خاص : بقلم – محمد البسفي :
بغض النظر عن الآلة الدعائية الأميركية/الغربية التي تشحذ حاليًا كل ما بوسعها اجتهادًا في وصم وتشويه سمعة خصومها الجُدد؛ “روسيا” و”الصين”، ورميهما بكافة التهم والصاق جميع الأزمات الدولية بهما.. فلم تدخر وسائل الإعلام الغربية والأميركية؛ وما يتبعها من مراكز بحثية ومؤسسات تحليلية، جهدًا في اتهام “موسكو” بإفتعال أزمة الغذاء العالمية جراء هجومها على “أوكرانيا”، وتعليق كافة أسباب تلك الأزمة الحيوية دوليًا في رقبة ساكن (الكرملين).. وإن كانت العملية الروسية العسكرية على “أوكرانيا” ليست برئية من تلك التهمة؛ فهي في الحقيقة تُمثل السبب المباشر وربما “الظاهر” في تفاقم أزمة الغذاء وارتفاع اسعار الحبوب الأساسية بالإضافة إلى تصاعد أسعار الطاقة العالمية، إلا وأن الشواهد الاقتصادية عالميًا تؤكد أسبابٍ أخرى لتفاقم تلك الأزمات – سابقة ولاحقة – للعملية الروسية العسكرية؛ ربما التضخم غير المسبوق الذي تُعانيه “الولايات المتحدة” منذ سنوات وتتصاعد نسبه إلى مؤشرات متفاقمة غير مشهودة منذ عقود وآليات معالجته من قِبل الإدارات الأميركية برفع نسبة الفوائد على عُملتها الرائدة؛ ليس بريئة أيضًا من ذلك الوضع الاقتصادي العالمي البالغ السوء.
ولكن.. رغم كل تلك الأسباب التي يرشقها الخصوم في حربهم النفسية ضد بعضهم البعض، تكمن مسببات أخرى لأزمة الغذاء العالمية أكثر جذرية وفعالية وأقل معرفة بها للرأي العام لأنها لم تلق اهتمامًا إعلاميًا مناسبًا رغم تأثيرها الطاغي والمباشر لما آلت إليه حالتنا في دول الشرق الأوسط من فقر في الغذاء..
في دراسة هامة قدمتها “جين هاريغان”؛ أستاذة الاقتصاد في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية؛ (SOAS)، جامعة “لندن”؛ المملكة المتحدة، قام بترجمتها إلى العربية “د. أشرف سليمان”؛ أستاذ مساعد بمعهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية؛ “مركز البحوث الزراعية”، تحت عنوان: (الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في الدول العربية)؛ صدرت ضمن سلسلة (عالم المعرفة)؛ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، في تشرين أول/أكتوبر 2018.. وتُقدم الدراسة تحليلاً متعمقًا لقضايا الغذاء في الدول العربية، واستخدام أدوات الاقتصاد السياسي لتاريخ الأمن الغذائي في المنطقة، وتُلقي الضوء على العلاقات الجيوسياسية للغذاء في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، والتي تستخدمها الدول الغربية أداة للسياسات الخارجية.
بين أزمة الغذاء و”الربيع العربي”..
تحرص المؤلفة في مقدمة دراستها الإشارة إلى ارتباط أزمة الغذاء العالمية في (2007 – 2008)؛ كعامل من الدوافع الأساسية لهبوب الانتفاضات الشعبية العاصفة التي شهدتها المنطقة العربية بما يُعرف إعلاميًا: بـ”الربيع العربي” في (2010 – 2011)؛ وتنامي ظاهرة “إقتناء الأراضي” (Land Acquisition)؛ أو “الاستحواذ على الأراضي الأجنبية” (Land Grab)، حيث تضطع البلدان الغنية التي تُعاني قلة الغذاء بإيجاد مصدر مباشر لسد احتياجاتها الغذائية، وذلك بالاستحواذ على الأراضي في البلدان الأكثر فقرًا، والتي تمتلك أراضي زراعية شاسعة.
أهمية الولايات المتحدة الغذائية..
