خاص: إعداد- سماح عادل
“مولود فرعون” كاتب جزائري يكتب باللغة الفرنسية، ولد في 8 مارس 1913 في “تيزي هيبل” من عائلة فقيرة، التحق بالمدرسة الابتدائية في “تيزي وزو” الحوقرية تاوريرت موسى المجاورة، فكان يقطع مسافة طويلة إلى مدرسته ، ثم التحق بالثانوية ب”تيزي وزو” ثم في مدرسة المعلمين ب”بوزريعة” بالجزائر العاصمة.
حياته..
تخرج “مولود فرعون” من مدرسة المعلمين وعمل بعد تخرجه بالتعليم، حيث عاد إلى قريته “تيزي هيبل” وعين فيها مدرسا سنة 1935، وفي سنة 1957 التحق بالجزائر العاصمة مديراً لمدرسة (نادور) كما عين في 1960 مفتشاً لمراكز اجتماعية كان قد أسسها أحد الفرنسيين في 1955، وهي الوظيفة الأخيرة التي اشتغل فيها قبل أن يسقط برصاص الاستعمار في 15 مارس 1962، حيث كان في مقر عمله، وكانت هذه الفترة حين أصبحت عصابة منظمة الجيش السري الفرنسية المعروفة ب (أويس) تمارس جرائم الاختطاف والقتل، حيث اقتحمت مجموعة منها المكان على “مولود فرعون” وبعض زملائه في مقر عملهم.
نجل الفقير..
في حوار نادر معه أجراه معه الصّحافي الفرنسي “موريس مونواييه” بتاريخ 27 فبراير 1953، و نُشر في صحيفة “L’Effort algérien” التي كان “موريس مونواييه” يرأس تحريرها، ترجمة الكاتب “بوداود عميّر” يقول “مولود فرعون” عن روايته الأولى: “كتبت “نجل الفقير”(صدرت عام 1950) أثناء سنين الحرب الغامقة، وعلى ضوء مصباح تقليدي، وقد سخّرت كل ما أملك لانجاز هذا العمل”.
وعن كونها سيرة ذاتية يواصل: “نعم.. أنا مرتبط جدا بهذا الكتاب. وقت كتابته لم أكن لأشعر بحاجتي للأكل، إلاّ عندما كنت أشعر فعلا بالجوع، وسرعان ما دفع بي الأمر إلى أن أضع الثقة الكاملة في إمكانياتي. النجاح الذي حققه حفزني على تأليف كتب أخرى”.
وعن عمل والده يقول “مولود فرعون”: “خلال الفترة التي ولدت فيها، كان فلاحًا. لكن منذ 1910 اضطر لمغادرة أرضه الأصلية سعيا للرّزق في مكان آخر. خلال تلك الفترة لم يكن الأمازيغ يذهبون إلى فرنسا بعد، كانوا يفضّلون الجهة القسنطينية (شرقي الجزائر)، بعد ذلك انتقل إلى العمل في مناجم الشمال، وبالتحديد مدينة لينس، ثم تنقل إلى المنطقة الباريسية، كان يشتغل في مصانع صهر الحديد بأوبرفيليي عندما وقع له حادث. يمكن القول أن أبي تعب كثيرا لضمان رزق أبنائه. خمسة أبناء. شقيقي الأصغر هو أيضا معلم”.
الأرض والدم..
وعن روايته “الأرض والدم” يقول “مولود فرعون”: “سبق أن قلت لك أن نجاح عملي الأول شجّعني على كتابة عدد من الأعمال الأخرى، يجب إضافة التّالي: جاءتني فكرة أن بإمكاني ترجمة الرّوح الأمازيغية، أن أكون شاهدا، أنا من أصول قبائلية قحّة، من المفيد الإشارة إلى أن القبائل لا يختلفون عن الآخرين، كما ترى، أنني في أفضل موقع لأقول هذا، يمكنك أن تسجل أنه عندما اتخذت قراري هناك شخص “أنغصني” كثيرا، إنه صديقي “إيمانويل روبلس” الذي أعرفه منذ 20 سنة. ففي كل مرة يسألني: أين وصلت؟ عمل مرهق، أنا أترقب روايتك.. لقد جاء يلحّ في طلبي أكثر من مرة بتاوريرت، كنا نقوم بنزهات على متن سيارته في كل مرة لنقل أن الصداقة بالنسبة إليه ليست عبثا”.
وعن موضوع رواية “الأرض و الدّم” يوضح: “كنت أتصوّر أن هجرة الأمازيغ يمكنها أن تمنحنا مادة لعمل أو عدة أعمال مهمة جدا، لقد ميّزت بين مرحلتين اثنتين: من 1910 إلى 1930، ومن 1930 إلى السنوات التي نعيشها الآن. تهتم رواية “الأرض والدم” بالفترة الأولى، أما المرحلة الثانية سأكتب عنها رواية أخرى. (ولماذا فترتين؟) في رأيي ثمة فرق كبير بين المرحلتين: عقلية أمازيغ اليوم الذين يتوجّهون إلى فرنسا ليست هي نفس عقلية الأمازيغ الذين فتحوا لهم الطريق. أمازيغ سنة 1953 أفضل تسلحا من سابقيهم، ذلك لأنهم يستطيعون بسهولة التّكيّف مع نمط معيشة “المتروبول”(فرنسا). بالمقابل يبدو قدماء الأمازيغ أكثر ارتباطا بقُراهم، بأرضهم، بالجدران القبائلية. كانوا يسرعون في العودة إلى قراهم بشيء مما اقتصدوه هناك، وذلك لتحسين وضعيتهم في القرية وهو أمر لا يحدث بالضرورة اليوم”.
وعن تيمة الرواية يقول: “رواية “الأرض و الدّم” تحكي قصة عامر، طفل عمره أربعة عشر عاما، أُرسل إلى باريس مع جيران له، حدث ذلك قبل الحرب العالمية الأولى، في البداية كان طباخا في تجمع سكني صغير بقريته، وسرعان ما انتقل هذا الشاب القبائلي للعمل في المنجم مثل رفاقه، في أحد الأيام قتل خطأ مواطنا له، ولأنه لم يتجرّأ الدّخول إلى منطقة القبائل (خشية أن يتعرض لانتقام عائلة المتوفي) قرّر العيش في فرنسا، مرّت خمس عشرة سنة على ذلك، وسرعان ما طغى نداء الأرض والرغبة في العيش ببساطة على الحذر الذي كان يلتزمه، وهكذا دخل إلى قريته مرفوقا بزوجته ماري وهي امرأة باريسية أنغصتها الحياة هناك، سنتان بعد ذلك حدثت المأساة”.
وعن الكتابة يقول: “أكرّس يومي كله لمهامي المهنية، أكتب كتبي ليلا أو خلال العطلة، أسوّد أوراقي تقريبا كل يوم بين ثلاث إلى أربع صفحات، إلا عندما يتمنّع عني إلهام الكتابة في هذه الحالة لا ألحّ.. أبدأ بإعداد مسوّدة ضخمة من الكتاب، أمرّر سردي وأنا أكتب. باختصار، أنا أعرف أين أذهب، ولكن مع مرّ الكتابة تأتي مشاهد وأوضاع لم أكن أضعها في حسباني”.
الكاتب الملتزم..
يحكي “جوزي لينزيني” صاحب كتاب “مولود فرعون الكاتب الملتزم”، خلال لقاء منظم من المعهد الفرنسي ب”قسنطينة” حول حياة الكاتب، بأن عائلة مولود فرعون تسلمت إعانة من الجزائر المستقلة سنة 1963 بقيمة مالية معتبرة، في إطار التعويضات المسلمة لعائلات المعلمين الجزائريين المغتالين من طرف الاستعمار الفرنسي خلال ثورة التحرير، كما أرسلت الجريدة الإيطالية “إلجورنو” إعانة مالية للأسرة، تعبيرا عن تضامنها معها بقيمة 6500 فرنك فرنسي. لكن العائلة رفضت إعانة واحدة، حسب ما ذكره “لينزيني”، حيث جاء بها شخص في بداية سنة 1963، وتوجه إلى قرية “تيزي هيبل”، مسقط رأس الكاتب، بحثا عن زوجته، لكنهم أخبروه بأنها لم تعد تقطن بالقرية، “فذهب إلى بيت الأسرة وطرق الباب وعندما فتحت له قريبة الكاتب، أخبرها بأنه يحمل إعانة مالية للعائلة بقيمة 650 ألف فرنك موجهة لهم من صندوق التضامن للمنظمة السرية المسلحة “أواس”، فأغلقت الباب في وجهه مباشرة”.
ويضيف “جوزي لينزيني” بأن مولود فرعون استُقبل في قصر الإيليزي عندما سافر إلى باريس في سنة 1960، حيث عرض عليه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، منصب سفير فرنسا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقول “جوزي لينزيني”: “إنه من المعلوم بأنها أهم سفارة بالنسبة لفرنسا، وقد أخبرني ابنه علي فرعون، بأن ديغول أراد من خلال هذه المناورة أن يُظهر للأمريكيين بأن فرنسا تقود حربا ضد الثوار الجزائريين فقط، لكن ما يزال في البلد مثقفون يكنون لها الولاء”.
وقد رفض “مولود فرعون” المقترح، كما يبين “لينزيني”، وعاد إلى الجزائر، وكتب رواية جزائرية حول قصة حب بين معلم جزائري من القبائل وفرنسية اسمها “فرانسواز” لكن هذا الحب لا يكتمل، في دلالة على فرنسا والجزائر واستحالة انصهارهما معا في بوتقة واحدة، لكنه عندما أرسلها إلى دار “لوسوي” للنشر، تم رفضها واقترح مديرها عليه أن يحول شخصية الفرنسية “فرانسواز” إلى أميرة قبائلية، لذلك قام الكاتب الجزائري بتأليف نسخة ثانية. وقد تلقى مولود فرعون عدة رسائل تهديد خلال الثورة الجزائرية من طرف “منظمة المقاومة للجزائر الفرنسية” بسبب نضاله المساند للثورة الجزائرية.
ويشير “جوزي لينزيني” إلى أن “مولود فرعون” عُين في سنة 1958 مفتشا على المراكز التعليمية الاجتماعية، وقد آخذ على “ألبير كامي” عدم اتخاذه موقفا واضحا من الثورة الجزائرية في العديد من الرسائل، وفي 15 مارس من سنة 1962 كان من المرتقب أن يُعقد اجتماع بين مفتشي المراكز التعليمية الاجتماعية، التي كانت ترى فيها “الأواس” تهديدا، حيث دخلت مجموعة تابعة للمنظمة السرية المسلحة إلى قاعة الاجتماع في المركز وتم إخراج المفتشين الستة إلى الخارج وإطلاق النار عليهم وكان بينهم “مولود فرعون”.. وفي سنة 1939، شرع “مولود فرعون” في كتابة السيرة الروائية “ابن الفقير”، وتقدم بها إلى مسابقة الجائزة الكبرى للأدب في الجزائر، وقد كانت أكبر مسابقة أدبية في الجزائر وتمنح من طرف الاستعماريين في الجزائر، حيث أُعجبت بها لجنة التحكيم لكنها رفضت منح صاحبها اللقب بسبب اسمه العربي “مولود”، وقدمت له منحة تعويضية بقيمة خمسة آلاف فرنك فرنسي لم يستلمها أبدا.
سرقة أدبية..
ويذكر “علي ابن مولود فرعون” في نفس اللقاء بأن الكاتب الفرنسي “إيمانويل روبليس”، قام بـ”سرقة” رواية والده التي تروي قصة الحب بين جزائري وفرنسية وطُلب منه تغييرها، حيث أخبر “روبليس” “مولود فرعون” عندما أرسلها إليه لنشرها، بأنها مجرد قصة قصيرة وليست رواية، ويجب أن يُدرج عليها بعض التعديلات، وعندما نشر أربعة فصول من هذه الرواية المعنونة ب “مدينة الزهور”، قام بعد سنوات بكتابة رواية بعنوان “فيزوف” تضم قصة مطابقة لرواية “مولود فرعون”، التي تعتبر من أهم الكتب التي ألفها والده ولا يمكن دراسة أعماله دون المرور بها..
ويؤكد أيضا بأن والده لم يكن يوما صديقا ل”ألبير كامي”، لأن “مولود فرعون” كان دائما يرى بأن الجزائر يجب أن تتوجه إلى الاستقلال على عكس صاحب رواية الغريب، كما لم يكن صديقا ل”إيمانويل روبليس” أيضا، لكنه شدد على أن والده لم يساند الثورة متأخرا كما لم يكن من دعاة الإدماج أبدا، بل كان مع الثورة الجزائرية ومساندا لاستقلال الجزائر إلى آخر يوم في حياته، “على عكس ما يروج له و ما جاء في بعض الدراسات الجامعية غير الشاملة”، مستدلا على كلامه بالمقالات التي كتبها “مولود فرعون”.
قالوا عنه..
يقول الكاتب الصحفي “نجيب سطمبولي”: “إن كل كاتب جزائري قرأ ل”مولود فرعون” وتأثر بكتاباته ولو بدرجات مختلفة، أن هذا التأثير له جانبان الأول مباشر من خلال مؤلفات الكاتب، والثاني من خلال مساره ونهايته الحزينة. إن فرعون وصف المجتمع الجزائري وبالأخص القبائلي في الفترة التي عاشها، بدقة ووضوح وموهبة تتعدى الحدود الظرفية ولكن أعماله ليست راهنة بالعمل الدقيق للكلمة، في حين تُقرأ بأريحية واستمتاع اليوم مثلما كان عليه الأمر في السابق”.
والكاتب “فيصل الأحمر” يقول: “أن مولود فرعون ينتمي إلى هذه الزمرة النادرة من الأدباء الذين يصمدون جيدا ضد أمواج التغير والتبدل التي تهجم على الوقت فتحول كل شيء ليصبح الماضي غريبا عنا نكاد لا نعرفه إلا لماما. لن أجانب الحق إن قلت إنه أكثر الكتاب الجزائريين المفرنسين تأثيرا على قلمي، علمني حب الجزائر دون شروط، علمني التأني أثناء الكتابة والتواضع والتنبه إلى أن الأنة الصغيرة التي لا تلقي لها بالا اليوم تنام وتستيقظ فتجدها قد صارت كالشمس.. إن «ابن الفقير» و«يومياته» وكذلك «رسائله» كانت من الكتب الأثيرة بالنسبة لي طيلة السنوات المفصلية في حياة الكتاب، بين العشرين والثلاثين. إن فرعون كاتب مدقق يصقل أعماله كما يفعل عمال الجواهر على تحفهم. وتلك طبيعة عمل فرعون وهو يكتب «ابن الفقير» و«الدروب الوعرة» و«الأرض والدم» أو وهو يجمع ويترجم أشعار سي محند”.