خاص : كتب – محمد البسفي :
الباب الثاني: (العولمة.. وسلطة الدولة)
بإستعراض مسيرة النشأة التاريخية للصحافة الوطنية داخل دول العالم الثالث، نجد أنها ولدت من رحم التجربة التحررية من ربقة الإستعمار الغربي المباشر الذي رزحت تحته تلك الدول لعقود طويلة، ورغم ذلك فقد ورثت الصحافة الوطنية من إدارة الإستعمار العسكري الأجنبي، بعد الإستقلال، سلبيات النشأة والتكوين من قوانين تقييد للصحافة ومستويات رقابية مختلفة، مع أن أغلبها إتجه نحو التنمية القومية وتوجيه إهتماماتها إلى هدف الدولة والمجتمع في التنمية الذاتية والبناء الداخلي ما بعد الإستعمار، وبالتالي تبنت أوجه نظر السلطة القومية في صراعاتها الخارجية. ومع تطور الغزو الثقافي وتبلور الهيمنة الإعلامية لدول الشمال على دول الجنوب في مرحلة “العولمة”، والتي بدأت عملياً وتنفيذياً مع إخضاع جميع دول العالم الثالث لتوقيع إتفاقية “الجات”، تعاملت الدولة القومية مجبرة مع الصحافة والإعلام المحليين بشكل مختلف؛ وهو محاولة الإحتفاظ ببعض المؤسسات والكيانات الإعلامية في حوزة ملكيتها وإدارتها لتكون معبرة عنها أمام المؤسسات الخاصة المدعومة من قبل الشركات متعددة الجنسية، والتي حاولت السيطرة عليها أيضاً ببعض التشريعات البائسة.
الفصل الأول: مسير الصحافة الوطنية من النشأة إلى السلطة
أولاً: الصحافة الوطنية في طور الكفاح التحرري:
برغم الدور الهام والخطير الذي لعبته الصحافة الوطنية في دول العالم الثالث – بعد نضج النخبة الوطنية ومقدرتها على إنتاج صحافتها القومية – في صوغ صحافة قومية وطنية في مجابهة الإستعمار داخل آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، إلا وكان لهذه التجربة عائدها السلبي في مرحلة ما بعد الإستقلال، إذ توسع كثير من هؤلاء الزعماء من النخبة في الإطار القمعي لحرية الصحافة تحت ستار ظاهري هو بناء الدولة الوطنية، ولكن الهدف الحقيقي كان المحافظة على بقائهم في السلطة. ويلاحظ أن الصحافة الوطنية في دول آسيا وإفريقيا لم تنبثق من تراث الصحافة الإستعمارية الأم، بل إنبثقت من الواقع النضالي للشعوب الإفريقية، ولذلك إتخذت في البداية طابعاً دعائياً معادياً للإستعمار، مما كان له تأثيره غير الإيجابي فيما يتعلق بوظيفة الصحافة الوطنية في مرحلة ما بعد الإستقلال. إذ لم تنجح في مواكبة متطلبات المرحلة الجديدة وظلت أسيرة المرحلة السابقة على الإستقلال وتجاهلت دورها في بناء الفكر القومي والديمقراطي من خلال عرض وجهات النظر المختلفة.
وبداية لا يمكننا إغفال العلاقة الثقافية الخاصة التي ربطت فئة النخب السياسية الحاكمة والمثقفة داخل الدول النامية بالدول الإستعمارية. حيث تلقى أفرادها تعليمهم في جامعاتهم ومعاهدهم، ولا زالوا يواصلون إستخدام وسائل الإعلام لبناء مجدهم الشخصي، كما أنهم لا يزالون يمارسون حتى الآن النمط الغربي في التعبير الإعلامي، لأنه النمط الوحيد الذي عرفوه، أما فرض القيود على حرية الصحافة فهذا ينطلق أساساً من حرصهم على تدعيم سلطاتهم ونفوذهم أكثر مما تقتضيه متطلبات التنمية الوطنية.
وإن كانت البداية الإعلامية داخل العالم العربي قد إنطلقت على أيدي الأوروبيين أو العثمانيين، فإن الصحافة العربية – بوجه عام – قد نشأت في الأساس على أيدي الحكام. وإذا كان لهذه الحقيقة التاريخية نتائجها الإيجابية والسلبية فإن الذي تبقى منها مترسباً حتى اليوم هي الجوانب السلبية بكل أبعادها الفكرية والسياسية والإعلامية. وكان لا بد لهذه الحقيقة أن تخلق نقيضها الموضوعي؛ والذي يمثل الطرف الآخر في حركة الصراع الاجتماعي والسياسي التي شهدها العالم العربي منذ مطلع القرن التاسع عشر، ونقصد بهذا النقيض “الصحافة الشعبية”، أي التي تمثل أفكار ومصالح القوى الاجتماعية العربية التي قادت حركة النضال القومي والوطني في مواجهة العثمانيين طوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم ضد الأوروبيين منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى الحصول على الإستقلال.
وقد تأثرت حركة إصدار الصحف، ونوعية القضايا الاجتماعية والفكرية والسياسية المطروحة، بأساليب الصراع بين القوى الوطينة العربية والسلطات الإستعمارية، وبالنمط الإستعماري السائد في كل منطقة من العالم العربي. فنلاحظ أن منطقة المغرب العربي، (تونس، الجزائر، المغرب)، قد أفرزت واقعاً إعلامياً يمثل خلاصة الصراع السياسي والاجتماعي والديني بين الشعوب العربية هناك، وبين الإستعمار الفرنسي الذي أتسمت أساليبه بالقهر الثقافي والتحدي الديني والقومي لمقومات الشخصية العربية في تلك الدول، طوال الفترة الممتدة فيما بين الحربين العالميتين. ولا شك أن هذا السلوك من جانب الإستعمار الفرنسي يعد سمة مميزة له على إمتداد تاريخه في العالم الثالث، وهو القهر الثقافي المباشر والمحاولات المستمرة لمسخ وتشويه الثقافات القومية في البلاد المستعمرة. أما في المناطق التي خضعت للنفوذ البريطاني فقد إختلفت أساليب الصراع بسبب إختلاف طبيعة المستعمر، فقد إتبعت “بريطانيا” سياستها المعروفة “فَرق تسُد” في مجال الصراع السياسي المباشر، بينما عمدت في المجال الثقافي والإعلامي إلى إثارة الخلافات اللغوية والآثنية، وكانت نتيجة ذلك تشجيعها للهجات المحلية كجزء من تشجيعها للخلافات القبلية والطائفية، ومن هنا جاءت محاولاتها لضرب اللغة العربية الفصحى من خلال تشجيع إصدار صحف باللغات المحلية. وقد تنبهت القوى الوطنية العربية لهذه المؤامرة في وقت مبكر، وحرصت على محاربة هذا الإتجاه بإصدار الكثير من الصحف الناطقة بالعربية الفصحى وذات الطابع الأدبي في الأساس.
وقد أجملت “د. عواطف عبدالرحمن”، أبرز السمات التي تميزت بها الصحافة العربية في مرحلتي الكفاح السلمي والمسلح، وكانت أهم سمات المرحلة الأولى؛ هي:
1 – أثناء مرحلة الكفاح السياسي كانت الصحافة العربية حزبية في مجملها، تعبر عن الأحزاب الوطنية، التي تولت قيادة حركة التحرر في تلك المرحلة، يرأس تحريرها في الغالب سكرتيرو الأحزاب أو بعض قادتها البارزة، معتمدة على ميزانيات ثابتة مخصصة من كل حزب للنشاط الدعائي والإعلامي. موجهة إلى النخبة المتعلمة الملتفة حول هذه الأحزاب، كما كانت لها جماهيرها الآخرى من القطاعات الشعبية التي تشكل القواعد الجماهيرية لهذه الأحزاب.
2 – طرحت هذه الصحف شعار الإستقلال السياسي فقط، وأنشغلت معظمها في الصراعات الحزبية، كجزء من اللعبة الليبرالية التي حرصت السلطات الإستعمارية على إلهائها بها لإمتصاص طاقاتها في معارك جانبية، وخصوصاً في مصر والعراق، ونادراً ما كانت تطرح صحف هذه الفترة القضايا ذات الطابع الاجتماعي أو الشعبي إلا في الفترات التي تحتاج فيها إلى الجماهير لمساندتها في مواجهة السلطات الإستعمارية والحكومات.
3 – عانت الصحف الوطنية من المطاردات التي كانت تقوم بها الحكومات بمساندة السلطات الإستعمارية. ممثلة في صدور العديد من التشريعات والقوانين المقيدة لحرية الصحافة، بالإضافة إلى المصادرة وإعتقال المحررين، فضلاً عن أساليب الضغط الاقتصادية مثل؛ الإشتراكات والإعلانات والمصاريف السرية، التي إستخدمتها هذه الحكومات لمساندة الصحف الموالية والضغط على الصحف الوطنية لتضييق الخناق عليها ودفعها إلى الإفلاس.
أما الصحافة العربية في مرحلة الكفاح المسلح؛ فقد برزت لها مهام مختلفة عن مهامها أثناء مرحلة الكفاح السلمي, كما أتسمت ببعض الخصائص المميزة ومنها:
1 – مارست الثورة العربية المسلحة نشاطها الإعلامي خارج أراضيها، وذلك لدواعي الأمن وحرصاً على حماية كوادر الثورة وأجهزتها الفنية والبشرية. وأبرز مثال لذلك “الثورة الجزائرية”؛ التي مارست نشاطها الإعلامي في تونس. أما “منظمة التحرير الفلسطينية” فقد إتخذت الأردن، في البداية، مقراً لنشاطها الإعلامي ثم انتقلت إلى بيروت بعد أحداث أيلول الأسود 1975، والتي تعرضت فيها المقاومة الفلسطينية لمحاولة التصفية. ومما يجدر ذكره أن هذا الجانب كانت له نتائجه الإيجابية من حيث حماية الثورة وكوادرها وأجهزتها، ولكن كانت له نتائجه السلبية في ذات الوقت، إذ ترتب على ذلك إضطرار الثورات العربية المسلحة لممارسة نشاطها خارج أراضيها، أي داخل دول عربية آخرى لها سياساتها وإلتزماتها الدولية مما أوجد بعض الحساسية بين أجهزة الثورة وحكومات هذه الدول، وذلك نتيجة لوقوع تناقض بين مواقف الثورة العربية المسلحة وبين مواقف الحكومات المضيفة بشأن بعض الأحداث التي وقعت في العالم العربي في تلك الفترة.
2 – إلتزمت حركة الكفاح المسلح العربية بخط فكري وسياسي واضح لم يقتصر على تحقيق الإستقلال الوطني فحسب، بل تضمن إلتزاماً محدداً إزاء القضية الاجتماعية، ولا شك أن إيديولوجية الكفاح المسلح العربية تعكس المضمون السياسي والاجتماعي لهذه الثورات التي تمثل أغلبية ساحقة من الطبقات الفقيرة من الفلاحين المعدمين الذين تعرضوا لأقسى محاولات المسخ والتشويه لمقوماتهم القومية دينياً ولغوياً عدا إجبارهم على ترك أراضيهم وإنتزاعها منهم بالقوة المسلحة. ولذلك كان لا بد أن تختلف أطروحات هذه الثورات عن الشعارات التي رفعتها الثورات الوطنية السلمية في الخمسينيات، وقد إنعكس هذا المضمون بوضوح في الصحف التي أصدرتها “الثورة الجزائرية” وأبرزها جريدة “المجاهد”، وكذلك صحف “الثورة الفلسطينية”.
3 – إعتمد الجهاز الإعلامي لحركات الكفاح المسلح العربية على المعونات الفنية والعينية التي قدمتها لهم الحكومات العربية والدول الإشتراكية حينها ومنظمات الأمم المتحدة، مثل أجهزة الطباعة والورق، والمنح الدراسية، وتدريب الكوادر الثورية.
4 – بينما إقتصرت معاناة الصحف الوطنية، في مرحلة الكفاح السلمي، على المطاردات ومصادرة السلطات الإستعمارية لها وفرض عقوبات بالسجن على الصحافيين، فإن الوضع قد إزداد سوءاً ومعاناة بالنسبة للكوادر الإعلامية في الثورتين الجزائرية والفلسطينية، إذ كانوا يتعرضون للتصفية الجسدية والتهديد بنسف الصحف (1).
أما عن الصحافة الوطنية في إفريقيا أثناء مرحلة التحرر الوطني، فلم تشهد الدول الإفريقية نشوء صحف وطنية طوال المرحلة الأولى من وجود الإستعمار الأوروبي، التي أمتدت حتى بداية القرن العشرين، فيما عدا بعض الدول مثل “غانا ونيجيريا” اللتين شهدتا ظهور صحافة وطنية مزدهرة وقادرة على توجيه النقد للسلطات الإستعمارية. وقد أرتبط ظهور الصحافة الوطنية في إفريقيا بنمو النخبة الوطنية، أو الطلائع التي تصدرت لقيادة الحركة الوطنية في الدول الإفريقية، والتي تبلور نشاطها في شكل تجمعات أو تنظيمات حزبية. وفي معظم الحالات كانت الحركة الوطنية تتمحور حول النشرة السياسية. ثم يأتي بعد ذلك التجسيد المادي للحركة في شكل أعضاء أو كيان تنظيمي. فليس من الغريب إذاً أن نجد معظم زعماء حركات التحرر الوطني الإفريقية قد بدءوا نضالهم السياسي في الميدان الإعلامي كمحررين أو ناشرين لصحف أو لنشرات وطنية. ففي كينيا كان “غومو كينياتا” رئيساً لتحرير أول صحيفة شهرية صدرت بلغة الكيكويو في نهاية العشرينيات؛ وكان أسمها “موغو تانيا”. كذلك في تنزانيا بدأ “غوليوس نيريري” نشاطه في الحياة العامة كرئيس تحرير لصحيفة “سوني باتانو” قبل الإستقلال. وفي غرب إفريقيا أصدر “نامدي أزيكوي” صحيفة “وست إفريكان بيلوت” 1937 للتعبير عن أهداف الحركة الوطنية في تلك المرحلة. كذلك “نكروما” كان يرأس تحرير صحيفة “أكرا أيفننج نيوز” صحيفة حزب الميثاق الشعبي 1949. وقد أستخدم “نكروما” هذه الصحيفة كآداة للتعبئة السياسية الوطنية إلى أن حصلت غانا على إستقلالها عام 1957.
وقد تميزت الصحافة الإفريقية، في تلك الفترة المبكرة، بعدم تناسقها وتعدد تياراتها السياسية وتنوع إتجاهاتها الاجتماعية وأساليبها الدعائية. فضلاً عن أن معظم هذه الصحف كانت تظهر وتختفي بسرعة لعدم إستنادها لتنظيمات سياسية أو اجتماعية. بل كان معظمها مشروعات فردية. ففي “الجزائر” مثلاُ ظهر في تلك الفترة ما لا يقل عن 60 صحيفة جزائرية؛ ليس من بينها سوى 12 صحيفة فقط هي التي كانت لها أهمية وتأثير على الحياة الفكرية والسياسية للجزائريين. وفي “غانا” صدرت في تلك الفترة، (1925 – 1939)، مجموعة صحف كـ “يسلي هايفورد”؛ التي كانت تعبر عن إتجاهات المثقفين الوطنيين في “ساحل الذهب” آنذاك، وقد أختفت جميعها في بداية الثلاثينيات بإنسحاب المؤتمر الوطني لمثقفي غرب إفريقيا من المسرح السياسي. كذلك أصدر نامدي أزيكوي “مورننج بوست” 1935، وأستمرت لمدة عامين ثم توقفت بعد ترحيل “أزيكوي” إلى نيجيريا.
فضلاً عن أن الظروف العالمية لم تكن في تلك المرحلة تسمح لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث بتبادل الخبرات النضالية والمعونات المادية كما حدث بالنسبة لحركات الكفاح المسلح في السبعينيات. ولذلك نلاحظ أن الصحف الوطنية في إفريقيا لم تكن تنشر أنباء الكفاح الوطني في المستعمرات الأخرى إلا من خلال وكالات الأنباء الإستعمارية، وبشكل مقتضب لا يحمل دلالته الوطنية أو النضالية مما يعكس عدم الإدراك الصحيح لوحدة الظاهرة الإستعمارية، وما يفرضه هذا من وحدة مماثلة لدى حركات التحرر الوطني.
كما عبرت صحافة هذه المرحلة عن ثورات وطنية يشكل الفلاحون الفقراء هيكلها النضالي. فهي لا تهدف فقط إلى تحطيم النظام الإستعماري وإزالته بتحقيق السيادة الوطنية. بل تهدف في الأساس إلى إسترجاع مقومات الشخصية القومية الإفريقية. كما تهدف إلى تحرير الأرض والثروات الوطنية وإعادة توزيعها على الإفريقيين. وأبدت صحافة الكفاح المسلح درجة عالية من النضوج في فهم الظاهرة الإستعمارية بأشكالها المختلفة القديمة والجديدة معاً. مما ساعدها على تحديد موقف واضح من قضايا العصر والقوى العالمية الراهنة. فقد تبنت جميع قضايا التحرر الوطني في العالم الثالث وأعلنت مساندتها الكاملة لها. كما أعلنت موقفها صريحاً من المعسكر الغربي، الذي يتزعم الإستعمار العالمي، ويساهم في دعم الأنظمة العنصرية في الجنوب الإفريقي.
ثانياً: الصحافة الوطنية داخل سيادة الدولة:
ومع إنتهاء فترة التحرر الوطني، بمرحلتيه السلمي والمسلح، فيما بعد الإستقلال، تحركت الصحافة الوطنية لدول العالم الثالث، “الآسيوية، الإفريقية، أميركا اللاتينية”، داخل أطرها وتياراتها الجديدة التي أختط لها، في أغلبها، الزعماء والحكام الذين سبق وتصدروا حركات كفاح التحرر الوطني. وقد أجمع أغلب مؤرخي وكتاب مسيرات نشأة إعلام دول العالم الثالث، على بعض المحاور التي يمكنها أن تبلور مسيرة الصحافة الوطنية إبان فترة ما بعد الإستقلال الوطني.
فبالنسبة للصحافة العربية، كانت أهم التيارات التي لخصت رغبة الحكام والزعماء العرب تجاه دورها ومسؤولياتها بعد الإستقلال، هي:
التيار الأول: يرى ضرورة تكريس الصحافة لتحقيق الهدف القومي الأشمل، وهو الوحدة العربية وتحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني. لذا فيرى هذا التيار أن مهمة الصحافة العربية الأولى هي بناء الفكر القومي وتشجيع المبادرات الوحدوية من جانب الحكومات وتعبئة الشعوب العربية للإلتفاف حول هذا الهدف الحيوي. ولذلك يجب أن تبدأ النشاطات الإعلامية في العالم العربي وتنتهي عند هذا الهدف.
التيار الثاني: يرى أن القضية الأساسية المطروحة على الصحافة العربية بعد الإستقلال هي الإسهام في التنمية القومية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية على نطاق العالم العربي كله. وهناك ضرورة ملحة لتجنيد الصحافة العربية للقيام بدور رئيس في القضاء على الأمية، التي تبلغ نسبتها حوالي 75% في العالم العربي. ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين الأمية والعوائق التي تعترض طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ خصوصاً أن الإستعمار الأوروربي لم يحرص فقط على تكريس الأمية بين غالبية الشعوب العربية، بل أدخل إلى الدول العربية أشكالاً من التعليم لا تساعد العرب على بناء مجتمعاتهم وتطويرها بل تهدف في الأساس إلى تخريج مجموعات من الموظفين والكتبة لمساعدة الجهاز الإداري الإستعماري. ويرى أنصار هذا التيار ضرورة تجنيد الصحافة للقيام بهذه المهمة القومية التي تتسم بأهمية خاصة؛ وهي الإسهام في محو الأمية وتغيير النظم التعليمية السائدة وتشجيع التصنيع والإصلاح الزراعي، وكلها مشروعات حكومية ذات عائد شعبي في جوهرها. كما يرون أيضاً أن الصحافة ذات الملكية الخاصة لا يمكن أن تسهم في تحقيق تلك المهام القومية، ولكن الصحافة وسائر وسائل الإعلام الخاضعة لإشراف الحكومات هي الأجهزة الوحيدة التي تتعرض من خلالها الجماهير العربية لعمليات التطوير التعليمي والثقافي.
التيار الثالث: يرى أنصاره أن المهمة الأولى للصحافة العربية بعد الإستقلال، هي تعميق الممارسة الديمقراطية من خلال حرية التعبير والنقد. خصوصاً أن الصحافة العربية قد نجحت أثناء مرحلة النضال الوطني في إرساء مجموعة من التقاليد الديمقراطية من خلال الممارسات العديدة التي قامت بها في مواجهة السلطات الإستعمارية والحكومات المتواطئة معها. ولن يتحقق ذلك إلا بممارسة النقد البناء لخطط وبرامج وممارسات الحكومات الوطنية. ويضع أنصار هذا التيار مجموعة من الشروط لضمان توفر مناخ ديمقراطي يسمح للصحافة بممارسة مسؤولياتها في تشكيل إتجاهات الرأي العام العربي والتعبير عنها بأمانة. وذلك بما يكفل ضمان مشاركة الغالبية العظمى من الجماهير العربية في صنع القرارات السياسية والقومية. وفي مقدمة تلك الشروط ضرورة وجود صحافة حزبية نشطة تجسد مصالح وأفكار القوى الاجتماعية المختلفة التي تتشكل منها المجتمعات العربية. ويلاحظ بوجه عام أن الزعماء العرب يعتبرون أي نقد موجه للحكومات على أنه موجه للأمة كلها، وقد ترتب على هذا أن الصحافة وأجهزة الإعلام أصبحت تبدي حذراً شديداً في توجيه النقد. ورغم أن الكثير من الدول العربية لم تنص في دساتيرها على تحريم قيام حزب أو أحزاب معارضة؛ ولكن يختلف الأمر من الناحية الواقعية، إذ إن أي محاولة لتشكيل معارضة حقيقية سرعان ما يقضى عليها ولو بإستخدام العنف، ويمكن الإستشهاد بالعديد من الأمثلة، والواقع أن العالم العربي لم يشهد صحافة تمثل قوى المعارضة إلا في الفترة التي سبقت الحصول على الإستقلال؛ عندما حدث تحالف مقدس بين جميع فئات الشعب لمواجهة السلطات الإستعمارية. أما في الوقت الحالي فهناك عدد قليل من الصحف والمجلات التي تمتلكها وتديرها قوى المعارضة العربية، فالدول العربية تشهد أشكالاً متعددة للقيود التي تفرض على الحريات العامة دفاعاً عن النظام العام وأمن الحكومات، وهما من المفاهيم المطاطة التي تستخدم بمهارة لشل حركة المعارضة. ورغم أن الحكومات العربية لا تمانع نظرياً في ممارسة حرية الصحافة، ولكن بشروط وضوابط أبرزها عدم الخروج على الصيغة العامة التي أرتضتها السلطة السياسية.
أما عن الصحافة الإفريقية في مرحلة الإستقلال، فكان أبرز ما أتسمت به ذلك الإنقسام القومي بين الصحف التي تكتب بالفرنسية وتتوجه إلى العالم الناطق بالفرنسية، وتلك التي تكتب بالإنكليزية وتوجه أخبارها إلى المناطق الناطقة بالإنكليزية. ذاك الإنقسام الذي خلق حاجز معترف به في إفريقيا المستقلة، ويمثل عقبة في طريق الوحدة الإفريقية. وقد عملت كثير من الصحف الإفريقية الوطنية بوعي للتغلب عليه عن طريق محاولتها إجراء تغطية إخبارية حقيقية تشمل القارة الإفريقية بأكملها. كذلك تميزت الصحافة الإفريقية، في مرحلة ما بعد الإستقلال، بعدم إنتمائها للتراث الأوروبي، خاصة في المضمون بإعتبارها إمتداد لصحافة النضال ضد الإستعمار، ولذلك غلب عليها الطابع الإيديولوجي والتربوي أكثر من الطابع الإخباري والتثقيفي العام. كما أستمرت كصحافة رأي تعتمد على المقال والريبورتاجات التي تتضمن خطب الزعماء والحكام. بينما تضاءل إهتمامها بالنشاطات الأخرى التي تزخر بها الحياة اليومية في الميادين المختلفة، مثل الاقتصاد والفن والخدمات والرياضة حتى كاد ينعدم في بعض الأحيان (2).
كما أحتفظت السلطات الوطنية، بعد الإستقلال، بجميع القيود والإجراءات القمعية التي كانت تمنع الصحف الإفريقية من توجيه النقد للسلطات الحاكمة قبل الإستقلال. كذلك نمط الملكية، فالحكومات الإفريقية أمتلكت السيطرة الكاملة على الصحف ولا تسمح بصدور صحف للمعارضة، وتولت الإتفاق مع وكالات الأنباء العالمية من أجل تنظيم التوزيع المحلي للأنباء عن طريق الإذاعة والتليفزيون والصحف. كما أن إختيار وتوزيع الخدمات الإعلامية الخارجية لا يتم إلا من خلال الأجهزة الرسمية للدولة.
كذلك يلاحظ استمرار استخدام لغة المستعمر في أجهزة الإعلام الإفريقية. ففي الدول ذات التعبير الفرنسي لا تزال الإذاعة والصحف تذيع وتنشر باللغة الفرنسية، التي لا يجيدها سوى 10% من سكان هذه الدول. ولا يوجد سوى عدد قليل من الدول الإفريقية التي تحاول أن تستخدم اللغات الوطنية في أجهزة الإعلام. وهناك ثلاث دول إفريقية فقط تمتلك حكوماتها أقل من 10% من أجهزة الطباعة والنشر؛ وهي “الكاميرون وكينيا وزائير”. كما يلاحظ أن الصحف في معظم الدول الإفريقية لا تتمتع بوجود ميزانيات مستقلة، وأن حوالي 70% من الصحف الإفريقية تتلقى مساعدات كبيرة وأساسية من الحكومات. وإذا كان النمط السائد لملكية الصحافة في إفريقيا هو ملكية الدولة، فإن النمط الأكثر شيوعاً هو ملكية الحزب الحاكم للصحف القومية. ولا شك أن تداخل المسؤوليات بين السلطات التنفيذية والأحزاب الحاكمة في إفريقيا يجعل من العسير الفصل بين رجال الدولة ورجال الأحزاب الحاكمة. وتوجد بعض أنماط الملكية الخاصة للصحف في كل من “نيجيريا وكينيا وغانا وتنزانيا وأوغندا وفولتا العليا”، ولكنها تمثل الإستثناء، وليس القاعدة. وتتمثل التبعية الإدارية من جانب وسائل الإعلام الإفريقية – وخصوصاً الصحافة – للسلطة السياسية في أن أغلب رؤساء تحرير الصحف الإفريقية يتم اختيارهم وتعيينهم بواسطة الحكومات. كما تتدخل هذه الحكومات في شؤون النقابات والاتحادات الصحافية باختيار قيادات صحافية تنتمي للأحزاب الحاكمة.
وتستكمل الحكومات الإفريقية سيطرتها الشاملة على الصحافة من خلال التشريعات الإعلامية أو ما يعرف بقوانين النشر. وهنا يلاحظ وجود مستويين من التبعية، إذ إن معظم الدول الإفريقية لا تزال تطبق القوانين الأوروبية، وخصوصاً الفرنسية في مجال النشر والطباعة، علاوة على التشريعات والقوانين التي تصدرها الحكومات الإفريقية في هذا الشأن، والسلطات التقديرية التي تتمتع بها الحكومات العسكرية بشكل خاص. ويلاحظ أن جميع الدساتير في الدول الإفريقية المستقلة تنص على ضمان حرية الصحافة ولكنها تنص أيضاً على قيود تحد من حرية الصحافة.
وهناك حوالي 60% من الدول الإفريقية المستقلة تمارس الرقابة على الصحافة من خلال القراءة المسبقة للمواد التي تنشرها الصحف. وتتفاوت صور الرقابة وأشكالها، فهي تتراوح ما بين وجود لجان للرقابة على الصحف تابعة للأحزاب الحاكمة، “الكونغو، وبنين”، ورقابة ذاتية يقوم بها المحررون في ضوء تعليمات رؤساء التحرير التابعين للأحزاب الحاكمة أو الذين يحظون بثقة الحكومات الإفريقية. وهناك شكل آخر للرقابة الحكومية على الصحف يتمثل في الأيقاف أو المصادرة أو التعطيل. وتنص معظم الدول الإفريقية على ذلك في دساتيرها وقوانينها. على أن ذلك لا يتم إلا في حالة نشر ما يمس أمن وسلامة تلك الحكومات.
الفصل الثاني: التبعية السلطوية في عصر العولمة
الجذور الإستعمارية لسلطوية الدولة في العالم الثالث:
خلص تاريخ مسار إعلام دول العالم الثالث، وخاصة في الدول الآسيوية والإفريقية، إلى حقيقة تواصل الميراث الإستعماري في إدارة المنظومات الإعلامية ووسائل الاتصال خلال مرحلة ما بعد الإستقلال، عبر قوانين الصحافة، إذ يلاحظ أن قوانين المطبوعات وجرائم النشر في معظم دول العالم الثالث مأخوذة من القوانين الإنكليزية والفرنسية والأميركية. كما أن جميع القيود والإجراءات الصحافية التي كانت تمنع الصحف من توجيه النقد للسلطات الحاكمة ظلت سارية المفعول بعد الإستقلال.
فقد أجمع كثير من الباحثين على أن أولويات اهتمام صحافة دول العالم الثالث ذات طابع يتأثر بطبيعة النظام السياسي, للدرجة التي أكد معها “د. عبدالله الطويرقي”: “بأن أجندة المؤسسة السياسية هي التي تحدد، ولو بشكل غير مباشر، أولويات جدول أعمال الصحافي تجاه الأحداث والوقائع” (1).
وكان لأول قانون عثماني وضع في سوريا، جلي الآثر وواضح البصمات على صياغة قوانين المطبوعات في الدول العربية؛ خصوصاً فيما يتعلق بالمحظورات والرقابة. وقد أظهرت الدراسة التي قامت بها “د. ليلى عبدالمجيد”، أن قوانين المطبوعات في كل من: “مصر والكويت والسودان والسعودية ولبنان والبحرين وعٌمان والجزائر والأردن والإمارات”، تقوم على حظر التعدي على مبدأ المسؤولية الاجتماعية كما تراها السلطة. وقد ركزت في دراستها علي المؤشرات الأتية:
- تجريم نشر الأخبار الكاذبة وغير النزيهة.
- تجريم نشر ما يعد مساً بالأديان السماوية، وكذلك التحريض على كراهية طائفة من الناس.
- تجريم التحريض على إرتكاب الجرائم، وما يثير النعرات العنصرية.
- تجريم التحريض على عدم الإنقياد للقوانين، وتحريض الجند على عدم طاعة الأوامر.
- تجريم نشر أي مادة صحافية تنتهك الآداب العامة، وكذلك الإساءة للشعوب الآخرى.
- تجريم نشر أخبار التحقيقات التي حظرت سلطة التحقيق إعلان شيء عنها، وكذلك نشر وقائع الجلسات السرية للمحاكم.
- تجريم النشر المؤثر على سير المحكمة والعدالة.
- تجريم نشر صور وأسماء الأحداث المتهمة في قضايا معينة، وكذلك الأخبار المتعلقة بالأحوال الشخصية كـ”الطلاق والنفقة وقضايا إثبات البنوة والزنى …. إلخ”.
- تجريم نشر الخروج عن أخلاقيات نشر الإعلان وآدابه.
- تجريم التشهير والقذف في حق الآخرين.
- حماية مبدأ الحق في الخصوصية.
- ضمان حق التصحيح والرد لما ينشر في الصحف.
أما الدراسة التحليلية التي قام بها “د. فاروق أبو زيد”، لقوانين المطبوعات في الوطن العربي، والمشتملة على 16 دولة تفرض الرقابة على الصحف، فقد كشفت عن أن هناك عدة أساليب للرقابة ضمن قوانين المطبوعات في الوطن العربي منها:
- الإذن المسبق للقيام بالعمل الإعلامي، ويجري العمل بهذا الشرط في كل من: “الكويت والبحرين وقطر وعُمان والعراق وسوريا وليبيا والجزائر والأردن”.
- الموافقة المسبقة على أعضاء المؤسسة الصحافية، وتحديد الشروط المطلوبة لرئيس التحرير.
- طلب بعض المعلومات والبيانات التي يجب توضيحها للوزارة المسؤولة من قبل المتقدم بطلب إنشاء صحيفة.
- الرقابة اللاحقة، وذلك من خلال أشخاص متخصصين يطلعون على جميع ما يُكتب بالصحف والمجلات الوطنية.
- الرقابة المباشرة، وتشمل المطبوعات الخارجية القادمة إلى البلاد.
- الرقابة عن طريق الأوامر والنواهي وفرض العقوبات على من يخالف ذلك.
- الرقابة الذاتية نتيجة بعض المحظورات التي يترتب عليها بعض العقوبات، فقد أصبح الصحافي أسيراً لرقابة ذاتية تجعله يقرأ كل ما يكتب بعين الرقيب.
وبشكل عام، فإن قانون المطبوعات الحالي في أغلب – إن لم يكن في كل – الدول العربية ينبثق وبشكل كبير من القانون العثماني القديم، “وهو يبدو بكل أسف من خلال هذا المنطق شوكة معترضة في حلق أي صحافي أو كاتب يريد أن يتفوه بالحقيقة”، على حد تأكيدات الدكتور “سليمان الشمري”. تلك القوانين والمراسيم التشريعية التي رسختها كل من بريطانيا وفرنسا في مستعمراتهم لتوفير الإستقرار وإضفاء الحماية لهم بداخلها، وخاصة إنكلترا التي طورت القوانين التعسفية المناهضة لحرية الصحافة لتتمحور في خصائص محددة:
- الترخيص: يطلب من الناشر الحصول على تصريح قبل النشر.
- المؤهلات: لا يعتبر كل شخص مؤهلاً للعمل كناشر أو محرر.
- شروط النشر: تكون التصاريح مشروطة بتلبية الشروط المتعلقة بعدد مرات النشر ويمكن إلغاؤها في حالة عدم الوفاء بهذه الشروط.
- العقوبات الخاصة: يجوز تطبيق عقوبات خاصة ضد بعض الإتهامات المرتبطة بها. (4).
فالدول المستعمرة أستمرت – بعد تحررها – في دعمها للقوانين التعسفية السابقة التي سنت أيام وجودها خوفاً من أن تتحرر الشعوب المستعمرة وتبدأ بالعزف على نغمة القومية والديمقراطية والتركيز على كرامة الإنسان (Human dignity).
ومع مرور السنوات حصلت تعديلات على قوانين المستعمرات – سابقاً – ولكن تصب في خانة القيود (Restrictions)، لا المواد التي تحمي الصحافي من بطش السلطة وتسهل حصوله على المعلومة (5).
وأصبح على الصحافي ممارسة أقصى درجات الحذر وضبط النفس، والعيش تحت الرقابة الذاتية في المسائل التي يمنع الخوض فيها أو الواردة في قوائم المحظورات التي تشمل:
- الخوض في الحديث المتعمق عن النواحي الاقتصادية، سواء كان ذلك بالمناقشة أو التحليل للوضع الاقتصادي للبلد، حيث لا يسمح لهم بمناقشة الطرق والأساليب والنواحي الصحيحة لعملية الإنفاق.
- نقد القوات المسلحة.
- توجيه أي نقد لرئيس الدولة بصفة شخصية أو حتى نسبة بعض العبارات له، دون الحصول على أذن رسمي مسبق.
- عدم السماح بإبداء أي تساؤل أو ملاحظة عن أي وزير أو رجل دولة رسمي، بغض النظر عما يرتكبه من أخطاء.
- عدم السماح بإبداء النقد أو طرح إقتراحات موجهة إلى أي تنظيم حكومي، ويعود السبب في ذلك إلى أن السلطات تعتبر النقد موجهاً إلى الحكومة ذاتها أو إلى من يكون على رأس السلطة.
- عدم المساس بالبرامج والحملات الإعلامية التي تمجد وتضخم جهود الحكومة، والتي لا تستند إلى أي مبرر موضوعي بدعوى أن ذلك قد يحدث بلبلة لدى الجمهور، على الرغم من أن غالبية الشعب يعرفون جيداً وبكل وضوح هذا النوع من الدعاية المكشوفة للمحافظة على الوضع القائم.
- منع توجيه النقد أو عبارات الإصلاح والإرشاد تجاه الدول الصديقة والمتحالفة، وهذا يعني أنه من العسير على الصحافيين القيام بالكتابة عن الشؤون الدولية بحرية كاملة.
- نظراً إلى إعتبار الأفراد والجماعات المعارضة للحكومة من المفسدين، فإنه يحظر التعامل معهم وتأييدهم، لأن ذلك يعتبر معارضة للسلطة، وهو ما يعتبر تهديداً حقيقياً للحكومة بشكل قاطع.
هذا ما تفرزه دائماً أشكال الرقابة الإعلامية ويتكرر في المجال الإعلامي (6).
العولمة بين الرقابة السلطوية والرقابة غير المباشرة:
وبرغم تحديد “د. عواطف عبدالرحمن”، لتلك المهام والقضايا التي تواجه الإعلام داخل دول العالم الثالث في مرحلة ما بعد الإستقلال، قائلة: “عندما نحاول التصدي لمناقشة الأدوار والمهام الأساسية لوسائل الإعلام، وعلى الأخص الصحافة في دول العالم الثالث في مرحلة ما بعد الإستقلال، نلاحظ أن هناك ثلاث مهام محددة تفرض وجودها على الساحة الإعلامية في العالم الثالث. ويمكن إيجاز هذه المهام على النحو التالي:
- دور الإعلام في خدمة أهداف التنمية الشاملة وخصوصاً أبعادها الشعبية وعدم الإقتصار على معالجة وتناول مشكلات وإهتمامات النخبة فقط.
- حل التناقض بين حرية الصحافة وتطورها كمهنة وبين دورها في التنمية.
- التوصل إلى إكتشاف وتحديد الملامح العامة للنظرية أو مجموعة النظريات التي تفسر الأوضاع الإعلامية في العالم الثالث” (7).
إلا وأنه، مازال الجدال محتدماً حتى اليوم بين فلاسفة وباحثين علوم الاتصال والإعلام، حول قضية كيفية تحقيق حرية الصحافة داخل مجتمعات ودول العالم الثالث، ذلك الجدال الذي تطور وأشتد أواره مع بداية عصر العولمة ودخول دول الجنوب في فضاءات الأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت، وقد تمحور بين معسكرين، أولهما رأى أن قضية تحرير الصحافة كمهنة ما هي إلا جزء من قضية كبرى وهي خلق إعلام تنموي مستقل عن التبعية العولماتية يناسب بيئة مجتمعه القومي، وكان من دعاته ومؤسسيه فلاسفة مدرسة كتاب التبعية وأنصارهم بدول العالم الثالث. وثانيهما صب كل تركيزه على قضية حرية الصحافة، وتحريرها كمهنة من كافة ألوان الرقابة السلطوية بالشكل الليبرالي الغربي الأمثل، بما يواكب رحابات سموات العولمة الإعلامية مستغلاً ما نجحت في كسره من جميع الحواجز القومية والشعوبية.
يرى كتاب التبعية الإعلامية والثقافية، أن النظم الحاكمة في الدول النامية تواصل نفس الدور، الذي كان يقوم به الإستعمار المباشر، في تنفيذ قوانين التبعية لدول الغرب المتقدم – من التخفيف من حدة الصراع الاجتماعي داخل المجتمع والتقليل من أعراض الإغتراب، والتقليل من شأن النظم الاجتماعية والاقتصادية البديلة للنظام الرأسمالي، وتحقيق أكبر قدر من الأرباح على أساس أن وسائل الإعلام مشروعات تجارية أيضاً – بمساندة الشركات المتعددة الجنسية في إحتكار وسائل الإعلام وتسخيرها لخدمة مصالحها، وحرمان القطاعات الشعبية من حقوقها الإعلامية.
أما “لورد نسترن” وزملاؤه، فقد أكدوا على أن وسائل الإعلام الدولية تصبح أدوات للإعلام والدعاية عن مصالح النخب الحاكمة سواء في المجتمعات الرأسمالية أو النامية. ولا تعبر عن هموم شعوبها أو آمالها وطموحاتها. ولذلك أصبحت دول العالم الثالث أسواقاً للمنتجات الإعلامية لدول الغرب الرأسمالي. حيث قام بتصدير قيمه وتناقضاته بهدف ترويج سلعه ومنتجاته الاقتصادية والعسكرية والثقافية. ويتبنى هذا الرأي أيضاً كل من “شيللر” و”غريتر” و”تدزسكي”، متفقين على تحديد السمات الرئيسة للإعلام في العالم الثالث على النحو التالي:
- يتدفق الإعلام في إتجاه واحد من الحكام الذين يسيطرون على وسائل الإعلام إلى الجماهير، أي في إتجاه رأسي دون وجود أدنى هامش أو أفق للإعلام على المستوى الأفقي.
- تقتصر حرية التعبير على هؤلاء الذين يملكون أو يمولون وسائل الإعلام وأنصارهم. وذلك رغم ما تنص عليه الدساتير في دول العالم الثالث من إحترام وتقديس حرية الفكر والتعبير.
- وسائل الإعلام ليست أداة لعرض إتجاهات الرأي العام ولا تخضع لأي نوع من الرقابة الشعبية.
مفهوم الإعلام الذي يستخدم لخدمة الأغراض التجارية والرقابة السياسية هو الذي يسود وترجح كفته على مفهوم الإعلام الموضوعي غير المتحيز (8).
كما قدم كل من الباحثين “راكيل ساليناس” و”لينا بالدان”، إسهاماً بارزاً في قضية الإستعمار الثقافي في الدراسة التي نشرت بعنوان (الثقافة في إطار التنمية التابعة)، فقد أوضحا أن الشركات المتعددة الجنسيات قد تمنح الفرصة للتصنيع لبعض دول الهامش في العالم الثالث، ولكن في إطار التنمية الرأسمالية التابعة. وبناء على ذلك تنمو الطبقات الوسطى المحلية التي تتشبع بالمؤثرات الثقافية لدول المركز. بينما تزداد هامشية الطبقات الشعبية. وينتج عن ذلك إزدياد إلتصاق ثقافة النخبة الحاكمة بالثقافات الأجنبية المنتمية إلى دول المركز، ويتولد منهما ما يسمى بالتجانس الثقافي الذي يواصل دوره في العمل على تجريد الشخصية القومية من مقوماتها الإنسانية والتاريخية وتسطيحها إلى المدى الذي يجعلها تتوافق مع مجموعة الأهداف والمصالح التي تحكم شبكات التوزيع والتسويق الإعلامي والثقافي التي تديرها الشركات المتعددة الجنسية. ويتبنى هذه الرؤية كل من “ماثل آرت” و”سيميبحلوب” و”تران فان أدنا”. ويركز “أرمان ماثل آرت”، إهتمامه على محاولة تحديد خصائص الإستعمار الثقافي؛ الذي يتغير في الشكل والمضمون طبقاً لمراحل الغزو والتوسع الإستعماري في العالم الثالث. كما أنه يتكيف طبقاً للواقع الوطني وطبيعته في كل منطقة. ويرى “ماثل آرت” أن الشركات المتعددة الجنسية التي تعتبر أداة للتغلغل الاقتصادي والدعاية الإيديولوجية قد بدأت تمارس المهام التي كانت تقوم بها في الماضي الحكومات الإستعمارية. وبجانب المهام الجديدة التي تقوم بها هذه الشركات هناك مهام أخرى تقوم بها أجهزة الدولة. ولا بد من توضيح الملامح التي تحدد العلاقة بين هذه الشركات وبين جهاز الدولة في العالم الثالث. ويولي “ماثل آرت” أهمية خاصة للعامل الثقافي والإيديولوجي، ويرى أنه إذا لم يحق لنا أن نبالغ في أهمية هذين العاملين على حساب الصراعات الأخرى؛ وخصوصاً الصراع الاقتصادي والاجتماعي، فإن إستراتيجية التدخل السياسي غير المباشر من جانب القوى الإستعمارية تعتمد إلى حد كبير على الحرب الإيديولوجية والثقافية. ويرى أنه من أجل تحديد مفهوم الإستعمار الثقافي علينا أن نحاول أولاً تحديد معنى الثقافة الوطنية. وهذه لا يمكن تحديدها إلا في ضوء فهمنا وتحليلنا لطبيعة العلاقة بين البرجوازيات المحلية الحاكمة في العالم الثالث والإستعمار العالمي ككل، ويرى أن المفهوم العلمي للثقافة الوطنية السائدة أنها الثقافة التي تديرها وتتحسن فيها الطبقة المحلية الحاكمة في عصر تعدد الجنسيات، والتي يجب أن تضمن استمرار تبعية هذه الطبقة للولايات المتحدة الأميركية، وتتضمن في ذات الوقت استمرار هذه الطبقة في السلطة. ولا يؤمن “ماثل أرت” بالأساليب الشائعة في قياس الإستعمار الثقافي بحجة المنتجات الثقافية المستوردة. إذ يرى أن الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة تنتج النماذج الثقافية وعلى الحكومات المحلية في دول العالم الثالث أن تقوم بتقليد هذه النماذج وتكييفها طبقاً للواقع الوطني، مثل الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والريبورتاجات الصحافية، كما تقوم الحكومات المحلية بخلق المناخ الثقافي المناسب والشروط الاجتماعية والفكرية الملائمة لتغلغل الأنماط الأجنبية في الثقافة والقيم في ثوب لا يكشف حقيقتها بشكل سافر. ويستشهد على ذلك بعدة مؤثرات أولها يتعلق بتطوير وتحويل أجهزة الدعاية التابعة للحكومة الأميركية، والمقصود بها “المراكز الثقافية الأميركية في العالم الثالث”، وثانيها ترويج التكنولوجيا الحديثة للاتصال بما يسمح للغزو الثقافي بالتغلغل بل والتوسع داخل أجهزة التعليم والثقافة دون ضجيج، وثالثها “مراكز البحوث ونظم التعليم الأميركية” (9).
أما الباحث العربي “سمير الطرابلسي”، فينتقد العولمة بإعتبارها “عملية إنتاج هيمنة شاملة ومعاصرة ركيزتها الأساسية اقتصادية في طبيعتها، لكن تجلياتها في المجالات السياسية والأمنية والثقافية والإعلامية لا تقل خطورة وأهمية عن تجلياتها الاقتصادية” (10).
وقد ركز “د. سليمان صالح”، في تحليله لظاهرة العولمة على “السلاسل الإعلامية التي تمثل الإحتكار في ملكية الصحف من قبل أشخاص أو شركات، يكون لهم دور في توجيه (أجندة) الوسائل الإعلامية، فمثلاً في بريطانيا تحسب أغلب الصحف البريطانية على اليمين المحافظ كما يفعل المالك الأول في بريطانيا “روبرت موردوك”، حيث فصل رئيس تحرير صحيفة “التايمز” اللندنية “هارولد إيفانز” إرضاء لليمين المحافظ” (11).
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن وسائل الإعلام الرئيسة، يتحكم فيها خمسون من أكبر المؤسسات العملاقة، والتي كانت متداخلة مع صناعات كبيرة أخرى ومع بعض البنوك الدولية البارزة (12).
وفي بداية السبعينيات لاحظ كل من الباحثين “غولنغ” و”موردوك”، أن الآراء والنظريات والحقائق التي يستعملها الناس لإضفاء معنى على حياتهم، تعتمد لدرجة كبيرة على ما يخرجه هذا الوسط الإعلامي، وعلى المعلومات المتوفرة ضمن المصلحة والمنفعة الرأسمالية، وفي ظل هذا الإتجاه الرأسمالي والإنتاج الثقافي، في حين أن أي تهديد يعارض الوضع يعد غير قانوني ويقع تحت طائلة العقاب، فإن أي تجديد ضد المفهوم الرأسمالي يجابه بالإستنكار والتجاهل أو التفريغ من المضمون السياسي (13).
إن ما ذهب إليه “غولنغ” و”موردوك”، قبل نحو ثلاثين عاماً، يتأكد ويتأصل بشكل منقطع النظير في ظل العولمة الحالية، مما لا يجعل للشك مكاناً في إمكانية تنوع الرؤى والأفكار السياسية والثقافات التي تختلف مع التوجه الرأسمالي بقيادة القطب الواحد، الذي فرض ثقافته ولغته التي تشكل نحو 80% في العالم كلغة تداول وتخاطب أولى، فالولايات المتحدة بثقلها العسكري والتكنولوجي أصبحت المهيمنة على جميع الثقافات على كوكب الأرض.
ومن الطريف أن هم الغزو الثقافي عبر إخطبوطية الثقافة والإعلام المعولم، لم يقتصر على الدول العربية أو دول العالم الثالث فحسب، فقد سبق ورفضت فرنسا على سبيل المثال إدراج الثقافة والإنتاج ضمن معاهدة (الجات)، وهذا الخوف أيضاً جعل وزيرة الثقافة الكندية تعبر عن إنزعاجها بقولها: “من غير المعقول والمقبول أن تصبح 60% من برامج التليفزيون الكندي مستوردة، وأن يكون 70% من موسيقانا أجنبية، و95% من أخلاقنا ليست كندية” (14).
فإذا كانت الثقافة الكندية، التي تتقارب وتتماهى مع الثقافة الأميركية، تشكو من الهيمنة الأميركية، فكيف يكون الوضع بالنسبة إلى الثقافة العربية التي تعاني من إحباطات ووهن داخل نسيجها الذي يتعلق بكل تفاصيل حركات الإنسان العربي.
وذكر الباحث “سليمان الهتلان” عام 2000، في دراسة تحليلية لصورة العولمة لدى مجموعة من أشهر الصحف الأميركية والعربية، حيث بَين “أن مفهوم العولمة لدى الصحف الأميركية هو نظرتها إلى العولمة على أنها تطور طبيعي للبُعد الاقتصادي والتكنولوجي، فهي تهدف إلى وجود أسواق عالمية مفتوحة وحرة، وتعتبر وسائل الإعلام الأميركية أن أستفادة الجميع من العولمة أمراً مفروغاً منه. أما الصحافة العربية فتنظر إلى العولمة على أنها تهتم بالجانب الثقافي المرادف للأمركة، حيث أن هناك العديد من الكتاب العرب يؤكدون على أن العولمة هي فرض للأنظمة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الأميركية على بقية العالم” (15).
أما عن معسكر المدافعين عن العولمة وديمقراطيتها الليبرالية الشاملة المتكاملة، فيسجل المفكر الدكتور “عبدالوهاب المسيري” رؤيته قائلاً: “أن ما يدعو إليه النظام، (العالمي الجديد المتمثل في العولمة)، هو شكل من أشكال تبسيط العلاقات وتجاوز العقد التاريخية والنفسية والنظر إلى العالم بإعتباره وحدة متجانسة واحدة، فلم يعد هناك إنفصال أو إنقطاع بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية من جهة، ومن جهة أخرى الداخل والخارج، وتحقيق الإستقرار والعدل للجميع … وأن الخطر الذي يتهدد الأمن لا يأتي من الخارج وإنما من الداخل، من قوى تقف ضد الديمقراطية وتأسيس المجتمع على أسس اقتصادية، وعلى أسس التكيف مع النظام العالمي الجديد” (16).
ومن أبرز المنافحين عن العولمة المفكر العربي “برهان غليون”، حيث يرى أن العولمة “تبشر بمرحلة جديدة للتنظيم العالمي الإنساني نقيض لمرحلة الدولة القومية…. وإن ضرورة الإنخراط في السيرورة العولمية لا ينبغي أن تفصل عن ضرورة بلورة الإستراتيجية للإستفادة من إمكانياتها…. فمقاومة الهيمنة التي تحملها العولمة لا تتحقق من خلال الرفض الإيديولوجي لمفهومها، ولكن من خلال بناء الشروط التي تسمح بالتحكم بآلياتها وتقنياتها ووضع اليد على جزء من رأس مالها المادي والأدبي والعلمي… فيجب أن نعترف بقصور أنظمتنا الاجتماعية والثقافية، والإنطلاق من هذا القصور نفسه من أجل احتلال مواقع العالمية، وإختراق الهامشية وكسر آليات التبعية نحو المشاركة الفعلية والفعالة في الجهود الحضارية الإنسانية” (17).
ويرى الباحث “د. سليمان الشمري”، أن العالم قد أصبح مدينة عالمية “تلعب وسائل الإعلام فيه الدور الكبير في تقديم المعلومات ونقل الثقافات الأخرى عبر الإنترنت والقنوات الفضائية، فالمسؤول الرقابي في الدول غير الديمقراطية بدأ يتضاءل دوره وأصبحت هناك مفاهيم جديدة مثل حقوق الإنسان، حيث أصبحت القوات العسكرية تخدم هذا المفهوم، (العولمة العسكرية)، مثل ما حدث في الكويت والبوسنة وكوسوفو من أجل حقوق الإنسان. إلا أن ذلك يخدم سياسات الدول القوية والغنية مثل الولايات المتحدة الأميركية” (18).
وهناك من الباحثين من يرى “إن تهميش الرأي العام في الدول النامية كان وراء عدم مشاركته الفعالة وفشل الخطط التنموية وزيادة فقر هذه الدول، فلو أخذنا مثلاً وظيفة العلاقات العامة في الدول النامية فهي تختلف كثيراً في الدول المتقدمة، لعدة عوامل أهمها دور الرأي العام كمتغير مهم في عملية تقويم دور العلاقات العامة، أي أن المؤسسات الحكومية في دول العالم الثالث لا تؤمن بما يعتقده ويفكر فيه الرأي العام، أي أن هناك تأثيراً واضحاً لدور البعد السياسي في تحقيق المفهوم الصحيح لدور العلاقات العامة” (19).
فالغرب يدرك أهمية العولمة والحرية الإعلامية في خدمة الشعوب العربية، إلا أن هذه الميزة والصبغة التوحيدية الجديدة للشعوب العربية لن يصاحبها سياسة واحدة، فقد إنتفى دور السياسة الواحدة لدولة أو قومية محددة، فمقومات القوميات والثقافة العربية صهرت ومزجت مع إكسير الثقافة العالمية ولم يعد هناك مجال للحديث عن الأزمنة والإنتصارات الماضية، (النستولوجيا)؛ وهي عبارة عن “تعرض غير سوي للماضي أو إلى إستعادة وضع يتعذر إسترداده”، وهو وضع ناتج إلى حد كبير عن عدم قدرة الذات على التكيف مع المستجدات والمتغيرات، خصوصاً إذا كانت متسارعة وعظيمة الأثر وعدم القدرة على الإندماج الاجتماعي بالتالي، ومن ثم خيبة الأمل من تحقيق التوقعات” (20).
ولتوضيح ذلك يرى الباحث “د. عبدالله الحامد”، في عملية الإستفادة من أدوات الديمقراطية والحرية “إن فن النقد يخلق الرأي العام المستنير القادر على مواجهة الثقافات الأخرى بأسلوب يتماشى مع العصر والعولمة والحداثة، إن إستمرارنا نجابه التحدي الغربي بسلاح تراثي، فإن الغرب سيفرض علينا – كرهاً وقسراً- خياره الحداثي، فالخيار التراثي يفضي بنا آلياً إلى زوال الإسلام” (21).
أما عن واقعنا الإعلامي المعاصر تحت سطوة العولمة، فهناك من يلاحظ “أن البرامج الجزئية في بعض القنوات الفضائية العربية تريد أن تطبق النهج السياسي القائل “في السياسة التفكير بصوت مسموع من المجتمع خير من التفكير بصوت خافت، أو حتى التفكير بدون صوت”، كان هذا هو الشعار الذي تبناه المفكرون الأوائل للثورة الأميركية والقيادات التي وضعت في بنود الدستور الأميركي الحديث، والذي دفع هؤلاء الرواد إلى مفهوم الحرية في التفكير والحرية للحديث أو التحديث… إلا أن التفكير الحر والصريح هو أهم دعائم الأمن الوطني، حيث وجدوا أن الأفراد الذين يتحدثون علانية وبحرية تفكيرية لا تنعدم الفائدة منهم، حيث:
- إما أن تكون فكرته خاطئة فيتم تهميشها وإهمالها بشكل طبيعي دون الشعور بالإضطهاد والخوف، وبالتالي تموت لعدم وجود الدعم الحقيقي لها.
- إما أن تكون تحتوي على نصف حق ونصف حقيقة ونصف فائدة، وبالحديث العلني الواضح يتم تعديل وتصحيح مثل هذه الفكرة.
- إما أن تكون فكرة جيدة فيتم تبنيها والأخذ بها، وهنا تكون مكسباً لصالح النظام السياسي والأمن الوطني، وهنا تكمن الفائدة كل الفائدة” (22).
وقد أبرز “العوفي” التأثيرات السياسية داخل المجتمع المعلوماتي الفسيح للعولمة، الذي خضعت له دول العالم الثالث ضمن كافة دول العالم، محاولاً إجمالها في:
- إنكشاف الحقيقة، أي لم يعد بالإمكان إخفاء الحقائق والإعتماد على صنع الأكاذيب السياسية.
- إنهيار سيطرة الدولة، فلم يعد للدولة قدرة في السيطرة الإعلامية أو في تدفق المعلومات.
- التبعية والقرارات السياسية الكونية، فقد أصبح العالم يعيش في كونية حقيقية تترابط أجزاؤه من النواحي كافة؛ الإعلامية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
- زيادة التوجه الديمقراطي (23).
الفصل الثالث: قراءة في شهادات الرقابة والرقابة الذاتية
رغم تعدد واختلاف المدارس الإعلامية التي حاولت تحديد الأطر النظرية المفسرة لواقع الإعلام داخل دول العالم المعاصر، إلا وأن أغلب الدراسات والنظريات المنتجة اليوم – وخاصة بعد عصر العولمة الإعلامية – تعتبر إمتداد للمدرسة الغربية، أقدم تلك المدارس تاريخياً وأسبقها في محاولة إستخلاص القوانين النظرية التي تحدد الأسس الفلسفية والقانونية والاقتصادية والسياسية للإعلام الغربي بمختلف تياراته ومذاهبه، وتحديداً مكملة ومبنية على أسس تصنيف “ولبور شرام” وزملاؤه، الذي وضع عام 1956 مقسماً النظريات الإعلامية إلى: “نظرية السلطة والنظرية السوفياتية والنظرية الليبرالية ونظرية المسؤولية الاجتماعية”، والتي عكست جميعها – بإستثناء النظرية السوفياتية – خلاصة التطور التاريخي للعلاقة بين الصحافة والسلطة السياسية في المجتمعات الغربية ومتغيراتها، بالإضافة إلى المتغير الاقتصادي الخاص بنمط الملكية. مستمدة دعامتها الفلسفية من التراث النظري للفكر الديمقراطي في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، ولم تتعرض على الإطلاق للبناء الاجتماعي والثقافي الذي أفرز هذه النظم الإعلامية وكان له تأثيره الجدلي على تطورها، سواء من الناحية التكنولوجية أو المضامين الإعلامية أو فنون التحرير والإخراج الصحافي، كما أكدت الباحثة “جيهان رشتي”، ولقد توالت التصنيفات، التي أضافت بعض التعديلات غير الجوهرية، على تصنيف “شرام” مما أدى إلى تغيير بعض التسميات السابقة ودمج البعض الآخر، لتتبلور في النهاية النظريات الثلاثية للتصنيف المعروفة حالياً: “الليبرالية والشمولية والمختلطة” (1).
دامجة كل من نظريتي “الحرية والمسؤولية الاجتماعية” في إطار النظرية الليبرالية، على أساس أنهما يمثلان مرحلتين تاريخيتين متتابعتين في تطور الصحافة الغربية، وأنهما ينبعان من أساس نظري وفلسفي واحد، كما ينتميان إلى واقع اقتصادي واجتماعي واحد هو المجتمعات الغربية. أما “النظرية السوفياتية” فقد أدرجتها تحت أسم “النظرية الشمولية” دون مراعاة للإختلاف التاريخي والإيديولوجي للتجربة الإشتراكية في الإعلام عن التجارب الأخرى التي تندرج تحت نفس التصنيف، (مثل التجربة النازية التي تعد إحدى تطبيقات الرأسمالية الأوروبية). أما النظرية الثالثة، (المختلطة)، فهي محاولة ترقيعية تفتقر إلى الأساس النظري أو الاقتصادي، بل تعتمد على الإختبارات السياسية البراجماتية وتعجز عن تفسير كثير من الظواهر الإعلامية في العالم الثالث بالذات.
فكان هناك تشابه كبير بين صحافة العالم الثالث – والصحافة العربية خاصة – والنظريات الغربية في الإعلام مثل “نظرية السلطة” المرتبطة بنشأة وتطور الصحافة الإنكليزية منذ القرن السابع عشر، وتقوم على وجوب إخضاع الصحافة ذات الملكية الخاصة لسيطرة الحكومة من خلال قوانين الرقابة ووسائل السيطرة الأخرى. أما “النظرية الليبرالية” فمضمونها يعتمد على ضرورة وجود صحافة مستقلة من الناحية الاقتصادية وقادرة على القيام بدور الحارس لمصالح الهيئات الرأسمالية في مواجهة الحكومات. وهي الفلسفة التي إنتهجتها منظومة العولمة لتنفيذ شموليتها الكونية.
ويرى الصحافي الأسترالي، “ليلود سومرلاد”، مؤلف كتاب (الصحافة في الدول النامية)، بأنه من غير اللائق أن تحاول تقييم الحكومات والصحافة في إفريقيا طبقاً لنفس المعايير التي تستخدمها في تقييم المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأميركية. فالدول الإفريقية تمر بمرحلة إنتقال، حيث لا تزال تقوم بتجربة كثير من الصيغ والتنظيمات الجديدة. ففي الغرب لا يوجد تناقض بين قيام الحكومات بإصدار الصحف وبين قيام المؤسسات المستقلة عن الحكومات بإنشاء صحف خاصة بها. بينما في الدول الإفريقية يعتبر من الطبيعي والمنطقي أن تقوم الحكومات بإصدار الصحف التي لا تختلف في أساليب عملها عن أجهزة الإعلام الأخرى مثل الإذاعة والتليفزيون.
ومن منطلق تلك المدارس الصحافية والنظريات الإعلامية ثارت قضايا جدلية كثيرة ومتنوعة، محاولة صياغة العلاقة بين الصحافة والسلطة داخل إطار إشكالية حرية الفكر والتعبير ووسائل الإعلام منها تحديداً.
فيوضح كل من “جون مارتن” و”غروفر شودري”، صورة الرقابة السلطوية على وسائل الإعلام أو الفكر في كونها: “حالة عدم وجود مؤسسة أو سلطة مستقلة عن النظام، فالصحافة لا تستطيع إثبات وجودها بوصفها سلطة رابعة، تراقب السلطات الثلاث الأخرى، التنفيذية والتشريعية والقضائية، في الدفاع عن المجتمع المدني وهي قابعة تحت رقابة مباشرة وغير مباشرة، فهناك شعوب عديدة تواجه سيطرة أحادية الفكر والرأي، إلا أن لكل مجتمع ظروفاً خاصة به وأساليب لمواجهة الرقابة. فالرقابة المباشرة أو غير المباشرة تكون إنعكاساً لنوع البنية الاجتماعية التي تعمل فيها وسائل الإعلام”. ويعرفا دور وسائل الإعلام الخاضعة لسلطة الدولة بأنه: “دوراً مهماً في المحافظة على النظام، أي اعتبار الجهاز الإعلامي وسيلة للرقابة الاجتماعية للسيطرة على الصراع الداخلي، وتحقيق التكامل السياسي، أو الإيديولوجي أو الثقافي أو الديني داخل النظام” (2).
ويلاحظ على أصحاب هذا الرأي بأنهم في مجابهة آليات سلطة الدولة حاولوا خلق سلطة أخرى للصحافة ووسائل الإعلام لتكون مشاركة لسلطات الدولة، مما يناقض مبدأ إستقلالية الصحافة والكلمة الإعلامية. ورغم شيوع هذا الرأي – نظرية السلطة الصحافية الرابعة – في أغلب الدراسات الحديثة حالياً، إلا وأنه أثار أيضاً العديد من الإستفهامات التي عبرت عن قضايا تفريعية أخرى ولكن أكثر راديكالية، مثل ماهية الدور الحقيقي الذي تلعبه الصحافة وظيفياً داخل المجتمعات وحدوده، ومدى إستقلالية الصحافي ذاته داخل مؤسسته الإعلامية، والكثير من الإشكاليات المهنية التي تستعرضها تطبيقياً السطور القادمة من خلال شهادات العديد من الصحافيين.
ومن ضمن الرؤى التي تنتهج الفكر الليبرالي وتطبيقاته داخل المنظومة الإعلامية مرحبة بآليات عولمتها، والتي رأت أنها قلصت سيطرة الدولة على وسائل إعلامها المحلية لدرجة العدم، وبالتالي منهية سطوة الرقابة السلطوية المباشرة لتخلف ما أسمته بـ”الرقابة الذاتية” غير المباشرة أو المنظورة، كما يراها الباحث “سليمان الشمري”، ويعرفها بأن: “الرقابة الذاتية هي مصطلح يعني في باطنه تدجين الصحافيين، ويهدف إلى تربية جيل من الصحافيين مقلمي الأظافر والأقلام يخدمون الواقع القائم أكثر مما يخدمون الحقيقة، أما في ظاهره فهو يحتمل الكثير من المعاني مثل الحفاظ على القيم الدينية أو العادات الاجتماعية أو حماية توجهات الدولة الخارجية…. إلخ. هي التوجهات والسياسات التي تحد من إنطلاقة الصحافي سواء أكانت من قبل الحكومات أو رؤساء التحرير، وفي الغالب لا تنفصل توجهات رؤساء التحرير عن السياسات العامة للدولة. إن الحرب ضد الرقابة بشكل عام واضحة المعالم، بينما تبقى المعركة ضد الرقابة الذاتية غير معلنة حيث يشعر الصحافي بخزي ومذلة قد تقوده إلى مرحلة خطيرة وهي مرحلة الإنفصام” (3). وذلك قبل أن يعود – “الشمري” – مطالباً بضرورة وجود رقابة أخلاقية “تنبع من داخل العاملين بالحقل الصحافي في ظل هذا الزمن العولمي الخطير، الذي تكتسح فيه ثقافة القطب الواحد ثقافات الأمم الأخرى، أي أن هناك خطورة من أنصهار الثقافات المتعددة في بوتقة الليبرالية الحديثة التي تؤمن بسيطرة الطبقات الغنية” (4).
مبرراً حتمية تلك الرقابة الأخلاقية، رغم ترحيبه ومطالبته بإزاحة جميع ألوان السيطرة الرقابية المباشرة من الدولة أو الذاتية المرتبطة بالصحافي إيديولوجياً على النهج الليبرالي الغربي، بأن “الرقابة الذاتية هي الضمير الحي في إطار من القيم والمثل العليا التي يعتنقها الصحافي للوصول إلى غاية سامية في جو من الحرية في التعبير. الرقابة الذاتية تنبع أساساً من إرضاء الصحافي لضميره وذاته وأن يتحمل جيداً شرف رسالته الصحافية دون أي تأثير مع مراعاة الاعتبارات والتوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلى حد ما في أدائه لعمله…. إن الرقابة الذاتية تنبع من داخل كل منا – كاتباً أو محرراً أو مسؤولاً – بل لا مغالاة في القول إذا كان الأمل هو أن تمتد لكل أفراد الأمة وأن يكون على كل واحد منا جميعاً أن يتقي الله سبحانه وتعالى في كل ما يقول وما يفعل، وأن تكون هناك اعتبارات مهمة نصب أعين الجميع متمثلة بمصلحة الأمة ورعايتها والحفاظ عليها، وأن نتحلى جميعاً بالأمانة والصدق في السلوك والحياة الخاصة والعامة”. ويظهر هنا تناقض منهجي واضح لصاحب الدراسة، من ترويجه لمبدأ عدم أدلجة المهنة في توظيفها المهني بالشكل الليبرالي الغربي وتدجينها في أدلجتها بالبعد الديني في نفس الوقت.
في إطار برنامج “ميد ميديا” Med – Media التابع للاتحاد الأوروبي، وهو برنامج يستهدف إقامة شبكات للتعاون بين المهنيين في وسائل الاتصال بأوروبا ودول حوض البحر المتوسط، تم تنظيم لقاء بين عدد من الصحافيين، تتراوح أعمارهم بين 25 و65 عاماً، ينتمون لجنسيات متعددة ومتباينة من دول البحر المتوسط، حول مائدة مستديرة بمدينة “مارسيليا” بفرنسا في آذار/مارس 1994. تباحثوا عدة قضايا مهنية كان محورها قضية الرقابة والرقابة الذاتية وما يتفرع عنها من إشكاليات وقضايا صحافية.
فيؤكد “بول بالتا”، المراسل الذي عمل لصالح صحيفة “لوموند” ببلاد المغرب العربي لفترة كبيرة، على وراثة المسؤولين بالنظام الجزائري، إبان عهد “بومدين”، خبرة حرب التحرير التي تميل إلى السرية المتناهية. مدللاً: “على سبيل المثال خلال رحلة “بومدين” إلى كوبا، رفض رئيس القسم في وزارة المالية إبلاغي بالأرقام المتعلقة بالمبادلات الثنائية بين البلدين. وهي أرقام واردة في النشرات الرسمية، وإن كان من الصعب الحصول عليها”. لذا فيرى “بالتا” مستوى الصحافة الجزائرية المحلية الذي وصل بها لتكون مصدراً رديئاً للمعلومات نتيجة خضوعها لرقابة صارمة، وبالتالي “كانت الشائعات تنتشر بسهولة، فكان على المراسل أن يتفنن في عملية فرز ما هو حق مما هو باطل”. موضحاً المستوى الرقابي الذي كانت تواجهه صحيفته الأجنبية بدءاً من خضوعها لأربعة وزارات جزائرية لكي يصرحون بإستيراد نسخها، وليس إنتهاءاً بممارسة نوعاً من الضغط على الأقسام التجارية التابعة لصحيفة “لوموند” لإقناع رئيس التحرير والمحررين بإبداء مزيد من التفهم للأوضاع الجزائرية، بل ومطالبتها بإصدار “طبعات خاصة” بالجزائر تخلو من المعلومات المثيرة للجدل. ورغم كل هذه القيود على الصحيفة، يشهد “بالتا” على تخفيف مستويات الرقابة الإدارية عليه كمراسل أجنبي: “مما سهل لي معرفة البلاد ويسر مهمتي وهو السماح للصحافيين في التنقل بحرية ودون تصريح مسبق، وهو ما لم يكن مسموحاً به للدبلوماسيين”. بالإضافة إلى المهارات الخاصة بالمراسل ذاته؛ والتي تلعب بالغ الأثر بالطبع في إنجاح مهمته وتميزه مهنياً: “ولابد أن أعترف بأنني كنت أكثر حظاً من معظم زملائي الآخرين، وأن ولادتي في مدينة الأسكندرية من أم مصرية مع معرفتي باللغة العربية ومعرفتي الجيدة للعالم العربي وإيران وتركيا والدين الإسلامي، كل هذا قد أسهم كثيراً لكي أتمتع بمثل هذا الحظ وليس فقط في الجزائر بل أيضاً في سائر دول المغرب والمشرق على السواء، ففي هذا الوقت كان هذا ما منح ميزة خاصة لصحيفة “لوموند” بفضل زملاء مثل “إيريك رولو” و”جان غيراس” اللذين ولدا أيضاً في القاهرة” (5).
أما شهادة “مين سولينيه” Mine Saulnier، الصحافية بجريدة “ميلييت” التركية، فتقدم لنا مستوى آخر من الرقابة داخل بلد شهدت حركة إعلامه الداخلي طفرة كبيرة على أيدي شركات متعددة الجنسية برغم غرق الدولة في أزمات اقتصادية متعددة، بالإضافة إلى معاناة عرقية مزمنة، مثل القضية الكردية، فتقول: “قد نجد في تركيا حرية وربما لها بعض التجاوزات، ولكن العائق الوحيد لهذه الحرية هو الرقابة الذاتية. فهذه رقابة مزدوجة ذات صبغة اقتصادية وسياسية أيضاً. وفي كلتا الحالتين فهي محكمة. فالرقابة الذاتية السياسية تمارس على نحو قد يترك معه الصحافي يكتب ما يحلو له، فإذا أثار مقاله قلقاً ما فإنه يُقتل !، وهذا ما حدث بالفعل لصديقنا “أوغور نومكو” وأيضاً لـ 16 صحافياً آخرين. أما الرقابة الذاتية الاقتصادية فهي تمارس للتأثير على الأرباح الهائلة التي تحققها المؤسسات الصحافية التي نعمل بها. حاولت أن أكون حيادية قدر الإمكان وخاصة فيما يتعلق بالمشكلة الكردية. وكتبت مقالات أستهدفت توجيه الدعوة للحكومة لكي تفكر بتعقل أكثر وللمتطرفين الأكراد أن يلتزموا بالهدوء الفكري. وعندئذ دعيت إلى المشاركة في اجتماع عقده الحزب الكردي (PKK) في باريس. كنت الصحافية التركية الوحيدة التي حضرت الاجتماع. ولكن خلال الاجتماع تلقى المتحدث ورقة صغيرة سلمها له أحد المناضلين فقرأ مضمونها ثم قال: “يوجد بيننا صحافية تركية، أننا ننصحها بأن تحرص تماماً على ما ستكتبه”, ولم أقبل هذا الإبتزاز فقمت وقلت: “أنني هنا لأنكم دعوتموني فإذا شئتم يمكنني الخروج”، وهذا ما حدث. وأمام باب حجرة الاجتماع كان في إنتظاري ثلاثون من المناضلين، يلومونني ليس من أجل مضمون ما كتبته بل لأنني أعمل في صحيفة تركية، “ملليت”، وقد فضلت هذه الأخيرة عدم نشر هذه الحادثة وقيل لي عندئذ: “لا تكتبي حول ما حدث ولا تهتمي بمشكلة الأكراد فترة ما”، هكذا كانت الرقابة الذاتية، فإنني إذا كتبت عرضت حياتي للخطر، ففي لحظة ما لا بد للصحافي من الإختيار بين الحياة والمهنة وقد فضلت الأولى”. وتلفت “سولينيه”، قبل إنتهاءها من شهادتها، إلى نموذج لنمط الرقابة الذاتية الغربية المعتمد على نفاق الربح التجاري، مؤكدة: “حينما قررت تركيا شراء 25 هيليكوبتر من الحكومة الفرنسية، فإذا بالصحافة الفرنسية تقرر فجأة السكوت وتنسى الحزب الكردي (PKK). ومنذ هذا التاريخ ساد السكوت في صفوف التليفزيون والإذاعات الفرنسية، وذلك على الرغم من الأحداث المهولة التي جرت قبل هذا القرار”.
كذلك لعبت الرقابة دور مؤثر في صياغة أزمة الصحافة اللبنانية، التي مازالت تعاني تبعاتها حتى اليوم منذ خروج البلاد من حربها الأهلية. يقول “سمير قصير” الصحافي بجريدة “النهار” اللبنانية، بأن الرقابة الرسمية حقاً غير صارمة؛ ولكن الإمكانية في إتخاذ قرار وقف صحف جديدة مازالت ماثلة. “والحظر الثاني غير الرسمي فهو يتعلق بالمافيا التي كانت تتزاحم في طريق تحركات السلطة، وهنا أيضاً لا يمكن التفكير في نشر عملية إقتسام الغنيمة التي كانت تجري عادة بالتوافق مع المافيا. وهناك حظر آخر غير رسمي يمكن تفسيره بأسباب غير شريفة. وهو الذي يصدر عن نفوذ المال. وللأسف لم يعد من الممكن حصر عدد الصحافيين ورجال السياسة وكبار الموظفين الذين يقبضون رشاوى مباشرة من “ملياردير” يشغل موقعاً سياسياً كبيراً على قمة النظام السياسي”.
ويرصد “قصير” أساليب التحايل التي إنتهجها الصحافيون لمقاومة هذه الأساليب المتباينة من الرقابة، قائلاً: “وقد نتج عن جميع هذه العوامل، الإتجاه إلى نشر هذه الأشياء ولكن بنوع من الشفرة، وهو عنوان تقرير حديث لـ”المراسلين بدون حدود”. بل يمكن القول أيضاً بأنه قد تم وضع شفرة حقيقية تسمح للصحافي بأن يقول كل شيء تقريباً لأن من نقاط الضعف في إستعمال شفرة غير واضحة، أن العديد من القراء الذين ليس لديهم إهتمام مهني بالسياسة يشعرون بالإحباط وبالتالي عدم محاولة بذل مجهود ذهني من أجل فهم ما يبثه الصحافي بين السطور” (6).
أيضاً عند تناول الصحافة القبرصية في تناولها للقضية القومية، التي تمثلت في المشكلة العرقية بين قبرص اليونانية وقبرص التركية، نجد جوانب مختلفة لإشكالية الرقابة والرقابة غير المباشرة، ربما نلمسها في قول “زينون ستافرينيدس” Zenon Stavrinides، الصحافي بمجلة “سايبرس ويكلي” القبرصية: “الجماهير لا تتوقع فقط الحصول على معلومات بشأن تطورات “القضية الوطنية” كما يطلق عليها، بل أنهم يتوقعون أيضاً الحصول على تأكيد متكرر بأن الحق والعدل في جانبهم؛ وأنه سوف يتم التوصل في النهاية إلى حل عادل، وأتصور أن نفس هذا الموقف يحدث في الصراعات الأخرى حين تشعر الأمة – كما يقول إعلامها – بأنها إزاء مشكلة قومية وتتوقع أن تحصل على تقارير تؤكد إيمانها بصحة موقفها. وبطبيعة الحال إذا ما كتب صحافي تقييماً يشير فيه إلى أن الأمور ليست في الواقع كما يتم تصويرها من جانب الإعلام، وحاول أن يقدم معلومات وأفكاراً لا تتناغم مع الموقف الوطني، (كما تحدده الزعامة الوطنية)، فمن المتوقع أن يتعرض ذلك الصحافي للوم وربما إلى ما هو أسوأ من ذلك.
في ظروف الحرب الأهلية، (بما في ذلك الحرب الأهلية الباردة)، يعكس الإعلام الصراع ويشارك فيه أيضاً عن طريق إستخدام المفردات المتحيزة لجماعته معبراً عن قناعاتها وقيمها، كما يقوم بالدعاية التي تغذي رغبة القاريء في تبرير مواقف جماعته وإدانة الطرف الآخر. فالرقابة الذاتية تصبح هي الوضع القائم حين يكون على الصحافي أن يتناول عدالة قضية الجماعة التي يمثلها ويصب جام إنتقاده على تعنت وظلم الجماعة الأخرى”.
كما قدمت “ماجدة البطش”، الصحافية الفلسطينية، التي عملت لصالح وكالة الأنباء الفرنسية “أ. ف. ب”، واقع الصحافة لبلد له حالته الخاصة الممثلة في قضية احتلاله الممتدة، مؤكدة على أن: “من بين العوامل التي أثرت على مستوى العمل: الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وعزل الأراضي المحتلة عن العالم العربي وعن الصحافة الغربية خلال 27 عاماً، والوضع المادي للصحافي وإلتزام الصحافة بالمهام السياسية والرقابة الذاتية”.
إذاً، يمكننا إجمال حركة تفاعل الصحافة مع سلطة الدولة داخل دول حوض البحر المتوسط خلال عقد التسعينيات المنصرم، في الآتي:
“في إسرائيل مثلاً، يتسم الوضع بالتناقض الغريب، إذ أن الصحافة في حد ذاتها تتمتع بحرية واسعة ولديها القدرة على توجيه النقد، ولكنها – مع كل هذا – خاضعة لرقابة عسكرية تمارس أحياناً بقسوة بالغة. أما في تركيا فإن الصحافي يتمتع ظاهرياً بحرية لا حد لها، ورغم ذلك فعليه أن يتعامل مع ضغوط شديدة للغاية، فعليه أن يعمل وهو موزع بين نوعين من المخاوف، أولهما الخوف من ردود الفعل الإنتقامية التي قد يقوم بها الحزب الكردي الإنفصالي، مما يحد من إمكانيات الصحافي في تغطية كل ما يدور حول المشكلة الكردية. وثانيهما الخوف من الرقابة البوليسية شديدة البأس التي تقف في وجه أي تحقيق صحافي حول هذه المشكلة. هذا بالإضافة إلى القيود الاقتصادية والسياسية التي تضع حدوداً وقيوداً غير مباشرة على ممارسات الصحافي ذات الطابع المهني”.
“كما يتجلى دوراً لرقابة خاصة وهي “الرقابة في فترات الأزمات”، هذه الرقابة المفروضة في أوقات عادية تزداد ضراوة في أوقات الأزمات. وفي حالة وجود مجتمع تزداد درجة أهتمامه بالسياسة أو يشهد صراعات عنيفة، فإن الصحافة تخضع لضغوط قوية قد تدفعها إلى أن تقف في صف هذه الإيديولوجية أو غيرها، وهو موقف لا دخل له إطلاقاً مع الرسالة الحقيقة التي تقع على الصحافة الموضوعية والحرة” (7).
وأكد بعض الصحافيين المنتمين إلى الجانب الشمالي من البحر المتوسط، على الضرر المطلق الذي يخلفه تأثير البث السمعي والمرئي على الصحافة المكتوبة، وذلك نتيجة للإنزلاقات الحديثة ولبحثه الدؤوب عن فورية الحدث دون القدرة على تعقب جذور الحوادث وتحليل تطوراتها. وفي هذا المجال قام الصحافي الفرنسي، “إيناسيوراموني”، برسم صورة مقلقة للقوة الهائلة التي تمثلها الوسائل البصرية، ولإنعكاساتها على مهنة الصحافة، قائلاً: “في 1989 جرت أحداث ثلاثة – أحداث ساحة “بيانامين” في بكين وإنهيار حائط برلين وحادث تيميشواراه أثناء الثورة الرومانية – أصابت المهنة وأفتتحت عصراً جديداً للإعلام. إن هذه الأحداث قد علمتنا أن تغيراً قد حدث في شكل المهنة نفسها. علمتنا أن التليفزيون قد أصبح الوسيلة الأسرع للإعلام وهو أمر لم يكن واضحاً من قبل. فإنه الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تبث في نفس الوقت الصورة والصوت، ويقول لمشاهديه: “أنكم ترون التاريخ وهو يحدث أمامكم، أنكم ترون التاريخ وهو يتحرك ! أنكم تشهدون حركة التاريخ”. هذه الجملة قد غيرت تاريخ الصحافة. حدث تعديل كبير في تعريف الإعلام بل أن مفهوم الإعلام نفسه قد تغيرت طبيعته. منذ أن كان الإعلام حتى هذه الجملة ؟.. كان بإختصار كشف حادث ووصف الظروف التي حدث فيها. كان محاولة الإجابة على عدد من الأسئلة مثل: من فعل هذا ؟.. وبأية وسائل ؟.. ولأي أسباب ؟.. وبأي أهداف ؟.. هكذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة هي من إختصاص الإعلام لتغطية حادث ما. ولكن منذ هذه اللحظة التي قيل فيها: “إنكم تشهدون التاريخ وهو يحدث أمامكم”؛ لم يعد الإعلام يتناسب مع هذه المعايير وأصبح له هدف إضافي وهو: جعل المواطن يشاهد هذا الحادث !. وأصبحت الصحافة تحذو حذو التليفزيون الذي – بحكم وظيفته الأساسية ونظراً للعدد الهائل من المستمعين والمشاهدين له – لم يكن أبداً وسيلة إعلام للرأي بل كان وسيلة إعلام عامة” (8).
بينما يرى البعض الآخر، وهم أيضاً من رجال الصحافة المكتوبة، وإن كانوا ينتمون إلى دول جنوب البحر المتوسط، أن الاتصال بواسطة الموجات والأقمار الصناعية، هي – قبل كل شيء – إحدى الوسائل التي تساعد على التعويض عن النقص في المعلومات المحلية وعلى التحايل على مختلف القيود المفروضة على الصحافة المحلية، وهو ما يوضحه الصحافي الجزائري، “إكرام بلقايد”، عندما يصف الحماس الهائل الذي دفع الجزائريين إلى إقتناء هوائيات لإستقبال القنوات الفضائية. وهو ما يدل على الرغبة الشديدة في البحث عن المعلومات الفورية وعن الحداثة كنمط حياة، كما يؤكد ذلك الصحافي اللبناني “مارك صايغ” الذي عبر عن هذا البعد غير المتوقع الذي يشكله التليفزيون الأجنبي في الدول العربية، عندما يتيح الفرصة لتوغل القيم الحديثة التي تؤمن بها النخبة المحلية وحين تقوم السلعة المستوردة بدور في عملية التحديث الاجتماعي والأخلاقي، وهي عملية لا تقرر السلطات القيام بها على نحو مباشر.
وفي النهاية نجد أنه من جهة، كان الصحافيون الأتراك والجزائريون والفلسطينيون يصفون ظروف العمل الذي يقومون به – من تهديدات بالقتل ومن ثقل الرقابة ومن تدخل الجيش – ، ومن جهة أخرى كان المحققون الصحافيون المنتمون للصحافة الغربية يذكرون أموراً مختلفة تماماً. مثلاً كيف يمكن للصحافي أن يبقى وفياً لمعتقداته السياسية وهو يمارس مهنته، ثم كيف يمكنه أن يكافح ضد الضغط الذي يريد فرض زاوية معينة عند تقديم الحادث، أو كيف يمكنه منافسة الوسائل السمعية والبصرية ؟
وإن كان هذا الإختلاف في الإهتمام هو الذي يثير الإنتباه إلا أنه – كما أكد ذلك الصحافي الإسباني “كارلوس غابيتا” – يبدو أن السؤال الحقيقي ينصب على العلاقة القائمة بين الصحافة والسلطة، فإن على كل صحافي أن يواجه – أولاً – سلطة الدولة مهما كانت، وأن يواجه – ثانياً – سلطة أرباب العمل الصحافي الذين كانوا في الماضي يمتلكون الراديو والصحيفة، ولكنهم اليوم قد أكتسبوا نفوذاً هائلاً نتيجة للتنوع الشديد في الأنشطة التي أصبحت متداخلة للغاية مع السياسة. وأن يواجه – ثالثاً – السلطة – غير الشرعية – وإن كانت حقيقية ومتنامية – التي أصبحت للمتطرفين من جميع الأنواع، ويرى “غابيتا” بأن هذه المشاكل قد تهم الجميع وإن كانت تفضح عن نفسها بأشكال مختلفة.
وعليه، من قراءة متفحصه لوقائع ومستخلصات “مائدة مستديرة”، ضمت حولها عدد لا يقل عن خمسين صحافي/ة ينتمون لمختلف دول شمال وجنوب حوض البحر المتوسط، متباينة الحضارات الثقافية والمكونات الاجتماعية، يتضح تشعب القضايا والمشكلات المهنية التي تخرجها حركة تفاعل الصحافة مع سلطة الدولة، لدرجة وصلت إلى تحريك واختلاف مفاهيم كانت أساسية – قبل عصر عولمة الأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت – مثل ماهية العمل الصحافي ؟.. وحقيقة الدور الوظيفي لمهنة الصحافة داخل مجتمعها ؟.. وحدود وآفاق مفهوم الحيادية المهنية ؟.. وغيرها من القضايا الصحافية التي مازالت تدور في فلك الحركة الجدلية بين مهنة الصحافة من جهة وسلطة الدولة وهيمنة رأس المال، سواء أكان محلياً أو متعدد الجنسيات، من جهة أخرى. مما صعب معه تحديد مفهوم متكامل التجانس لحرية الصحافة والإعلام يصلح تطبيقه على كافة المجتمعات والدول المتباينة، على غرار ما أنتهت إليه الفلسفات الليبرالية في الإعلام وتطوراتها الحالية.
فكافة الدراسات النظرية والتطبيقية المهتمة برصد حركة حرية الصحافة والإعلام داخل الدول العربية صنفت مصر – كمثال ونموذج – داخل فئات الدول التي تتمتع بحرية التعبير، وخاصة فيما يختص بحرية الصحافة والإعلام، برغم واقع منظومتها الإعلامية الحالية – والمستمرة على الاختلاف الشكلي لنظمها السياسية الحاكمة – التي تدور في فلك التبعية السلطوية سواء للحكومة أو لرأس المال الممول، شأنها شأن كافة الدول، وأستطاعت أن تتماشى مع قوانين ومفردات منظومة العولمة “الليبرالية” حتى الآن، رغم أن الحكومة المصرية إلى اليوم هي المالكة رسمياً لأكبر المؤسسات الصحافية والإعلامية بالسوق المهني، والذين يؤلف مجموع العاملين بها أكثر من 80% من تعداد الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصرية، التي تملك بحكم القانون والدستور حقي العضوية الإجبارية وتراخيص العمل أو مزاولة المهنة، بالتالي أباحت تلك القوانين للنقابة ككيان، تتكون الأغلبية العظمى من أعضائه لمحررين وإداريين في الحقل الصحافي موظفين حكوميين بالجهاز الإداري للدولة، أن يسمح ويحدد شخصية الصحافي الممارس للمهنة بعد إجراء إداري مقتسم بينها وبين المؤسسة الصحافية، بمعنى آخر توزعت مسؤولية تحديد الصفة الصحافية بين المؤسسة الصحافية كصاحب عمل والنقابة، رغم أن الأخيرة لم تقصر عضويتها على المحررين الصحافيين فقط بل حرصت على ضم كل من له علاقة بـ”العملية الصحافية” المكتوبة، بداية من المساهمين كملاك بالمؤسسات الصحافية والإداريين “سكرتارية تحرير” والمصورين والتنفيذيين الفنيين وحتى الباحثين الأكاديميين في مختلف المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية، ومازالت تتعنت – حسب قوانينها – في ضم الصحافيين ومحرري المواقع الإلكترونية الخبرية والصحافية.
وبالتالي مثلت الحالة المصرية لحركة تفاعل الصحافة مع سلطوية الدولة، نموذجاً لمنظومة ليبرالية في مظهرها الشكلي يسمح بتعددية التصنيف النوعي لتواجد صحف حكومية وحزبية وخاصة كمؤسسات إعلامية شكلاً، ولكن داخل واقع فعلي يتحرك في فلك سلطوية حكومية مازالت تجمع كافة خيوط التعامل والسيطرة على الحركة الصحافية والإعلامية عموماً ضمنياً وفعلياً بدءاً من إصدار القوانين المهددة لحرية الفكر والتعبير والمهدرة لوظيفة وقيم مهنة الصحافة – كمثال حزمة قوانين مكافحة الإرهاب وتنظيم التظاهر الصادرين عام 2015 وقانون تنظيم الإعلام الموحد الصادر في 2016 محتفظين ومطورين كافة التشريعات القديمة لتقييد حرية الصحافة، وكذا عدم صدور أي قانون يحمي الحد الأدنى لحق الصحافي في الحصول على المعلومات – وحتى توجيه المنظومة الإعلامية ككل من خلال نقابة صنعت منها القوانين والتشريعات المؤسسة والمنظمة لها كيان سلطوي شمولي مهيمن، تجرم التعدد النقابي، ولا يخدم أو يحمي أعضاءه ومنزوع لكافة مقومات العمل النقابي الحقيقي مما أهلها لتكون مجرد “نادي لأصحاب مصالح” بالنسبة لجميع أعضاءها.
ومن هنا، يلاحظ أن أغلب الدراسات المنهجية والشهادات التطبيقية، قد خلطت بين مفهوم الرقابة الذاتية كونها الرقابة النابعة من شخصية الصحافي ذاته، ومفهوم الرقابة الذاتية غير المباشرة التي لم تظهر في تشريعات أو قوانين واضحة ظاهرة، ولكنها تلزم الصحافي بأعباء تنوء كاهله مهنياً. مثلما يظهر جلياً في دراسات الباحثين من دعاة الفلسفة الليبرالية الإعلامية. لذلك فمن الضروري تكثيف الجهود لتعديل قوانين المطبوعات المعمول بها في البلاد العربية، لتتجاوز الظروف والمعوقات لنقد الممارسات السياسية ومناقشة الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ليتحمل الصحافي نيل شرف رسالة الصحافة بالدفاع عن حقوق المواطنين والقراء والمصالح العامة للأمة.
المصادر:
مصادر الفصل الأول:
(1) “قضايا التبعية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث” – د. عواطف عبدالرحمن – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت “سلسلة عالم المعرفة” – 1984- صـ 89 :90. وطالع أيضاً شهادات “ماجدة البطش” و”ربى الحصري”، صـ 91 : 113، في “مهنة الصحافة في بلاد البحر المتوسط” – كينيث براون وحنا ديفيس طيب ود. أسامة الغزالي حرب وكارلوس غابيتا – مجلة “السياسة الدولية” مؤسسة الأهرام – القاهرة، 1995.
(2) “دور وسائل الإعلام في إفريقية” – د. عواطف عبدالرحمن – دار الفكر العربي – القاهرة – 1986، صـ 126، 127.
مصادر الفصل الثاني:
(1) “صحافة المجتمع الجماهيري” – عبدالله الطويرقي – الرياض – مكتبة العبيكان، 1997، صـ 208.
(2) “الصحافة في الوطن العربي” – د. ليلى عبدالمجيد – القاهرة – العربي للنشر والتوزيع – 1991، صـ 113.
(3) “النظم الصحافية في الوطن العربي” – د. فاوق أبو زيد – القاهرة – عالم الكتب – 1986، صـ 35.
(4) Pnina Lahav, (1985) press Law in Modern Democracies, Longman Inc, pp 339-354.
(5) “دراسات في الحرية الإعلامية” – د. سليمان الشمري – مكتبة مدبولي – 2012، صـ 211 : 213.
(6) “الصحافة والقانون في العالم العربي والولايات المتحدة” – د. سليمان جازع الشمري – القاهرة – الدار الدولية للنشر والتوزيع – 1993، ص 92.
(7) “قضايا التبعية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث” – د. عواطف عبدالرحمن – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت “سلسلة عالم المعرفة” – 1984، صـ 19.
(8) عواطف عبدالرحمن – قضايا التبعية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث – مصدر سابق، صـ 34 : 45.
(9) A-Armand Mattleart: Mass Media, Ideologies and the revolutionary movement. Harvester, Sussex. 1980-pp 178-189.
B-Armand Mattleart: Multinational corpation, and the control of Cultre-havester, Sussex 1979.pp 147-235.
(10) “العرب في مواجهة العولمة” – سمير الطرابلسي – كتاب المعرفة (7) مجلة المعرفة – الرياض – روناء للإعلام المتخصص، 1999، صـ 53.
(11) “أزمة حرية الصحافة في النظم الرأسمالية” – د. سليمان صالح – القاهرة – دار النشر للجامعات المصرية – مكتبة الوفاء 1995، صـ 314.
(12) Bagdikian, Ben H. (1983), The Media Monopoly, Fitzhenry and Whiteside Limited, Toronto. P. 4.
(13) Murdock, Graham and Golding, Peter, for A Political Econmy of Mass Communication from Socialist Register, 1973, The Merlin press, P. 205-234.
(14) “العولمة مرحلة تاريخية لابد من خوض غمارها” – يوسف القعيد – صحيفة الرياض – العدد 11450.
(15) Sulaiman A. Hattlan Al-Kahtani, (2000), Globalization or Americanization? A comparative analysis of portrayals of Globalization in United States and Arab Mainstream newspapers during the 1990s. Unpublished Doctoral Dissertation, Howard University, Washington, DC. Pp. 126-135.
(16) “النظام العالمي الجديد.. عولمة الإتفاق بدلاً من المواجهة” – د. عبدالوهاب المسيري – كتاب المعرفة (7) – مجلة المعرفة – الرياض – روناء للإعلام المتخصص 1999، صـ 60.
(17) “ثقافة العولمة وعولمة الثقافة” – د. برهان غليون ود. سمير أمين – دمشق – دار الفكر 2000، صـ 11 – 58.
(18) د. سليمان الشمري – “دراسات في الحرية الإعلامية” – مصدر سابق، صـ 233.
(19) Abdurahman Al-Enad “Public Relations, Roles in Developing Countries” Public Relations Quarterly, Spring 1990, p. 25.
(20) “الثقافة العربية في عصر العولمة” – د. تركي الحمد – بيروت – دار الساقي – 1999، صـ 38.
(21) “مشروع النهوض: هل يؤسس على منهجية الكتاب والسنة أم على تراث التابعين وتابع التابعين ؟” – د. عبدالله الحامد – صحيفة الحياة – العدد 1333، في 9/9/1999.
(22) “في السياسة التفكير الحر والصريح هو أهم دعائم الأمن الوطني” – د. صالح النملة – صحيفة الرياض السعودية – 23/11/1999 – العدد 11447.
(23) “زمن المستقبل والعالم العربي: دراسة في موجة المعلوماتية والاتصال” – د. عبداللطيف العوفي، وعادل مراد – الرياض – مطابع التقنية 1998، صـ 176.
مصادر الفصل الثالث:
(1) “الأسس العلمية لنظريات الإعلام” – د. جيهان رشتي – دار الفكر العربي – القاهرة 1975 – صـ 30 – 34. وكذا “نظم الاتصال.. الإعلام في الدول النامية” – لنفس الباحثة – دار الفكر العربي – القاهرة 1972، صـ 60 – 85.
(2) “نظم الإعلام المقارنة” – لـ. جون مارتن وإنغو غروفر شودري – ترجمة علي درويش – القاهرة – الدار الدولية للنشر والتوزيع – 1991، صـ 375.
(3) “دراسات في الحرية الإعلامية” – د. سليمان الشمري – مكتبة مدبولي – القاهرة 2011، صـ 40 -41.
(4) د. سليمان الشمري – “دراسات في الحرية الإعلامية” – مصدر سابق، صـ 20.
(5) “مهنة الصحافة في بلاد البحر المتوسط” – كينيث براون وحنا ديفيس طيب ود. أسامة الغزالي حرب وكارلوس غابيتا – مجلة “السياسة الدولية” مؤسسة الأهرام – القاهرة – 1995، صـ 15 : 26.
(6) كينيث براون وحنا ديفيس – “مهنة الصحافة في بلاد البحر المتوسط” – مرجع سابق، صـ 67 : 71.
(7) كينيث براون وحنا ديفيس – “مهنة الصحافة في بلاد البحر المتوسط” – مرجع سابق، صـ 9 : 13.
(8) كينيث براون وحنا ديفيس – “مهنة الصحافة في بلاد البحر المتوسط” – مرجع سابق، صـ 181 : 189.