لافتة الدراسة إلى الأهمية التي تُمثلها العلاقات مع “الولايات المتحدة” من أهمية خاصة، لأنها أكبر مورد عالمي للذرة والقمح والأرز. كما أنها أيضًا ثالث أكبر مُصدر في العالم لفول الصويا، بعد أن تجاوزتها الأرجنتين والبرازيل. وقد تخشى بلدانًا مثل “سوريا”، التي لها علاقات سيئة مع المُّصدرين الرئيسين للحبوب مثل: “الولايات المتحدة”، من الحظر التجاري.
ومع ذلك خفضت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة، بشكلٍ كبير، اعتمادها على “الولايات المتحدة” لاستيراد القمح والذرة.
الدول العربية في خطر دائم !
كما أكدت “هاريغان”؛ في مقدمة دراستها، على أن تُركز صادرات الأغذية العالمية يجعل البلدان المستوردة عرضة للخطر؛ ليس فقط بسبب العوامل الجيوسياسية، بل أيضًا بسبب العوامل الاقتصادية في البلدان المُّصدرة، ولا سيما آثار الحظر على الصادرات والقيود التي تفرضها هذه البلدان.
ولنأخذ ما قاله “ديفيد لابورد-David Laborde”؛ في المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية: “إذا قلنا للبلدان، ينبغي أن تُحافظوا على انفتاحكم على الوارادات، وتعتمدوا على الأسواق، فنحن في حاجة إلى ضمان استمرار المصدرين في التصدير”.
وأوضحت أزمة الغذاء العالمية للدول العربية، بما فيها دول الخليج الغنية، أنه مع حظر التصدير، فإنها قد لا تكون قادرة على شراء الغذاء بأي ثمن.
دور المنظمات الدولية في هدم “السيادة الغذائية”..
ورغم ذلك؛ تلفت الدراسة إلى الدور الحقيقي للمنظمات الأممية الكبرى في توجيه الدول العربية إلى استيراد غذائها؛ مؤكدة أنه: على مدى العقدين الماضيين، قدمت المشورة السياسية من المنظمات الدولية المؤثرة مثل: “البنك الدولي، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والمعهد الدولي لبحوث سياسيات الغذاء، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا”؛ (الإسكوا)، للعديد من الدول العربية، كي تعتمد على منهج قائم على التجارة في مجال الأمن الغذائي، وهي تعتمد كثيرًا على الغذاء المستورد.
وتستند هذه النصيحة إلى الأساس المنطقي الاقتصادي إلى حدٍ كبير، نظرًا إلى الموارد الطبيعية، ولا سيما الندرة الشديدة للمياه للأراضي الصالحة للزراعة، التي تُعانيها المنطقة العربية، ولا يُعد إنتاج الأغذية المحلية، خصوصًا الحبوب، استخدامًا رشيدًا للموارد الشحيحة من الناحية الاقتصادية. وبدلاً من ذلك، نُصحت هذه الدول باستخدام مواردها لإنتاج سلع أخرى بغرض التصدير؛ (مثل النفط، والمصنوعات، والخدمات)، واستخدام النقد الأجنبي المكتسب لشراء الواردات لمعظم احتياجاتها الغذائية.
بيد أن إعادة تقييم الحكومات للأمن الغذائي تجاوزت الحدود الضيقة للتحليل الاقتصادي، كي تشمل الاعتبارات السياسية والاجتماعية. ونتيجة لذلك، بدأت السياسات تتغير في اتجاهين، أحدهما قديم والآخر جديد.
الاتجاه الأول: عملت العديد من الحكومات على أن تعود إلى السياسات القديمة في السبعينيات من القرن العشرين، وبدأت تُركز بصورة أكبر على زيادة إنتاج الغذاء محليًا.
أما الاتجاه الثاني: فقد بدأت الحكومات في الحصول على الأراضي الأجنبية لإنتاج الغذاء الذي تحتاج إليه، فيما يُسمى بظاهرة “الاستحواذ على الأراضي”؛ (Land Grab)، وهو أمر مُثير للجدل كثيرًا، ويُضيف بُعدًا جديدًا للجغرافيا السياسية للغذاء.
ونحن نُشير إلى هذا المدخل الجديد للأمن الغذائي من قبل الدول العربية على أنه: “السيادة الغذائية الكلية”.
الأمن الغذائي والمساواة في الدول العربية..
وتسجل الباحثة تأثيرات إنعدام الأمن الغذائي على المجتمعات البشرية؛ قائلة: “وكثيرًا ما يتبدى إنعدام الأمن الغذائي على المستوى الجزئي أو الفردي من حيث سوء التغذية، ولا سيما بين الأطفال. وقد أقرت منظمة الصحة العالمية بأن سوء التغذية هو أكبر تهديد فعليًا للصحة في جميع أنحاء العالم؛ فإنه يبطيء النمو الاقتصادي ويؤدي إلى الفقر. ومن ثم تكون معالجة قضايا ضعف الأمن الغذائي مهمة من منظور اقتصادي، وكذلك من حيث تحقيق الأهداف التنموية للألفية”.
في السنوات الأخيرة، أصبحت القدرة على تحميل تكاليف الغذاء واحدة من القضايا الحرجة في بعض مناطق العالم العربي. وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية هي دول متوسطة أو مرتفعة الدخل، فإن القدرة على تحمل تكاليف الغذاء لا تزال معضلة بسبب عدم المساواة، وانعدام المساواة هذا لا يكون في الدخل فقط، بل في أوجه أوسع نطاقًا، مثل الوصول إلى الوظائف، والتعليم، والقضايا المتعلقة بعدم المساواة بين الجنسين.
وقد أكد كل من “بيترز” و”شابوري”؛ (Peters and Shapouri 1997 )، على دور عدم المساواة في ضعف الأمن الغذائي، وقد أقرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا؛ أن عدم المساواة يُظهر: “ضعف الأمن الغذائي ليكون مظهرًا من مظاهر البناء الاجتماعي والسياسي”.
وتوضح مؤكدة على أنه على الرغم من أن النمو الاقتصادي في المنطقة كان قويًا حتى “الربيع العربي”، فإن هذا النمو لم يكن شاملاً ومناصرًا للفقراء، ونتيجة لذلك كانت هناك مستويات عالية من البطالة، ولا سيما بطالة الشباب، وتزايد أوجه عدم المساواة، وكلها كانت لها آثار سلبية في الأمن الغذائي الفردي.
نحو “السيادة الغذائية” الكلية..
وتستدرك الدراسة؛ أنه كنتيجة لأزمة الغذاء العالمية وتبعاتها على السياسة الداخلية وعلى “الربيع العربي”، جنبًا إلى جنب مع الأبعاد الجيوسياسية للأمن الغذائي، فإن الحكومات في العالم العربي تُعيد تقييم نهجها نحو الأمن الغذائي، وهي بصدد تبني مفهوم “السيادة الغذائية الكلية”.
ومثل مفهوم “الأمن الغذائي”، فإن مفهوم “السيادة الغذائية” مفهوم متعدد الأبعاد يمكن أن يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين.
والتعريف التقليدي لـ”السيادة الغذائية”؛ هو إلى حدٍ كبير تعريف على المستوى الجزئي، على النحو الوارد في إعلان “منتدي نيليني-Nyeleni” للسيادة الغذائية؛ في العام 2007، على النحو التالي:
السيادة الغذائية هي حق الشعوب في غذاء صحي وملائم ثقافيًا يُنتج من خلال أساليب صحيحة ومستدامة بيئيًا، وحقها في تحديد نُظمها العذائية والزراعية. وتضع تطلعات واحتياجات أولئك الذين يُنّتجون ويوّزعون ويتسهلكون الغذاء في قلب النُظم والسياسات الغذائية بدلاً من الطلب في الأسواق والشركات. وتُدافع عن مصالح وإدماج الأجيال المقبلة. كما تُقدم إستراتيجية لمقاومة وتفكيك النظام الحالي لتجارة الشركات ونظام الغذاء، وتُقدم اتجاهات أنظمة الأغذية والزراعة والرعوية ومصايد الأسماك يُحددها المُنّتجون والمُسّتخدمون المّحليون.
وتُعطي السيادة الغذائية الأولوية للاقتصادات والأسواق المحلية والقومية، وتعمل على تمكين الفلاحين والزراعة الأسرية، والصيد الحرفي، والرعي الذي يقوده الرعاة، وإنتاج الأغذية وتوزيعها واستهلاكها على أساس الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وتُحث “السيادة الغذائية” على شفافية التجارة التي تضمن الدخول العادلة لجميع الشعوب، فضلاً عن حقوق المستهلكين في التحكم في غذائهم وتغذيتهم. وتضمن أن تكون حقوق استخدام وإدارة الأراضي والأقاليم والمياه والبذور والماشية والتنوع البيولوجي في أيدي أولئك الذين يُنّتجون الغذاء.
فـ”السيادة الغذائية” تنطوي على علاقات اجتماعية جديدة خالية من القمع وعدم المساواة بين الرجال والنساء والشعوب والجماعات العرقية والطبقات الاجتماعية والاقتصادية والأجيال.
وقد اعتمد “منتدى نيليني”؛ في تعريفه، على ستة مباديء رئيسة مترابطة:
01 – التركيز على الغذاء من أجل الناس: وتضع “السيادة الغذائية” الحق في الغذاء الكافي والصحي والملائم ثقافيًا لجميع الأفراد والشعوب والمجتمعات، بمن فيهم الجوعى، والخاضعون للاحتلال في مناطق النزاع، والمهمشون، في القلب من سياسات الغذاء، والزراعة، والثروة الحيوانية، ومصائد الأسماك؛ وترفض التصور بأن الغذاء مجرد سلعة أو عنصر آخر للأعمال التجارية الزراعية الدولية.
02 – القيم الخاصة بمُقّدمي الغذاء: تعمل “السيادة الغذائية” على تقديم القيم الخاصة بها والدعم لمساهمات الرجال والنساء، وتحترم حقوقهم وحقوق الفلاحين، وصغار الأسر الزراعية، والرعاة وصغار الصيادين الحرفيين، وسكان الغابات والسكان الأصليين، وعمال الزراعة، وصيادي الأسماك، وكذلك المهاجرون، الذين يزرعون ويرعون الزراعة، ويحصدون، ويصنعون الغذاء؛ وترفض “السيادة الغذائية”؛ تلك السياسات والإجراءات والبرامج التي تٌقلل من قيمة كل من سبق ذكرهم، وتُهدد سُبل معيشتهم وتستبعدهم.
03 – العمل على أن تكون النُظم الغذائية محلية: تؤدي “السيادة الغذائية” إلى التقارب بين مُقّدمي الأغذية والمستهلكين؛ وتضع مُقّدمي الخدمات والمستهلكين في صميم عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بمسائل الغذاء؛ وتحمي مُقّدمي الأغذية من إغراق الأغذية والمعونات الغذائية في الأسواق المحلية؛ كما تحمي المستهلكين من الأغذية الرديئة النوعية وغير الصحية، والمعونات الغذائية غير الملائمة، والغذاء الملوث بالكائنات المعدلة وراثيًا؛ وترفض كلاً من تدابير الحوكمة، والاتفاقات، والممارسات التي تعتمد على التجارة الدولبة غير المستدامة وغير العادلة وتُعززها، والتي تُعطي السلطة للشركات البعيدة خارج نطاق الدولة وغير الخاضعة للمساءلة.
04 – فرض الرقابة محليًا: تفرض السيادة الغذائية الرقابة على الإقليم، والأرض، والرعي، والمياه، والبذور، والثروة الحيوانية والأسماك، وذلك مع مُقّدمي الأغذية المحليين وتحترم حقوقهم. ويمكنهم استخدامها ومشاركتها بطرائق مستدامة اجتماعيًا وبيئيًا تُحافظ على التنوع البيولوجي؛ حيث ترى أن الأراضي المحلية غالبًا ما تتجاوز الحدود الجغرافية السياسية وتضمن حق المجتمعات المحلية في أن تعيش في إقليمها وتستخدمها؛ كما تذهب “السيادة الغذائية” إلى تعزيز التفاعل الإيجابي بين مُقّدمي الغذاء في مختلف المناطق والأقاليم ومن القطاعات المختلفة التي تُساعد على حل النزاعات الداخلية أو النزاعات بين السلطات المحلية والقومية؛ وترفض خصخصة الموارد الطبيعية من خلال القوانين والعقود التجارية ونُظم حقوق الملكية الفكرية.
05 – بناء المعرفة والمهارات: تعتمد “السيادة الغذائية” على المهارات والمعارف المحلية لمُقّدمي الغذاء ومنظماتهم المحلية التي تُحافظ على نُظم إنتاج الغذاء المحلي والحصاد، وتعمل على إدارتهم وتنميتهم، كما تعمل على تطوير نُظم البحوث المناسبة لدعم ذلك وتمرير هذه الخبرة إلى أجيال المستقبل؛ وترفض التكنولوجيات التي تقوض، أو تُهدد، أو تلوث البيئة مثل تكنولوجيا الهندسة الوراثية.
06 – العمل مع الطبيعة: تستخدم “السيادة الغذائية” مساهمات الطبيعة في التنوع البيولوجي، والمدخلات المنخفضة الخارجية للإنتاج الزراعي البيئي والإنتاج الزراعي، وأساليب الحصاد التي تُعظم مساهمة النُظم الإيكولوجية وتُحسن القدرة على المرونة والتكيف، لا سيما في مواجهة تغير المناخ؛ حيث تسعى إلى “تعافي كوكب الأرض، عسى أن يعمل الكوكب على تعافينا نحن”. وترفض السيادة الزراعية الأساليب التي تضُّر بمهام النظام الإيكولوجي المفيدة والتي تعتمد على الزراعة الأحادية الكثيفة للطاقة ومصانع الإنتاج الحيواني وممارسات الصيد المدمرة وأساليب الإنتاج الصناعية الأخرى التي تُلحق الضرر بالبيئة وتُسهم في الاحتباس الحراري.
ويُركز تعريف نيليني “للسيادة الغذائية” وعناصرها المختلفة؛ على الرقابة والتفويض على المستويين الفردي والمحلي. ويمكن أن نصل من ذلك إلى تقديم مفهوم “السيادة الغذائية” الذي يُطبق على مستوى الدولة القومية، والذي يعكس الاهتمام المتزايد للدولة القومية مثل الدول العربية لممارسة السلطة والسيطرة على حصولها على الغذاء. ومن الواضح أن هناك درجة من التوتر بين السيادة على مستوى الدولة القومية وعلى المستوى المحلي والفردي، ولكن هذا لا يمنعنا من تقديم مفهوم للسيادة ينطبق على مستوى الدولة.
ونستخدم مصطلح “السيادة الغذائية الكلية” في هذا الكتاب على مستوى الدولة القومية، لنعكس فكرة أن الدول ذات السيادة تُريد زيادة قوتها والسيطرة على وصولها إلى الإمدادات الغذائية، وتنتقد الدول حين تقوم بذلك، لتجاهلها الإملاءات الاقتصادية الخالصة كما تنعكس في قوى السوق وصياغة سياسات الأمن الغذائي التي تتضمن الاعتبارات السياسية والاجتماعية بدلاً من الاعتبارات الاقتصادية فقط.
وبعبارة أخرى، فإن “السيادة الغذائية” تُحددها وتُشكلها اهتمامات السياسات واسعة النطاق، وليس من جانب قوى السوق فقط. وهذا المفهوم ينطوي على الإبتعاد عن معاملة الغذاء بوصفه سلعة تلتزم بقواعد السوق وقوانين العرض والطلب، ورفض العولمة التامة للنظام الغذائي التي يخضع فيه الأمن الغذائي فيكثير من الدول لإملاءات عدد قليل من الشركات متعددة الجنسيات العملاقة وعدد قليل من البلدان القوية.