13 أبريل، 2024 6:08 ص
Search
Close this search box.

من بريطانيا إلى أميركا .. لعبة “قوائم الأعلى مبيعًا” فقاعة كبيرة يهدر فيها الكُتاب الملايين !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

تحت عنوان: “كيف تخدعنا قوائم الأعلى مبيعًا ؟”، نشر “ألكسندر لارمان”؛ الكاتب والصحافي البريطاني، في صحيفة (الناقد-The Critic) الأدبية المتخصصة، يقول؛ قُدر مؤخرًا أن معدل ارتفاع المبيعات لعمل ما يظهر ضمن قوائم الأعلى مبيعًا؛ هو حوالي: 13%. يزداد المعدل بشكل لافت في حال كان العمل رواية لكاتب غير معروف أو لم ينشر من قبل.

كل كاتبٍ، جربَ النشرَ؛ لديه حقيقةً الرغبة الأصيلة نفسها، سواء اعترف بها أم لا، وهي أن يصبح كتابه الأعلى مبيعًا. البعضُ يبتغي أعلى مرتبة في القوائمِ وأن يظل هناك لأسابيع، إن لم يكن لشهورٍ، فيما يغتبط آخرون لأسبوعٍ من التأرجح بين المراتب العشر الأولى، لكن في الحالتين يُصبح الشعور بالإنجاز ملموسًا. لقد أثبتت ثمرة مخيلة الكاتب، والتجارب التي خاضها، والبحث شديد التعمق، أنها تكفي لجذب تشكيلة واسعة من مشتريي الكُتب الغرباء، نجح أحدهم في أن يبيعها عددًا كبيرًا من النسخ، خلال وقت قصير جدًّا، فيُكافأ الكاتبُ وقتها بأن يبرزَ اسمه في قوائم الـ (صنداي تايمز)، في “بريطانيا”، أو في طبعة الـ (نيويورك تايمز)، في “أميركا”.

مكاسب يجنيها الكاتب..

ويُبين “لارمان” أن؛ المكاسب التي تعود على الكاتبِ من كونه الأعلى مبيعًا، ولو لأسبوعٍ واحدٍ، معروفة، فهي تتيحُ له الفرصةَ كي يزخرف رواجه بسحر تلك الجملة لوقتٍ طويل، وهو ما يعود عليه بفوائد هامشية كبيرة. يوضعُ الكُتاب الناجحون على الأرجحِ ضمن مستوى رفيع في المهرجانات الأدبية، وتُعرض عليهم فعاليات ربحية ليتحدثوا فيها، لذا فمن السهل على وكيل المؤلف، في مجال تنافسي ومزدحم، أن يحتد على الناشرِ حال المضي قُدمًا لنشر كتابٍ تالي.

يبقى للكاتب طبعًا حقه في الشعور بالفخر نتيجة لذلك؛ ولوقت طويل. بالرغم من ذلك، فالآن توجد وسائل تقنية متعددة يستطيع الكاتب أن يصف نفسه من خلالها بالكاتب الأعلى مبيعًا، ومعظمها غير متناول بجدية. كتابي الأخير مثلًا، (التاج الملكي)، في تدشين نسخته الإليكترونية، عبر (آمازون)، يقترب من قمة الأعلى مبيعًا في مجال “القانون الدستوري”. تلك القوائم تمنح السلطة، وما عداها مجرد مبالغات.

لذلك كانت التصريحات الأخيرة، بأن قوائم الـ (صنداي تايمز)؛ صارت تتباهى بطائر وقواق في عشه، مفاجئة. نشر الكاتب “مارك دوسون”، (روائي إنكليزي)، رواية الرعب (الماحي)، في أواخر حزيران/يونيو الماضي، وحينها دخلت ضمن العشر روايات الأعلى مبيعًا. ربما صدق من أزعجه قضاء وقت في تقييم وجودها، أن “دوسون”؛ الذي اجتهد في صنع علامة مسجلة بعد سلسلة متنوعة من كُتب الجريمة، تدور روايته حول شخصيات مثل: “جون ميلتون”، (شاعر وروائي إنكليزي)، و”بياتريس روز” و”إيزابيل روز”، وقد بنى ما يكفي في سيرته الذاتية ليضمن الاعتماد على روابط متحمسة وملتزمة من القراء يدفعون بتجربته الأخيرة إلى القوائم، ولأنه أيضًا نشر كُتبه مع ناشر مستقل، وهو منشورات “ويلبيك”، وبدأ حياته بالنشر الذاتي، فأصبحت منجزاته كلها مثيرة للإعجاب.

هكذا كانت الحال تقريبًا، ولكن ليس هذا كل شيء، إذ اعترف “دوسون”؛ وبكل صراحة، خلال محاورةٍ مؤخرًا، بأنه لاحظ أن مبيعات منتصف الأسبوع بلغت نحو: 1300 نسخة، الأمر الذي يجعله في المرتبة رقم: 13، وهو ما يُثير الإعجاب، حسب عدة معايير، لكن ليس بما يكفي ليضمن له المعيار الذهبي بأن يكون الأعلى مبيعًا. حينئذٍ وعلى حسابه الخاص، وبعد أن نال بعض عبارات الإعجاب من قراء أميركيين، ذهب إلى مكتبة محلية ودفع: 3600 دولار لشراء نحو: 400 نسخة من الكتاب، الأمر الذي ضمن له أكثر الأماكن المرغوبة في القائمة. حينئذٍ كان للموضوع أن يهدأ لولا أنه قرر أن يُشارك تفاصيل ما فعله، فبين في البث الصوتي الخاص بالنشر، وعلى مواقع التواصل، أنه تصرف هكذا مدفوعًا بالمصلحة التجارية وليس بسبب الغرور والطموح.

التلاعب في نظام اللعبة !

ويلاحظ “لارمان”، في دفاع “دوسون”، عن نفسه؛ أنه لا يبدو منتفعًا متهكمًا، بل شخص يبدو مستعدًا لدفع مبلغٍ وافرٍ من ماله حتى يروج لكتابه بشكل لائق. قُدر مؤخرًا أن معدل ارتفاع المبيعات لعمل يظهر ضمن قوائم الأعلى مبيعًا؛ هو حوالي 13%. يزداد المعدل بشكل لافت في حال كان العمل رواية لكاتب غير معروف أو لم ينشر من قبل. رغم ذلك تظل الفكرة بأنه لم يشارك في اللعبة بالطريقة التي تتوقع من كاتب، رجل أدبٍ، أن يسلكها. كاتبة روايات الرعب “كلير ماكنتوش”، التي كانت ضمن الأكثر مبيعًا، ولكن بشكل شرعي، كتبت إلى “داوسون”، على الملأ في مواقع التواصل؛ تقول: “مارك، إنني أكن احترامًا كبيرًا لما حققته باعتبارك كاتبًا ينشر على نفقته الخاصة، وتلك المرتبة في القائمة خير نتيجة لذلك. لكن، رغم ذلك، فمن الخداع ألا تشاركنا هنا أنك اشتريت: 400 نسخة من الكتاب بنفسك، لتتلاعب بالنظام بشكل مؤثر”.

مع أنه دافع عن نفسه بقوة واصفًا الكتاب بأنه بيع على نحوٍ فعال، ويمكن شحنه وإرساله بريديًّا بواسطة دار النشر، فما تزال هناك تداعيات. أعلنت خدمة “نيلسون بوك” للمسح، التي تراقب جميع مبيعات الكُتب في “بريطانيا”، وبناءً عليه تقدمُ البيانات المستخدمة لتجهيز القوائم، أنها جردت “دوسون” من موقعه في قائمة الأعلى مبيعًا. كان ذلك تحذيرًا لأي من المؤلفين الآخرين الذين قد يسعون لشراء طريقهم إليها ثم مناقشتهم حول ذلك علانية. كان يمكن لذلك أن يُنهي الأمر صراحةً، لكن كل ما فعله في الحقيقة هو أنه سلط الضوء على حقيقة محرجة ومبتذلة، وهي أن قوائم الكُتب، المعيار الذهبي الواضح للنجاح التجاري الأدبي، يمكن التلاعب بها، وكل ما تحتاجه هو الدفع نقدًا.

الدفع نقدًا..

ويقر “لارمان”؛ أحد أسباب كوني أقل تفاجئًا من آخرين، أنني أعرف كاتبة واحدة على الأقل اشترت طريقها نحو قائمة الأعلى مبيعًا بكتابها الأول. كانت امرأة لديها موارد مالية بالفعل؛ قبل أن تبدأ عملها الأدبي، لذا فقد ضمنت أنها في وضع مالي يسمح لها بأن تشتري نسخًا من عملها الأول بكميات معينة، أو تطلب من الآخرين أن يفعلوا قبل أن تسدد لهم. ونجحت مقامرتها. لم يتوقف الأمر عند الإشادة بكتابها نقديًّا وحسب، وهو الوضع الذي ربما كانت لتجد نفسها فيه وقد أصبحت الكاتبة الأعلى مبيعًا من دون اعتراض، بل إن حضورها في القوائم جعل منها نموذجًا ذائع الصيت للنجاح. لقد أخبرتني بأنها أنفقت نحو: 20 ألف جنيه إسترليني لشراء نسخٍ من الكتاب، وهو مبلغ أكبر من المبلغ الذي سُدد مقدمًا وتحصلت عليه من الناشر مقابل أعمالها المستقبلية.

كانت تلك الممارسة متفشية في “أميركا” لسنوات. عُرف عن الروائية، “جاكلين سوزان”، المعروفة بروايتها: (وادي الدُمى)، أنها كانت تسافر من مكتبة إلى مكتبة عبر البلاد، حيث تشتري أكبر قدر ممكن من نُسخ كتابها حتى توقعه، فنفهم من ذلك أنها تعدُ الكتاب الموقع ضمن الكُتب المشوهة؛ ولا يمكن إرجاعه للناشر. كان تعليلها لذلك بأن تكسب أكبر قدر ممكن من المال في وقت قصير، بعد تشخيصها بمرض سرطان الثدي في عمر الرابعة والأربعين، وعلى هذا فقد جعلت نفسها أول كاتبٍ يتربع على قمة الأعلى مبيعًا في قائمة ال (نيويورك تايمز)؛ بثلاث روايات متتابعة. أسس ذلك لنوعٍ من اللهو الوطني تفشى في القوائم الأميركية كلها، لذلك صار هناك الكثير من الجدل ونماذج الغش في السنوات الأخيرة.

دائمًا ما توجد هناك شركة للتسويق، مثل “ريزلت سورس”، التي تضمن لعملائها مركزًا متميزًا في صدارة قائمة الأعلى مبيعًا مقابل عربون كبير، يذهب معظمه في شراء أكبر قدرٍ من نُسخ كتاب المؤلف خلال أسبوع النشر.

تخرج طبعًا اتهامات بالتحيز، إذ أعلنت دار نشر “ريغينري” المحافظة؛ عن تلاعبٍ بمبيعات عناوينها بشكل ظالم، نتيجة للتحيز الكبير من الصحف، ولذلك فإن مؤلفيها مُنعوا من وقتها من التتويج بلقب الكاتب الأعلى مبيعًا لقائمة (نيويورك تايمز). قد تدحض ذلك مبيعات كتاب (آثار)، لـ”دونالد ترامپ” الابن، التي تصدرت القائمة العام الماضي، إذ لم تكن بسبب أن اللجنة القومية لـ”الحزب الجمهوري”؛ اشترت الكتاب بالجملة، وقدمت نُسخًا موقعة لأعضائه مقابل التبرع لتمويل الحزب. وكان “ترامپ” الابن يمشي على خطى أبيه في هذا الأمر، كما في غيره. يُتهم الرئيس السابق بأنه أمر طاقمه بشراء آلاف النسخ من كتابه: (فن الصفقة)؛ الذي كتبه كاتب شبح في أواخر الثمانينيات، حتى يضخم مبيعاته بشكل مصطنع، وهو ما قد يفسر لماذا كان ذلك كتابه الوحيد الذي عاد عليه بربح.

ويضيف الكاتب بأنه؛ رغم ذلك ما تزال الممارسات الكبيرة من ذلك المستوى نادرة وغير معروفة عمومًا في “بريطانيا”، رغم وجود أمثلة ذات تكلفة وموسمية، عندما يبدو أن السير الذاتية للسياسيين وما يشبهها تبيع أكثر مما تستحقه سمعة الشخوص أنفسهم.

ندر أن تجد كاتبًا لا يتملق أصدقاءه من أجل شراء نسخ إضافية في أسبوع النشر ليحاولوا ويوجهوا تلك المبيعات الحاسمة للأعلى، لكن ذلك يبدو تمامًا التلاعب نفسه بالنظام، وعلى مستوى أكبر. لذلك فـ”دوسون” يشير إلى نفسه، خاصة الآن، بأنه الكاتب الأعلى مبيعًا سابقًا. أصبح في الأمر نذيرٌ لكُتاب كثيرين ممن قد يعتبرون ذلك إنفاقًا مهمًّا من أجل التسويق، بدلًا من أن يستأجروا خبيرًا دعائيًّا أو مستشارًا، وذلك بالنسبة لهم أفضل من شراء نُسخ إضافية من كُتبهم، إن لم يكن كل النسخ، بحذر، وأن يثقوا بالتوقعات بأن الكتاب الجيد فعلًا سيجد مكانه في قائمة الأعلى مبيعًا، من خلال مزاياه وحدها، الأمر الذي يضمن مكافأة أخلاقية ومالية أكبر.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب