خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :
نُحاول في هذا المقال؛ أن نُقدّم تصوّرنا المتمثل في قراءة القرآن قراءة عصرية حداثية تنويرية تُساهم في بثّ الروح الحداثية والتنويرية في كتاب الله الذي أنزل على سبعة أحرف، فالقرآن الكريم في عصر النبي جاء ليُخاطب القبائل العربية في العصر الجاهلي؛ كقبيلة طيّء وهوازن وغيرها من القبائل الأخرى المتناثرة فيما بينها، والقرآن جاء في ذلك العصر ليوحّد القبائل العربية تحت كتاب واحد وتحت قبيلة واحدة هي قبيلة قريش، ولأمر ما أنزل الله سورة قريش ليُبيّن للناس بأنّ قريشًا هي أفضل القبائل العربية كلّها و”محمّدًا” هو سيّدها، ولأمر ما أنزل الله سورة محمّد ليُبيّن للورى بأنّ “محمّدًا” هو سيّد الأنبياء والرسل في الدنيا والآخرة، كان “محمّد” (ص) في شبابه يتطلع إلى إصلاح مجتمعه الجاهلي، جاء ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، والمؤسّس الحقيقي للإسلام هو النبي “إبراهيم”؛ الذي لقّب: بـ”أبي الأنبياء”؛ فهو أبو “إسحاق” جدّ بني إسرائيل ومن أحفاده النبي “عيسى” وأبو “إسماعيل” جدّ النبي “محمد” خاتم الأنبياء والمرسلين؛ وصاحب الشفاعة يوم الدين.
أنزل القرآن بلسان عربي مُبين وجاء لكي يخاطب أوزاعًا من الناس وهم من قبائل شتّى كانت بينهم حروب ونزاعات طال أمدها ردحًا من الزمن، وما نلاحظه أنّ القرآن جاء بلغة ذلك الزمن يخاطب البيئة الصحراوية الجاهلة باللغة التي تفهمها، فنجد مصطلحات مثل: الخيام، الجمل، العاديات، الخيل، الجبال وهي كلّها موجودة في البيئة الصحراوية التي عاش فيها “محمّد” (ص) وأصحابه؛ وكانت بيئة حروب وغزوات كغزوة بدر وأحد والأحزاب وغيرها، والإسلام انتشر بحدّ السيف وخير دليل على ذلك الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا والتي قامت على السيف والرمح والسنان.
كان القرآن يُخاطب الناس حسب ما يفهمون، لأنّه يُخاطب أمّة جاهلة تعيش في بيئة صحراوية قاحلة تسودها الحروب بين القبائل العربية المتناحرة التي كانت تتنافس على السيادة وعلى الزعامة من أجل السيطرة على الأمم الأخرى، وكان يدعّم هذه الحروب والنزاعات مملكة فارس ومملكة الروم، وهذا حتى يخلو لهم الجو ويفعلوا في القبائل العربية أفعالاً شنيعة كنشر الديانة الزرادشتية والديانة المسيحية في أوساط تلك الأمّة الأمّيّة التي لا تُجيد إلاّ الصيد والقنص وقرض الشعر الجاهلي قرضًا جديدًا.
علينا أن نقرأ القرآن كأنّه أنزل علينا كما يرى المفكّر والشاعر الهندي؛ “محمّد إقبال”، على اعتباره رسائل من الله إلينا، ويجب علينا أن نفكّ شيفرات النصّ القرآني بمفاتيح عصرية حداثية تنويرية؛ وهذا حتى نفهم المغزى الحقيقي من القرآن ولماذا اختار الله أن يُنزله في العصر الجاهلي عصر عبادة الأوثان والأصنام، وكان كبير الأصنام والأوثان يسكن في جوف الكعبة؛ وهو نفسه الصنم الذي وضع عليه “إبراهيم” الفأس بعد أن حطّم أصنام قومه حتى يُقيم الحجّة عليهم ويُبيّن لهم بأنّ هذه الأصنام التي عُبدت من دون الله لا تنفع ولا تضرّ، وجاء “محمّد” (ص)؛ يوم فتح “مكّة”، ليحطّم ذلك الصنم الكبير ويوجّههم إلى عبادة الواحد الأحد الذي يسكن في السماء ولا يستطيع أحد أن يراه، لأنّه لا تُدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ونحن لا نرى الله حتى نموت، إنّها أمور غيبية لا يعلمها إلاّ الله: فالجنّة غيب والنار غيب وعذاب القبر غيب والله غيب والشيطان غيب والملائكة غيب، والعقيدة الإسلامية قامت على الإيمان بالغيب، يعني نؤمن بأشياء لا نستطيع أن نراها في هذه الدنيا، لأنّ هذه الأشياء من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلاّ الله.
علينا ونحن في هذا العصر؛ عصر النجوم وعصر الحداثة والتنوير أن نُعيد قراءة القرآن الكريم قراءة عصرية تواكب العصر وتساهم في بثّ روح الحداثة والتنوير في النصّ القرآني الذي أنزل على النبي “محمّد”، فالقرآن المكيّ له قراءته الخاصة المتمثلة في تسامح الإسلام مع الآخر أي لا يُجبر الناس على الدخول في الإسلام يحكمه منطق لكم دينكم ولي ديني، أمّا القرآن المدنيّ فيتمثل في مرحلة السيف التي أجبرت الناس على الدخول في الإسلام، وخير دليل على ذلك يوم فتح “مكة”؛ حيث دخل الناس إلى الإسلام خوفًا من الموت بحدّ السيف، وهكذا انتشر الإسلام بحدّ السيف وخاصة في عصر الفتوحات الإسلامية؛ التي حمل لواءها الخليفة الراشدي الثاني؛ “عمر بن الخطاب”.
وفي الأخير؛ أدعو في هذا المقال إلى قراءة القرآن قراءة حداثية تنويرية تُساهم في إعطاء نفس تنويري حداثي لمعاني القرآن الإجمالية والتفصيلية، وهذه القراءة الجديدة للقرآن تساهم في بناء الوعي الحضاري للإنسان المسلم خاصة في هذا العصر، عصر الحداثة والتنوير ورقي العقل العربي الإسلامي، نريد قرآنًا جديدًا يواكب عصرنا ونستطيع أن نجادل به الآخر الذي يختلف عنّا لغة وعقيدة وسلوكًا اجتماعيًا، فهل من مجيب ؟