خاص: إعداد- سماح عادل
“ناصر حسن خانه” فنان تشكيلي عراقي، ولد 1952 في الكوت، وهو أستاذ الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة في بغداد، يعد من الفنانين العراقيين المتميزين في الفن التشكيلي، وقد شارك في عدة معارض في بغداد والمحافظات، إضافة إلى المعارض الفنية خارج العراق، ومن أهمها المعرض الذي نظمه المركز الثقافي العراقي في السويد بعنوان “أعط عنوانا لهذا المعرض”، وقد قدم الفنان ناصر خانة 49 عملا في المعرض المذكور دون أن يختار لها اسما محددا, تاركا إياها للمتابعين تسميتها، وهي تمثل تخطيطات للفنان كان قد أنجزها في مراحل مختلفة من حياته الإبداعية، ومنها قد سبق الوعكة الصحية التي ألمت به، وبعضها ترافق مع آهاته وأوجاعه وهو يقهر منغصات المرض.
بلاغة الرمز..
في مقالة بعنوان (ناصر خانه.. صراخ الواقع وبلاغة الرمز) يقول “محسن الذهبي” ناقد تشكيلي عراقي، “بمبادرة من أصدقاء ومحبي الفنان التشكيلي العراقي ناصر حسن خانه، افتتح بالعاصمة السويدية ستوكهولهم وعلى قاعة الراحل كاظم حيدر في فضاء المركز الثقافي العراقي بالسويد، المعرض الثاني للفنان العراقي تحت عنوان افتراضي (جد عنوان لهذا المعرض) لأن المعرض هو مجموعة من اللوحات التخطيطية التساؤلية ومن مراحل إبداعية متعددة، يجمعها هم واحد هو الإنسان بكل همومه.. فالفنان يتخذ من التخطيط دراسة لما استوعبه من معنى النحت ملهمه الأول الذي تعلمه بشغف من أساتذته، الرعيل الأول من مبدعي الرسم والنحت في العراق، فتجربته هي امتداد منطقي لتجارب جيل الرواد التي تؤكد على ضرورة الاعتماد على قيم الواقعية وتغليفها بالرمز لتأسيس أسلوب يتناسب ورؤية الفنان”.
صورة الخلاص..
وعن أعماله يواصل: “في أعمال ناصر خانه لا بد أن تكون في مواجهة ذاتك لاستيعاب التأزم الذاتي للتعبير عن الهم العام فهو يحاول أن يرسم صورة الخلاص متجسدة بخطوط فيضعنا أمام الرمز وجها لوجه دون مواربة نستطلع همومه دون إفصاح قهري أو مبسط لثيم العمل الفني الذي يحاول طرحه، بل هو بفنه طارح كبير للأسئلة ويترك للمتلقي الإجابة. فالذات عنده ومن خلال إبداعه ليست هما إنسانيا فرديا يتجسد بل هي مجموعة هموم متراكمة وحركات تعبر وتكشف عن أعماق المضمون، لا تفهم إلا من خلال الرمز، والرمز هنا وليد الواقع بمكوناته الذاتية كمفردة منتقاة بحس فني تحوي دلالات ذات سمات اجتماعية تختلط مع بعضها، لكن عمل الفنان في المحصلة يشكل وحدة إبداعية متفردة في دلالات الإبداع الرمزي المنحازة بشكل ظاهر للهم الفردي والمعبرة عن الهم الجمعي، وهنا لا بد أن نقف عند حدود الخصوصية لمعاناة الفنان الذاتية كجزء من حالة عامة إنسانية تعاني”.
وعن الرمز يضيف: “فالرمز عند الفنان ناصر خانه، غاية للوصول إلى حالة إنسانية، وما الفنان هنا إلا واسطة للتعبير لذا نرى شحنات الإبداع لديه تتكاثف بشكل قصدي بطرح هموم الإنسان وبمختلف أشكال معاناته فهو يطرح الفرد كممثل للمجموع. إن التعمق في تقصي دواخل المعاناة الذاتية للفرد يوصلنا إلى حالة فحوى الاستلاب ولكن من خلال رؤية جمالية حركية تجسد تلك الذات المأزومة في واقعها اليومي ببعد لا يدخر الرمز فيها عن الإفصاح الصارخ أحيانا. إنه يستقي إبداعه من واقع يحوله إلى رموز وثيم، قد يلفها بعض الغموض لكن يفضحها بكشف تلك العلاقة عبر أسطرة شخوصه وإعطائها بُعدا عموميا لكنها في الواقع تعبير عن البسيط وربما المهمل أحيانا في معاناتنا اليومية. فهو يتحرر من وثوقية المنطق التصويري ويحيلها إلى رموز تحليلية وأشكال تركيبية مع توفير شرط المعرفية، فيكون الموضوع لديه واقعا يستند إلى دلالة ومعنى. فالعقل الإبداعي للفنان يهتم بربط علاقة الجمال بالحالة الإنسانية ويكون الجسد البشري في أغلب أعماله هو الوسيط الناقل والمعبر لنقل المفاهيم الحسية إلى مفاهيم حدسية عقلية تختزل المعاناة الفردية وتعممها في نظر المتلقي بغية استيعاب تلك القصدية الموضوعية والتي تجسد كما نرى تجربة شخصية لذات الفنان اشتغل عليها بتكرار متعدد الوجوه ويتضح ذلك جليا في ثلاث مستويات مختلفة: أولها – الغوص بالتجربة الذاتية وتغليفها بغموض متعمد أحيانا وعفوي في أحيان أخرى لتصوير ما يشعر به من معاناة. والثاني – هو روح القلق الإبداعي المجسد لتلك الانفعالات الحادة، والثالث – تحميل الهم الذاتي تعبير جمعي رمزي يمتد لتناول جوانب الوجود الإنساني عموما غير محدد بزمن أو مرحلة معينة. فهو يجمع بين ملكات الذهن الإنساني وتخيلاته الصورية بتراكيب متعددة تمثل زمنا لحظويا قد مر أو قد يمر في تآلف واضح بين الوعي والواقع المعاش لتجسيد تلك الهموم والانفعالات مع منح الخيال نضجا أنطولوجيا لبلورة وحدة التأليف في شكل اللوحة ومكوناتها، فهو تأليف منطقي يجمع بين صورة الواقع وملكات العقل الذي يشذ نحو الخيال لتخلص الصورة. إن الخيال هنا وفي أعمال الفنان يصبح حدثا يسهم في إنارة الطريق أمام عين المتلقي. نعم لا ننكر على الفنان أن يلوذ أحيانا بأسطرة الواقع كي يجسد الهم العام لكنه في المحصلة يكون إبداعه هما ذاتيا، لكل متلقي، وهنا يتحد العام بالخاص لنقل صورة الواقع. فقيم الواقعية ضرورة لالتزامه بالأسس العلمية لبناء العمل الفني مثلما يعتني بالأسس الفكرية”.
ويقول عن ما يفهم سوداواية في أعماله: “قد يؤخذ عليه كمية الرعب المتراكم والمضمر في لوحاته والذي يقرأ كسوداوية أحيانا لكننا نفسر ذلك بمحاولة الصدق الإبداعي لنقل حقيقي لواقع معاش وليس حلم فنان. لذا تكون أعماله تعبيرا صادقا عن حلم جمعي يجمعه في فرد، وبتعبير أكثر دقة أن أعمال ناصر خانه هي: هموم جمعية تتجسد بالفردية. وهنا ينجح الفنان بشكل مهم في تجسيد العلاقة بين الجمعي والذاتي، فهو لا يصور حركة المجتمع بشكل فج بل يركز على الدلالة الإنسانية ببعدها الجمالي، فقيمة الجمال عنده عامة مطلقة وليست مأساوية سوداء. فهو لا يبالغ في التصوير بل يراكم كي يدرك عمق المقصد، ذلك لأن البعد الجمالي عنده هو ما يرتبط بالمضمون وليس الشكل فقط. هو المهموم بكل ما يحيط به تجده يكثر من التفاصيل كي يشبع رغبته بالتعبير عن المعنى، يبحث في مرويات الخلود وينحاز للمثيولوجيا التي يستلهم منها كل الثيم. ليهرب بنا إلى المفترض بحذق إبداعي ويعيد أحلام الماضي المتوارث بروحه بعناد مجنون يناطح الواقع بكل إباء، إنه مشغول بالبحث عن معرفة العارف ويجول بخواطر المتصوفة كي يوقظ النائم في ذاكرتنا. فـ ناصر خانه باختصار يجعل الإنسان/الجسد مركز اهتمامه ويستدرج أحيانا التاريخ في روحه للوقوف ضد القهر. وهنا تلتحم دلالة الخبرة التاريخية بهموم الواقع ليصور بإدهاش فكرة الصراع كرمز مرادف لحركة التاريخ ورمز لها في ذات الوقت، وعبر تلك الدلالات يسحب الثيم الشكلية لتعميق فهم الحاضر، أي أنه يقوم بعملية بحث لاختراع مفردة تشكيلية توسع من امتداد الرمز. وتلك قمة الغوص في استخراج مدلولات للتعريف بالواقع فهو لا يلغي قدمية الرمز بل يحمله أفق مستقبلية لأن التاريخ متحف مفتوح يرتوي كل من يرد شواطئه. وﺒﻨﻭﻉ خاص ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺄﻟﻕ ﻓي ﺍﻟﺼﻭﺭﺓ، رسم ملامح ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻨﺎﻫﻴﻙ ﻋﻥ ﺘﺄﻟﻕ في أظهار قوة ﺍﻟﻅل ﻭﺍﻟﻨﻭﺭ وإحكام البناء ﺍﻟﻔﻨي ﻭﺍﻟﺘﻘﻨي ﺒﺤﺎﻟﺔ ﻤـﻥ ﺍﻟﺘـﻭﺍﺯﻥ ﺍﻟﻤﺤﺴﻭﺏ ﻭﺍﻟﻤﺤﺴﻭﻡ في ﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﻔﻨي فرﻏﻡ ﺍﻟﻤﺴﺤﺔ ﺍﻟحكائية ﺍﻟﺘي ﺘختص ﺒﻬﺎ مجمل لوحات الفنان، إﻻ أنها تبقى قابضة على ﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻜﻼﺴﻴﻜﻴﺔ بكل قوة، وقد يعود ذلك لذهنية المعلم في روح الفنان فـ ناصر خانه التصق بالتدريس في معاهد الفنون، وكان له دور مميز في محاولة بناء أجيال جديدة من الفنانين الشباب وتلك المهمة النبيلة جعلته يعيش الفن حياة ودرسا”.
وفاته..
رحل صباح اليوم 8 سبتمبر 2019 الفنان التشكيلي “ناصر حسن خانه”، في إحدى مستشفيات العاصمة بغداد، بعد أن تم نقله يوم أمس إثر تدهور حالته الصحية نتيجة المرض المزمن الذي أصابه منذ سنوات عدة، وتم نقله إلى مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف ليوارى الثرى هناك.