15 نوفمبر، 2024 8:26 م
Search
Close this search box.

نشأة المسرح العربي (4) .. طارده الاحتلال الصهيوني وطاف مع أحلام الاستقلال الفلسطيني المجهضة !

نشأة المسرح العربي (4) .. طارده الاحتلال الصهيوني وطاف مع أحلام الاستقلال الفلسطيني المجهضة !

خاص : كتبت – سماح عادل :

(المسرح الفلسطيني).. ارتبط بمقاومة العدو الصهيوني، حتى قبل الاحتلال الفعلي للأراضي، ورغم الاحتلال استمر في خارج فلسطين وفي داخلها.

عبر بحث عن المسرح الفلسطيني قدمه الأستاذ “عدنان أبو عشمة” للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام ١٩٧٣، يورد الكاتب حقائق مهمة عن بدايات النشاط المسرحي الفلسطيني تحت حكم الانتداب البريطاني.. يذكر الباحث أنه رغم عدم تشجيع سلطات الانتداب للمسرح الفلسطيني المحلي؛ وتفضيلها المسرحيات المترجمة إلى العربية من المسرح العالمي، فإن هذا لم يمنع قيام كتاب مسرحيين فلسطينيين قدموا عدداً لا بأس به من المسرحيات؛ طبع منها القليل وبخاصة ما كتبه “نصري الجوزي” و”جميل بحري”.

احتلال فلسطين..

سميح القاسم

لم يكد المسرح الفلسطيني يبدأ؛ حتى تعرض للصدمة العنيفة، وهي صدمة استلاب فلسطين من قبل الصهيونية العالمية، وهاجر معظم فنانو المسرح الفلسطيني إلى الأردن، حيث بدئوا نشاطاً مسرحياً فلسطينياً هناك.. أما من آثر البقاء منهم فوق الأرض فقد سكتوا مدة من الزمن ثم عاودوا نشاطهم، مؤيدين بكثير من العناصر اليهودية التي تهوى تمثيل المسرح العربي، والتي قدمت من بلاد عربية مثل مصر والعراق، وعلى هذا تكون مسرح عربي؛ كان من أبرز سماته تعاون فنانين مسرحيين عرب وفنانين مسرحيين يهود ينطقون بالعربية.. كان من بين هؤلاء اليهود “متاحو إسماعيلي”، الذي اكتسب خبرة مسرحية طيبة في مصر فجمع حوله عناصر مسرحية كون بها فرقة أخرجت مسرحية (تعويذة الهند)، وهي مسرحية باللغة العربية عن حياة المهاجرين الشرقيين إلى إسرائيل.

وتطلع اليهود القادمون من العراق إلى أن يشاركوا في النشاط المسرحي الذي بدأه إخوان لهم من مصر، فقدموا مسرحيات عربية كثيرة وبدئوا بتقديم مسرحية “شوقي” (مجنون ليلى) في ١٩٥٦، وقد لقيت المسرحية نجاحاً.

قبل النكبة..

قبل النكبة عام ١٩٤٨، كان عدد الفرق المسرحية في القدس وحدها ثلاثين فرقة مسرحية، ولكنها كانت فرقاً ضعيفة.. وكان يعمل إلى جوارها كتاب غزيرو الإنتاج على رأسهم: “جميل حبيب بحري”، وقد كتب إثنتي عشرة مسرحية بينها: (الوطن المحبوب) نشرت بالقاهرة ١٩٢٣، و(الخائن) مأساة في ثلاثة فصول ١٩٢٤، و(في سبيل الشرف) مأساة في خمسة فصول  ١٩٢٦، و(سجين القصر) مأساة في خمسة فصول ١٩٢٧.

كتاب المسرح..

كاتب آخر اسمه “نصر الجوزي”، وقد كتب إحدى عشرة مسرحية، بينها: (العدل أساس الملك) ١٩٥٦، و(الدنيا أم) ١٩٥٦، و(فؤاد وليلى)، و(الحق يعلو)، و(شبح الأحرار)، وذلك إلى جوار مسرحيات للأطفال: (ذكاء القاضي) كتبها المؤلف بالفصحى، و(صور من الماضي) وهي تاريخية موجهة للأطفال أيضاً، و(تراث الآباء) من فصلين بالفصحى وموجهة للأطفال كذلك، وتستهدف الدعاية ضد بيع الأراضي في فلسطين لليهود.

وكتب “برهان الدين العبوشي” مسرحية (وطن الشهيد)، من خمسة فصول، وتدعو إلى العمل العربي الموحد ضد نشاط اليهود في فلسطين.. وكتب “محمد حسن علاء الدين” مسرحية شعرية في أربعة فصول عن حياة وموت الشاعر الجاهلي “إمرؤ القيس”.. وكتب في الاتجاه نفسه “محيي الدين الحاج عيسى الصفدي” مسرحية (كليب)، وهي شعرية في خمسة فصول وتحكي عن معارك “كليب” مع “جساس” ابن عمه وصهره.

وكتب “محمود محمد بكر هلال” مسرحية (فلسطين باللغة الفصحى).. وكان الغرض من هذه المسرحيات استنهاض همة الأمة العربية، وحث أفرادها على الالتفات إلى أمجاد الماضي.. تلمساً للعبرة وللحافز معاً.

المسرحيات السياسية..

كذلك عرف المسرح الفلسطيني أيام الانتداب، المسرحيات السياسية، وكانت رقابة سلطات الاحتلال صارمة.. كانت توجه أقسى معاملاتها ضد المسرحيات السياسية المطبوعة. غير أن هذا لم يحل دون أن تلعب المسرحية السياسية دورها المهم في نشر الوعي بين الناس، وخرجت في فترة ما بين الحربين مسرحيات تحارب الصهيونية وتحض على عدم بيع الأراضي لليهود، وصرف بعض الكتاب همه الأول للكتابة المسرحية الموجهة ضد النفوذ الأجنبي وتدخله في شؤون العرب الداخلية.

الثورة الفلسطينية..

مع قيام الثورة الفلسطينية تطلع الثوار إلى إعادة النشاطات الثقافية والفنية، التي أهدرت طوال سنوات النكبة، فقامت بادرة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني “جمعية المسرح العربي الفلسطيني” عام ١٩٦٦ واتخذت من دمشق مقراً لها، وقد حددت الجمعية لنفسها أهدافاً واضحة هي:

معين بسيسو

لتوعية بالقضية الفلسطينية، وعرض تجارب الثورة الفلسطينية النضالية على المسرح، وإحياء التراث الثقافي الفلسطيني.. ولبلوغ هذه الأهداف تكونت فرقة للتمثيل المسرحي زارت عواصم البلاد العربية وقدمت عروضها على مسارحها.

كما أسهمت “جمعية المسرح العربي الفلسطيني” في تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء التراث الشعبي وحمايته من الضياع، وقد تبنت “حركة فتح” هذه الفرقة ودفعت تكاليف إدارتها وزودتها بما يلزم من مدربين، وقد قدمت “جمعية المسرح العربي الفلسطيني” على مسارح كثيرة في العواصم العربية المسرحيات التالية:

(شعب لن يموت) من تأليف فتى الثورة وإخراج “صبري سندس”، (الطريق) تأليف وإخراج “نصر الدين شما”، (حفلة من أجل ٥ حزيران) من تأليف “سعد الله ونوس” وإخراج “علاء الدين كوكش”.. أما مسرحية (شعب لن ‡يموت) فموضوعها أقلية عربية في مدينة يافا تعارض السلطات الإسرائيلية في محاولتها إزالة إحدى الجبانات لتقيم بدلاً منها فندقاً سياحياً، فتعتقل سلطات الاحتلال الإسرائيلي زعيم هذه الأقلية وتزج به في السجن، وخلال التحقيق ‡يموت المعتقل تحت تأثير التعذيب، ويتولى أحد تنظيمات الثورة الفلسطينية (العاصفة) الانتقام من القاتل، وقد أوضحت المسرحية مصير الذي ينخلع من مجتمعه فهو لا يسمح له بالاندماج في اﻟﻤﺠتمع الإسرائيلي مهما قدم من خدمات لإسرائيل.

وقد كان من بين إنجازات الجمعية لفت الأنظار إلى ضرورة تشكيل فرق للفنون الشعبية الفلسطينية؛ تستطيع التصدي للفرقة الإسرائيلية، التي تسرق فن الشعب الفلسطيني وتقدمه في عواصم العالم على أنه فن شعبي إسرائيلي، وذلك كي تدعم مزاعمها في أصالة وجود اليهود في فلسطين.

مسرح في الأرض المحتلة..

كان هناك مسرح عربي فلسطيني يقدم أعماله في الأرض المحتلة، ومسرحيات يقدمها جيل جديد من الكتاب المسرحيين بنجاح في الضفة الغربية، من هذه المسرحيات واحدة اسمها (العتمة)؛ نالت قبولاً ونجاحاً لدى عرضها، وكتب الشاعر الفلسطيني “سميح القاسم” مسرحية نضالية اسمها (قرقاش).. تقع مسرحية (قرقاش) في افتتاحية وأربع لوحات مكتوبة بالشعر، وهي تحكي قصة ديكتاتور بغيض اسمه “قرقاش” يقود قومه إلى السلب والنهب والقتل، وينص “سميح القاسم” على أنه يحق للمتفرجين أن يتدخلوا في الحوار ويبدوا آراءهم بالشكل الذي يرونه.

وكتب الشاعر الفلسطيني “معين بسيسو” مسرحية (ثورة الزنج)؛ مستخدماً فيها تلك الثورة التي قامت في القرن الثالث للهجرة وسيلة لإسقاط الأحكام على الثورة الفلسطينية وكل الحركات الثورية التي توالت منذ “ثورة الزنج” حتى قرننا العشرين هذا.

في مسرحيته التالية (شمشون ودليلة)؛ ركز “معين بسيسو” على موضوع واحد هو الثورة الفلسطينية، صور فلسطين قبل الثورة ويشير إلى بوادر الحركة التي أدت إلى اندلاع الثورة ثم ‡مر سريعاً على نكبة 67، وتجاوزها إلى ما تلاها من دلائل إيجابية تتمثل في رفض العرب للهزيمة وإصرارهم على مواصلة الكفاح.

وكتب “سهيل إدريس” مسرحية عن فلسطين باسم (زهرة من دم)؛ وهي تقع في ثلاثة فصول، وتحكي عن أسرة فلسطينية مكونة من الأم والابن الأكبر “نزيه” والابنة “فادية” والابن الأصغر “زياد”.. وهي محاولة جادة من أديب معروف لأن يكتب مسرحية عن فلسطين وآلامها وكفاح أبنائها وآلامهم وتطلعهم المشروع إلى استعادة وطنهم السليب.

ثورة عمال وفلاحين..

كتب “هارون هاشم رشيد” مسرحية شعرية تحت اسم (السؤال)، تتميز المسرحية بأنها تضرب بعيداً في تاريخ القضية الفلسطينية، وتوضح أن الثورة الفلسطينية ضد الاستعمار البريطاني والغزاة الصهاينة قد كانت ثورة فلاحين وعمال، الأمر الذي أفزع الحكام العرب فتآمروا على وأد الانتفاضة الشعبية واستبدلوا بها حرباً نظامية أمسكوا خيوطها ووجهوها إلى قبول التقسيم، كذلك تقف المسرحية وقفة سياسية صحيحة من الأحداث التي سبقت مجازر”أيلول الأسود”، فهي تحذر من الانقضاض على السلطة، الذي كان إذ ذاك أمراً سهلاً، وترى في هذا إجهاضاً للثورة وتحويلاً ﻟﻤﺠراها من حركة تحريرية إلى سلطة وحكومة كان يسهل أمر القضاء عليها.

غسان كنفاني

ضد الإله..

في غير قضية فلسطين كتب “غسان كنفاني” مسرحية (الباب) عام ١٩٦٤، وفي ملاحظة ختم بها النص المسرحي المنشور نبه الكاتب قراءه ومتفرجيه إلى أن عصر المسرحية هو الزاوية التي ينظر الأبطال منها إلى الأحداث وهم خاضعون لأفكار ذلك العصر دون أي اعتبار عرفته واكتشفته العصور الأخرى فيما بعد، ويحذر “كنفاني” من أن أي محاولة لتطبيق أفكار لاحقة وحقائق تاريخية حدثت فيما بعد على وجهات نظر أبطال ذلك العصر لن ينتج عنه سوى تشويش المسرحية وتحميلها ما لا تحمله.

إن موضوع “الباب” موضوع خطير.. فهو لا شيء أقل من ثورة الإنسان ضد الإله والإنسان، المسرحية حافلة بالأفكار الجريئة التي تحفز إلى التأمل، وأفكارها تلبس صوراً واضحة ‡يمكن تجسيدها، فهي ليست أفكاراً في فراغ.. ووراء هذه الأفكار أنفاس من “بروميثيوس” سارق النار من الآلهة كي ينفع بها البشر، وبها التضاد ذاته الذي يوجد في أسطورة “بروميثيوس” بين الآلهة والإنسان.

وفي المسرحية صراع فكري وجسدي ضد فكرة السلطة المطلقة، التي تستعبد الإنسان مقابل أن تمنحه الكفاف، وبها دعوة إلى الثورة على كل سلطان مطلق ونبذ الخوف من الموت أثناء الثورة، في سبيل تحقيق رفاهة الإنسان، وبها تفاؤل بأن تقوم أجيال وراء أجيال بتعريض فكرة السلطة المطلقة إلى تيار متصل من عوامل التعرية حتى تشف الفكرة ويظهر ما وراءها من ظلم للإنسان.

العوامل التي أثرت في مرحلة 1948 – 1967..

عرقلت النكبة صعود نجم المسرح الفلسطيني، لكنها من جانب آخر راحت تغذي الذات الفلسطينية وتثير الإبداع، فقد احتل موضوع “النكبة” معظم الكتابات المسرحية، كما ساهم انتشار التعليم والمدارس أيضاً في دفع المسرح إلى الأمام حيث التعليم يخدم الوعي المسرحي، وساهم التعليم العالي كذلك في موضوع المسرح، وكذلك الفرق الفلسطينية والمهرجانات الصيفية ووسائل الإعلام، كل ذلك خلق روح جديدة للمسرح في فلسطين.

من جانب آخر واجهت الحركة المسرحية مجموعة من الصعوبات، مثل قوانين الاحتلال وأوامره الرقابية التي حدّت كثيراً من انطلاق المسرحيين الفلسطينيين، وتأثرت الحركة المسرحية كذلك بعامل عدم وجود هيئة مسؤولة تنظم علاقات المسرحيين وتدعمهم، وشكلت ندرة النصوص المسرحية عاملاً هاماً أعاق المسرح الفلسطيني عن النهوض، كما بقيت المشكلة الاجتماعية التي تمثلت في عدم وجود فتيات يقمن بالأدوار النسائية، وهذه المشكلة عانى منها المسرح في فلسطين طويلاً.

ومن المهم أن نذكر أنه بعد عام 1967 تأسس المسرح الفلسطيني خارج الأرض المحتلة، حيث حالت الظروف التاريخية دون ظهور هذا المسرح قبل هذا التاريخ.

سهيل إدريس

كما استمرت الفرق العاملة داخل الأراضي المحتلة بممارسة نشاطها المسرحي وكان أبرزها فرقة المسرح الفلسطيني وفرقة المسرح الشعبي “سنابل” و”بلالين” و”دبابيس” و”المسرح التجريبي” و”فرقة الكواكب” و”فرقة صندوق العجب” وغيرها كثير.

الثمانينيات..

برزت في أواخر الثمانينيات عدة فرق مسرحية كمسرح “الرواة” ومسرح “سنابل” ومسرح “الجوال” و”الرحالة”, ومسرح “الورشة الفنية”، كما وظهرت العديد من المسرحيات، والتي خرجت من دائرة الشعار السياسي إلى دائرة الإنسان واحتياجاته في التحرر والاستقلال, ومن هذه المسرحيات (الزبال) لمسرح الرواة، و(سيدي الجنرال) لمسرح سنابل، و(موتى بلا قبور) لمسرح الورشة الفنية، ومسرحية (العصافير) لمسرح النزهة الحكواتي، كما وخرجت أسماء جديدة في المسرح الفلسطيني ساهمت بنشر ثقافة الاحتراف لدى العاملين في الحركة المسرحية الفلسطينية، وقد قام مسرح الرواة بجولات مسرحية داخل فلسطين، وخصوصاً في المناطق المهمشة، وتم عرض مسرحية (كوكو ريكو) وحدها في أكثر من مخيم ومدينة وتجمع سكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومن هؤلاء الفنانين: “إسماعيل الدباغ” و”أحمد أبو سلعوم” و”إبراهيم عليوات” وآخرون، كما نشأت العديد من الفرق المسرحية في الثمانينيات كفرقة “الدلال” وفرقة “صندوق العجب” وفرقة “الكواكب” وفرقة “الحكواتي” وفرقة “المسرح الفلسطيني” وفرقة “الورشه الفنية” و”مسرح الرواة الفلسطيني”، مع العلم بأن معظم هذه الفرق قد توقفت لعدة أسباب أهمها عدم وجود مصادر تمويل، باستثناء مسرح “الرواة” ومسرح “سنابل” ومسرح “قافلة” ومسرح “الجوال المقدسي”.

المصادر:

كتاب: (المسرح في الوطن العربي) – “د. علي الراعي”.

– ويكيبيديا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة