربوا الكتابة المسرحية لم تكن نصوصهم صالحة للتقديم، ولذا بقيت أعمالاً أدبية نشرت في الكتب.
  • إن الممثلين أنفسهم هم الذين أقاموا بمهمة كتابة وإعداد النص، وكان بعض هذه النصوص يوضع شفهياً، ثم تجري كتابته في وقت لاحق، كما كان يحدث في حالة رائد المسرح الجزائري “رشيد قسنطيني”، ولهذا أرتبط النص المسرحي إرتباطاً عضوياً بالعرض فقط.

العشرينات..

في أوائل العشرينيات، وعقب فشل المحاولات التي بذلت لكتابة المسرحيات بالفصحى، شرع الممثلان “علالو” و”داهمون” في إخراج هزليات في شكل مسرحيات ضاحكة خشنة الإتجاه مكتوبة بالعامية، وقدمت لأول مرة على “مسرح الكورسال” في ١٩٢٦ وأحرزت نجاحاً طيباً.

وفي الثلاثينيات عرف المسرح الجزائري عصراً ذهبياً على يد “رشيد قسنطيني”، الذي كان أول من أدخل فكرة الأداء المرتجل إلى المسرح وألف أكثر من مئة مسرحية وإسكتش وقرابة ألف أغنية، وكثيراً ما كان يرتجل التمثيل ويطرق موضوعات مألوفة لدى الجمهور، ومن فناني الثلاثينيات “محيي الدين باشترزي” الذي زاول الإنشاد الديني في شبابه ثم تحول إلى الغناء وأتجه إلى المسرح وله ثماني من أشهر مسرحياته هي: (فاقو)، (من أجل الشرف)، (النساء)، (تشيك تشوك)، (دار المهابيل)، (الراقد)، (البنت الوحشية)، (ما ينفع غير الصح)، كما أنه قدم بعضاً من مسرحيات “موليير” باللهجة الدارجة.

المراحل التالية في المسرح الجزائري..

المسرح أعتمد بعد ذلك على النصوص المترجمة من نوع الإقتباس، وقد غلب هذا النوع من الإقتباس على المسرح الجزائري منذ نشأته، وهو يظهر بوضوح في أعمال الكاتب المسرحي “كاكي ولد عبدالرحمن”، والتجربة الثانية المهمة هي تجربة الكاتب “كاتب ياسين”، الذي إجتذبته ثورة الجزائر إلى الكتابة بالدارجة الجزائرية؛ بعد أن كان يكتب مسرحياته بالفرنسية، مثل مسرحيتي: (نجمة) و(الجثة المطوقة)، ومسرحية حققت نجاحاً جماهيرياً هي (محمد: خذ حقيبتك) وأدخل فيها أسلوب المسرح الوثائقي.

أزمة النصوص..

إلى جانب “كاتب ياسين”، قامت جهود شابة تسير على دربه، غير أنها أصطدمت بأزمة النصوص فقرر هؤلاء الشبان أن يعتمدوا مبدأ التأليف الجماعي، قد يصعب الحكم على مدى نجاح تجربة التأليف الجماعي في مسرح الهواة، إلا أنها بالتأكيد ظاهرة صحية وإيجابية ساعدت على تجاوز مشكلة النص وأسهمت في إغناء تجارب وشخصيات هواة المسرح الشباب.

من الكتاب المسرحيين الجدد، بالإضافة إلى كتابها السابقين، “محيي الدين باش تارزي” و”بوعلام رايس” و”توفيق المدني”، فقد حاول كتابة المسرحية الكاتبان: الدكتور “الجنيدي خليفة” في مسرحية (في إنتظار نوفمبر جديد)، والدكتور “أبو العيد دودو” في مسرحية (الثواب)، لكنهما لم يواصلا المحاولة لإنشغالهما بأعمال ثقافية أخرى.

أما المسرح الحديث، فيمثله كتاب مسرحيون من أمثال “كاكي ولد عبدالرحمن”، الذي كتب مجموعة من المسرحيات القيمة، منها (إفريقيا قبل السنة الأولى) و(بني كلبون)، كذلك قدم الكاتب”علولة” مجموعة من المسرحيات؛ مثل (الخبزة) و(المايدة)، ومسرحية (بوعلام زايد القدم) كتبها “سليمان عيسى”، وقامت حركة مسرحية نشطة في الجزائر قام بها الشباب وتلاقوا معاً في “مهرجان المسرح”، الذي يعقد في مدينة “مستنغانمي” لتبادل التجارب.

المسرح في المغرب..

رغم تنوع وغنى الفولكلور المغربي في ميدان المسرح: “مسرح الحلقة ومسرح البساط واحتفال سلطان الطلبة”، فإن المسرح بدأ في عشرينيات القرن الحالي في المغرب بالطريقة ذاتها التي بدأ بها في الأقطار العربية الأخرى، فقد ولدت شرارته من زيارات الفرق المسرحية العربية من مصر، كما أسهمت الفرق الأوروبية أيضاً في بث فكرة المسرح.

كان الإلحاح في المسرحيات الأولى التي عرفها المغرب منصباً على اللغة العربية، وضرورة النطق السليم بها على المسرح، وفضل الفنانون المغاربة هذا كله على الإتقان في التمثيل أو الإخراج أو التأليف، ومن ثم عبرت المسرحيات الأولى عن الحنين إلى أمجاد الماضي والرغبة في إحيائها.

أول فرقة..

تكونت أول فرقة مسرحية مغربية في مدينة “فاس” ١٩٢٤؛ من طلبة المدارس الثانوية، يساندهم بعض العرب المشارقة، الذين أستوطنوا العاصمة، وبينهم رجل اسمه “الخياط”، كان يعمل موزعاً للأفلام وسيدة تدعى “منرفه صائغ”، وكانت تعمل منتجة ومخرجة، وكانت هذه السيدة تدعم إنتاج عروض مسرحية بينها مسرحية كتبها “محمد الزيزي” بعنوان (الأيدي المحترقة)، أن ثانوية “المولى إدريس” بفاس كانت أول قاعدة إنطلقت منها التجربة المسرحية الأولى.

وهكذا تكون “جوق التمثيل الفاسي” من شباب المدينة؛ على رأسهم “عبدالواحد الشاوي”، الذي كان مؤلفاً و›ممثلاً ومخرجاً، وتضمنت الفرقة أيضاً الحاج “محمد أبو عياد”، الذي أشتهر بالغناء وبأداء أدوار المرأة، و”أحمد الحريشي” الذي برع في أدوار الهزل، وكانت الفرقة تقدم مسرحيات بعضها كان من تأليف فنان مسرحي مغربي مجاهد اسمه “القري”، كان يؤلف مسرحياته ويوقعها باسم “الشاوي”، حتى يفلت من عقاب السلطة الإستعمارية.

وبعد مدينة “فاس” تعددت المحاولات في مدن المغرب الأخرى، فتكونت في الرباط جمعية “مدرسة العاصمة الرباطية”، وفي عام ١٩٢٧ أسس “مصطفى الجزار” فرقة في مراكش، وبعد ثلاث سنوات، أي في عام ١٩٣٠ شاهدت مدينة “سلا” ميلاد جوق التمثيل، الذي قدم مسرحية (ملك وشعب) ثم (الرشيد والبرامكة) وأمتدت الحركة المسرحية إلى مدينة “طنجة”، التي عرفت نشاطاً مسرحياً حقيقياً، يرجع إلى زيارات متعددة للمدينة قامت بها فرقة المغنية “نادرة” وفرقة “الريحاني” و”بديعة مصابني” وفرقة “رمسيس” وفرقة “فاطمة رشدي” عام ١٩٣٢، وإلى جوار هذه الفرق العربية كان الإسبان يرسلون فرقهم المسرحية إلى “طنجة”، المدينة كانت تحوي مسرحاً يحمل اسم الروائي الإسباني “سيرفانتيس” شيد عام ١٩١٢.

وفي “طنجة” ظهرت فرقة جمعية “الهلال”، التي أسسها “أحمد ياسين” ١٩٢٣، وجعل لها فروعاً ثقافية متعددة، ولقد أستمرت الفرقة إحدى عشرة سنة قدمت فيها مسرحيات من أمثال: (عطيل وروميو وجولييت وهارون الرشيد ومجنون ليلى)، وفي عام ١٩٣٤ ألقت سلطات الإستعمار القبض عليهم، وما لبثت فرقة أخرى أن قامت بدلاً منها، هي فرقة “شباب طنجة” التي تكونت عام ١٩٣٨.

في الفترة ما بين ١٩٢٣ و١٩٤٠، هيأت الركيزة لحركة مسرحية لاحقة كانت أنضج وأكثر تطوراً، وبعد عام ١٩٤٠ شهد المسرح المغربي ركوداً كان مرده ظروف الحرب العالمية الثانية، بعد الحرب أخذت الفرق المسرحية تظهر، ففي “الرباط” قام فريق من تلامذة الثانويات بتقديم عروض مسرحية كان بينها “إسلام عمر” و”الفقيه القباني”، مقتبسة من “موليير” وأنشئت فرقة الأحرار.

وفي “فاس” قام التلامذة أيضاً بتأسيس فرقة “النجم المغربي للتمثيل العربي”، وقدمت مسرحيات بينها (هارون الرشيد) و(مولاي إدريس الأكبر)، و(الذئب الأغبر)، وظهرت فرق أخرى مثل “جمعية الطالب المغربي”؛ التي عرفت مسرحيتها (لولا الفقراء لضاع العلم)، ثم جمعية “إخوان الفن”، التي أحتضنت فنان المسرح المعروف “أحمد الطيب العلج”، والتي أنتجت مسرحية (الوزير والفنان) عام ١٩٥٠، فشهد المسرح المغربي مزيداً من النضج الفني، وتعددت الفرق المسرحية فكان هناك فرقة “أطلس” و”الستار الذهبي”، وأنضمت إليها مجموعة “شباب الفن”، التي قدمت أول مسرحية مكتوبة بالدارجة المغربية للفنان “أحمد الطيب العلج”، والذ كان اسم مسرحيته الأولى هذه (عمي صالح)، وكانت الفرقة قبل هذا قد قدمت مسرحية (بين نارين) بلغة مزدوجة.

وفي “الدار البيضاء” قامت الفرق المسرحية أشهرها “فرقة المنار”، وقد قامت بجولة في المدن المغربية، وقوبلت بإقبال كبير على مسرحياتها (صلاح الدين) و(فتح الأندلس) و(مسمار جحا) و(عبدالرحمن الناصر).

وفي ١٩٥٠ أيضاً بدأ الفنانون الشباب من هواة المسرح يرحلون إلى فرنسا لتلقي علوم المسرح، وأنشأت مصلحة الشبيبة والرياضة مركزاً تدريبياً لتكوين الهواة، وقد أمتاز بينهم “عبدالله شترون”، إدارة وبحثاً وتأليفاً.

مسرح الهواه..

رغم العقبات ونقاط الضعف الكثيرة التي شابت نشاط هواة المسرح في المغرب، فقد قدم مسرح الهواة خدمات جليلة علاوة على أنه كان دوما مسرحا نضاليا ومنهم: “عبد القادر البدوي” الذي كون عام١٩٥٥ فرقة من العمال اسمها “العهد الجديد” ومن بين  مسرحياته “غيتا”، و”مصطفى التومي”الذي نجح في ميادين التأليف والنقد المسرحي ومن مسرحياته “عفاف”، و “عبد الهادي بوزوبع” رائد فن التراجيكوميديا بين الهواة وقد دفعه ولعه بالكوميديا إلى الاهتمام بمسرحيات توفيق الحكيم، ومن بين الهواة الآخرين “الزكي العلوي” الذي فاز بالجائزة الأولى لمهرجان الهواة في أعوام ٬١٩٥٧ ٬٥٨ ٬٦٣ ٦٩، وهناك الثنائي: الغالي الصقلي وكريم بناني الأول كاتب مسرحي والثاني مخرج وقد قدما معا مسرحية “قريقعة “، وثمة ثنائي فني آخر مكون من شهرمان والزيادي.، الأول كاتب والثاني مخرج وقد قدما معا مسرحية “نكسة أرقام”  التي تعالج مشكلة الإنسان في العالم الثالث وصراعه الدائم من أجل الحرية.

المحترفون..

يقف في موقع القيادة من الفن المسرحي الاحترافي فنانان هما:”أحمد الطيب العلج”  و”الطيب الصديقي”  وقد عملا مستقلين في أغلب الأحيان وتعاونا حينا، وكانت وزارة الشبيبة والرياضة قد أنشأت في عام ١٩٥٦ معهدين مسرحيين أولهما في الرباط وثانيهما في الدار البيضاء،  ثم تكونت فرقة المسرح المغربي وقد قامت هذه الفرقة بجولات عام ١٩٥٦ في أنحاء العالم  وشاركت في عروض مسرح  بباريس وفازت بالجائزة الثانية.

هذه الفرقة ما لبثت أن انهارت حين رفضت السلطات المطالب بإنشاء نقابة تحمي مصالحهم، فقد فضل قسم من هذه الفرقة البقاء بينما انطوى فريق ثان تحت قيادة “الطيب الصديقي” الذي التحق وفريقه بالاتحاد المغربي للشغل وأسس فرقة المسرح العمالي، فقد كان بالمغرب عام ١٩٥٧ فرقتان: فرقة المسرح المغربي وفرقة المسرح العمالي، وحاولت السلطات تلافي ضرر هذه التفرقة فأنشأت مركز الفن المسرحي عام ١٩٥٩ قدم ثلاثين مسرحية لقاء أجر زهيد.

“أحمد الطيب العلج” قد تطور بكتاباته وأخذ يختار موضوعات جريئة يذكر منها مسرحية “السعد”مسرحية أخرى “حليب الضياف”، وفي عام ١٩٥٩ كتب العلج مسرحية ” الأكباش يتمرنون”، و “الطيب الصديقي” تولى كتابة و تمثيل وإخراج أعماله المهمة مثل “ديوان سيدي عبد الرحمن اﻟﻤﺠذوب” و “مقامات بديع الزمان الهمذاني”.

ثم في ١٩٧١ أخرج الصديقي أوبريت “الحراز” التي اعتبرها النقاد في المغرب إبداعا مغربيا خالصا ويبرز من بين كتاب المسرح المغربي منذ السبعينيات الكاتب الشاب عبد الكريم برشيد الذي كتب مسرحيات “قراقوش” و ” عطيل والخيل والبارود” “عرس الأطلس”  و “الناس والحجارة” ١٩٧٨ .

يكتب أيضا عبد السلام الشرايبي الذي قدم مسرحيتي”الحراز” و “سيدي قدور العلمي”  وقد اعتمد فيهما على التراث الشعبي،  كما يكتب الكاتب الشاب محمد شهرمان بالدارجة المغربية مسرحيات يقدمها الهواة، منها “الضفادع الكحلا”(السوداء) و “الرهوط” و ” نكسة أرقام”و “أقزام في الشبكة” ١٩٧٨ وجميع مسرحيات شهرمان تلتزم بقضايا اﻟﻤﺠتمع المغربي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة