7 أبريل، 2024 8:58 ص
Search
Close this search box.

ناظم حكمت.. دفع ثمن ثوريته اعتقال وملاحقة طوال حياته

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“ناظم حكمت” كاتب مسرحي وروائي وشاعر تركي شهير، ولد لعائلة ثرية في 1902 في سالونيك، عارض الإقطاعية التركية وشارك في حركة أتاتورك التجديدية، وبعدها عارض النظام الذي أنشأه أتاتورك وسجن في السجون التركية حتى 1950، هرب إلى الإتحاد السوفييتي، كانت أشعاره ممنوعة في تركيا إلى أن أعيد الاعتبار له من طرف بلده.

شعره..

تميز شعر “ناظم حكمت” ببساطة ساحرة ومواقف واضحة، فقد جرب في شعره كل الأشكال الممكنة والموروث وغذى تجربته بكل الثقافات من حوله، خاصة أنه له علاقات شخصية مع أبرز الشخصيات الأدبية الروسية والأوروبية والأمريكية وحتى العربية. ول”ناظم حكمت” بصمته في الشعر العربي إذ نجد أصداء من طريقته الشعرية في أثر العديد من الشعراء ك”عبد الوهاب البياتي” و “بلند الحيدري” و “نزار قباني” والعديد من شعراء العامية.

وهو شاعر اتجه اتجاها رومانسيا كما أنه يعد أحد الثوار المدافعين عن مذهب الرومانسية، ولقد ترجمت قصائده الشعرية إلى أكثر من خمسين لغة وحصلت أعماله على العديد من الجوائز . ولقد استخدم “ناظم حكمت” أسماء مستعارة في السنوات التى كان ممنوعا فيها من الدخول إلى تركيا وكانت تلك الأسماء مثل : (أورخان سليم وأحمد أوغوز وممتاز عثمان وأيضا أرجومينت ار). كما أنه قد أصدر كتابا بعنوان “الكلاب تعوي والقافله تسير” وكان هذا الكتاب بتوقيع “أورخان سليم”، ويعد “ناظم حكمت” هو المؤسس الأول للنظم الحر في تركيا، وواحدا من أهم الأسماء البارزة في الشعر التركى المعاصر. وأصبحت له شهرة عالمية كما أنه يعتبر من بين شعراء القرن ال20 الأكثر شعبية في العالم.

حكم على “ناظم حكمت” في إحدى عشرة قضية مختلفة، ومكث في معتقلات إسطنبول وأنقرا وتشانقر وأيضا في بورصة لمدة تتجاوز اثني عشر عاما، وتم نفيه من تركيا عام 1951. وبعد حوالي ستة وأربعين عاما من وفاته تم إلغاء تلك القضية، وذلك بقرار الصادر عن مجلس الوزراء في 2009.

حياته..

التحق “ناظم حكمت” بمدرسة البحرية في 1915 في هيبيليا، وفي عام 1918 تخرج، وتم تعيينه كضابط تحت التدريب على متن سفينة الحامدية، وهى سفينة تابعة لمدرسة البحرية. قطعت علاقته مع الجيش في 1921 بسبب وجود حالات هروب مفرطة، وذهب في عام 1920 إلي الأناضول بدون إخبار عائلته من أجل المشاركة في النضال الوطني مع صديقه “أحمد فالا نور الدين”، وعمل بالتدريس في مدينة بولو . ثم ذهب من أطومى إلى موسكو ودرس علم الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الشيوعية لكادحي الشرق،وتعرف على مبادئ الشيوعية وأصبح شاهدا على السنوات الأولى لبداية عهدها في موسكو، التي رحل إليها في عام 1921، بعد ذلك تم إصدار أول ديوان شعري له الذي نشر في موسكو 1924، وفي ذلك العام عاد إلى تركيا وبدأ العمل في “مجلة التنوير” ولكن بسبب قصائده الشعرية والمقالات التي كتبها بالمجلة أُلقى في السجن لمدة خمسة عشر عاما.

ذهب “ناظم حكمت” مرة أخرى إلى الاتحاد السوفيتي وعاد إلي تركيا في عام 1928مستفيدا من قانون العفو، وبدأ بعد ذلك العمل في جريدة “القمر الساطع “، وفي عام 1938 عوقب بالسجن لمدة ثمانية وعشرين عاما.

بعد اثني عشر عاما من اعتقاله ذهب “ناظم حكمت” في عام 1950 إلى الاتحاد السوفيتي التي كانت في تلك الفترة برئاسة “ستالين” حاملا ذلك القلق من أنه سوف يقتل وسوف يؤخذ إلي الجيش.

اشتراكية ستالين..

في مقالة بعنوان (في حضرة ناظم حكمت) يقول “جودت هوشيار”: “قضى ناظم حكمت حوالي 17 سنة في السجون التركية بسبب شعره الإنساني الجميل التي فسرته السلطة كشعر ثوري يروج للشيوعية . وفي أوائل 1951 أعلن الشاعر المشرف على الموت بسبب عجز في القلب، الإضراب عن الطعام مطالباً بإطلاق سراحه، ولكن السلطة ظلت صمّاء، وكان حكمت آنذاك في حوالي الخمسين من العمر، وأشهر شاعر تركي في داخل تركيا وخارجها. وخلال فترة الإضراب حاز على جائزة مجلس السلم العالمي وانتخب على إثرها نائباً لرئيس المجلس. وأثيرت ضجة عالمية وطالب كبار الكتّاب والشعراء والفلاسفة والمفكرين والفنانين في شتى أنحاء العالم من ضمنهم (سارتر وأراغون ونيرودا وبيكاسو) بإطلاق سراحه. وقد اضطرت السلطة تحت ضغط الرأي العام العالمي إلى الاستجابة لهذا المطلب، ولكن وضعته تحت الإقامة الجبرية والمراقبة. ثم تم استدعاؤه لأداء الخدمة الإلزامية في الجيش، رغم أنه كان مريضاً، وسبق إعفائه من التجنيد لأسباب صحية. وكان الهدف من وراء هذا الاستدعاء واضحاً وهو القضاء عليه، عن طريق ما تتطلبه الخدمة الإلزامية من تدريب عنيف. ولم يكن أمامه سوى الهروب من تركيا واللجوء إلى الاتحاد السوفييتي في حزيران 1951.. لم تكن الحياة سهلة في الاتحاد السوفييتي في أوائل الخمسينات وأصيب بخيبة أمل في النظام الاشتراكي على النمط الستاليني، ولم يكن يتوقع أن تكون الحياة في بلد اشتراكي بهذا البؤس، فقد اختفت تلك الأجواء الفنية والأدبية المفعمة بالتجديد والإبداع الحقيقي الذي كان سائدا حينما كان طالبا في موسكو في العشرينات. واختفى أصدقاؤه من الكتاب والشعراء والمسرحيين و الفنانين الذين عرفهم في شبابه. منهم من تمت تصفيته ومنهم من كان يقضي سنوات السجن في معسكرات الاعتقال الرهيبة. وكان يزعجه ذكر اسم “ستالين” في قصائد الشعراء الروس (الرسميين) من دون مسوغ فني والتشويه المتعمد لقصائده المترجمة إلى اللغة الروسية، وصور ستالين في كل مكان”..

ويواصل: “في أوائل الستينات، في فترة ذوبان الجليد، هبت رياح التغيير على روسيا في كافة مجالات الحياة، وشرع الروس بفتح أبواب الستار الحديدي أمام الأجانب وخاصة الطلبة من بلدان العالم الثالث ومنها العراق. لم يكن يمر أسبوع دون أن أحضر أمسية شعرية أو أدبية في هذه القاعة أو تلك. و لن أنسى ما حييت أمسية أقيمت لناظم حكمت في 18 تشرين الثاني 1961 في متحف (ماياكوفسكي). وأنا أنقل هنا ما كتبته في دفتر يومياتي في ساعة متأخرة من تلك الليلة بعد رجوعي إلي المدينة الجامعية حيث كنت أسكن. كان الازدحام شديداً واغتصت القاعة الصغيرة والممرات بعشاق الشعر، وقف الشاعر أمام الجمهور المتلهف لشعره، فارع القامة، أشقر الشعر، وعيناه الزرقاوان تلمعان ويبدو مفعماً بالحيوية وعلامات الرضى على محياه، قال الشاعر: – أيها الرفاق! أتذكر جيدا تلك الأمسية الشعرية في قاعة البولوتكنيك، التي حضرتها بصحبة ماياكوفسكي وقرأت شيئا من شعري لأول مرة أمام الجمهور الموسكوبي. كنت في التاسعة عشرة من عمري، مرتعباً من قراءة شعري باللغة التركية، ومتردداً جداً. ولكن ماياكوفسكي دفعني وقال: “تعال أيها التركي، لا تخف. على أية حال لن يفهموا شيئا، ولكنهم سيصفقون لك، لأنك شاعر ثوري”. حقاً لم يفهموا شيئاً من شعري ولكنهم صفقوا لي بحرارة، وكان ذلك أول تصفيق لي هنا. درست في موسكو وقضيت فيها أجمل سنوات شبابي، وفيها أحببت وكتبت شعراً حقيقياً لأول مرة، رأيت في موسكو ( الأوبرا)، وتعلمت الكثير والكثير من الأشياء لأول مرة هنا، تعرفت على مترجم أشعاري، الشاعر أدوارد باغريتسكي، ولهذا أعتبر نفسي موسكوبياً قديماً. سأبلغ الستين من العمر قريباً، أحاول كتابة الشعر والمسرحيات ورواية واحدة، ربما سأنجح في كتابة الشعر، وستكون مسرحيتي سيئة، وسأفشل في كتابة الرواية.

كان كل من في القاعة يصغي بانتباه وهم يحبسون أنفاسهم،  وعندما أنهي الشاعر كلامه دوت عاصفة من التصفيق المتواصل”.

وفاته..

في يوم 3 يونيو عام 1963 توفي “ناظم حكمت” نتيجة أزمة قلبية، ودفن في ” مقبرة نوفودوفيتشى” الشهيرة .

قصائد ل”ناظم حكمت”..

إلى ڤيرا..

تعالَ من فضلك، قالت،

وابْقَ، قالت،

وابتسمْ، قالت،

ومُتْ، قالت،

جئتُ

بقيتُ،

ابتسمتُ،

مِتُّ.

***

رجل متفائل..

عندما كان طفلا لم ينتف مطلقا أجنحة الذباب

لم يربط علب الصفيح في ذيول القطط

أو يحبس الخنافس في علب الكبريت

أو يَدُسْ بقدميه تلال النمل

وكبر

كل تلك الأشياء فعلوها به

وكنت بجوار فراشه عندما مات

قال اقرأ لي قصيدة

عن الشمس والبحر

عن المفاعلات النووية والأقمار الصناعية

عن عظمة الإنسانية

***

أغرب مخلوق على الأرض..

أنت مثل العقرب، يا أخي،

أنت تعيش بجبن في الظلام

مثل العقرب.

أنت مثل العصفور، يا أخي،

دائما ترتعش مثل العصفور.

أنت مثل السمك الصدفى، يا أخي،

مغلق عليك مثل السمك الصدفى، راضيا،

وأنت مُرْعِب، يا أخي،

مثل فوهة بركان خامد.

لستَ واحدَا،

لستَ خمسة،

للأسف عددك بالملايين.

أنت مثل الغنم، يا أخي،

عندما يرفع تاجر المواشي عصاه،

تنضمّ بسرعة إلى القطيع

وتجرى، بكبرياء تقريبا، إلى السلخانة.

أنا أعنى أنك أغرب مخلوق في العالم…

أغرب حتى من السمك

الذي لا يستطيع أن يرى المحيط بسبب الماء.

والاضطهاد في هذا العالم

موجود بفضلك.

وإذا كنا جوعي، مُتعَبين، ويغطينا الدم،

وما يزالون يعصروننا كالعنب من أجل نبيذنا،

فالخطأ خطؤك…

ومن الصعب علىَّ أن أحمل نفسي على أن أقول هذا،

غير أن معظم الخطأ، يا أخي العزيز، خطؤك.

***

مثل كريم..

السماء رمادية وثقيلة كالرصاص.

وأنا أصرخ،

أصرخ،

أصرخ،

وأنادى!

هيا، تعالَ بَدِّدْ

هذا الظلام الكثيف

الثقيل كالرصاص…

وعندئذ يقول صوتٌ

بدوره:

“لكنك مثل كريم،

ستحترق،

ستحترق…

ولا دواء يَشْفى

أمراض الإنسان الكثيرة الكثيرة.”

كلّ القلوب صَمّاء،

لن يسمع أحد…

الجو الكئيب ثقيل كالرصاص…

وأقول بدورى:

إذن مثل كريم،

سأحترق،

سأحترق.

إذا لم أحترق،

إذا لم تحترق،

إذا لم نحترق،

ونتوهَّجْ جميعًا في اللهب،

فمن إذن يبدّد الظلمات؟

الجو صلب كالأرض،

السماء رمادية وثقيلة كالرصاص.

وأنا أصرخ،

أصرخ،

أصرخ،

وأنادى!

هيّا، تعالَ بَدِّدْ

هذا الظلام الكثيف

الثقيل كالرصاص.

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب