15 نوفمبر، 2024 1:46 ص
Search
Close this search box.

نزيهة سليم.. أظهرت تعاطفا واهتماما بالمرأة العراقية في لوحاتها

نزيهة سليم.. أظهرت تعاطفا واهتماما بالمرأة العراقية في لوحاتها

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“نزيهة سليم” هي فنانة تشكيلية من العراق، اسمها، ولدت عام 1927، في مدينة إسطنبول في تركيا، لأبوين عراقيين، وكان والدها “محمد سليم” ضابطا في الجيش، وقد وجدت في أسرة تحب الرسم والفن التشكيلي، وبرز منها الفنانين المشهورين “سعاد سليم” و”نزار سليم” و”جواد سليم” الذي كان له دور في عمل نصب الحرية المشهور في بغداد.

حياتها..

نشأت “نزيهة سليم” في وسط عائلي يهتم بالثقافة والمعرفة والفنون، والدها (محمد سليم علي الموصلي) كان رساما ومديرا عاما وأول أستاذ رسم للأمير غازي، وأخوتها فنانون أيضا. كانت دار العائلة في منطقة (الفضل) ببغداد، ملتقى الفنانين العراقيين والأجانب مثل:(باريما) و(ماتوشالك) و(حابسكي) و(مدام ستنلويد) و(كنت وود) وإلى ذلك. كانوا جميعا مهتمين بسماع الموسيقى الكلاسيكية، وكان والدهم يتذوق المقام العراقي ويقرأه، كما كان يجود القرآن الكريم. تأثرت بوالدها في تجربتها في فن الرسم.كان يعلمهم تكبير الصور بالمربعات، و جر خط مستقيم بسحب القلم من اليسار إلى اليمين على أن يقطعوا أنفاسهم حتى ينتهوا من ذلك، وأن يظللوا ويقيسوا الأحجام.

تخرجت “نزيهة سليم” من معهد الفنون الجميلة ببغداد 1947 وأرسلت ببعثة رسمية إلى باريس، وهي أول امرأة عراقية تسافر خارج القطر لدراسة الفن، وتخرجت من المعهد العالي للفنون الجميلة (البوزار) 1951 حيث تخصصت في رسم الجداريات على يد الفنان الفرنسي المعروف (فرناند ليجيه) و(سوفربي)، كما أرسلت بزمالة لمدة عام واحد إلى ألمانيا الشرقية للتخصص في رسوم الأطفال ورسوم المسرح وتمرنت أثناء ذلك على المزججات والتطعيم بالأنامل.

 

كان باستطاعتها البقاء كمعلمة للفن في فرنسا بسبب تفوقها حيث كانت الرابعة على دفعتها في جائزة روما، لكنها اختارت أن تعود للعراق. وشاركت في نشاطات مختلفة كإسهامها مع الفنان “شاكر حسن آل سعيد” و”محمد غني حكمت” و”جواد سليم” في تشكيل “جماعة الفن الحديث” 1953- 1954، وفي تأسيس “جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين”، إلى جانب دورها كأستاذة في معهد الفنون الجميلة حتى عام 1982.

تناولت في أعمالها قضايا المرأة، والعمل، والطفولة، بالأسلوب الذي يعبر عن مزاجها وشخصيتها. رصدت عبر أعمالها الحياة الاجتماعية للمرأة العراقية ومعاناتها في كل مكان في السوق والبيت والعمل وأظهرت تعاطفا واضحا مع المرأة.

ل”نزيهة سليم” العديد من الأعمال منها: (شباك بنت الجلبي- ليلة عرس- صانع اللحف- أفراح المرأة- الدخلة)، وغير ذلك الكثير، وللأسف الشديد فقد سرقت معظم تلك الأعمال من المتحف العراقي في مركز صدام للفنون أثر الاجتياح الأمريكي للعراق سنة 2003، في أسوا عملية تخريب تعرضت له المتاحف في العراق، ولم يبق من تلك الأعمال سوى ست لوحات هي: (امرأة مستلقية، الأهوار، بائع البطيخ، الحرب، بورترية لفتاة، الجدة)، واللوحة الأخيرة تصور امرأة عجوز في حجرها كرة صوف، وفي كفها اليمنى إبرتا الحياكة، وقد تعرضت أجزاء من هذه اللوحة للتلف والتخريب المتعمد. تلك اللوحات منها اثنتان معروضتان في قاعة العرض في دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، أما اللوحات الأربعة الأخرى فقد تم حفظها.

الحداثة من خلال التجريد..

في مقالة بعنوان (نزيهة سليم.. ذلك التشكيل المتألق) يقول “د. سيّار الجَميل”: “كانت نزيهة غصن شجرة وارفة الظلال، وكانت في مقدمة المثقفات والتشكيليات العراقيات المتميزات في عقد الخمسينيات بدعم من الملك فيصل الثاني الذي كانت قد أعجب برسومها إثر تتويجه ـ كما كانت تذكر صديقتها دائما ـ لقد عاشت نزيهة تجربتها الفنية بأسمى تجلياتها في النصف الثاني من القرن العشرين.. وكانت قد اشتهرت منذ مطلع الخمسينيات عراقيا، وبقيت تعتز بتجربتها العراقية حتى رحيلها، وكانت قد انضمت إلى الجماعات الفنية سواء تلك التي قام بتأسيسها أخوها جواد، أي جماعة بغداد للفن الحديث عام 1951، أم قام بتأسيسها آخرون إذ ساهمت في تأسيس جمعية الفنون التشكيلية، وكانت مساندة لجماعة الرواد الفنية”.

ويواصل: “لقد قضت نزيهة قرابة أربع سنوات في باريس تدرس الفن التشكيلي بتفوق كبير، وكانت من أولى النسوة العراقية في (البوزار) وعادت نزيهة إلى العراق كي تترجم على غرار شقيقها جواد منهجا في التأصيل، فلقد أبدعت في تصوير الحياة العراقية في لوحات متنوعة عن المرأة العراقية والسوق العراقية والحارات البغدادية والأزياء العراقية.. إنها رائدة في الواقعية ولكنها سلكت طريق الحداثة من خلال التجريد، مستفيدة من منهج أخيها جواد، لكنها لم تصل إلى مستواه. لقد ترجمت معاني عديدة من المجتمع الذي بقيت ملتصقة به حتى آخر لحظات حياتها.. ولم تعط اهتمامها لنفر معين من البشر، بل أجدها ترى كل العراقيين بمنظار واحد طوال مسيرتها، ولا ندري ما موقفها في السنوات الخمس الأخيرة من حياتها . لقد كانت قد اعتنت بطريقة غير عادية برسوم الأطفال.. وبرعت في رسم البورتريهات.. وأكملت زمالة لمدة عام في ألمانيا الديمقراطية للتخصص برسوم كتب الأطفال ومسرح الأطفال.. ومع كل الأسى، كانت لوحات الفنانة نزيهة سليم قد سرقت من المتحف العراقي للفنون عام 2003 عند اجتياح جيوش التحالف الأمريكي شوارع بغداد, ولم يبق من تلك الأعمال سوى عدد قليل جدا.. تأثرت بالنزعة الفنية لعائلتها المؤسسة، وتأثرت بأخيها.. وتجد نفسها واحدة من اللواتي ساهمن بأمانة وإخلاص في النهضة الفنية العراقية التي شهدها العراق في القرن العشرين، وخصوصا مع الانطلاقة الحيوية للمثقفين العراقيين إبان الأربعينيات والخمسينيات ـ كما تقول هي نفسها ـ  وفي تاريخ الفن العراقي، فإنها ثانية اثنتين في الريادة النسوية للفن التشكيلي، إذ سبقتها مديحة عمر (1909 – 2006)”.

عن الاختلاف بين لوحة “جواد سليم” ولوحة “نزيهة سليم” يقول “مؤيد البصام”: “لقد التزم جواد الخط البنائي الفني الشكلي الذي امتاز بالصلابة والقوة، بينما اتبعت نزيهة الأسلوب نفسه إلا أن رسوماتها امتازت بالرقة والسلاسة، وربما يعود هذا إلى كونها امرأة”.

ويقول الكاتب “محمد مبارك” عن جذور تجربة الفن التشكيلي لدى “نزيهة سليم”: “لقد نشأت الفنانة في عائلة مبدعة، كانت شاهده على قدرات الإنسان العراقي الإبداعية، وقد استمدت خطوطها من التراث العراقي القديم، واستلهمت فنها من معطيات الفن السومري والبابلي والآشوري”.

من أقطاب الفن..

وفي مقالة أخرى بعنوان (نزيهة سليم.. من أقطاب الفن العراقي المعاصر) يقول “د. كاظم شمهود” : “كان لي الشرف أن أكون أحد طلابها في معهد الفنون الجميلة عام 1968 حيث كانت تدرس مادة التصميم . وكانت رائعة ومثقفة ولديها طاقة عملية وفكرية واسعة، وكانت أنيقة في حديثها وملبسها، وصوتها يكاد لا يسمع، ودائمة الابتسامة وبشوشة، وعندما تأتي إلى الصف نراها تحمل على صدرها عددا من الكتب الفنية، ونتيجة لقصر قامتها فإنها تلبس الكعب العالي وتمشي الهوينا ولهذا فبصرها دائما محدقا إلى الأرض خوفا من العثرة غير المتوقعة.. كانت أول امرأة عراقية جريئة تسافر إلى أوربا لدراسة الفن في وقت كان المجتمع العراقي، يوم ذاك منغلقا جدا على نفسه ولولا عائلتها الفنية المنفتحة لما استطاعت السفر وحدها إلى الخارج.. ولم يكن الحظ يحالفها في الزواج طيلة حياتها. مما أعطاها فرصة كبيرة للعمل الفني والتدريس وإلقاء المحاضرات وحضور المؤتمرات والسفر إلى الخارج”. ويواصل: “تأثرت بأعمال جواد سليم من حيث التبسيط والحرية في الخط واللون والفرشة الطلقة والألوان الحارة وعدم الاهتمام بالتفاصيل.. وتذكرنا بحرية الفنان النرويجي مونخ في رسم أشكاله وألوانه مع الفارق الكبير بينه وبينها، أي بين مؤسس المدرسة التعبيرية وتلميذ يتعلم ويقلد. وأحيانا نجد تلقائية وتبسيط وطفولة في أعمالها ولعل ذلك متأتي من دراستها وتخصصها في رسوم وتصميم الكتب ومسرح الأطفال في ألمانيا.. أما مواضيع نزيهه سليم الفنية فقد تناولت الحياة اليومية العراقية من أعراس ومآتم والقرية والمدينة والفلاحين والقباب والمنائر البغدادية وكذلك رسمت المرأة العراقية في الأهوار والحارات وغيرها من التقاليد الفلكلورية”.

وفاتها..

رحلت في منزلها في الوزيرية ببغداد في 15 شباط 2008 عن عمر يناهز 81 سنة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة