24 ديسمبر، 2024 4:15 م

“ناظم مهنا”.. استقت قصصه القصيرة نبعها ومسارها من أزمنة قديمة

“ناظم مهنا”.. استقت قصصه القصيرة نبعها ومسارها من أزمنة قديمة

خاص: إعداد- سماح عادل

“ناظم مهنا” كاتب سوري ورئيس تحرير مجلة “المعرفة”.

حياته..

ولد “ناظم مهنا” في مدينة جبلة عام 1960، وتخرج في جامعة دمشق قسم اللغة العربية واشتهر بكتابة القصة، واتقن أنواعا أدبية أخرى، كتب الشعر والرواية والمقالة وتمثيليات إذاعية للأطفال، لكنه كان يعد القصة فنا تعبيريا يتمسك به ويفضله على غيره من الفنون الأدبية الأخرى.

عدت تجربته القصصية من أهم التجارب القصصية السورية والعربية الحديثة لما تمتاز به من ميل إلى الحداثة، حيث إنه كان يكتب ويستوحي أفكاره من التاريخ المغرق في القدم.

الكتابة..

نشرت أول قصة له في عام 1979 في مجلة “الثقافة” ثم بدأ النشر في الصحف اللبنانية منذ مطلع الثمانينات. وفي عام 2016 تسلم رئاسة تحرير مجلة “المعرفة” السورية التي تأسست عام 1962 والتي تعتبر من أقدم وأهم المجلات العربية الثقافية، واستثمر فيها درايته بالعمل الصحفي انطلاقاً من إدراكه أهميتها وثقة القراء بها؛ واستمر في رئاسة تحريرها حتى يوم وفاته.

وصدر له عدد من المجموعات القصصية، منها: (الأرض القديمة- منازل صفراء ضاحكة- حراس العالم- مملكة التلال) وكتاب “بابل الجديدة” وهو عبارة عن مقالات متنوعة في الثقافة والأدب، وكتيبان عن الشاعرين الراحلين “ممدوح عدوان”، و”محمد الماغوط”، ضمن سلسلة “أعلام مبدعون”، الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب.

فن مخذول..

في حوار معه اجراه “رائد وحش” يقول “ناظم مهنا” عن القصة القصيرة كفن مخذول: “كانت القصة القصيرة فناً رائجاً ومحتضناً من قبل الصحافة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. إلا أن القصة تمردت على الصفحات اليومية، وسئمت من هذه الحاضنة المبتذلة، وأرادت أن تعلن أنها فن قائم بذاته ومستقل عن الإعلام الترويجي، وأن تبني لنفسها مجداً بين دفتين! وربما راحت تتعالى معتدة بالمكانة التي وصلت إليها بفضل كتاب بارعين. ‏ولكن نحن اليوم نعيش زمن انتصار الإعلام، ليس فقط على الفنون بل حتى على المعتقدات وحتى على العقل! وهذا الإعلام المنتصر يصفي الحساب مع من تمرد عليه، ولنقل بالمزيد من التجاهل! وبما أن الشعر والرواية لم يكونا يوماً وليدا الإعلام والصحافة، فقد تصالح هذا الإعلام معهما أو تمسح بهما! ‏

على كتاب القصة أن يصمدوا أو يصبروا في معركة التجاهل هذه، ولذلك علينا أن نحيي بورخيس وزكريا تامر وكل قاص صمد في هذا الميدان دون أن يكترث بالخسارة. ‏وبهذه المعركة غير المرئية تكسب القصة ميزتين تستحق عليهما أن نرفع لها القبعات: الميزة الأولى أنها فن متمرد. والثانية، أنها فن تراجيدي . بمعنى آخر؛ هي فن أوديبي بجدارة! ‏من جهتي، ما أزال أرى أنها، بشكلها الجيد، هي الفن الأكثر مقدرة على التعبير، والأكثر أصالة في التعبير عن الانفعالات الدونزيوسية والأبولونية عند الإنسان. وإضافة إلى ذلك، هي الفن السردي الذي هو خلاصة فنون عدة، وهي الوريث للحكاية منذ ولادتها وحتى في تحولاتها المتعددة الأشكال، هذا دون أدنى انتقاص من قيمة الفنون الأخرى. ‏

وعن الشعر يقول: “ربما لو جرت الأمور على سجيتها لكان على أن أكون شاعراً، فأنا أنحدر من ثقافة شعرية! يكاد الشعر فيها أن يكون مقدسا وحفظ الشعر حتى الماجن منه يعادل حفظ النصوص المقدسة وليست هذه مبالغات! كما أن والدي شاعر وله كتب شعرية مطبوعة. وأذكر أنني عندما كنت صغيراً كان بعض الناس يطلقون علي لقب (ابن الشاعر) وكنت أظنها شتيمة. إذاً كانت بداياتي مع الشعر ونشرت قصائد كثيرة في الصحف اللبنانية، وكنت وسط أصدقاء كثر من مجتمع الشعراء أعدٌ شاعراً! ‏

لكن، وبما أنني إنسان غير يقيني، فقد ذهبت إلى حقل تعبيري آخر غير المكان الذي وجدت نفسي فيه منذ بداية وعيي الأدبي، وكان الدخول إلى عالم القص كالدخول إلى مملكة جديدة. ومنذ منتصف الثمانينيات لم اكتب شعراً، ولكنني أشعر دائماً أنني معني بالشعر بالشكل الذي يكتب فيه وبالجدل الدائر حوله. ‏

ويجيب عن لماذا تغيب عندك قصص الحب: “لعلها ميزة! الحب عندي تجربة شخصية، ولا يوجد عندي ميل إلى التركيز عليها ومنحها أبعاداً أبعد من حدودها. وبسبب نزوعي نحو التحليل الفرويدي، فإن الأولوية عندي للعلاقات وللسلوك والأقنعة والعنف والنزوع التدميري عند الأفراد والجماعات. ولكن، لا تخلو قصصي تماماً من حالات الحب وأذكرك بقصة (زهرة الخوف) و(حالة عارضة) وإذا كنت تقصد الجنس فهو موجود ولكنه خفي! ‏

الواقع الثقافي السوري..

وعن المجلات في الحياة الثقافية‏ يقول: “قد تكون هذه المجلات ضرورية وقد لا تكون إن من ينتظر التنوير أو التغيير من المجلة في هذا الزمن واهم بالتأكيد ومع ذلك فنحن ننجذب نحو مثل هذه النشاطات ربما كنوع من اللعب أو الترويض أو تحريك الجو الأدبي. علينا أن نلعب وأن نقر بأهمية اللعب، فالإنسان يتغلب على الكثير من المواجهات الصارمة باللعب. كما أن الوهم حين يكون حافزاً أو محرضاً فما الضير من التجاوب مع الوهم الجميل؟! ‏

وعن الواقع الثقافي السوري يقول: “الواقع الثقافي عندنا مثله مثل أي واقع ثقافي في أي بلد آخر، عربي أو عالمي مع التفاوت بنسب محدودة، فالعلاقات بين المثقفين في أي بلد، تقوم على التناحر والشللية والعداوات العابرة اللدودة أو الودية، أو الصداقات الصادقة، أو المصلحية (هذا هو عالم الفنانين والشعراء والصحفيين، و من يسمون بالمثقفين). عالم هشّ وزائف ولكنه ضروري، فقد يكون هذا التناحر بين الأنوات الثقافية هو تعبير عن رفض الجمود والثبات والعطالة، أو رفض للفوضى الجنونية. ‏

أما دور المثقفين باعتبارهم طليعة، فهي مقولة للأسف تقادمت وعفا عليها الزمن. فلم يعد مثقف اليوم يقول كما كان يقول في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين: «لقد أتيت إلى هذه الدنيا لكي أعترض…» ‏لقد رضخ المثقفون للتبعية، وتصالحوا مع الواقع وراحوا يعوون مع الذئاب، كما قال هيجل مرة. ‏

الانحياز للقصة..

في مقالة بعنوان (في رحيل ناظم مهنا: انحاز طيلة الوقت للقصة القصيرة) كتب “راسم المدهون”: “تجربة الكاتب السوري ناظم مهنا الذي رحل قبل أيام في دمشق، تنوعت في انتقالاتها بين الأجناس الأدبية ولكنها ظلت طيلة الوقت منحازة بشغف العاشق إلى القصة القصيرة. هو صاحب الرؤية الحداثية التي تؤكد على أهمية الشكل وفنيات السرد باعتبارها صلة التواصل بين القارئ وحدث القصة التي كان ناظم مهنا يؤمن أنها لا بد أن تحمل المتعة وأن تشرك قارئها في التفاعل مع سردها الأنيق وجاذبيته العالية. بين زملائه ومجايليه عاش الراحل مسكونًا بالكتابة وبما تمتلكه من قدرة على التغيير الاجتماعي، وبعيدًا عن الشعارات المباشرة مارس الكتابة من نبعين هامين أولهما الإيمان العميق بدور الكاتب في مجتمعه وأهمية الانتماء لقضايا هذا المجتمع وحياته اليومية، وثانيهما طموحه المستمر لتحقيق أسلوبه الخاص بين كتاب القصة السورية التي عرفت قبله تجارب وأسماء كبيرة منذ سعيد حورانية وزكريا تامر في مطلع خمسينيات القرن الفائت”.

ويضيف: “نتحدث عن تجربة ناظم مهنا القصصية فتحضر موضوعات قصصه التي كثيرًا ما استقت نبعها ومسارها من أزمنة قديمة وكأنه كان يواصل اقتناعه بالخيط الذي ينتظم التاريخ وأزمنته ومراحله المختلفة فتذهب قصصه لتلك الأزمنة باعتبارها هي أيضًا تمتلك حيويتها بل لعلها تمتلك الموضوعات ذاتها خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضايا الإنسان وهمومه وما يحمل في روحه من آمال وطموحات.

بعيدًا عن الشعارات المباشرة مارس الكتابة من نبعين هامين أولهما الإيمان العميق بدور الكاتب في مجتمعه وأهمية الانتماء لقضايا هذا المجتمع وحياته اليومية، وثانيهما طموحه المستمر لتحقيق أسلوبه الخاص بين كتاب القصة السورية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة