خاص: إعداد – سماح عادل
“نادرة أمين” هي مطربة وملحنة مصرية، تعاونت مع كوكبة من رواد الغناء والتمثيل وغنت قصائد ل”خليل مطران” و”العقاد” و”ابن الفارض”.
حياتها..
وولدت “نادرة أمين” في ٧ يوليو ١٩٠٦ في حي عابدين، لأب مصري من رشيد بالبحيرة وأم لبنانية الأصل، وحين توفيت أمها كان عمرها سنتين، وسافر والدها لأمريكا وتزوج واستقر هناك فتولت عمتها وجدتها لأبيها رعايتها.
بدأت علاقة “نادرة أمين” بالغناء حين كانت في الابتدائية فكانت تهرب مع بعض زميلاتها إلى حديقة كانت قريبة من منزلها وتغنى لرفيقاتها، وعندما كانت تعود متأخرة كان عمها يضربها، وزوجتها الأسرة وهى في الثالثة عشرة، وبعد 6 أشهر من الزواج هربت فطلقها زوجها، وكان الفن هو شغلها الشاغل وظلت تمارس الغناء في حفلات أسرية ضيقة حتى التقت عازف الكمان المعروف “سامي الشوا” في إحدى هذه الحفلات، وشجعها على احتراف الغناء، ثم درست العزف على العود على يد “يوسف عمران” وعلمها غناء الموشحات، ووقف “سامي الشوا” بجانبها حتى غنت في حفلة عامة على مسرح رمسيس في أوائل الثلاثينيات، وفى ١٩٣٢ قامت ببطولة فيلم “أنشودة الفؤاد” أمام “جورج أبيض”، والمحامي الهاوي “عبد الرحمن رشدي” والشيخ “زكريا أحمد” الذي لحن أغاني الفيلم، و قام بدور بسيط “دور اللص” فنجح فيه نجاح كبير.
من أهم غنائيات فيلم “أنشودة الفؤاد”، التي كتبها شاعر القطرين خليل مطران ولحنها زكريا أحمد “يا بحر النيل يا غالي”، وقصيدة “أمسعدي أنت في مرادي”، و”يا أيها البلبل الحنون”. وعقب نجاح نادرة في فيلم “أنشودة الفؤاد” سافرت إلى المغرب والعراق.
في سنوات حياتها الأولى التحقت “نادرة” بكازينو وصالة “بديعة مصابنى” في عماد الدين، قِبلة الفنّ في ذلك الوقت، وتنافست مع “منيرة المهديّة” و”فتحية أحمد”، حتى لفتت الأنظار، ليس بصوتها فقط، بل بقدرتها على التلحين وإجادتها العزف على العُود، وهو ما ميّزها عن زميلاتها الأُخريات، وفى العام 1932 لعبت دور البطولة في فيلم غنائي، هو الأول في تاريخ السينما المصرية، اسمه “أنشودة الفؤاد”، وبعده مثّلت في فيلمين أو ثلاثة أفلام أخرى، حتى لفتت الأنظار إليها إلى درجة أن “محمد عبد الوهاب” رغب في أن تشاركه بطولة فيلمه “الوردة البيضا”، لكنها أصرّت على أن يتولّى “رياض السنباطي” تلحين أغانيها في الفيلم، ليرفض “عبد الوهاب” ذلك الأمر تماما، فيفشل مشروع اشتراكها معه في البطولة.
أهم ما ميّز المطربة “نادرة أمين” أنها كانت ذات حِسّ موسيقى واضح، ذلك أنها لم تكتف بالغناء فقط، بل إنها أجادت العزف على العُود ولعل ذلك يرجع إلى عشقها المبكر لأغاني وأدوار الموسيقار “سيد درويش”، فقد كانت تحفظ تسجيلات أغانيه وأدواره تلك على ظهر قلب، وكانت تفضّل العزف على العود بنفسها وهى تغنى على المسرح.
كانت المطربة “نادرة” أول مطربة مصرية تغنّى للجيش المصري، فقد قامت بالغناء للجيش في عام 1948 إبّان حرب فلسطين، فغنّت أغنيتها الوطنية (يا مصري قوم احمِ الوطن)، وكانت أغنية مشهورة وقتذاك، كما غنّت للجيش المصري أيضا إبان 23 يوليو أغنيتها (آه يا بحر النيل الغالي)، وبعد أن نالت نجومية كبيرة وشهرة فائقة، عكفت مجموعة لا يستهان بها من الملحنين المشهورين على التلحين لها، مثل “محمد القصبجى”، “داود حسنى”، “محمد عبد الوهاب”، “محمود الشريف”، “رياض السنباطى”، “فريد غص”، وغيرهم، ومن أشهر أغانيها: (لمّا بدا يتثنّى- ما احتيالي يا رفاقي- بين الزهور والميه- ساعة الصفو)، وكانت تلك الأغنية من كلمات وأشعار “عباس محمود العقّاد”، كما غنت أيضا الغناء الديني، فسجّلت للإذاعة المصرية دعاء (يا ربّ هيئ لنا من أمرنا رشَدًا)، وتولّت بنفسها تلحين هذا الدعاء.
كما أن “نادرة” من المطربات القلائل اللاتي كتب فيهن قصائد شعر، حيث كتب فيها الشاعر العراقي الكبير “جميل صدقي الزهار” قصيدة قال فيها:
بين أغانيك وبين وجهك الجميل
معجزة ثالثة من معجزات القاهرة
فحبذا الفن وحبذا أغاني نادرة
وقدمت في الدراما 3 أفلام وهي “أنشودة الراديو” عام 1936 و”شبح الماضي” عام 1934 و”أنشودة الفؤاد” عام 1932.
أميرة الطرب..
في مقالة بعنوان (25 عامًا على رحليها.. نادرة في سمائها) يقول “محب جميل”: ” في فقرة بعنوان “تراجم مختصرة عن كواكبنا” كتبت مجلة الكواكب في الثلاثينات: “وظهرت السيدة نادرة أمين بعد ذلك على التخت في ثقة عظيمة بالنفس، وأرسلت من عذب أنغامها على الجمهور فيضًا كاد يسكره بغير خمر. وكأنها كانت في هذه المرة تنتقم لنفسها من الفشل الذريع الذي مُنيت به في حفلتها الأولى. وظلت بعد ذلك تخطو خطواتٍ واسعة في سبيل النجاح حتى أضحت درةً في تاج الغنـاء في مصر، وأقبل الناس على حفلاتها كما تهافت المتعهدون على عقد الاتفاقات معها، وذاع صيتها ودوت شهرتها”. وضعت نادرة أمين قدميها على سلم المجد والشهرة بعد أن وقعت معها شركة “نحاس فيلم” بطولة الفيلم الغنائي أنشودة الفؤاد عام 1932. ولهذا الفيلم المؤسس حكاية خاصة فبعد ظهور فيلم أولاد الذوات كأول فيلم ناطق على الشاشة الفضية، كان لابد من وجود فيلم غنائي تتخلله بعض الأغنيات التي تؤدى بطريقة سليمة. في غرفتها بمنزلها المرتفع، دقَّ جرس الهاتف ودفع المتصل بعبارة مباشرة “هل تقبل الاشتغال بالسينما والظهور على الشاشة البيضاء…؟” كان المتصل أحد مندوبي شركة نحاس فيلم، وكان الاتفاق هذه المرة بشأن بطولة فيلم سينمائي جديد “أنشودة الفؤاد”. أراد صُناع الفيلم أن يخطوا به نحو درجات الكمال، لذلك طلبوا من شاعر القطرين خليل مطران أن يقوم بكتابة الحوار كما شهد الفيلم إسناد دور بسيط لشيخ الملحنين زكريا أحمد الذي لحن الأغنية الرئيسية. لقد كان هذا الفيلم ثمرة تعاون بين المخرج ماريو فولبي ومدير التصوير الإيطالي كياريني. وقد تم معظمه داخل أستوديو “أكلير” بباريس بالإضافة إلى مشاهد خارجية في مدينة القاهرة وصعيد مصـر”.
ويواصل: “وقد كانت نادرة أمين في تلك الحالة شأنها شأن العديد من المطربات اللاتي احترفن الغناء ولم يسبق لهن الوقوف أمام كاميرا. في مقال بعنوان “نادرة تصف طريقها إلى السماء” في مجلة “الكواكب” وصفت نادرة حالتها بقولها “أنا مطربة يعرفني الجمهور أغني فأشجيه فهل أصبح ممثلة أيضًا.. وسينمائية مرة واحدة وكيف أستطيع التمثيل، وماذا يحدث لو سقطت…؟ ترى هل أقبل أم أرفض…!”. ولا تتوقف نادرة أمين هنا بل تذكر تبعات المرة الأولى للسفر بحرًا، وما تلاه من دوار البحر أثناء الرحلة إلى فرنسا. كما تقول “فإذا رأيت الفلم الناطق الغنائي أنشودة الفؤاد فأذكر حين تراني أن هذه أول مرة في حياتي وقفت فيها أمام الكاميرا. وأول مرة كنت فيها ممثلة إلى جانب ناحية الطرب… وأحسبني قد تجاوزت الخطوة الأولى بنجاح..!”.. وفي كتابه بدايات السينما المصرية 1907 – 1939 يقول الناقد سامي حلمي “أهم ما يلفت نظرنا في تلك التجربة الرائدة هو ظهور جديد لاسم أمبرتو مالافاس درويس، حيث تواجد على تترات الفيلم كواحد من الذين قاموا بصنعه. كان درويس قد تغيب فترة عن الساحة السينمائية، وبالرجوع إلى وثائق إدوارد بهنا وجدنا أنه أشرف فنيًّا على صنع الفيلم بالإضافة إلى إشرافه على مدير التصوير كياريني مع تصوير بعض المشاهد الخارجية داخل أستوديو مصر، وإذا كانت هذه مفاجأة فهناك أخرى بأنه لن يأتي ذكر لأسمه بعد ذلك في أي فيلم أو شريط سينمائي فيما بعد، ويبقى لنا فيلم أنشودة الفؤاد كآخر فيلم شارك في صنعه دوريس”. لقد تم ترميم الفيلم مؤخرًا في باريس بواسطة أبناء إدوارد بهنا، لكن تلك النسخة خلت من أغنية الفيلم الرئيسية. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا وجنى كثيرًا من الأرباح بالرغم من أن الحوار كان بالعربية الفصحى. وقد وضع اسم نادرة أمين بمصاف النجوم بعد شاركت البطولة مع الممثل القدير جورج أبيض. وقد تضمن الفيلم مجموعة من الأغنيات الناجحة أبرزها: “يا بحر النيل يا غالي”، و”أَمُسْعِدي أنتَ في مُرادي”، و”يا أيها البلبل الحنون”. كان لنجاح أنشودة الفؤاد دورًا بارزًا في خطوات نادرة السينمائية فقد شاركت بعده في فيلمين أولهما “شبح الماضي” مع الشقيقين إبراهيم وبدر لاما في عام 1934، و”أنشودة الراديو” أمام بشارة واكيم من إخراج الإيطالي السكندري توليو كباريني في عام 1936.. وعلى أي حالٍ فإن الثابت عن نادرة أمين هو منح الدوريات الفنية لها لقب “أميرة الطرب”، وكان الأديب الكبير عباس محمود العقَّاد من أشد المعجبين بفنها. بالإضافة إلى غناءها للعديد من الملحنين الكبار أمثال فريد غصن، والسنباطي، والقصبجي، وزكريـا أحمد.. وغيرهم. اعتزلت نادرة أمين الغناء في بداية الستينات إثر خلافٍ حدث مع هيئة الإذاعة وقتها. ولم تعد موشحات نادرة وأدوارها تُذاع بالقدر الكافي حتى وفاتها”.
وفاتها..
توفيت “نادرة أمين” في ٢٤ يوليو ١٩٩٠ بعد احتفالها بعيد ميلادها الرابع والثمانين بسبعة أيام، وكانت جنازتها بسيطة جداً ولم يتجاوز المشيعون فيها عدد أصابع اليدين.
https://www.youtube.com/watch?v=eLGmn044W5Q
https://www.youtube.com/watch?v=6uj7O1TC77Y