6 أبريل، 2024 9:33 م
Search
Close this search box.

موسى ولد ابنو.. اختيرت روايته ضمن أهم مائة رواية عربية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“موسى ولد ابنو” كاتب وسياسي موريتاني، شغل عدة مناصب مهمة، حيث عمل لفترة مستشارا للرئيس السابق “معاوية ولد سيدي أحمد الطايع”.

حياته..

ولد في 1956, في “بوتلميت”، تخرج من معهد الصحافة بباريس وحصل على إجازته ثم حصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون في فرنسا. تولى مسؤوليات قيادية بميدان الصحافة العربية والفرنسية وبالنشر. عمل أستاذًا للفلسفة بجامعة نواكشوط، وعمل لفترة مستشارًا للرئيس الموريتاني السابق “معاوية ولد سيدي أحمد الطايع”.

الكتابة..

يعد من أبرز كتاب الرواية المغاربية المعاصرة، حيث يتميز عالمه الروائي بالكثير من الغرائبية والعمق، كما يتميز بانفتاحه على فضاءات متعددة في مجال السرد وهو ما صعب تصنيف رواياته نظرا لغياب سمات واضحة لها. توظف رواياته الخيال العلمي والفلسفة والأدب وغيره مما ينم نظرة ثاقبة ومشروع فكري كبير. نشر روايتي “الحب المستحيل” و”حج الفجار” باللغتين العربية والفرنسية. وقد اختار اتحاد الكتاب العرب رواية “مدينة الرياح” ل”موسى ولد ابنو” ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية صدرت في القرن العشرين.

أعماله الروائية..

  • “مدينة الرياح”، 1996
  • “الحب المستحيل”، 1999
  • “حج الفجار”، 2005

أعمال أخرى:

  • “مدونة الثقافة الشعبية الموريتانية”، 1995
  • “الوسيط في الأدب الموريتاني الحديث”، 1997

مدينة الرياح..

وتدور الرواية حول رحلة شخص وقع في أسر العبودية طفلا، فكره الظلم الإنساني، ثم كره الجنس البشرى نفسه، وقد استطاع الكاتب أن يبنى روايته ببراعة لتعبر بنائيا عن فكرته الأساسية، فقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هى “برج السوداء”، و”برج البيضاء”، و”برج التبانة”، وهذا التقسيم مواز لرحلة بطل الرواية في الزمان، فالقسم الأول يعبر عن العصور المظلمة، عصور استعباد الإنسان الصريح لأخيه الإنسان، والقسم الثاني عن عصر النهضة الأوروبية حيث استطاع الإنسان الأبيض تطوير إمكاناته ليسيطر على بقية الجنس البشرى، والقسم الأخير يشير إلى مستقبل البشرية حيث يتنبأ الكاتب بأن تصبح الأرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية.

الباحث عن الأشباح..

في مقالة له بعنوان (قصتي مع الأسماء) يقول “موسى ولد أبنو”: ” من الغريب أن المزج بين المعاني لتشكيل اسم العلم صار منهجي في وضع أسماء أبطال رواياتي. هكذا فإني، ومن خلال اسم واحد من بين أسماء أبطال رواية مدينة الرياح، ڤُوسْتْبَاسْتَر (Ghostbuster) الذي نُحت ليتناغم مع اسم أوْدَاغڤُوسْتْ، تجاوزت اللغات لأصِل إلى صميم دور هذا الشخص في النص. فتصير كلمة ” ڤُوسْتْبَاسْتَر” في الرواية اسما لرئيس البعثة الأثرية التي تبحث عن أَوْدَاڤُوسْتْ، مدينة القوافل المفقودة التي طمرتها الرمال ولم يعد أحد يعرف مكانها. فتشكلت كلمتان- تبعا لإيقاعهما الموسيقي وتناغمهما مع كلمة “أوْدَاغڤُوسْتْ”-Ghost  ڤُوسْت “شبح” بالانجليزية، وBuster (باسْتَر) “باحث”. فجاءت كلمة “Gostbuster” إسما للباحث الأثري في الرواية، الذي يعني اسمه بالإنجليزية الباحث عن الأشباح…

لكن الحدث الملهِم الذي انطلق منه الحكي، في مدينة الرياح، كان اكتشاف اسم ڨارَا. كانت الفكرة التي سبقت اكتشاف اسم بطل الرواية وكتابتها تتصور عملا روائيا يكون لوحة سيسيوتاريخية للمجتمع الموريتاني. هكذا فرضت الفترة المرابطية نفسها كبداية، لأنها المرحلة المؤسسة لتاريخ هذا البلد. في تلك الفترة كان صنهاجة البيض يقطنون شمال وغرب موريتانيا، بينما كان ﮔﻧﮕار َ السود يسكنون الجنوب والجنوب الشرقي؛ فيكون إذن المجتمع الصنهاجي-ااﮕﻧﮕارِي هو مجتمع الرواية. ومن ثم جاء دور موسيقى التيدنيت التي أنتجها هذا المجتمع وثلاثيتها التي طبعت ثقافة البيظان والتي شكلت ثلاثية النص. وخلال بحثي عن أسماء شخوص هذه الفترة التي سترد في الحكي، اكتشفت أن الاسم الحقيقي لعبد الله بن ياسين، داعية المرابطين، هو سيدي عبد الله مُولْ ڨارَا، ووجدت أن “ڨارَا” اسم يعبر بجلاء عن تلك المرحلة من تاريخ هذا البلد، ببعديها الصنهاجي وااﮕﻧﮕارِي. ف”ڨارَ” كلمة تحمل رنينا سودانيا ﮔﻧﮕاريا، وهي في نفس الوقت كلمة عربية- بيظانية.

فكلمة “ڨارَ” تعني في الجغرافيا البيظانية “الجُبيل المستدق، المنفرد، الأسود، شبه الأكمة، مَلْمَلَهُ الحَتُّ، فبقي شاهدا على طبيعة عبثت بها عوامل التعرية”. أخذ بطل الرواية اسمه ولونه الأسود من هذا المعنى، كما أخذ منه وظيفته كشاهد على أزمنة غابرة. وبما أن سيدي عبد الله مول ڨارَا، المعروف بابن ياسين، كان بطل تلك الفترة التاريخية، توصلت إلى نتيجة مؤداها أن اسم بطل الرواية سيكون “ڨارا”. وجاء اسم أبي البطل “فارَا مُولْ” نتيجة لهذا الإلهام: “مول”، إشارة إلى الأصل البيظاني لاسم ڨارَا، و”فارا” إشارة إلى أصله الزنجي. هكذا تكون ثنائية الفترة، بجانبيها الصنهاجي وااﮕﻧﮕارِي، قد تجسدت في اسم البطل. عندها بدأت استكشف هذا الاسم، أعني اسم ڨارَا، لأن الاسم، كما يقول رولان بارت Roland Barthes، «يمكن أن يستكشف وأن يتكشف وتحل رموزه. فهو وسط بالمعنى البيولوجي، يمكن أن نغوص فيه، ونسبح إلى ما لانهاية في المتخيل والتأملات التي ينطوي عليها، كما تحتوي الصَّدَفَةُ درتها، أو كما تختزن الوردة أريجها قبل تفتقها. وبعبارة أخرى فإن اسم العلم يحمل دائما في طياته معنى مكثفا»”.

شاهد على الزمن الغابر..

وعن أهمية الاسم في أعطاء معنى في الرواية يقول “إن تفتق معنى ودلالات اسم ڨارَا هو الذي أعطى لبطل الرواية وظيفته كشاهد على الزمن الغابر، والذي يمكن أن يجتاز الحقب. وهذا المعنى المستوحى من طيات الاسم هو الذي أوجد فكرة حكي يتناول فترات زمنية متباعدة. كما أنه أوجد فكرة انتقال البطل من الزمن الفلكي إلى اللازمان، لكي يتمكن من الانتقال من فترة زمنية إلى أخرى. ومن ثم جاءت فكرة الزمن الكهفي وفكرة الخضير، مَلَكُ الزمن، الذي يمكِّن البطل من الانتقال في اللازمان. يظهر من هذا أن الرواية كلها تبلورت انطلاقا من استكشاف دلالات هذا الاسم.

ترتبط دلالات الأسماء بمواضيع الحكي. فأسماء الشخوص ليست اعتباطية، وإنما هي ذات دلالات، وتحمل في طياتها مواضيع الحكي. هكذا تظهر الجدلية بين الأسماء والسرد. وقد تمثل بعض أسماء الشخوص نقطة انطلاق تشكل النص، وفي بعض الأحيان تفرض أسماء الشخوص نفسها انطلاقا من مسار السرد. ففي الحب المستحيل تشكل النص انطلاقا من اسم آدم الذي يرمز للإنسان الكامل، الرجل الأول الذي خرجت من ضلعه المرأة وبسببها وقع في الخطيئة، ونقض الميثاق الإلهي، فطُرد من الجنة. وقصة سيدنا آدم تنبئ بزلات البشر في العصر المستقبلي، والتي يتمحور حولها النص. يترادف اسم مَاِنكِي (Manikè) بطلة القصة، مع كلمة manikè”” التي تعني في اليونانية “فن التنبؤ بالمستقبل” وتعني أيضا في اللغة اليابانية “المرأة التي عرفت الحب”. ترمز هذه البطلة لشخص المرأة المتحكمة في مصير الرجل، وقد مثلت قدر آدم في الرواية، وهو الذي تحول إلى امرأة من أجل أن يعيش حبه معها. أما (Androgyne) في رواية L’Amour impossible الذي صار خُنَاثَةُ في الحب المستحيل، فهو شخص يرمز، كما يوحي اسمه، إلى اختلاط الأدوار وإلى محو الفوارق بين الجنسين، الذي تفاقم في المجتمعات الحديثة. وفي الحب المستحيل يوجد أيضا شخص ريمان(Riman) الذي يوحي اسمه بالشيطانية ويمثل أهل الشر في مجتمعات التقانة.. واسم سُولِيمَا Solima، في مدينة الرياح، منحوت من الحروف الأولى من كلمات فرنسية ثلاث: Soleil (الشمس) و Libya (اسم النقطة 32 من الخريطة الأرضية لكوكب المريخ) و Mars (المريخ)، وذلك لأنها لما كانت تُحضِّر رحلتها إلى الأرض تدربت في “مركز تدريس اللغات والحضارات الإنسانية” الموجود داخل النظام الشمسي في ليبيا، على المريخ”.

تعريب كتبه..

ويوضح عن الكتابة باللغة الفرنسية وأهمية التعريب لأعماله: “لما بدأت الكتابة، كنت لا أكتب إلا باللغة الأجنبية، الفرنسية. وبعد صدور روايتي الثانية، ألح علي صديقي أحمد ولد بياه، الذي كان لا يفهم الفرنسية، طالبا تعريب كتبي وقال لي: أمْل علي ترجمة، حتى ولو كانت بالحسانية، لهجتنا العربية في موريتانيا. فوافقت وشرعنا في التعريب أو “الحَسْنَنَة”. اخترنا آخر رواية صدرت لي، BARZAKH ، التي صارت بعد تعريبها، مدينة الرياح. فصرت أملي عليه ما كنت أظنه ترجمة وأدى ذلك إلى اكتشافين هامين قاداني فيما بعد إلى الرجوع إلى لغتي الأم!

– الأول هو مدى تأصل الحسانية في اللغة العربية: كنت كلما أمليت على صديقي ما احتسبه عبارة حسانية ورجعت إلى القاموس، القاموس المحيط، وجدتها كلمة عربية فصيحة جرى عليها تغيير طفيف! هذا الاكتشاف ذكرني بقراءاتي في المرحلة الجامعية، عندما كنت أجري بحوثي في الفلسفة الإسلامية. في تلك الفترة، قرأت البيان والتبيين وكتاب الحيوان للجاحظ ومروج الذهب للمسعودي، فوجدت أن لغة هذه الكتب تشبه إلى حد بعيد الحسانية التي نتكلمها اليوم في موريتانيا.

– الثاني هو أن من يكتب بلغة أجنبية يتصور أنه يكتب نصا أصليا، بينما هو في الحقيقة يترجم نصا آخر لم يكتب بعد، ولن يكتب إلا باللغة الأم! والنصان ليسا إلا ترجمة لنص ثالث لن يكتب أبدا. ذلك أنه وراء النصين يوجد شيء آخر، هو ما يحاول النصان التعبير عنه. ويكون كلا النصين ترجمة موجهة للقراء الذين يفهمون هذا الأصل. لأن الانتقال من التفكير إلى الكتابة لن يتم إلا من خلال ترجمة، بما يعني ذلك من خيانات. يقول جاك درّيدا Jacques Derrida إن أحادية اللغة ضرب من المستحيل وأنه يوجد تصور لغوي قبل جميع اللغات يشكل ما قبل اللغة pré langage ومنه يمتح الكاتب ليعبر عن أفكاره. هكذا تكون عملية الترجمة من صميم الفعل اللغوي، وتكون دائما مؤسسة لهذا الفعل، خلاف ما هو شائع من أنها عملية لاحقة به. فإذا لغتنا الأم هي بمعنى من المعاني لغتنا الأجنبية الأولى! لذا يجزم درّيدا Derrida بأننا لا نملك أبدا اللغة التي نتكلم وأننا في الواقع دائما أجانب عليها!

بعد اكتمال المسودة الأولى من مدينة الرياح، اختفى صديقي أحمد ولد بياه وراء قضبان السجن السياسي وتركني أواجه بمفردي تصحيح المسودة وإعدادها للنشر. فقمت بالتصحيح الأولي ثم عرضت المخطوطة على أصدقاء آخرين، المرحومة الشاعرة خديجة منت عبد الحي، والكاتب محمد فال ولد عبد اللطيف والقاص والكاتب المسرحي محمد فال ولد عبد الرحمان والسفير والصحفي أحمد ولد المصطفى، فرفعوا الأخطاء وبدأت عملية البحث عن ناشر. أعطيت المخطوطة لصديقي المرحوم محمد ولد حمّادي ليبعثها إلى الخليل النحوي في تونس لعرضها على الناشرين في مناسبة معرض الكتاب بتونس. فأخذها منه د. سهيل إدريس، صاحب دار الآداب اللبنانية، الذي تبنى النص ودعاني إلى بيروت لإصدار الرواية. لما نشرت مدينة الرياح لقيت ترحيبا واسعا من طرف النقاد وجمهور القراء العرب ولم يتصور أي أحد أنها مترجمة. وفي العام الأول من صدورها اعتمدتها اليونسكو لنشرها ضمن مشروع كتاب في جريدة المكرس للتعريف بذخائر الأدب العربي”.

خيمة واحدة..

وعن شغفه بالقراءة يقول: “لقد أمضيت كل فترة شبابي وأنا أعيش مع أسرتي على الطريقة الموريتانية، جميع أفراد الأسرة يعيشون في خيمة واحدة. الوالدان الأقارب، الأبناء والبنات، دون أن ننسى مستلزمات الحياة التي تحتل هي الأخرى حصتها من المكان. لك أن تتصور مستوى خصوصية الحياة المتاحة لكل فرد في هذا الحيز الذي قلما يتجاوز 4 أمتار على 4. في خيمتنا كنت أجد طريقتي الخاصة التي تمكنني من القراءة: كنت أضع كُمَّ دَرَّاعَتي على رأسي وأمرره أمام وجه، ليكون حاجزا بيني مع الآخرين، وأمسك كتابا أضعه بين وجهي وكُمَّ دراعتي وأبدأ القراءة، فتنقطع عني ضوضاء الأحاديث من حولي. أمكث هكذا ساعات وساعات أسبح في بحر القراءة الذي لا ساحل له!

لما انتقلت أسرتي إلى نواكشوط، تخلى أبي عن التجارة وصار حارسا لملعب العاصمة، ونصبت أسرتي خيمتها في حائط الملعب. هذه المرة، لم أقاسمهم الخيمة؛ أخذت غرفة في بناية الملعب لأخلو فيها إلى نفسي. فكنت أستخلي فيها بكتبي. وكان أن اكتشفت في أحدى قاعات الملعب الفسيحة مستودعا كدست فيه أكوام من الكتب، كان الملعب يومها تحت وصاية وزارة الشباب والثقافة والرياضة، كانت القاعة التي حولوها إلى مستودع للكتب غير مسقوفة. كنت أتسلق الجدران وألقي بنفسي بين أكوام الكتب وأمضي يومي أقرأ. أحيانا أبقى هكذا حتى هبوط الظلام، فأشعل الضوء وأواصل القراءة حتى يغلبني النعاس!”

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب