7 أبريل، 2024 2:05 م
Search
Close this search box.

نائم في البرلمان !

Facebook
Twitter
LinkedIn

قصّة قصيرة

خاص : بقلم – عدّة بن عطية الحاج (ابن الرّيف) :

أنتخبت نائمًا في البرلمان عن الدّائرة الإنتخابية لمدينة المغفلين، قضيت خمس سنوات وأنا أشخر شخيرًا عميقًا، فزملائي وزميلاتي كانوا يصوّتون على القوانين برفع الأيدي والأرجل، الرجال يرفعون أيديهم والنساء يرفعن أرجلهنّ، أمّا أنا فكنت أصوّت على القوانين التي تُصدرها الحكومة عن طريق الشّخير، قضيت خمس سنوات وأنا في نوم عميق، دخلت البرلمان من باب الصّدفة والظّروف ساعدتني على ذلك؛ حيث كنت أعمل في شركة خاصّة لها خبرة واسعة في صناعة التّبغ بجميع أنواعه (الدّخان والشّمة)، كنت أنا رئيسًا للعمّال ونقابيًّا بإمتياز أدافع عن حقوق العمّال بكلّ جرأة واستطعت أن أكسب ثقة العمّال وهم الذين ساعدوني في الوصول إلى قبّة البرلمان، وكنت أفعل الخير خاصّة أمام النّاس أوزّع قفف “رمضان” على الفقراء والمساكين حتّى أضمن ولاءهم لي، وكلّهم عاهدوني بأنّهم سيصوّتون لصالحي في الإنتخابات البرلمانيّة القادمة، الكلّ كان يعرفني بأننّي أهل لذلك المنصب لأنّني استطعت أن أخدع النّاس بشخصيتي المزيفة، الكلّ صار يُثني عليّ خيرًا ويمدحني ويراني أهلاً لهذا المنصب السّامي، استطعت أن أكوّن شبكة علاقات إجتماعيّة مع أعيان المجتمع من مقاولين ورجال أعمال، الكلّ صار يدعّمني من أجل مصلحته الخاصّة، كانوا يقولون لي بالحرف الواحد: لا تنسانا عندما تُصبح نائمًا في البرلمان، لا تُكثر من الشّخير حتّى لا تغطّ في نوم عميق، فالعهدة البرلمانيّة تمضي بسرعة وعليك أن تدافع عن حقوق المظلومين وتكون صوت المغبونين في ذلك الصّرح البرلمانيّ، لا تكن أنانيًّا تهتّم فقط بمصالحك الشّخصيّة.

من أراد أن يُصبح نائمًا في البرلمان عليه أن يكون انتهازيًّا من الطّراز الرّفيع، يُجيد فنّ الكذب وفنّ التّمثيل على المواطنين السّذّج، وأنا كنت أفعل جميع الحيل من أجل الوصول إلى قبّة البرلمان، كنت أتجوّل من حزب سياسيّ إلى حزب سياسيّ آخر، وهذا من أجل التّرشّح في أيّ قائمة من قوائم الإنتخابات التّشريعيّة حتّى أضمن مقعدًا لكي أنام عليه نومة الفيل في قبّة البرلمان، سأنام خمس سنوات كاملة غير منقوصة لعلّي أحقّق بعض أحلامي التي لم يُحقّقها لي والدي الفقير، عندما أصبح نائمًا في البرلمان سأدخل الجنّة هنا، سأبيت في الفنادق الفخمة وسأتناول كلّ ليلة عشاءً فاخرًا وسأجالس الوزراء والولاّة وستكون لي علاقات عديدة مع المسؤولين أستعملها من أجل الحصول على كلّ مآربي الشّخصيّة المتمثلة في العقارات والأراضي الفلاحية، سأستحوذ على كلّ العقارات والأراضي الفلاحية وأشتريها بالدّينار الرّمزي، بعد خروجي من البرلمان مع انتهاء عهدتي البرلمانيّة، سأتجّه إلى الإستثمار في العقارات والأراضي الفلاحية مع أصدقائي المقاولين والأثرياء الذين كانوا هم السبب في وصولي إلى قبّة البرلمان، لقد دعّموني بمالهم الوسخ، حتّى أضمن لهم المشاريع في دائرتي الإنتخابية، كانوا هم الذين يشترون لي قفف “رمضان” بمالهم القذر حتّى أوزّعها على الفقراء والمساكين، كنت عندما أسلّم قفة لمسكين أو فقير أحلّفه على المصحف وأقول له بالحرف الواحد: “بيني وبينك المصحف، عاهدني بأنّك ستصوّت لصالحي في الإنتخابات البرلمانيّة القادمة”، فيردّ عليّ قائلاً: “أعاهدك على ذلك، سأصوّت أنا وعائلتي لصالحك في الإنتخابات البرلمانية القادمة”، هكذا استطعت أن أخدع المغفلين وأشتري أصواتهم بمال ليس مالي، كنت أعهدهم وعودًا كاذبة وأذرّ الرّماد على أعينهم وأبيع لهم الوهم والسّراب، وكنت أكذب عليهم كذبة تارة بيضاء وتارة سوداء وهذا حتّى أصل إلى هدفي المنشود وهو النّوم في البرلمان لمدّة خمس سنوات.

بعد وصولي إلى قبّة البرلمان وأصبحت نائمًا في البرلمان قمت بإغلاق صفحتي الخاصّة على الفايسبوك وغيّرت رقم هاتفي الشّخصيّ وغيّرت مكان إقامتي وهذا حتّى لا يتصلّ بي السّذّج لكي أقوم بخدمتهم، أنا أريد قضاء مآربي ومصالحي الشّخصيّة،أمّا مواطنو مدينة المغفلين فليذهبوا إلى الجحيم، لقد خدعتهم ومكرت بهم مكرًا كبّارا واستحوذت على أصواتهم بكلّ وسائلي وطرقي الشّيطانيّة، كانوا يرونني حملاً وديعًا لأنّني أجيد فنّ التّصنّع أتظاهر بطيبة القلب وأظهر بشاشة الوجه كنت أخطّط لهذا المنصب منذ سنوات عديدة، تارة عن طريق النّقابة أتاجر في العمّال المقهورين حتّى أضمن أصواتهم أدّعي بأنّني أدافع عنهم وأنا في الواقع لا أدافع إلاّ على مصالحي الشّخصيّة واستطعت أن أكسب أصواتهم بكلّ مكر وخديعة وها أنا الآن أنام في البرلمان ملء جفوني لمدّة خمس سنوات، لي مرتب سخيّ وسيارة فارهة وسأشيّد عمارة فاخرة قريبة من شاطيء البحر أتنسم فيها الهواء العليل مع أفراد أسرتي، لقد حقّقت أحلامي كلّها، اعتمرت مرّات عديدة وذهبت إلى باريس وواشنطن بجواز سفري الدّبلوماسي، وسأخرج من البرلمان بتقاعد مريح، يا لها من فرصة ذهبيّة لا تعوّض بثمن، وكما قيل: الدّنيا فرص والذّكي من يغتنمها، أصبحت نائمًا في البرلمان من باب الصّدفة فقط، ولعب الحظّ دوره الغبيّ، صار النّاس يغتابونني في مجالسهم الخاصّة، ويقولون عنّي: فلان غيّره المنصب، صار لا ينقل إنشغالنا إلى قبّة البرلمان حتّى المداومة أغلقها وصار لا يأتي إليها إلاّ نادرًا، صرنا نراه في ولائم الأعيان فقط يحضر أفراحهم وأتراحهم ويأخذونه إلى مطاعم الشّواء ليأكل ما لذّ وطاب، ويذهبون به إلى البارات ليسكر ويعربد وهناك يطلبون منه ما يُريدون من مصالح وفوائد وهذا هو ديدنهم منذ أمد بعيد.

صرت من أصحاب الكوستيمات، كلّ يوم أغيّر بدلتي الرّسميّة مع ربطة عنق جديدة، صار يُشار إليّ بالبنان، كلّ المسؤولين صاروا يتودّدون إليّ ويكسبون رضايا وأنا صرت لا أغشى إلاّ مجالس الوجهاء والمسؤولين وعلية القوم ونسيت الطّبقة الكادحة التي انتخبتني ووضعت ثقتها في، صرت لا أفكّر إلاّ في نفسي ولا يهمني الآخر الذي يُعاني في صمت رهيب، المهم أنّني حقّقت أحلامي التي نافقت النّاس من أجلها، سعيت بكلّ الوسائل المشروعة والغير المشروعة من أجل تحقيق هدفي في هذه الحياة، وهو أن أصبح نائمًا في البرلمان لمدّة خمس سنوات أكثر من الشّخير والغطيط، البرلمانيون يصوّتون على القوانين وعلى المشاريع وأنا أشخر شخير أهل الكهف، حتّى مداخلاتي في التلفزيون كانت عبارة عن معزوفة شخير مطعّمة بتوابل من التّثاؤب والجشاء، هكذا قضيت عهدتي البرلمانيّة في الشّخير والغطيط وخرجت من البرلمان من الباب الضّيّق، لم يُجدّد أهل مدينة المغفلين ثقتهم في، وانتخبوا شخصًا آخر يُجيد فنّ التّمثيل وفنّ التّصنّع أحسن منّي، وعدت إلى منصبي الأصليّ وصار العمّال يسبّونني ويشتمونني لأنّني أخلفت العهود التي أبرمتها معهم، قالوا لي: لقد خدعتنا يا أيّها الخبيث، فدوام الحال من المحال ولكلّ بداية نهاية، ها قد عدت إلينا خالي الوفاض، فرددت عليهم ساخرًا: لقد ضمنت تقاعدًا مريحًا لا يهمّني نباحكم، فكما يقول المثل الفرنسي: “القافلة تسير والكلاب تنبح”، وكما تقول الحكمة السّائرة: “لا يضرّ السّحاب نباح الكلاب”، فأهل مدينة المغفلين صاروا يلعنونني في كلّ لحظة وحين كأنّني شيطان رجيم، بل صاروا كلّما رأوني يبصقون في وجهي ولكنّني لا أبالي بهم، لقد خرجت من البرلمان مكدّسًا بالأموال التي جنيتها بالطّرق الملتويّة، وسأعيش ما تبقى من حياتي معزّزًا مكرّمًا إلى أن يحين أجلي وأترك ما كسبت لأسرتي بعد موتي لتنعم به.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب