7 أبريل، 2024 12:55 م
Search
Close this search box.

نشأة المسرح العربي (5) .. في العراق توجه للفلاحين والعمال واهتم بالسياسة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

في عام ١٩٢٦ زارت فرقة “جورج أبيض” العراق وقدمت حفلات تمثيلية في كل من بغداد والبصرة.. فكانت هذه الزيارة بداية تبلورت حولها حركة مسرحية نشطة، كانت موجودة في العراق من قبل.. زيارة تلك الفرقة المصرية وضعت الأسس الفنية الأولى للمسرح في العراق وغيرت نظرة الناس إلى هذا الفن ورفعت مستوى الهواة العراقيين الذين عملوا في هذا اﻟﻤﺠال، وكان الفنان العراقي “حقي الشبلي” المحرك لهذه الحركة المسرحية، فقد اشترك مع فرقة “جورج أبيض” بتمثيل دور “ابن أوديب” في مسرحية (أوديب ملكاً) التي قدمتها الفرقة.

أول فرقة مسرحية..

ثم اندفع “حقي الشبلي” في طريقه المسرحي الطويل، فألف أول فرقة مسرحية عراقية محترفة في مطلع ١٩٢٧، اشترك فيها إلى جانب الفنانين العراقيين نفر من الممثلين السوريين والمصريين، وهم “بشارة واكيم” و”عبد اللطيف المصري” و”عبد النبي محمد”، و”محمد المغربي” وغيرهم، وتجولت فرقة “حقي الشبلي” في العراق تدعو إلى التمثيل وتقدمه للجمهور وكانت أولى رحلاتها إلى الجنوب ١٩٢٨.

وتوالت زيارات الفرق المسرحية، فجاءت فرقة “فاطمة رشدي” ١٩٢٩، وقدمت عدداً من المسرحيات، ثم جرى اتفاق بين الفرقة و”حقي الشبلي” على أن ينضم إليها، فسافر إلى مصر للعمل والتدريب تحت إشراف “عزيز عيد”، وظل “الشبلي” في مصر في سفرته الفنية هذه ما يقرب من العام، فلما عاد إلى العراق ١٩٣٠ مع رحلة أخرى لفرقة “فاطمة رشدي”؛ قدمت الفرقة فيها حفلات في بغداد والبصرة والموصل، ظل “شبلي” في العراق، وألف فرقة باسمه هي: “فرقة حقي الشبلي” التي ظلت تكافح خمس سنوات متواصلة في سبيل دعم الفن المسرحي في العراق، عن طريق التمثيل في العاصمة والرحلات الفنية إلى أقاليم الشمال والجنوب.

مسارح أهلية..

حقي الشبلي

كذلك زارت العراق فرق مسرحية معروفة أخرى، منها “فرقة أمين عطا الله” ١٩٣١، وفرقة “أرطغرل بك” التركية ١٩٣٢، وفرقة “يوسف وهبي” ١٩٣٣.. ثم سافر “حقي الشبلي” إلى فرنسا عام ١٩٣٥ للدراسة، فلما عاد عام ١٩٣٩ أسس قسماً للتمثيل في “معهد الفنون الجميلة”، أخذ على عاتقه إعداد الممثلين واﻟﻤﺨرجين وتقديم المواسم المسرحية.

كانت هذه فترة ذهبية للمسرح العراقي؛ ظهرت خلالها عدة فرق محترفة قدمت إنتاجاً مسرحياً متعدد الجوانب وتمكن بعضها من تأسيس مسارح أهلية.

وبهذا اكتملت للحركة المسرحية العراقية عناصر أساسية في كل حركة مسرحية، وهي: “فنانون متحمسون يعملون بحماس الهواية على مستوى الاحتراف، وصلات عضوية حيوية بالفرق المسرحية خارج البلاد، ومادة مسرحية قابلة للتقديم كما هي أو بعد التشكيل، ومؤلفون مسرحيون من نوع أو آخر يقدمون أعمالاً مسرحية متفاوتة الحظ من الجودة والإبداع؛ ولكنها تكفي لكي يستمر النشاط المسرحي”. كل ما كان ينقص المسرح العراقي إذ ذاك أن يقوم فيه الكاتب المسرحي القومي، الذي يكتب لبلاده بالنظر العميق والفن المسرحي المقنع، وهذا لم يتأت للعراق إلا في أوائل الستينيات أو نحوها.

قبل الثلاثينيات..

نظرة سريعة على الفترات السابقة على الثلاثينيات في مسرح العراق.. فليس هذا المسرح وليد تلك السنوات وإنما له تاريخ أبعد من هذا بكثير.. هناك أولاً وقبل كل شيء التمثيل الديني الشوارعي الذي كان يقام في بغداد لتمثيل “مأساة الحسين”، وهو بكل المقاييس المسرحية المعروفة اليوم يعتبر ضرباً من ضروب تمثيل الشوارع؛ الذي تشترك فيه الجماهير وتؤدى فيه قصة درامية واضحة تحمل معاني مختلفة لمن يشتركون فيها، وهي في حالة استشهاد الحسين مأساة كاملة “قصة وحواراً وملابس ووقائع..الخ”.

يقول “الزبيدي” نقلاً عن مصادر مختلفة: “كان التمثيل يجري بصورة حية فتنصب الخيام في الساحات، وبخاصة الساحات المحيطة بأضرحة الحسين والعباس في كربلاء أو في صحن الكاظمية وجامع الخلافي في بغداد، فيرتدي الأمويون الملابس الحمراء بينما يرتدي الحسين وأصحابه الملابس الخضراء، ويحمل الطرفان الرماح والسيوف والدروع والأقواس والسهام وتشخص المعارك والمبارزات وبخاصة بين الشخصيات الرئيسة. وإلى جوار التعزية كانت هناك ألوان تمثيلية أخرى؛ منها الإخباري وهي مشاهد تمثيلية تضم حواراً هزلياً بين شخصيتين أو أكثر يتبادلون الأوصاف المضحكة والنكات ولا تتخذ موضوعاً بعينه، بل تعتمد على التهكم والسخرية. وكان القائمون به يرتدون ملابس تثير الضحك تناسب المشهد، وقد اعتمد عليهم أصحاب الملاهي الليلية في تقديم المشاهد المضحكة في آخر السهرة”.

فرق شعبية..

تذكر المصادر أن فرقاً شعبية للتمثيل قد تكونت لعرض هذه المشاهد في ملاهي ومقاهي بغداد قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، وفي فترة ما بين الحربين استطاع أحد المضحكين البغداديين واسمه “جعفر لقلق زاده”، بعد أن شاهد المسرح والتمثيل المسرحي أن يطور الإخباري إلى مشاهد هزلية لم يخل بعضها من قصة مسرحية، وإن كانت ساذجة تعتمد على التهريج والحركات الجسمية والألفاظ المثيرة للضحك.

وكان العراقيون مثل أهل البلاد العربية الأخرى يعرفون “خيال الظل” و”القراقوز”، وقد ظل منتشراً في البلاد حتى قبيل الحرب العالمية الأولى، كما عرفوا الأداء الدرامي الذي كان يقوم به رواة السير الشعبية في المقاهي، بما كان يصاحبه من عزف على الربابة وغناء بسيط، هذا التراث التمثيلي الشعبي انضم كله في تيار وجداني واحد حفر لنفسه مجرى واضحاً في النفس العراقية وغرس فيها فكرة المسرح والعروض المسرحية، فلما جاء الوقت الذي عرف فيه العراق المسرح المكتوب على الطريقة الغربية كانت الأرض ›ممهدة لقبوله.

أول مسرحية..

يرجع الباحثان العراقيان: الدكتور”علي الزبيدي” والدكتور “عمر الطالب”، تاريخ أول مسرحية في العراق إلى عام ١٨٩٣، حين كتب “نعوم فتح الله السحار” بالموصل مسرحية (لطيف وخوشابا)، معربة عن الفرنسية، وجعل هدفها حب الوالدين كي يحسنوا تربية أولادهم، كما قصد بها تعليم مشاهديها الصفح عن الإساءة، وقد استخدم فيها المؤلف حواراً مزدوجاً فصيحاً للسادة ودارجاً للخدم.

ثم توالت المسرحيات المترجمة عن الفرنسية فيما بقي من القرن التاسع عشر، وفي أوائل القرن العشرين ذكره الدكتور “عمر الطالب” بالتفصيل في كتابه: (المسرحية العربية في العراق)، موضحاً أن ترجمة المسرحيات وتمثيلها إنتشا من الموصل إلى بغداد، حيث اتخذا هناك طابعاً سياسياً كنوع من الاستجابة للاتجاهات التي سبقت إعلان الدستور العثماني. كذلك شاهد الجمهور العراقي في بغداد ثلاثاً وعشرين مسرحية باللغة الإنكليزية قدمتها فرقة الجيش البريطاني، وحظيت بإقبال كبير من الأهالي الذين أعجبوا بإتقان التمثيل والإخراج.

وازدهرت الحركة المسرحية في الموصل، ما بين السنوات ١٩٢١و١٩٢٥، حيث ظهرت المسرحيات المؤلفة، ولاسيما التاريخية منها، وتولى أمر تقديم هذه المسرحيات الشباب، وأخذت حركة مسرحية نشطة تظهر في بغداد لاحقاً بفضل انتقال كثير من هؤلاء الشباب إليها. عرف العراق إذ ذاك المسرحية التاريخية، والمسرحية القومية الاجتماعية المكتوبة باللغة الفصحى أو الدارجة أو كلتيهما معاً، كما عرف المسرحية الشعرية والميلودراما وقليلاً جداً من المسرحيات الهزلية.

النظرة إلى التراث الشعبي..

يوسف العاني

نتساءل كيف كانت نظرة الفنانين والكتاب المسرحيين للتراث الشعبي وهم يتهيئون إلى تحقيق ودعم اكتشافهم لفن المسرح ؟.. يقول الدكتور “علي الزبيدي”، وهو يذكر أمر تأليف “جمعية التمثيل العربي” عام ١٩٢٢ في بغداد: “وكان من فوائد هذه الجمعية أنها قضت على فكرة القراقوز القديم، وغرست في الناس حب التمثيل”، وقد كان هذا دائماً هو الشعور الأول الذي يواجه به الفنانون المسرحيون العرب أمر التمثيل الناشئ في بلادهم، فهم ينظرون إليه أولاً كمنقذ من معرة الفن التمثيلي الشعبي، ينظرون إليه أيضاً على أنه وسيلة تقدم اجتماعي وحضاري يترك وراءه هذه الألوان الفنية المتخلفة، يفعل روادهم هذا ليعود من تلاهم في الزمن من فنانين إلى تبين أن الشكل الغربي المستورد له حدود وأن هذه الحدود تنتهي بطريق مسدود، ومن ثم يأخذون يعيدون النظر في الأشكال المسرحية التراثية قصد إخراجهم من خطر التمدن القاتل الذي استوردوه مع الشكل الغربي للمسرح.

“يوسف العاني”..

واجه المسرح العراقي الناشئ، كشأن غيره من المسارح العربية، صعوبة الحصول على النص المسرحي الجيد، رغم المحاولات التي بذلت لتوفير المادة المسرحية له، وكان أول كاتب متميز، الكاتب المسرحي “يوسف العاني”، الذي ضمن لنفسه شرطي الموهبة والاستمرار وزاد عليهما معاناة التجربة المسرحية من زوايا أخرى غير التأليف؛ وأهمها التمثيل، فهو أقرب من غيره إلى مفهوم رجل المسرح إذ يجمع بين التأليف والتمثيل.

بدأ “يوسف العاني” في أوائل الخمسينيات حين كتب مسرحيات مثل (رأس الشليلة) ١٩٥١، وفيها يستخدم أسلوب التمثيلية الإذاعية كي يفضح ما يقوم في الدوائر الحكومية من فساد إداري يشمل الدائرة بأكملها، ويجمع “العاني” هنا بين الواقعية في العرض والتصوير وبين الفكاهة، والنقد الاجتماعي هنا واضح ومباشر وموجه نحو هدف يرمي إليه “العاني” دائما في مسرحياته؛ وهو نصرة المظلوم الشعبي على خصومه من أعداء الشعب ومستغليه.

المسرحية التالية (ستة دراهم) ١٩٥٤، تسجل تقدما واضحا على سابقتها نحو فن المسرح، ومرة أخرى يبرز “يوسف العاني” بطله الذي يتخذ سمة الشاطر الشعبي في الحواديت لينتقم من أعداء الشعب، في عام ١٩٥٥ مرحلة مهمة من مراحل تطور “العاني”، ففي هذا العام كتب مسرحيته المعروفة (أنا أمك يا شاكر)، ودخل بفنه بقوة وجسارة ودون مواربة في المعركة الوطنية، التي كانت تدور في العراق إذ ذاك لتحقيق التحرر الوطني على الصعيدين الداخلي والخارجي، صور الأم ذات الإرادة الحديدية والوعي السياسي غير العادي لها ولأولادها، والذي لا يتزعزع في حتمية الثورة الوطنية وضرورة انتصارها.

أصبح “يوسف العاني” أكثر عمقا في مسرحياته المهمة اللاحقة؛ وعلى رأسها مسرحيات (المفتاح) و(الخرابة) و(الخان وأحوال ذلك الزمان)، كتب “العاني” مسرحية (المفتاح) ما بين عامي ١٩٦٧، ١٩٦٨، وفي هذه المسرحية نلقاه مشغولا بالإنسان وقضاياه، الإنسان التقدمي خاصة، والهدف كما كان دائما عند “العاني” الإنسان وهداية الإنسان إلى وسائل التقدم.

انتقل “العاني” إلى كتابة مسرحية مهمة أخرى هي (الخرابة) ١٩٧٠، هي في جوهرها فانتازيا تفيد من أشكال مسرحية متعددة بينها المسرح الوثائقي والدعائي، والمسرح الشعبي، ومسرح العرائس لتعرض علينا مشكلة الخير والشر في معانيها المتعددة: الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية… الخ. وفي عام ١٩٧٦ قدم “يوسف العاني” مسرحية (الخان وأحوال ذلك الزمان)، وفيها نجح الكاتب في خلق موازنة دقيقة بين أحوال ومصائر سكان الخان وبين الأحداث القومية الكبرى التي كانت تدور في العراق آنذاك.

كتاب واعدون..

إلى جانب “يوسف العاني” قام كتاب مسرحيون واعدون بمد الحركة المسرحية العراقية بنصوص تفاوتت في القيمة، مثل “نور الدين فارس” الذي يتابع فن “العاني” الاجتماعي فيقدم مسرحية “البيت الجديد” ١٩٦٨ وهي تحكي قصة الصراع بين صنفين من الناس أولئك الذين ينتمون إلى الماضي الموشك على الانتهاء وأولئك الذين يسمعون إلى هدم الماضي وإقامة صرح مستقبل جديد فوق أنقاضه، وهي مسرحية مكتوبة بجسارة وواقعية أخاذة إذ تصور فساد الحاضر هذا التصوير البديع، وهي لا تكتفي بالإيحاء بضرورة قيام مجتمع جديد بل تعلن هذا إعلانا في نهاية المسرحية.

نور الدين فارس

كتب “نور الدين فارس” مسرحيتين لافتتين للنظر وهما: مسرحيتا “الغريب”و “العطش” اللتان ظهرتا في كتاب واحد عام ١٩٧٢ ومسرحية “جدار الغضب” المطبوعة ١٩٧٤، مسرحية “الغريب” عمل فني مهم  أقوى ما فيه هو شخصية الغريب شدهان، إنه يمثل تشوق الناس إلى العدل والحرية واندفاعات الشعب التلقائية نحو بلوغ هذين الهدفين، والمآزق الكثيرة التي يتعرض لها لا توهن من حبه للناس والخير والعدل ولا تجعله ينسى الحلم الذي يفكر فيه دائما والذي يبشر فيه بأن العدل قد قام وأن الظلم قد تداعى.

أما المسرحية الأخرى التي ظهرت مع “الغريب” في كتاب واحد فهي مسرحية “العطش”، في المسرحيتين نغمة مشتركة هي سلبية الجماهير وتفرقها عن حقها المشترك وميل أفرادها إلى أن يرعى كل مصالح نفسه وحسب، وفي كل منهما بطل شعبي يتصدى للكفاح من أجل قومه  في وجه قوى عاتية ظالمة تبطش بالجماهير بطشا شديدا دون أن يكون في إمكان الجماهير الدفاع عنه.

وفي مسرحية “جدار الغضب” يعرض “نور الدين فارس” ثورة الزنج عرضا دراميا بسيطا ولكنه مؤثر، عرض “نورالدين فارس” فكره الواضح  وموقفه المؤيد والناقد معا لثورة الزنج وكيف تطورت.

وما بين عامي ١٩٦٨ و ١٩٦٩ كتب “عادل كاظم” مسرحية”الموت والقضية” وانتزع من ألف ليلة شخصيتيها الدائمتين: شهرزاد وشهريار وجعل منهما رمزين للحرية (شهرزاد) وللضياع (شهريار) وأنشأ ما بين الاثنين علاقة جديدة هي علاقة الحرية التي تحوم حول الضياع.

مسرحيات فكرية..

وثمة مسرحيات فكرية أخرى كتبها كتاب لا تنقصهم الموهبة مثل”خشب ومخمل” ١٩٦٥،  ١٩٦٦ ل”عبد الملك نوري” و”السؤال” ل”محيي الدين حميد”١٩٧٠  والمسرحية الأولى تحاول في بساطة أن تعرض مأساة ملك يحاول في القرن العشرين أن يحتفظ بعرشه. وقد كانت هذه المسرحية جديرة بأن تكون أفضل بكثير مما هي  لو عرض المؤلف مأساة الملك من وجهة نظر الشعب. بدلا من أن يكون الشعب مؤامرات وانتفاضات نسمع بها ولا نراها، “عبد الملك نوري” له قدرات واضحة في إدارة الأحداث والحوار، أما المسرحية الثانية “السؤال” فتعرض مأساة طبيب ليبرالي اسمه صفوان يؤمن بالحق ويبذل العون للناس ولكنه يثق في سذاجة  بأن القانون عادل وتكون النتيجة أن يقتل الطبيب بأمر القانون  متهما بقتل رجل لم ير إلا جثته.

استلهام التراث..

وعلى درب استلهام التراث أعد “قاسم محمد” في ١٩٧٣ مسرحيته الطريفة “بغداد الأزل بين الجد والهزل” وفيها يغوص قاسم في بطون كتب التراث كتب الجاحظ، ومقامات الحريري وما رواه الرواة عن أشعب الطفيلي، وما سجله الباحثون عن الشعراء الصعاليك والظرفاء والشحاذين ليقدم لنا عرضا مسرحيا بطله السوق بكل ما يحوي من مفارقات وملاعب وألاعيب وتناقضات بين فقراء مسحوقين وأغنياء، وهو يوائم في عرضه المسرحي هذا بين فن مخاطبة الجماهير والرواية لها وفن التمثيل، فعودة “قاسم محمد” إلى السوق واعتماده شكلا مسرحيا هو في وقت واحد تجديد وعودة إلى تقليد قديم.

التفتح على التراث العالمي..

تمتاز الحركة المسرحية في العراق بتفتحها على التراث العالمي في المسرح، إلى جوار الاهتمام بالمؤلف العراقي والفنان المسرحي العراقي، ومن الإنجازات اتجاه المسرح العراقي إلى الاهتمام بأعمال الفنانين المسرحيين في آسيا وأمريكا اللاتينية، وفي هذا الصدد قدمت الفرقة القومية للتمثيل مسرحيات:”طائر الحب” للكاتب الياباني “كيند ستياو” و”الإملاء” للكاتب الإيراني “كوهر مراد” و”شيرين وفرهاد” للكاتب التركي “ناظم حكمت” و”الثعلب والعنب” للكاتب البرازيلي “جولهيم فيجويردو” و “الأشجار تموت واقفة” للكاتب الإسباني “أليخاندرو كاسونا”. كما قدمت الفرق الأهلية ثلاثية الكاتب البرازيلي “داركون أورفالدو”، وعرضت أيضا بعض أعمال “أربوزوف” و”بريخت” و”أناتولي لوناكارسكي” وغيرهم.

قاسم محمد

الاتجاه للفلاحين..

سعت الحركة المسرحية في العراق إلى توسيع رقعة المسرح المحلي بالانتشار إلى فئات جديدة من المشاهدين في العاصمة والأقاليم، واتجه الاهتمام إلى الفلاحين كمتفرجين جدد ‡تمكن للحركة المسرحية العراقية أن تكسبهم إلى صفوفها، وبالفعل أخذت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في تكوين فرق صغيرة من خريجي المعاهد الفنية ومن ذوي المواهب من الموظفين والعمال ونشرتها في المحافظات ومعها مسرحيات مبسطة في لغتها ووسائلها تتناول موضوعات ذات صلة بحياة الفلاحين، وما لبثت هذه الحركة الناشئة أن اتسعت وأخذ أبناء الفلاحين ينضمون إليها وجعلت تبرز لها قسمات فنية خاصة بها منها المشاركة الجماعية في كتابة النصوص التي تتحدث عن كفاح الفلاحين السياسي والطبقي.

وفي عام ١٩٧٣ التقت الفرق الفلاحية في أول مهرجان مسرحي كان من ثماره التوصية بأن تتغلغل الفرق الفلاحية إلى أقاصي الريف لتحقيق أهدافها في الإمتاع والتوجيه، وفي عام ١٩٧٦ أنشئت مؤسسة عامة للثقافة الفلاحية من واجباتها الرئيسية إيصال المسرح إلى أعماق الريف، وتشكلت في العراق فرقتان مركزيتان إحداهما لمنطقة الحكم الذاتي(الأكراد) والثانية للمناطق الأخرى على أن تقوم الفرقتان بعرض أعمالهما بشكل  متواصل، وأبقيت تشكيلات فرق المحافظات.

التوجه للعمال..

كذلك اتجهت الحركة المسرحية في العراق إلى القطاع الثاني الكبير من قطاعات الجماهير وهو قطاع العمال، وتبدأ قصة المسرح العمالي في يوم من أيام مايو ١٩٧١ حين اجتمع ٣٥ عاملا من هواة الفن المسرحي في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال وقرروا تشكيل فرقة عمالية سميت “بيت المسرح العمالي”، وقد قدمت الفرقة إنتاجها أولا من خلال التليفزيون ثم اتجهت من بعد إلى المسرح فقدمت مسرحيتين “البوابة” و “المعادلة” من تأليف “غازي مجدي” وقدمت مسرحية ثالثة هي”تألق جواكان مريتا ومصرعه” لبابلو نيرودا أعدها “ملك المطلبي” بعنوان”الرأس”. وقد أخرج المسرحيات الثلاث “محسن العزاوي” وأداها أعضاء بيت المسرح العمالي خلال صيفي ٬١٩٧٤ ١٩٧٥ وحظيت جميعا باهتمام كبير.

وفي صفوف الطلاب والشباب  بدأ نشاط مسرحي لافت للنظر، ففي عام ١٩٧٤ أقيم المهرجان الأول للمسرح الطلابي بمناسبة يوم المسرح العالمي، وأثبتت عروض المهرجان قيمتها الفنية فأصبح المهرجان تقليدا يقام في كل عام على مستوى القطر كله، كذلك شكلت المراكز التابعة لوزارة الشباب وداخل منظمات الاتحاد العام لشباب العراق فرقا ومجموعات مسرحية من الشباب المتحمس، وكان بعضهم يصعد إلى الخشبة لأول مرة بعد تدريب ومران يتمان بإشراف فنانين مسرحيين من خريجي معهد المسرح وأكاديمية الفنون، وتقدم عروض الفرقة بأبسط الوسائل الفنية ويشترك أعضاء الفريق كلهم في التأليف والإخراج، وتتناول المسرحيات موضوعات السياسة المرتبطة بالأحداث الراهنة. وقد عقد في بغداد سبتمبر ١٩٧٣ أول مهرجان لفرق مراكز الشباب تحت شعار: “المسرح في خدمة الثورة والجماهير” واشتركت فيه خمس فرق وكان أكثر العروض من فصل واحد تعالج جميعا موضوعات سياسية محلية وعربية.

مسرحيات للأطفال..

أما الأطفال فقد اهتمت الفرقة القومية للتمثيل اهتماما خاصا بهم فهي تقدم لهم في كل موسم مسرحيات موجهة لهم خصيصا، وقد استطاعت الفرقة أن تنقل تجربة مسرح الطفل إلى خارج المدارس وأن تعود الأطفال والشباب ارتياد المسرح، وقد بدأت المحاولات الأولى لكتابة مسرحية الطفل بتقريب أجواء ألف ليلة على مستوى الأطفال وذلك بإعادة كتابة مسرحية “علي جناح التبريزي وتابعة قفة” لألفريد فرج بحيث تلاءم الأطفال، كما قدمت الفرقة “طير السعد” عام١٩٧٠ و”الصبي الخشبي” عام١٩٧٢وكلتاهما يعتمد على الأسطورة وقد أعدهما “قاسم محمد”، و “زهرة الأقحوان” عام ١٩٧٥ من تأليف “سعدون العبيدي”، وعرضت عام ١٩٧٦ مسرحية “جيش الربيع” التي أعدها مخرجها “سليم الجزائري” عن مسرحية “عربة الصلصال الصغيرة” للكاتب سودراكا أحد كتاب المسرح الهندي القديم، كما قدمت الفرقة مسرحية “علاء الدين والمصباح السحري” للكاتب الإنجليزي جيمز نورين، وقد حرصت الفرقة على إنشاء علاقة مباشرة بينها وبين الأطفال وذلك بالإصرار على الحضور والإنتاج في كل موسم، وكذلك عمدت إلى أخذ وجهات نظر الأطفال فيما تعرضه عليهم.

المصادر:

– كتاب “المسرح في الوطن العربي” – د. علي الراعي.

– ويكيبيديا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب