خاص : عرض – سماح عادل :
رواية (ناتالي والبحث عـن الرقّة)؛ للكاتب الفرنسي “ديفيد فوينيكوس”، ترجمة “راغدة خوري”، إصدار دار دال، سوريا.. تتناول علاقة الحب وعذوبتها، في حكي رقيق وهادئ يغوص داخل النفس الإنسانية.
الشخصيات..
“ناتالي”: البطلة.. فتاة جميلة، تلتقي مصادفة بـ”فرانسوا” حين كانت طالبة في الجامعة، تنشأ بينهما قصة حب ساحرة ويتزوجان، ثم تحدث له فاجعة.
“فرنسوا”: شاب لطيف.. يعمل في مجال البورصة، وهو شاب هادئ وحنون، يحب لعبة “البازل” إلى حد الإدمان، ويلتقي مصادفة بـ”نتالي” ويعيشان معاً سبع سنوات من علاقة حب صافية لا تشوبها أية مشاكل.
“شارل”: مدير “ناتالي”.. أعجب بها منذ أن وقعت عيناه على صورتها في سيرتها الذاتية، يحاول إغوائها طوال سنوات عملها الطويلة، لكنه يفشل بسبب إخلاصها لزوجها، ثم وبعد حادثة موته يفشل بسبب إفتقاده للرقة.
“ماركوس”: شاب من السويد.. يعيش في فرنسا، يعمل في مجموعة عمل تديرها “ناتالي”، تشاء الصدفة أن يدخل معها في قصة حب.
الراوي..
الراوي عليم.. يتحدث إلى القراء، له وجود واضح داخل الرواية، يعلق على الأحداث ويقدم معلومات عامة عن أشياء داخل الرواية، وتشعر وكأنه متواجد مع الأبطال في ركن ما يحكي عنهم بصوت عالي أثناء جريان الأحداث.
السرد..
السرد متميز.. حيث يتمتع بتشويق هادئ، يعتمد بشكل أساس على أحاسيس طريفة تجاه العلاقات والحب والشريك، يتنقل القارئ في الرواية بسهولة وسلاسة ويترك العنان لخياله، الرواية تقع في حوالي 220 صفحة من القطع المتوسط؛ تقسم إلى فصول قصيرة بعناوين طريفة.. وفي نهاية كل فصل معلومة ما عن شيء ذُكر في الرواية يقدمها الكاتب بطرافة؛ كما أنه يضع هوامش يعلق بها على بعض أشياء في الرواية بشكل ساخر.
الحب والصدفة..
منذ البداية تلعب الصدفة دوراً هاماً في الرواية، قابلت “ناتالي”، “فرانسوا”، صدفة؛ حيث تعثرت به في الطريق وفي بضع دقائق استطاع أن يحول ذلك الموقف، الذي يبعث على التوتر، إلى دعوة لإحتساء مشروب مع “ناتالي”، ويفكر في نوعية المشروب الذي ستختاره ويقرر في نفسه أن اختيارها لنوع المشروب هو الذي سيحدد مصيرهما معاً؛ ويفكر أنها لو اختارت عصير غير تقليدي مثل “عصير المشمش” سيتزوجها، وتختار “ناتالي”، “عصير المشمش”، وكأن الصدفة لازالت حاضرة لتجمع بينهما.
يعيشان معاً؛ وتكمل “ناتالي” دراستها ويقرران الزواج ويعيشان علاقة حب صافية دون أية مشاكل تذكر، حتى أنها كانت تخاف من السعادة التي تشعر بها مع “فرانسوا”، وتشعر أن المحيطين بهما يحسدونهما على ذلك الحب الذي لا يتغير ولا ينطفئ، تعمل “ناتالي” بعد الزواج في إحدى الشركات ويقع المدير، “شارل”، في غرامها بسبب جمالها الشديد وتعثر حياته العاطفية مع زوجته، ويحاول لفت إنتباهها لكنها تتجاهله وتركز في عملها.
الفاجعة..
تحدث فاجعة لـ”ناتالي”.. حيث يموت زوجها أثناء ممارسته لرياضة الجري في الشارع، فاجعة غير متوقعة وإن أنبأها حدسها بأن شيئاً سوف يحدث حين ودعها زوجها في أحد أيام الأحد ليذهب للجري، يقدم الكاتب لتلك الحادثة بأسلوب شيق، تنهار “ناتالي” وتعزف عن مواصلة الحياة وتترك العمل وكل شيء حتى تعاطف الناس وتقربهم أصبح مزعجاً بالنسبة لها. وتدخل في السرد شخصية أخرى؛ هي شخصية الفتاة التي داست بسيارتها، “فرانسوا”، كانت تعمل بائعة للزهور وذاهبة لتوصيل إحدى الطلبيات حين ظهر، “فرانسوا”، أمامها بشكل مفاجئ وحدث الأمر في دقائق معدودة، الحزن تمكن من قلب تلك الفتاة وأرادت زيارة زوجة “فرانسوا”، لكنها لم تستطع وإنهارت بعض الوقت، لكنها حاولت إستعادة حياتها.
بعد عدة شهور من الإنهيار التام؛ تقرر “ناتالي” العودة إلى عملها، وتحاول معالجة أحزانها الثقيلة بالتفاني في العمل، ونتيجة لعملها الكثير ترقى في الشركة وتصبح مديرة لمجموعة من الشباب، يحاول “شارل” التقرب منها مرة أخرى معتمداً على كونها عزباء، لكنها تكره إقترابه وتنفر من طريقته في الحديث والتواصل، خاصة حين يتعمد لمس ركبتها أثناء الحديث، وتصارحه بأنه لا يعجبها كرجل، مما يصدمه كثيراً ويبتعد عنها حتى يكاد لا يقابلها أبداً.
قبلة مفاجئة..
تمر الأيام على “ناتالي” متشابهة؛ حتى تنبهها إحدى الفتيات التي تعمل معها إلى أنها تحتاج للحب مرة أخرى ومواصلة حياتها والتخلص من الذكريات التي تعيش فيها، لكنها لا تجرؤ على التعرف على أحد لأن طيف “فرانسوا” يسكنها. وفي أحد الأيام تبدأ الشعور بجسدها كأنثى؛ بعد أن كانت نسيته في أيام طويلة من الحزن، وأثناء إعادة اكتشاف أنوثتها بتأمل نفسها وحركتها يدخل عليها “ماركوس” المكتب طالباً إحدى الملفات فتقترب منه بهدوء وبطء وتقبله قبلة قوية وطويلة ثم تصرفه.
ينزعج “ماركوس” من تلك القبلة التي لامسته على نحو مفاجئ، ولا يفهم سبب حيادها تجاهه بعد تلك القبلة، وهو الشاب الذي يرتدي ملابسه كيفما اتفق ويبدو شاباً عادي الملامح، كما أن له تاريخ من الإخفاقات مع النساء وفقدان الثقة في النفس، يحتار في قبلتها تلك ويحاول التواصل معها، لكنها تعامله بجفاء فيقرر أن يستجمع شجاعته ويقبلها هي أيضاً قبلة قوية كنوع من الانتقام لنفسه، تنبهها قبلته تلك وتجعلها تبدأ الإحساس بالحياة وتوافق على مقابلته على العشاء؛ على وعد أن تكون مرة وحيدة، لكنها تمسك زمام المبادرة وتدعوه أكثر من مرة حين تكتشف أنه لطيف وأنه يضحكها بتعليقاته الغربية وكلماته التي تتسم بعفوية طفولية.
يكتشف الزملاء سريعاً أن هناك شيئاً يحدث بين “ناتالي” و”ماركوس”، وتبدأ الأقاويل وتدخلات الفضوليين ويعرف “شارل” بالأمر ويستغرب تقرب “ناتالي”، شديدة الجمال، من فتى عادي لا يتمتع بالوسامة، ويقابله على العشاء وينهار أمامه بسبب قبول “ناتالي” له كحبيب في حين أنها رفضته بكل سلطته، ثم يقرر نقل “ماركوس” من الشركة، وتواجه “ناتالي” مديرها بعنف حتى أنها تصفعه ويستقيل “ماركوس”.
الرقة بداية للحب..
كان إقتراب “ناتالي” من “ماركوس” محاولة منها لمواصلة الحياة والتعرف من جديد على الحب؛ وكأنها مراهقة تبدأ طريقها منذ البداية، وكأن موت “فرانسوا” أنساها كل ما مرت به وتعلمته وعايشته من حب قوي وصافي، مشاجرتها مع “شارل” أعادتها لحزنها القديم فتركت العمل وذهبت لزيارة “فرانسوا” في قبره ثم هاتفت “ماركوس” ليلحق بها ويذهبان معا في بيت جدتها الذي تربت فيه كطفلة ومراهقة .
جذبتها رقة “ماركوس” ولطفه وعفويته وحتى تردده جعلها تحس به بقوة وتنتهي الرواية على “ناتالي” و”ماركوس” وهما يلعبان في حديقة منزل جدتها لعبة الغميضة وهي تفتح عينيها لتجده أمامها.
الرواية تحكي عن علاقة الحب وكيفية استجابة البشر تجاهها من خلال “ناتالي” و”ماركوس” وحتى “شارل”، يتناول الكاتب الحب من منظور مغاير لما اعتدناه، منظور الرقة والعذوبة والتماهي بين الشريكين، وأن الحب ينشأ عن طريق التوافق في بعض التفاصيل الصغيرة بين الحبيبين وكأنه لعبة سهلة ليست معقدة كما يعتقد الكثيرون.
الكاتب..
“ديفيد فوينيكوس” كاتب فرنسي، من مواليد 1974، يكتب الرواية والسيناريو. ترجم له إلى العربية إضافة إلى هذه الرواية، رواية “الطاقة الإيروسية لزوجتي”. درس الأدب والموسيقى في باريس. احتلت روايته “الرقة” قائمة أفضل المبيعات في فرنسا، وتحولت لاحقاً في ديسمبر 2011 إلى فيلم من بطولة أودري توتو.