14 مارس، 2024 1:09 ص
Search
Close this search box.

نحن والهوية الثقافية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : بقلم – د. محمد دوير :

.. هناك ما يسمى بأزمة الهويات الثقافية، تلك الأزمة تحكمها وتتحكم فيها عوامل كثيرة من الاقتصاد إلى الدين مرورًا بالقيم والعادات والجغرافيا والسياسة.. الخ. وصار الصراع حول الهويات الثقافية هو سمة هذا العصر وتلك المرحلة التاريخية من بنيان الحداثة. وكما يقول عالم الاجتماع الجامايكي/البريطاني “ستيورات هول”؛ فإننا نمر بمرحلة نضال للسيطرة على الخطاب السردي العالمي.. من يمتلك المصطلح ؟، من يمتلك التعريف ؟، ثم من يمتلك القدرة على تسويق مفاهيمه عن الأشياء وجعل تلك المفاهيم تبدو عالمية ؟.. هنا يدخل البيزنس وعالم الميديا والإعلام في المعركة، فيكون بوسع هؤلاء أن يلعبوا دورًا جذريًا في هيمنة المفاهيم واستقرارها في الوجدان العام، فتصبح الحرية مثلاً هي الحق في السلوك، والتغيير هو الحق في العبور، والثورة هي الحق في الاعتراض والبحث عن بدائل.. وحينما تسيطر مفاهيم معينة بفعل الميديا، تصبح الحرية والتغيير والثورة هي تلك التي تحددها القواميس المعاصرة التي تم إنتاجها في معامل الفكر الإيديولوجي للرأسمالية.

.. وإذا كانت الهوية الثقافية قد انتقلت تاريخيًا عبر ثلاث مراحل، 1 – الهوية التنويرية، التي كان مركزها أفكار التنوير والتقدم والعلمانية. 2 – الهوية السوسيولوجية، التي كانت كاشفة عن تضامن عالمي اجتماعي في مرحلة ما بعد الكولونيالية. 3 – الهوية ما بعد الحداثية، التي انطلقت من أفكار التفكيك والتشظي وإعادة النظر في كل المفاهيم السابقة، وفقًا لحجة مفادها أن مركزية العقل، “اللوغوس”، أدت بالبشرية إلى حروب طاحنة وأدخلت الإنسان في حالة إغتراب عن ذاته، وبالتالي لابد من تفكيك منظومة العقل وترسانات الإيديولوجيات..

.. وبعد وضع الجميع في قفص الاتهام (حتى الليبرالية الجديدة على استحياء)؛ لا يتبقى بعد هدوء العاصفة سوى تلك المفاهيم التي أعاد مفكرو الرأسمالية ضبطها (مفاهيميًا) لتتفق وتتوافق مع نمط الاستهلاك الرأسمالي الراهن، (الذات صارت متطرفة في كل صور الاستهلاك، ولهذا حديث آخر)، وحالات الإشباع العاطفي لقيم الأنا والذاتية.. وخطورة هذا التوجه أنه يعزل الذات عن محيطها الاجتماعي، ويدفع الذات للتخارج نحو نفسها وليس نحو الآخرين.. هنا تدخل الذات في حالة عبودية جديدة، (فالعبد كل قضيته تنحصر فقط في إرضاء سيده، ولا علاقة له بالعالم الخارجي).

.. وفي جميع الأحوال لست ضد أي تطور في القيم أو المفاهيم أو حتى التصورات، ولكن ما يشغلني حقيقة، وأبحث عن إجابات وتفسيرات له، هو السؤال التالي: هل الإنسان العربي مر بمرحلتي الهوية التنويرية والهوية السوسيولوجية، حتى يقفز بدون مقدمات منطقية إلى الهوية ما بعد الحداثية ؟.. حتى بإفتراض أننا نتفق على شروط تلك الهوية، التي أرى شخصيًا أنها نتاج أزمة عالم معاصر، عالم دمر مركزية العقل، وفشل في إنتاج مركزية بديلة حتى ولو كانت مركزية اللاشعور أو اللاوعي.. وهذا ما أعترف به “رولان بارت”، حينما قال: “نحن لم نزل في بداية الطريق، وليس لدينا إجابات عن كل شيء، كل ما نعرفه الآن أننا ضد الحداثة”.. ومن حق “بارت” أن يقول ذلك طبعًا، لأنه ابن حضارة عاشت في الحداثة أكثر من أربعمائة سنة، أما نحن فهل يحق لنا هذا القول ونحن لم نزل نلهث خلف الجمال في الصحراء ؟

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب