19 سبتمبر، 2024 4:03 ص
Search
Close this search box.

مي منسى.. كتبت عن المآسي وضحايا الصراعات بحثا عن السلام

مي منسى.. كتبت عن المآسي وضحايا الصراعات بحثا عن السلام

خاص: إعداد- سماح عادل

“مي منسي” صحفية، وكاتِبة، وروائية، ومترجمة، وناقدة فنية، ورئيسة تحرير لبنانية، ولدت في بيروت عام 1939، حصلت علی دبلوم دراسات عليا في الأدب الفرنسي، بدأت مشوارها المهني في الصحافة منذ عام 1959 في تلفزيون لبنان، مذيعة ومعدّة برنامجين: “نساء اليوم” و”جرف على طريق الزوال”. التحقت في سنة 1969 بجريدة “النهار”، کناقدة في شؤون الأدب والمسرح والموسيقى. وكانت هي رئيسة تحرير مجلة “جمالك” الشهرية التي تصدر في بيروت منذ عام 1986.

عشت تراجيديا..

في حوار أجرته معها “كابي لطيف” تقول “مي منسى” عن مسيرتها في عالم الأدب والصحافة: “اخترت أن أعيش مع وحدي لا وحدي من هنا استطعت أن أكتب، رأيت في الكتابة وحدتي فالوحدة هي الكتابة والكلمة هي التي تخلق الوحدة. تراجيديتنا ومأساتنا هي التي تخلق العطش الدائم للعطاء. حملت إرث الثقافة منذ صغري، هو تراث وإرث كبير حملته باكرا، وهو يعمل على تشغيل الضمير ولكنه لا يضمن لنا السعادة. عشت تراجيديا في منزلي، ولم أنجح في الزواج ولكن ربما نجحت في أمومتي”.

وعن الكتابة وأسرارها تواصل “مي منسى”: ” العنوان بالنسبة لي هو الباب وهو النافذة، لا يمكن أن أضعه أول شيء في الكتابة، كأنني موجودة في كل كتاب كتبته ولكن باسم متغير وبفستان مختلف. أكتب الآن قصة اسمها ” قتلت أمي لأحيا”، أمي تعيش معي دائما وربما الأرواح تعيش مع من يحبونهم. أمي كانت كبيرة في حياتي أرادت أن نكون مثقفين ومتعلمين، أمي ثقافتها وقفت عند جبران خليل جبران، وأبي كانت ثقافته عالمية أكثر.. رفضوا كتابي في فرنسا لأنهم وجدوا فيه عواطف كثيرة، أعيش في الشرق وتحت الشمس لا أستطيع إلا أن أكتب عن المهجرين الذين جاءوا من حلب على حدودنا وأنا أرى الأطفال جائعين حفاة يمشون على الثلج، لا أستطيع أن أكتب باستخفاف وأن أكون عارية من المشاعر عندما أكتب. رواية “تماثيل مصدعة” قصة حقيقية لرجل في الخمسين من عمره من وقائع الحياة والطريقة والأسلوب والصياغة العميقة التي أخذتها من المسرح والموسيقى، خلقت بيني وبين الآخرين علاقة متينة جدا، احترامهم لي هو قصة حب بيني وبين الشعب اللبناني هذا الشعب الذي يلحقني ليطلب ماذا سأكتب غدا في مقالي. لا ارتبط بعلاقات مع السياسيين علاقتي هي فقط مع المبدعين، ثلاثة أشياء لا أتوقف عندها “أن أحلم وانتظر وأتأمل”، أعيش يومي وغدا ليس لي، لا أحلم لأني أخاف من الخيبة والانتظار”.

الكتابة بوح..

وفي حوار ثان أجرته “آمنة منصور” تقول “مي منسي” عن الكتابة: “الكتابة تعني أن أنفرد في عالمها وأسمع صوتها يكلّمني ويحضّني على هذا التبادل الشيّق معها. الكتابة تغدو بوحاً، صمتاً، صراخاً من الأعماق، لا يَسمع دويّه سوى الورقة. هنا في عزلتي مع الورقة أتيه في الوقت، أضيع بين ثوانيه، أَمضي في الذاكرة إلى أمور نسيتُها فعادت تتفتح كحديقة بعدما تلقت من القلم ريّاً. فمَن يكتب يعتريه شعور بامتلاكه سرّ الزمن، برمشة حبرٍ نحييه وبممحاةٍ نغيّر معالمه. فإذا كنا بالصحافة ننقل الحدث، فإن في الكتابة الشخصية ابتكاراً وإبداعاً. الموسيقي يؤلّف سمفونية من عدة آلات، يراهن على دقة السمع في تأليفه عملاً بارعاً بتناغماته وهارمونيته، له حدود ليس بإمكانه تجاوزها، أما الكاتب فيراهن على حواسه كلها، بوحيٍ لا حدود له، وكلماته ترشّ على الورقة روائح البريّة، وطعم السكر والمر، وصوت ناي عند الفجر. أجل! الكتابة هي كل ذلك، مجلوة من تعب الحياة وضجرها، أكتب لأحيا”.

وحول كتابة سيرتها الذاتية توضح : “السيرة الذاتية تليق بإنسان صَنع للإنسانية أعمالاً باهرة، من اكتشافات واختراعات وأفكار فلسفية غيّرت مجرى الكون. أنا لم أقدم على هذا الترقّي من المواهب لتكون لي سيرة تخلّدني. موهبة الكتابة جعلت مني راوية، في حبري مأساة الإنسان والحروب المدمّرة والمنافي والهجرة والعزلة والموت. هذه هي المواضيع التي جعلتُ منها سيرة حياة. المرأة القابعة فيّ، تغدو من رواية إلى أخرى كل النساء. وحين أتكلّم عن أمي وأوجاعها فكأنني أكتب عن وجع كل الأمهات. أنا لم أخسر ذاتي في رواياتي، بل أردتُ في فعل الكتابة المقدّس أن أدعو إلى ورقتي الإنسانية المعذّبة وأجعلها تصرخ عالياً أوجاعها وتشي على الظلم والإرهاب والقتل”.

من المآسي أكتب..

وعن كتابة الرواية تضيف”لكل عمل روائي نقطة انطلاق، وُلدت من حدث مهمّ دوّى صوته في وجداني. صورة الولد الذي ملأ شاشة التلفزيون فيما كنت أتابع بألم نزوح السوريين عبر الحدود اللبنانية، كان موضوع روايتي التي ستصدر بعد أيام في معرض الكتاب الفرنسي. نظرات هذا الطفل محدّقاً فيّ، تلقيتُها رسالة عاجلة منه إلى قلمي. منذ تلك اللحظة بدأتُ أرسم له إطاراً لحياته ودروب تيه وضياع لقدميه المتعثّرتين في أشواك الوجود، أبحث له عن اسم، عن أم وعائلة. هذا الولد من بين مئات الآلاف من المشرّدين في هذه الحرب القذرة، صار قضيّتي تحت عنوان كبير «ما اسمي». هنا ينجح النفَس الروائي في جذب القارئ إلى قصته أو يفشل حين تأتي الكتابة فاترة، لا تبلّل الورقة بالدموع والحسرة. فالقلم الجاف لا يوصل رسالته إلى أحاسيس القارئ ولا يحضّه على الوقوف في وجه الظلم. فالكلمة هنا سلاح ذو حدين، موجع يغرس في الصميم، أو مُسالِمٌ يدعو إلى المحبة والأخوّة والسلام.. الكتابة الروائية ليست شعراً وقوافي يحلّق بها الخيال إلى عوالم ميتافيزيقية غير ملموسة. من مآسي الأرض أكتب، لأبقى شاهدة على ما يجري. أنا ابنة الأرض ولا أعلو عنها. فرسالتي الأدبية باتت معروفة، أكتب ليبقى ضميري جاهزاً لقول الحق، ولو أن الكتابة لا تشفي ألماً ولا توقف حرباً ولا تصدّ إرهاباً. الكتابة تصرخ هولاً أمام هدر الدماء من عنقِ بريءٍ مذبوحٍ بسكينِ قاتلٍ لا يعرف من الله سوى اسمه. الكتابة تتألّم مع المتألّمين ولا تشفي جراحاً. لذا أحملها معي كرئتي التي أتنفّس بها وقلبي الذي يقرع فرحاً في الأعراس وحزناً في الموت”.

ماكنة الخياطة..

في حوارها مع «بيان الكتب» تقول “مي منَسى” عن روايتها “ماكنة الخياطة”: “عادة ما أنطلق من كل رواياتي من حدث وقع، مثل حدث الحرب، الأخ، الأم، العائلة، والسجون الإسرائيلية، ومن كل هذا يجب أن تكون في يدي العجينة، وفي «ماكنة الخياطة» تحية لوالدتي التي توفيت في دير الراهبات، بعيداً عن منزلها، والقصف كان على بيتها الذي تركته مع أغراضها.. وكان همها بعيداً عن الحرب، أن تسألني ما الذي فعلته بماكينة الخياطة التي كانت تخيط ملابسنا عليها، وتوفيت والدتي وما عرفت الذي حدث بماكينة الخياطة، وهذه الرواية أخذت مني الكثير من الانفعالات والآلام”.

وعن الأحداث الدرامية التي يمر بها العالم العربي وإلى أي مدى شكلت هاجسها في الكتابة تقول: “أصبحت إنسانة سوداء.. حبري أسود، تعلمت أن الحياة هي هكذا، الحروب إن لم تكن عندنا هي في سوريا، والآن بعد أن أعطيت روايتي الجديدة لدار الساقي، بدأت أكتب بالفرنسية عن مأساة سوريا”.

وعن السلام في كتاباتها توضح: “أنا على خطى السيد المسيح، أتأمل وأصلي. فأشعر بسلام داخلي.. لا أحب العذاب الجسماني، أمشي على خطاه في المحبة التي أعطتني هذا الدفء، منذ 44 سنة وأنا أعمل في جريدة النهار اللبنانية. وسألوني لماذا الناس يحبونك إلى هذه الدرجة، وطالما أقول لأني أحببتهم.. هذه هي سيرتي التي أخذتها من المسيح، ومن دانتي الرجل المسالم”.

أعمالها:

  • أوراق من دفاتر شجرة رمان: رواية، 1998.
  • المشهد الأخير: رواية، 2003.
  • أنتعل الغبار وأمشي: رواية، 2006؛ دخلت في القائمة النهائية “القصيرة” للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2008, المعروفة بجائزة “بوكر”.
  • الساعة الرملية: رواية، 2008.
  • حين يشق الفجر قميصه: رواية، 2009.
  • تماثيل مصدعة: رواية، 2013.
  • ماكنة الخياطة: رواية، 2012.

وفاتها..

توفيت “مي منسي” يوم 19 يناير عام 2019 في عمر 80 عاما .

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة