21 ديسمبر، 2024 11:06 ص

منطقة الصراع.. ونجاحات العراق المتحققة في السياسة الخارجية

منطقة الصراع.. ونجاحات العراق المتحققة في السياسة الخارجية

إعداد/ أيمن عبد الكريم حسين
يمثّل تحديد مفهوم السياسة الخارجية للدولة بما يميزها عن بقية الدول من فاعلية وتأثير في الساحة العالمية أمراً غاية في الصعوبة في بعض الأحيان، حيث اختلفت الآراء في تحديد تعريف السياسة الخارجية، فيرى بعضهم أنها “تلك الأفعال الهادفة والمؤثرة للدولة والموجهة نحو خارج حدودها”[1]، ويحددها الرأي الآخر بأنها “برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الدولي”[2]، وعلى الرغم من اختلاف حدود السياسة الخارجية وتعددها إلّا أنها تشير بمجملها إلى أي نشاط خارجي للدولة مع الفاعلين الدوليين في النظام الدولي، أي: هو ذلك النشاط الموجه نحو الخارج؛ بغية تحقيق الأهداف المرسومة للدولة، وتعدُّ السياسة الخارجية لأي دولة “المرآة العاكسة للنظام السياسي الذي بواسطته تُعامل المجتمع الدولي سلباً أو إيجاباً”[3]، إذ تتحرك الدولة في سياستها الخارجية نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية مع الدول الأخرى على وفق مصالحها القومية أو الوطنية، وقد تعمل على تنفيذها من خلال عدة أدوات أبرزها هي دبلوماسية الدولة التي تعكس السياسة الخارجية لها، ونظرة نخبها السياسية لمصالح البلد العليا “التي يتأثر تحديدها ليس على طبيعة النظام السياسي فحسب، بل أيضاً بمدى تمثيله لمصالح أغلبية المجتمع وتطور مؤسساته ووضوح نظامه السياسي”[4]، بمعنى: أن السياسة الخارجية هي الوجه التشريعي لإدارة العلاقات الدولية.

وترتبط السياسة الخارجية للدولة بسياستها الداخلية من حيث صناعة القرار وأهداف السياستين ومستوى صنعهما، أي: لا يمكن لأي صانع قرار خارجي النجاحُ بنحوٍ كبير ما لم يحقق متطلبات الأفراد في الداخل؛ لأن عدم تحقيقها يسبب مشكلات تُعيق صانع القرار في مجال عمله الخارجي، وأن طبيعة النظام السياسي وشكله القائم في الدولة لهُ أثر في سياستها الخارجية، فضلاً عن طبيعة المجتمع التي تؤثر على السياسة الخارجية في بعض الأحيان وتدفعهُ باتجاه دول أو منظمات معينة وتمنعهُ من ذلك؛ فهي بالتالي تمثل دوافع ومحددات لصانع القرار السياسي، فالسياسة الخارجية كيفما كانت طبيعتها فهي بالمحصلة تمثل انعكاساً للسياسات الناتجة عن تفاعل متغيرات البيئة الداخلية؛ لأن “السياسة الخارجية تبدأ حين تنتهي السياسة الداخلية”[5]، وقد استندت السياسة الخارجية العراقية ما بعد عام 2003 إلى جملة من المبادئ التي تترجم حرص العراق كدولة محبة للسلام ومتعلقة بالشرعية الدولية على تقوية أسباب التفاهم والتسامح والتضامن بين الدول والشعوب، وإضفاء مزيد من الديمقراطية والتوازن في العلاقات الدولية وتعميم الأمن والاستقرار وتتلخص هذه المبادئ بالآتي:

التمسك بالشرعية الدولية واحترام مقتضياتها وقراراتها.
التعلق بالسلم وتغليب منطق الحوار والتفاوض والوسائل السلمية كسبيل لفض الخلافات والنزاعات.
تطوير العلاقات الدولية في كنف الاحترام المتبادل والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
المساهمة في كل جهد وعمل جماعي لخدمة السلم والأمن والاستقرار والنهوض بحقوق الإنسان.
إن المبادئ المذكورة آنفاً وغيرها تندرج ضمن ثوابت السياسة الخارجية العراقية، وتشكل الإطار العام الذي تتحرك من خلاله الدبلوماسية العراقية التي تجسد توجهات السياسة الخارجية العراقية التي يصوغها رئيس الوزراء ويحدد أبعادها كونه المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة[6]، فقد سعى العراق بعد عام 2003 إلى إقامة أفضل العلاقات مع الجوار الإقليمي انطلاقاً من الوفاء الكامل لمقومات الهوية العربية والإسلامية له، فضلاً عن إقامة علاقات قوية على الصعيد الدولي من أجل تعزيز مكانته السياسة والاقتصادية في إطار علاقات قائمة على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل بشؤون الدول الداخلية، فضلاً عن قيام العراق بدعم الجهود الدولية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين من طريق التوقع على معاهدات حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل ونزع الاسلحة الكيميائية وغيرها من المعاهدات الدولية، وسعى أيضاً إلى عدم الدخول في سياسة المحاور والعمل باتجاه تصحيح الاختلالات القائمة في توازنات العلاقات الدولية وتكريس مبدأ التكامل في المصالح المشتركة، والعمل على تبني خطاب خارجي معتدل حتى مع الدول التي لها موقف سلبي تجاهه.

ومن جانب آخر أثرت منطقة الصراع الدائر في الشرق الأوسط بين القوى الكبرى والفاعليين الدوليين بنحوٍ كبير على سياسة العراق الخارجية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط بنحو خاص، مما أدى ذلك إلى مرور السياسة الخارجية العراقية ولمدة ليست بالقصيرة بعقبات أسهمت بابتعاده عن محيطه العربي؛ نتيجة لعوامل كثيرة كان أهمها حربه ضد الإرهاب، فضلاً عن الميراث الثقيل الذي ورثهُ من الخلافات والإشكالات التي تحدُّ من تعاونه مع بعض دول الجوار، ولكن سرعان ما عمل العراق على استعادة دوره في محيطه الإقليمي من طريق خطاب موحد عبَّرَ من خلاله عن ضرورة تعزيز علاقاته مع الدول الصديقة والشقيقة على مختلف الأصعدة، ووقوفه على مسافة واحدة مع الدول كافة؛ فمن هنا نجح العراق بسياسته الخارجية هذه إلى ترميم ما تم تهديمه وإعادة بناء قواعد جديدة في علاقته مع دول العالم، “ونجح بذلك في وقت قياسي على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي مر بها في زرع الثقة وإعادة التوازن والعلاقات مع العديد من الدول وفتح العشرات من السفارات والممثليات في عشرات الدول العربية والعالمية وأصبح لهُ دور فاعل في اجتماعات ونشاطات المنظمات الدولية بصفة دولة لها أثر ووزن إقليمي وأفق استراتيجي”[7]؛ مما انعكس ذلك إيجاباً على تمثيله في المنظمات الإقليمية والوقوف معهُ من قبل مختلف الدول في تلك المنظمات عَبرَ خطاباتها وزياراتها المتعددة للعراق، فضلاً عن تمثيله في المنظمات الدولية وتقديم المبادرات لحل الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وتسنمه مقعداً في مجلس حقوق الإنسان[8]، كذلك بتصفية بعض الملفات والقضايا العالقة مع دول الجوار والوصول إلى حلول سياسية واقتصادية تحت مظلة دولية؛ كل ذلك أعطى دافعاً قوياً إلى تضافر الجهود الدولية لدعم العراق في مسيرته الديمقراطية الجديدة وفتح صفحة جديدة للعلاقات بين العراق ودول العالم، إذ “إن جزءاً أساسياً لتعاملاتنا وتعاطينا مع الآخرين يتعلق بمدى فهمنا لهم أولاً، ومعرفة أصول العمل الدولي وقواعد التعاطي السياسي والاقتصادي معهم أيضاً”[9]، بمعنى أن على صانع القرار السياسي الخارجي في العراق عليه مراعاة ما الذي تريدهُ الدول من العراق، ومن ثم يتعامل معها على أساس الإمكانات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها؛ بغية تحقيق الأهداف المنشودة لسياسته الخارجية والمحافظة عليها، ولاسيما أن وضع الأهداف وتحقيقها على الصعيد الداخلي والخارجي يخضع لواقع الظروف الدولية المتغيرة بين الحين والآخر؛ لذلك يُعدُّ تشخيص المصلحة العليا للدولة على المستويين الداخلي والخارجي مساعداً في اختيار الشريك الاستراتيجي، وبناء علاقات اقتصادية وسياسة وعسكرية معه، كذلك ما تؤكده الأدبيات السياسية في العلاقات الدولية أن الدول المضطربة تعمل في العادة على إقامة تحالفات مع دول كبرى لا تجاورها جغرافياً؛ من أجل مساعدتها للتغلب على العقبات التي تقف في طريق تحقيق أهدافها، وهذا ما سعى إليه العراق بعد عام 2003 من إقامة علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من الدول الكبرى من أجل إعادة ترميم بناه التحتية، وتوقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية تنسجم مع تطلعات العراق ونظامه السياسي الحالي؛ لمواكبة التحديات والتغيّرات في البيئة الدولية، ولكن التساؤل الأهم هو كيف يمكن للعراق المحافظة على أبرز المكتسبات التي حققها على الصعيد الإقليمي والدولي؟ فتكمن الإجابة على هذا التساؤل بالآتي: إن على العراق وصانع القرار السياسي الخارجي تشخيص الأولويات الرئيسة التي تحقق الاستقرار الداخلي الذي يُساعِد في الحفاظ على هذه المكتسبات التي تتمثل بالأمن الوطني العراقي ومعالجة الملفات العالقة مع دول الجوار المتمثلة بترسيم الحدود وتقاسم المياه، فضلاً عن الملف الأهم وهو الحرب ضد الإرهاب بكل إشكاله وحماية حدوده، فضلاً عن الأزمة المالية، وتنويع إيرادات العراق المالية وغيرها من الأولويات التي لا بُدَّ أن تُعالج آنياً.

ولكي يستطيع العراق ضمان انسيابية علاقته الإقليمية والدولية لا بد له من تهيئة كوادره التي تكون في موقع التعامل مع دول العالم، ولاسيما الكوادر العاملة في وزارة الخارجية والملحقيات العاملة في الخارج وتقوية قدراتهم[10]، فإن لتعزيز صورة العراق الجديد أهميةً بالغة في البيئة الدولية، كون ذلك يضفي نوعاً من المصداقية وزيادة فرص الشركاء الدوليين والمؤسسات الدولية والتعاون معها في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد وواضحة المعالم والأهداف؛ من أجل رسم سياسة خارجية هادفة، وممكنة التنفيذ، وأكثر اتزاناً.

[1]– مازن إسماعيل الرمضاني، السياسة الخارجية (دراسة نظرية)، كلية العلوم السياسة – جامعة بغداد، ١٩٩١، ص: ١٣.

[2]– محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، ط٢، دار الجيل، بيروت، ٢٠٠١، ص: ١٢.

[3]– أحمد عارف الكفارنة، العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية، مجلة دراسات دولية، العدد٤٢، الجزائر، ص: ١٣.

[4]– فوزي عبد الرحيم، حول السياسية الخارجية العراقية، صحيفة العالم الجديد، ١٤ أيلول ٢٠١٦، أنظر الموقع الإلكتروني الآتي:

http://al-aalem.com/

[5]– Henry A. Kissinger, Domestic Politics and Foreign Policy, in: James N. Rosenau, International Politics and Foreign Policy. The Free Press, New York, 1969, p 261.

[6]– المادة 78 الدستور العراقي لسنة 2005، http://www.cabinet.iq/PageViewer.aspx?id=2.

[7]– رؤى خليل سعيد، الأدوات الدبلوماسية للسياسة الخارجية العراقية تجاه دول الجوار (تركيا-إيران)، الحوار المتمدن، العدد 4775، 12-4-2015. (بتصرف)

[8] – http://www.ohchr.org/AR/HRBodies/HRC/Pages/CurrentMembers.aspx

[9]– لقمان الفيلي، الإطار الاستراتيجي لسياسة العراق الخارجية، جريدة الصباح، 4-1-2015، للمزيد:

http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=83800

[10]– ينظر: سعد كركوش الجابري، صحيفة البينة الجديدة، 22-3-2016 للمزيد:

http://albayyna-new.com/لمحات-في-السياسة-الخارجية-العراقية
المصدر/ مركز البيان للدراسات والتخطيط

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة