6 أبريل، 2024 11:53 م
Search
Close this search box.

“نبوية موسى” .. اهتمت بتعليم الفتيات كمدخل لنيل حقوقهن

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

هي “نبوية موسى محمد بدوية”.. كاتبة ومفكرة وأديبة مصرية، ولدت عام 1886 بقرية “كفر الحكما”، محافظة الشرقية، مصر.. كان والدها ضابط بالجيش المصري، وكان يمتلك في بلدته منزل ريفى كبير وبضعة فدادين يؤجرها، سافر إلى السودان قبل ميلادها بشهرين، ولم يعد، ونشأت يتيمة الأب.. عاشت مع والدتها وشقيقها، الذي يكبرها بعشر سنوات، في القاهرة، لالتحاق أخيها بالمدرسة، واعتمدت الأسرة على معاش الأب وما تركه من أراضي.

حياتها..

في طفولتها علمها شقيقها القراءة والكتابة في المنزل، ولما وصلت عمر الثالثة عشرة تقدمت للالتحاق بالمدرسة السنية للبنات رغم معارضة أسرتها، كما تحكي في كتابها: (تاريخي بقلمي).. فقد ذهبت “نبوية” سراً إلى المدرسة، حيث سرقت ختم والدتها، لتقدم هي لنفسها بدلاً من ولية أمرها، وباعت سوار من الذهب حتى تحمل المدرسة على قبول طلبها الذي جعلته بمصروفات.

التحقت “نبوية موسى” بالقسم الخارجي للمدرسة “السنية” عام 1901 بالقاهرة، وحصلت على الشهادة الإبتدائية سنة 1903، ثم التحقت بقسم المعلمات السنية، وأتمت دراستها في 1906، وعُينت معلمة بمدرسة “عباس الأول الإبتدائية للبنات” بالقاهرة. ولما كان مرتب المعلمة الحاصلة علي “دبلوم المعلمات السنية”، ستة جنيهات مصرية، في الوقت الذي يعين فيه خريج “المعلمين العليا” من الرجال بمرتب اثني عشر جنيها، احتجت لدى المعارف فأجابتها بأن سبب التفرقة هو أن متخرجي “المعلمين العليا” حاصلون على شهادة البكالوريا “الثانوية العامة”.. استعدت “نبوية” بمجهود ذاتي، فلم يكن في مصر في ذلك الوقت مدارس ثانوية للبنات، وتقدمت لهذا الامتحان فأثارت ضجة في وزارة المعارف باعتبارها أول فتاة في مصر تجرؤ على التقدم لهذه الشهادة.

نجحت “نبوية” في الامتحان وحصلت على “شهادة البكالوريا” عام 1907، ثم حصلت على “دبلوم المعلمات” عام 1908، ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة “عباس الأول الأميرية” بمرتب أربعة جنيهات مصرية.

في هذه الفترة بدأت “نبوية” تكتب المقالات الصحافية وتنشرها بعض الصحف المصرية مثل: (مصر الفتاة) و(الجريدة)، تناولت خلالها قضايا تعليمية واجتماعية وأدبية، كما ألفت كتاباً مدرسياً بعنوان: (ثمرة الحياة في تعليم الفتاة)، قررته “نظارة المعارف” للمطالعة العربية في مدارسها، وفي 1909 تولت “نبوية” نظارة “المدرسة المحمدية الإبتدائية للبنات” بالفيوم، وبذلك أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة إبتدائية، كما نجحت في نشر تعليم البنات في الفيوم، فزاد الإقبال على المدرسة، وبعد ثمانية أشهر من العمل تعرضت لمتاعب ممن يعادون تعليم المرأة، فرشحها “أحمد لطفي السيد” ناظرة لـ”مدرسة معلمات المنصورة”، وهناك نهضت “نبوية” بالمدرسة نهضة كبيرة حتى حازت المركز الأول في امتحان كفاءة المعلمات الأولية، كما انتدبت “الجامعة الأهلية المصرية”، عقب افتتاحها عام 1908، “نبوية موسى” مع “ملك حفني ناصف” و”لبيبة هاشم” لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف نساء الطبقة الراقية.

الكتابة الأدبية..

تعد الفترة فيما بين 1937 / 1943 من أزهى فترات حياة “نبوية موسى”.. كانت قد تعدت الخمسين من عمرها، وقامت إلى جانب إدارة مدارسها في القاهرة والإسكندرية، بالمشاركة في الأنشطة التربوية العامة والمؤتمرات التعليمية، وألَفت رواية تاريخية باسم (توب حتب)، أو الفضيلة المضطهدة، تحتوي الكثير من المناقشات العلمية والأخلاقية، وبطلة هذه الرواية هي “توب حتب” رئيسة إحدى دور النظام التابعة لدير “آمون” في العصر الفرعوني حيث تدور أحداث الرواية، لكن “نبوية” كانت ترمز لمصر في حالتها الحاضرة، ونشرت “نبوية” في هذه الفترة ديوانها الشعري، وجاءت معظم قصائدها متعلقة بمناسبات، وكذلك لها قصص قصيرة مكتملة كتبتها في 1911 تضعها كإحدى رائدات القصة القصيرة، وكذلك كتبت مسرحية متميزة في 1932، التي استلهمتها من الحياة المصرية القديمة، وقد تم نشرها في المجلس الأعلى للثقافة.

صراع مع “الوفد”..

قامت “نبوية” بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم (الفتاة)، صدر العدد الأول منها في 20 تشرين أول/أكتوبر 1937، واستمرت المجلة تصدر لمدة خمس سنوات، وتسبب توجهها السياسي في عداء شديد مع “حزب الوفد”، الذي ما إن تولى الحكم في شباط/فبراير 1942، حتى سارع للانتقام منها فأغلق مدارسها ومجلتها، كما تعرضت للتفتيش والمحاكمة والاعتقال.

كما استمر خصوم “نبوية موسى” في مؤامراتهم ضدها، واستطاعوا أن يقنعوا الإنكليز أنها من المشتغلات بالسياسة، فتم نقلها إلى القاهرة وأعيد تعيينها في وزارة “المعارف” بوظيفة “وكيلة معلمات بولاق” ثم تم ترقيتها عام 1916، ناظرة لـ”مدرسة معلمات الورديان” بالإسكندرية، وظلت في هذه الوظيفة حتى عام 1920.

معارك التعليم..

في حين لم يكن لـ”نبوية موسى” عمل فعلي في الوزارة، أخذت منحى آخر، حيث بدأت تكتب في الصحف وتنشر مقالاتها في جريدة (الأهرام)، وانتقدت في مقالاتها نظم التعليم في وزارة المعارف، الأمر الذي أثار ثائرة المستشار الإنكليزي للمعارف فمنحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر، واستغلت “نبوية” هذه الإجازة فسافرت إلى الإسكندرية عام 1920، ونجحت بالاتفاق مع أعضاء جمعية “ترقية الفتاة” في تأسيس مدرسة “إبتدائية حرة للبنات” في الإسكندرية تولت إدارتها وأثبتت كفاءة ونجاحا كبيرين، كما قامت في 1920 بنشر كتابها (المرأة والعمل)، دافعت فيه عن حقوق المرأة، وشاركت أيضاً في الحركة النسائية وسافرت ضمن الوفد النسائي المصري إلى “مؤتمر المرأة العالمي” المنعقد في روما عام 1923، وأثار ذلك خصومها فتم نقلها إلى القاهرة بوظيفة كبيرة مفتشات.

في 1926 شنت “نبوية موسى” هجوماً على وزارة المعارف وعلى الوزير؛ مطالبة بتعديل برامج الوزارة، وقصر عمليات التفتيش في مدارس البنات على النساء فقط دون الرجال أو حتى النساء الأجنبيات، ولما لم تجد “نبوية” جدوى من شكواها قررت تصعيد المسألة إلى الرأي العام المصري، فكتبت في جريدة (السياسة اليومية) مقالاً تحت عنوان: (نظام تعليم البنات في إنكلترا ومصر)، لكن الوزارة لم تستجب لمطالبها، وأصرت الأخيرة على موقفها على ذلك وأصدر “علي ماهر” قراره بإيقاف “نبوية موسي” من الخدمة وصدر القرار بفصلها من عملها بالمدارس الحكومية، لكن القضاء أنصفها وأعاد لها اعتبارها، وقرر أن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيه تعويضاً لها عن قرار فصلها من الخدمة، وانصرفت “نبوية موسي” منذ إنهاء خدمتها بالمعارف 1926، إلى الاهتمام بأمور التعليم في مدارسها الخاصة، فارتفع شأن مدارس بنات الأشراف بالإسكندرية، وأنفقت مبلغ التعويض الذي حصلت عليه من المعارف علي تطويرها فأصبحت من أفضل المدارس بناء وتجهيزاً وإعداداً وإدارة وتعليماً، ثم افتتحت فرعاً آخر لمدارسها بالقاهرة، واستمرت أيضاً في تطويره وتوسيعه حتى أصبح مدرسة ومقراً لإدارة جريدتها التي أنشأتها بعد ذلك. وقد أوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف في الإسكندرية وقفاً خيرياً لوزارة المعارف سنة 1946، وشاركت في تأسيس الاتحاد النسائي المصري والعديد من الجمعيات النسوية.

السفور..

رغم أن “نبوية” كانت محافظة في زيها، وظلت طوال حياتها تغطي شعرها وترتدي “الكرافيت” الرجالي، وتفضل اللون الأسود لردائها الخارجي، نجدها تكتب رأيها عن سفور المرأة، كما ورد في كتابها (تاريخي بقلمي)، تقول: “أردت السفور فلم أكتب عنه، مع أني قرأت كتب المرحوم قاسم أمين وأعجبتُ بها، فالعادات لا تتغير بالقول، لهذا عولت على أن أدعو للسفور بالعمل لا بالقول، فكشفت وجهي وكفى”.

سيدات مصر..

تقول “نبوية موسى” في كتابها (المراة والعمل): “على أنه يسرني أن أقول إن كثيرات من سيدات مصر الآن أجل وأرقى من أن أنصح لهن، فقد رأيت منهن من لا يوجد نظريها في أوروبا، فهي تميل إلى البساطة والاقتصاد، وتباشر جميع أعمال المنزل، حتى إنها تباشر خياطة ملابسها وملابس أطفالها وتلبسهن من الملابس ما ارتفعت قيمته وقل ثمنه، فلو تكونت جمعية من مثل هؤلاء السيدات لقمن بما نريده من نشر التعليم. علم الناس الآن ضرورة التعليم للبنات، إلا أنهم لا يزالون يعتقدون أن تربية عقل البنت غير تربية عقل الولد، فكل من أراد أن يفتح مدرسة للبنات، وود رواجها أخذ يضع لها منهجاً جديداً تُجتَذب به الأهالي، ويسري بالطبع مع تيارهم، فيجعل أول واجباته في وضع ذلك المنهج التدبير المنزلي والتطريز، وما من مفكر يفكر ما هما هذان العلمان، ولا مقدار فائدة كل منهما، ولا متى وكيف يدرسان. إن الطفل سواء كان بنت أو ولد نعده لمعارك الحياة، ليعيش عيشة سعيدة، وكل لحظة من حياة الطفل يجب أن تُصرف في شيء مفيد له، لا في أشياء وهمية لا حقيقة لها ولا احتياج إليها، فكل ما يتعلَمه يجب أن يُقصد به إما تنمية العقل والإدراك أو تهذيب الأخلاق أو إعداده للكسب عند دخوله معارك الحياة مهما كان الأب غنيٍّا، فلسنا نعلم ما وراء الغيب ولا ما يفعله الزمان بالطفل بتقلباته، فإننا لا نضمن لكل بنت الزواج، ثم الراحة مع الزوج بعد ذلك”.

إصلاح لا تمرد..

رغم أن “نبوية موسى” كانت تحاول تغيير أوضاع المرأة؛ إلا أنها كانت تفعل ذلك من منظور إصلاحي يحافظ على الثوابت، تقول في كتابها: “لست أشك في أن ترتيب المنزل من أهم واجبات الفتاة، بل هو عملها الخاص، ولكني مع ذلك يؤلمني أن أسمع أن بنتاً في سن التاسعة أو العاشرة، اهتم أهلها بتعليمها التدبير المنزلي، ذلك الفن المبني على علوم ونظريات شتى، لا تستطيع الصغيرة فهمها بروية، كماُّ لا تستطيع تحمل المشاق في أعماله، كمكافحة النار في الطبيخ، وحمل الحديد في الكي وقد أصبح يؤملني أشد الألم أن يفتخر الناس بتخصيص بناتهم لدرس علم التدبير ومباشرة أعماله التي تتكرر من آن لآن، فيصرفن العمر في معرفة نتائج جافة لا تلبث أن تُنسى، محرومات من البحث في نظريات العلوم الصحيحة التي توصلهن إلى الحكم على نتائج الأعمال حكم خبير مفكر”.

اختلاف تربية الرجل عن المرأة..

ثم تتناول “نبوية موسى” أمر هام في قضية الدفاع عن حقوق المرأة؛ وهو اختلاف التربية الذي يسبب الفروقات بين الرجل والمرأة في المجتمع بعد ذلك، تقول: “كان في اختلاف تربية الرجل عن تربية المرأة خطر عظيم على رابطتهما، وضرر بليغ على الأمة، فإن الأمة كجسم يتكون نصف أجزائه من الرجال، والنصف الآخر من النساء، ولابد لنجاح هذا الجسم من أن تتناسب أجزاؤه، فهو لا يستطيع المشي والحركة إذا كانت إحدى رجليه طويلة قوية والأخرى قصيرة ضعيفة، ولهذا نرى أن الفلاحين الفقراء أكثر منا نجاحا في أعمال الدنيا، وأقوى رابطة من أسرة المدينة، فإن الأولى تستوي فيها معلومات الرجل والمرأة، أما الثانية فيرتفع فيها الرجل إلى السماء علما ودراية، وتنحط المرأة إلى الحضيض في العلم والعمل والتجربة، ولهذا كانت الرابطة العائلية فيها منحلَّة ضعيفة، فالمرأة في الأولى شريكة الرجل ومساعدته، وفي الثانية عضو أشل يثقل كاهله ويزيد متاعبه، فرقُي الأمة لا يُنال إلا إذا تكافأ الرجل والمرأة في العمل. إننا إذا لم نعلِّم الفتاة إلا ما يتعلَّق بأعمال المنزل، فقد أعدمنا مواهبها العقلية، ونزلنا بها من درجتها إلى منزلة الخادمات، وربما كانت هذه التربية الناقصة من أسباب انحطاطها، وتأخرها في الأعمال المنزلية، وكما أننا لا نربي الطفل من صغره عادةً لأن يكون طبيبا أو محاميا أو مهندسا فقط، بل نربيه قبل ذلك تربية عامة، وقد نختار له  نحن ما سيكونه، كذلك يجب أن نُربي البنت تربية عامة شبيهة الولد، ثم تختص بعد ذلك بالمنزل”.

سن الزواج..

تقول “نبوية موسى” في كتابها عن سن الزواج: “وإن قلت الآن إنه لا يصح أن تتزوج الفتاة قبل سن العشرين ربما أغضبت كثريين ممن يرون أن هذا في معتقدهم لا يطابق العادات الشرقية والدين الحنيف، ولست أطيل البحث في ذلك، لأني أعلم أن الحال الآن تضطر الفتاة بالرغم منها ومن وليها على الانتظار إلى ما بعد سن العشرين، ولذا لا أرى من الحزم أن نتناقش في شيء لا يزحزحه جدال.. ولشرح هذا أقول قد اعتاد الرجال الآن ألا يتزوجوا إلا بعد أن يحصلوا على الشهادات العالية ثم يتوظفوا، أي بعد سن الثلاثين تقريبا، وهي عادة حسنة تدل على رقيهم العلمي، ولا بد أن يسبب هذا تأخر الفتيات بالطبع، ولو على ما بعد العشرين، وإذا كان هذا لا بُد منه، فأنا في حل من أن أجعل تعليم البنت إلى سن العشرين أو بعدها بقليل، وليس علي ذنب في هذا التأخير، بل الذنب على الطبيعة في ذلك، أن الفتاة يجب أن تستنير بالمعارف الراقية، لتلائم الرجل المتعلم، وعرفنا أيضا أنها تحتاج إلى تعلُّم علم أو فن، كما عرفنا أنها مضطرة  بحكم الرقي الجديد أن تنتظر بلا زواج إلى ما بعد سن العشرين في الغالب، فيجب بعد هذا أن تصرف ذلك الزمن في شيء مفيد، لا في البقاء في المنزل وانتظار ما يأتي به القضاء والقدر ولهذا أقترح النظام الآتي:  تدخل الفتاة المدارس الابتدائية في سن السابعة، فتصرف بها ست سنوات، أي أكثر من مدة الأولاد بسنة، فتنال الشهادة الابتدائية في سن الثالثة أو الرابعة عشرة  لو فرضنا أنها تأخرت سنة  وفي سن الرابعة عشرة تدخل المدارس الثانوية، فتمضي فيها أربع سنوات أو خمسا، وتنال الشهادة الثانوية في سن التاسعة عشر، وفي خلال هذه المدة السالفة تتعلَّم بالتدريج التدبير والخياطة، وهذا لا يعوقها عن تحصيل ما يُحصله الأولاد”.

وفاتها..

توفيت “نبوية موسى” في 1951 تاركة سجلا حافلا بالذكريات واستحقت عن جدارة لقب رائدة تعليم الفتيات المصريات.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب