17 أبريل، 2024 6:18 ص
Search
Close this search box.

موسم “نوبل” للآداب .. “كازو إيشيغورو” الكتابة عن اليابان في بلاد الضباب فتحت له آفاق العالمية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – ابتهال علي :

طوال عام مضى.. وجهت سهام السخرية والريبة والانتقادات نحو الأكاديمية السويدية لجائزة “نوبل” للآداب، بعد اختيارها مغني البوب الأميركي “بوب ديلان” لنيل الجائزة لعام 2016. وهذا العام تخلت الأكاديمية عن لعبة “الجدال” وإثارة الخلافات الثقافية بعد إعلانها عن فائز لاقى ترحيبًا ممزوجًا بالدهشة من قبل المثقفين في العالم وهو الروائي البريطاني من أصل ياباني، “كازو إيشيغورو”، البالغ من العمر 63 عامًا.

وليصبح “إيشيغورو” الفائز رقم (114) ممن نالوا شرف الحصول على أرفع جائزة ثقافية للآدب في العالم منذ بدأت عام 1901، منهم 14 شخصية أدبية من الجنس اللطيف.

ويعتبر “إيشيغورو” ثالث روائي ياباني يحصل على جائزة “نوبل”، بعد الروائي الرائد “ياسوناري كواباتا”، الذي حصل على الجائزة عام 1968، والروائي “كنزابورو أوي” الفائز بـ”نوبل” عام 1994.

بررت الأكاديمية السويدية قرارها باختيار “إيشيغورو”؛ لأنه “يقدم في رواياته طاقة عاطفية قوية كاشفاً الهاوية التي تقبع خلف شعورنا الوهمي بالإرتباط بالعالم”، وأثنت الأكاديمية على أعماله التي تميزت “بضبط النفس، بغض النظر عن الأحداث التي تجري”.

بعيدًا عن بلاد الشمس..

ولد “كازو إيشيغورو” عام 1954 في مدينة “ناغازاكي” باليابان، التي تعرضت للتدمير جراء سقوط القنبلة الذرية على اليابان عام 1945، وانتقل مع عائلته إلى بلدة “غيلدفورد” الصغيرة في جنوب إنكلترا، عندما كان في الخامسة من عمره، عندما حصل والده؛ المتخصص في علم المحيطات؛ على وظيفة في المعهد البريطاني لعلوم المحيطات، فنشأ وترعرع بعيدًا عن أرض أجداده.

ولم يعود إلى اليابان على مدار تسع وعشرين عامًا، وكما يردد فى تصريحاته الصحافية يعتبر لغته اليابانية ضعيفة، إلا أنه تأثر بالثقافة اليابانية عبر والديه الذين انتقلا لبريطانيا بابنهما وشقيقته على أمل العودة في أي لحظة. حتى أن الأسرة لم تتخذ قرار البقاء في المملكة المتحدة إلا بعد 15 عامًا.

تلقى “إيشيغورو” تعليمه في مدارس بريطانية عامة، وعن تلك الفترة يقول أنه كان الطالب الوحيد في صفه من أصول أجنبية، وقد حصل “إيشيغورو” على ليسانس في الفلسفة من جامعة “كنت” البريطانية عام 1978، وتقدم لنيل شهادة الماجستير عن الكتابة الإبداعية عام 1980، وعمل فترة من حياته في العمل الاجتماعي باسكتلندا وانتقل للعمل لصالح جمعية خيرية في لندن مختصة بإيجاد مأوى للمشردين.

اليابان منجم الذهب لإبداعاته..

في حوار أجرته معه مجلة “باريس ريفيو”، أكد “إيشيغورو” على أن كتابته عن اليابان هي التي فجرت داخله طاقاته الإبداعية، فقد كان يحلم أن يصبح موسيقيًا لموسيقى “الجاز” وكاتبًا لأغانيه على غرار مغني البوب الأميركي “بوب ديلان” – صاحب “نوبل” العام الماضي – إلا أنه فشل في أن يصبح موسيقيًا.

وكانت الصدفة عندما شاهد إعلانًا عن ماجستير في الكتابة الإبداعية في جامعة “إيست أنغليا”، لم يكن الطلاب يقبلون عليه حينذاك، فالتحق به أملًا في الحصول على منحة دراسية لمدة عام، وقدم في هذا الفصل الدراسي قصة بطلتها شابة يابانية، مسرح أحداثها مدينة “ناغازاكي”، مسقط رأسه، في زمن يلي سقوط القنبلة النووية عليها عام 1945، ومن حيث لا يدري كانت حياة أمه مصدر إلهام لهذه القصة.

وكانت اليابان بالنسبة له منجم الذهب الذي جلب له الشهرة، ففي بريطانيا والغرب في تلك الفترة من الثمانينيات كانت الأوساط الثقافية عطشى لأدب مختلف بعيدًا عن موضوعات قصور النبلاء التي لا تخرج عن المؤامرات والدسائس وقصص الحب السري والخيانة.

ودفعه تشجيع أساتذته وزملائه إلى مواصلة الكتابة عن عالم وثقافة جديدة عليهم، فانطلقت مخيلته الإبداعية تنقب داخله عن الوطن البعيد ولجأ للكتابة عنه لإحيائه داخله وحتى لا ينذوي في متاهات النسيان، فكانت باكورة أعماله رواية (منظر شاحب للتلال)، التي كتبها عام 1982، وتناول فيها حياة عائلة يابانية ومعاناة فقدها الأبنة في الغربة بعيدًا عن الوطن الذي غادرته وهو يعاني من أهوال سقوط القنبلة النووية عليه.

ويقول “إيشيغورو”، في حواره مع مجلة “باريس ريفيو”: “رغم أنني نشأت في بريطانيا، فإن جزءًا كبيرًا من نظرتي للعالم ومن أسلوبي الفني ياباني، لأني تربيت في كنف أبوين يابانيين يتحدثان اليابانية”.

وفي عام 1986 نُشرت روايته الثانية: (فنان من العالم العائم)، التي تتناول تأثير أهوال الحرب العالمية الثانية على الشعب الياباني والصراع النفسي الذي ترسخ في ذواتهم جراء الهزيمة، مع إدانة للمسؤولين عن قرار الحرب الذين يواصلون حياتهم في أوقات السلم بلا أدنى مشاعر الندم، بينما يموت الشباب المخلص للوطن.

ورغم أن هاتيْن الروايتيْن منحتاه تقدير النقاد وحصل على جائزة “وايتبريد Whitbread” المرموقة في بريطانيا للأدباء الشبان عن الرواية الثانية، إلا أن رواية (بقايا النهار)، هي التي قفزت باسمه لآفاق عالمية.

شهر بعيدًا عن العالم ليؤلف (بقايا النهار)..

تكشف قصة تأليف روايته (بقايا النهار)، التي صدرت عام 1987، صراع الإنسان الذي من كان قدره أن يصبح أديبًا مع مصاعب الحياة اليومية، فهو استقال من وظيفته النظامية قبلها بخمس سنوات وكتب روايتين قبلها حظيتا بتقدير النقاد، لكن كانت لا تزال ضغوط الحياة الاجتماعية تدفعه للتخلي عن حلم الكتابة، لذا اتخذ قرارًا جذريًا وقبع في مكتبه شهرًا كاملًا معزولاً عن العالم الخارجي فكانت الرواية التي قفزت به إلى الشهرة العالمية.

وخلال عام 1989 كانت الرواية سببًا في حصول “إيشيغورو” على جائزة “مان بوكر”، وبيعت منها أكثر من مليون نسخة حول العالم. وأشادت بها الأكاديمية السويدية باعتبارها رواية رائعة.

وتتناول (بقايا النهار) حياة رئيسًا للخدم في قصور النبلاء البريطانيين، الذي يضحي بكل شيء إلا الولاء لسيده ولا يلتفت لأوجاعه حتى تأتي اللحظة الكاشفة له.

موجة كتابة “الديستوبيا” و”العملاق المدفون”..

جاءت روايته الرابعة (من لا عزاء لهم)، عام 1995، لتثير عاصفة من الانتقاد باعتبارها صورة حادة من الكتابة السوداوية.

وبعدها كتب “إيشيغورو” الرواية البوليسية (عندما كنا يتامى)، في عام 2000، والتي رشحت لجائزة “مان بوكر” للرواية الإنكليزية، وفيها حاول أن يتقمص دور مؤلفة الأدب البوليسي الرائدة “أغاثا كريستي”، ليقدم لقرائه قصة معاناة أهل مسقط رأسه في مدينة “ناغازاكي” عقب سقوط القنبلة الذرية عليها.

ونشر عام 2005 روايته (لا تدعني أرحل أبدًا)، التي يعدها بعض النقاد، أيضًا، شكلًا من أشكال الكتابة السوداوية أو أنها نموذج على نزعة “الدستوبيا” في كتاباته.

وينقطع “إيشيغورو” عشر سنوات عن نشر روايات آخرى حتى صدور روايته الأخيرة: (العملاق المدفون)، في عام 2015، وفيها اتجه لتقديم أبطال سحرية من عالم “الفانتازيا” ليرمز بها لواقع الإنسان.

موجة أدباء من عوالم جديدة..

ينظر النقاد لأدب “إيشيغورو” على أنه من أفضل الروايات الإنكليزية في العصر الحديث، وهو من أدباء موجة الجيل الثاني للمهاجرين، الذين أثروا في الحياة الثقافية في أوروبا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

يسعى “كازو إيشيغورو”، عبر مؤلفاته، إلى كشف النقاب عن قسوة الحياة اليومية للبشر ومعاناتهم بسبب أقدار لا ذنب لهم فيها، “مثل ستيفنز” بطل رائعته (بقايا النهار)، أو بسبب الحروب مثل بطلته في باكورة أعماله (مشهد شاحب للتلال).

ويطرح في أعماله موضوعات تعتبر إلى حد ما “سوداوية”، مثل مكابدة معاناة الغربة عن الوطن وإنعزال الفرد ووحدته ومحاولات فقدان الذاكرة الجماعية لأمة ما بسبب أهوال الحروب ومآسيها، وضياع قيم مجتمع ما.

و”إييشيغورو” من الأدباء الذين يفضلون ترك قرائهم في بحور من الحيرة والتشويش بغرض إثارة الوعي لديهم، فأغلب رواياته ذات “النهايات المفتوحة” لاتمنح المتلقي إجابات وحلول جاهزة.

دهشة وترحيب وصدمة “نوبل”..

أظهرت الأوساط الثقافية فى العالم ارتياحًا لاختيار لجنة “نوبل” هذا العام، رغم أن “كازو إيشيغورو” لم يكن على قوائم توقعات الصحف والمجلات الثقافية

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد نشرت توقعاتها لمن يفوز بجائز “نوبل” للأدب في 2017، واعتبرت أن الروائي الكيني الشهير “ويل نغوغي وا ثيونغو” – الذي يقترب عمره من الثمانين – المرشح الأوفر حظًاً للفوز بالجائزة ويليه الأديب الياباني الشهير “هاروكي موراكامي” والكاتبة الكندية “مارغريت أتوود”، وكذلك الاديب الكوري الجنوبي “هو كو إن”.

وهو ما دفع “كازو إيشيغورو” نفسه إلى الإعتراف، في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية، “بي. بي. سي”، عقب فوزه، أنه فوجئ كما أنه لم يكن متوقعاً، واعتقد أن الإتصال خدعة. وقال “إيشيغورو”، عن نيله الجائزة، أنه “شرف رائع، وذلك يعني أنني أسير على خطى أعظم المؤلفين الذين نالوا الجائزة، وهذا هو ثناء رائع”.

وجاءت ردود أفعال عدد من الكتاب البريطانيين مرحبة باختيار لجنة “نوبل”، وعلى صفحات صحيفة “الغارديان”، بادر الكاتب “سلمان راشدي”، صاحب رواية (آيات شيطانية) المثيرة للجدال، بتهنئة “إيشيغورو” مؤكدًا على أنه أعجب بكتاباته منذ قرأ روايته (منظر شاحب للتلال).

ووصفه “روبرت مكروم”، الكاتب والناقد ورئيس تحرير إصدارات دار النشر المتخصصة في نشر رواياته، بأنه كاتب فريد للغاية يتمتع بعاطفة جياشة وفضول فكري، وأشار إلى ما جاء في إحدى المحطات الإذاعية أن “نوبل” للآداب جاءت في عام خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وهي تعد بمثابة فوز كبير للكتاب البريطانيين وتذكير بأن الأدب الإنكليزي يعبر عن رؤية عالمية فريدة.

وأضاف “مكروم” أن هذا الفوز يضع “إيشيغورو” – صديقه منذ 40 عامًا – في مصاف الكتاب البريطانيين المشهورين مثل “صمويل بيكيت”، و”دوريس ليسينغ”، و”ويليام غولدينغ” وغيرهم من رواد الشعر والكتابة النثرية باللغة الإنكليزية.

وقالت عنه سكرتيرة الأكاديمية السويدية، “سارة دانيوس”: “أعماله مزيج من أعمال جين أوستن وفرانز كافكا”، مضيفة أن روايتا (العملاق المدفون) و(بقايا النهار) من أعماله المفضلة لديها.

كما ذكر الشاعر البريطاني “أندرو موشن”، أنه من الرائع أن تعترف جائزة “نوبل” بأدب “إيشيغورو”، ووصف عالمه الخيالي بأنه يتمتع بالفضيلة وقيم عالية، فهو عالم من الحيرة والعزلة والترقب والخطر والدهشة، ترتكز قصصه على مزيج رائع من التحفظ والعاطفة الجياشة.

وفي اليابان، حيث كان ينتظر عشاق الكاتب الياباني الشهير “هاروكي موراكامي” أن تمنح “نوبل” لللآداب له وهو فوز طال انتظاره، جاء خبر فوز “كازو إيشيغورو” بفرحة كبيرة ممزوجة بدهشة، لأنه ليس معروفًا كثيرًا لدى القاريء الياباني.

وتصدر فوزه بالجائزة الصفحات الأولى في الصحف اليابانية، وقال كبير أمناء مجلس الوزراء: “بالنيابة عن الحكومة أود أن أعبر عن سعادتنا بفوز شخص من أصل ياباني بجائزة نوبل”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب