خاص: إعداد- سماح عادل
سنحاول التعرف علي (مقياس ستانفورد بينيه للذكاء) والذي يتم استخدامه حتى الآن لقياس مستوي ذكاء الأطفال في مختلف بلدان العالم.
ألفريد بينيه..
ولد في الثامن من شهر تمّوز من عام 1857م في مدينة نيس، والتحق في جامعة باريس لتلقي علومه الجامعية، وقد ترك أثرا عميقا في مجال علم النفس بعد وفاته في الثامن عشر من شهر تشرين الأول من عام 1911م في باريس.
يُعتبر عالم النفس الفرنسي “ألفريد بينيه” أنه المبتكر الأول لمقياس نسبة الذكاء، وكان يهدف في ابتكاره هذا لتحديد الفئة الخاصة من الطلبة ويعتبرون بذلك أنهم بحاجة إلى مساعدة خاصة في المناهج الدراسية، إن الفضل في وضع مقياس الذكاء لا يُعزى إلى ألفرد بنيه فقط، بل سانده في إتمام ذلك العالم الفرنسي “ثيودور سيمون” حيث أقدما معاً خلال الفترة 1908-1911م على نشر تنقيحات خاصّة بمقياس الذكاء، وجاء ذلك قبل وفاة “ثيودور سيمون” بفترة وجيزة.
مقياس نسبة الذكاء قد خضع للتعديلات الإضافية في عام 1916م على يد العالم “لويس تيرمان” في جامعة ستانفورد، فجاء بفكرة قياس الذكاء كنسبة وأطلق عليها مُسمّى “مقياس ستانفورد- بينيه للذكاء”، تمكن العالم بينيه مع حلول عام 1908م من وضع مقياس خاص للتحديد العمري العقلي للإنسان تحت مسمى “مقياس لمفهوم العمر العقلي Mental Age، وبناء على ما تقدم فقد حدد مجموعة من المستويات العمرية تناسب عددا من المهام الموكولة إليها، أي إنه قسم المستويات وفقا لقدرة العقل على إنجاز هذه المهام ويرتبط العمر العقلي بمدة زمنية محددة.
وفيما بعد شكل علم نفس الأطفال واحدا من المجالات الحيوية لأعمال “بينيه” وتجسد هذا الاهتمام بتأسيسه لمخبر التربية التجريبية في مدرسة شارع كرانج أوبيل وذلك بالتعاون مع فاني، كما تجلى اهتمامه هذا بالطفولة أيضا في كتابه الأخير الموسوم بـ “الأفكار المعاصرة حول الأطفال” والذي كان خاتمة أعماله في عام 1911، ويشتمل هذا الكتاب على تصورات “بينيه” حول التعلم والتعليم التجريبي في زمنه وينطوي على خلاصة أفكاره في مجال التربية.
مقياس بينيه للذكاء..
يتجسد عطاء “بينيه” العلمي في جهوده التي أدت إلى بناء أول ركائز عملي للذكاء في مجال علم النفس. وقف له، مع زميله سيمون، مدة عشر سنوات لبناء المقياس الذي سمي باسمهما “تصنيف الأفراد وفقاً لقدراتهم العقلية”.
إذ ظهرت مقالة “بينيه وهنري بييرون” ينقدان فيها الاختبارات المستعملة لقياس الذكاء في ذلك الوقت، وعكف “بينيه” مع “سيمون” لوضع مقياس الذكاء والقدرات العقلية المنشود، وتم ذلك في عام 1905.
وقد مثل هذا الاكتشاف ميلاد علم نفس الفروق الفردية المعروف بأهدافه ومناهجه في دراسة الفروق الفردية لمختلف الوظائف العقلية، إذ نشر كتابه الموسوم «دراسة تجريبية في الذكاء» عام 1902، وانطلاقاً من تحليله لعمليات الذكاء
يشير بينيه إلى وجود نوعين هما:
الذكاء الذاتي
الذكاء الموضوعي
ومنه استوحى يونغ “الشخصية الانطوائية والشخصية المنبسطة.”
واستجابة لدعوة جادة من وزارة المعارف الفرنسية في عام 1904 التي أعلنت عن الحاجة الماسة لإيجاد مقياس عقلي لاصطفاء التلاميذ القاصرين عقلياً ومساعدتهم في الارتقاء بقدراتهم التعليمية والعقلية.
ترتب على “بينيه” الذي كان واحدا من أعضاء اللجنة التي شكلت لهذا الغرض أن يرسم أفضل المناهج من أجل اصطفاء الأطفال الذين يعانون من ذكاء منخفض.
وفي أقل من سنة أُعدّ المنهج المطلوب ونشره عام 1905 في حولية علم النفس تحت عنوان: «مناهج جديدة لتشخيص المستوى العقلي للمتخلفين». ومع أن هذا العمل قد ظهر سريعا إلا أنه يمثل خلاصة جهود “بينيه” لمدة عشرين عاماً.
لقد تضمن الكتاب سلسلة من (ثلاثين اختباراً)، وذلك لقياس مستوى ذكاء الأطفال. وقد خضع هذا المقياس لمراجعة بينيه وسيمون عام 1908 وإجراء بعض التعديلات عليه. وظهرت في عام 1911 نسخة محسنة للاختبار وذلك قبل موت بينيه بقليل من الزمن.
كان اختبار الذكاء الذي ابتكره بينيه وسيمون عام 1905 أول اختبار عقلي قابل للتطبيق، وقد عرف بينيه على أثر ذلك بوصفه مؤسس مناهج القياس العقلي.
ويرتكز هذا النجاح الكبير لبينيه إلى ثلاثة عوامل:
1- أن بينيه كان يعترف بوجود وظيفة عامة للذكاء العام.
2- وأن هذا الذكاء قابل للقياس بوساطة اختبارات، وهي اختبارات لا تتجه إلى قياس العمليات العقلية الأولية فحسب، بل تسعى لقياس الوظيفة العليا للنفس الإنسانية.
3- ويضاف إلى ذلك كله أنه اعتمد وحدة قياس ذهنية تتيح له أن يدرك مستوى الذكاء على نحو كمي متدرج. ولقي المقياس نجاحا كبيرا في الستينات من القرن العشرين.
مكونات مقياس بينيه للذكاء..
يفصح الذكاء عن نفسه كما يعتقد بينيه في أربع من القدرات العقلية الأساسية هي:(الفهم، والابتكار، والنقد، والقدرة على الحكم.) ومن هذا المنطلق بدأ بينيه يصوغ أنواعا من الاختبارات تجس العقل في هذه النواحي المختلفة حيث ينطوي المقياس على (اختبارات للفهم والتذكر والموازنة، ومقاومة الإيحاء والاستخدام الصحيح للغة) ويتألف من 30 سؤالا مرتبة حسب درجة صعوبتها. وراعى بينيه في وضع بنود المقياس أن تكون هذه البنود قادرة على قياس الذكاء الذي يعتمد على الخبرات المشتركة للأطفال دون أن تتأثر بالمعلومات المكتسبة ويصلح هذا المقياس لقياس ذكاء الأطفال من الذين تقع أعمارهم بين الثالثة والحادية عشرة.
عدل بينيه مقياسه مرات عديدة وكان آخر تعديل له سنة وفاته عام 1911. وحدد لكل عمر من الأعمار مجموعة من الأسئلة التي تناسبه.وتتألف كل مجموعة من ست أسئلة وبذلك يكون أول من وضع أول وحدة في القياس العقلي وهو العمر العقلي). وقد قدر لمقياس بينيه أن ينتشر في أنحاء العالم وترجم إلى الكثير من لغات العالم وزاد عليه العاملون في هذا الميدان حيث عدله لويس ماديسون تيرمان (1877- 1956) في جامعة ستانفورد في أمريكا، ونشره عام 1916 تحت اسم مقياس ستانفورد بينيه للذكاء.
التطور التاريخي لمقياس ستانفور- بينيه ..
أولا: مقياس بينيه- سيمون..
في البداية قام بينيه وزملاؤه بقياس المهارات الحسية والحركية كما فعل فرنسيس غالتون (1822-1911) ولكنهم سرعان ما تحققوا من أن مثل هذه المقاييس لا تعطي المعلومات المرغوبة، ومن ثم بدأوا في تقويم الوظائف المعرفية وهي حيوية التخيل، طول ونوعية الانتباه، الذاكرة والأحكام الجمالية والخلقية، التفكير المنطقي، القدرة علي فهم الجملة، وقام (بينيه) بجمع بعض المهام العقلية لتقدير تلك القدرات وبدأ باختبار المفردات في إحدى مدارس الأطفال بباريس .فأخرج بالاشتراك مع زميله (سيمون) أول مقياس للذكاء من نوعه يتكون من ثلاثين سؤالا متدرجة في الصعوبة للأطفال ما بين 3 سنوات و11 سنة للتمييز بين العاديين والشواذ في الذكاء، وقد تم تجريب هذا الاختبار علي مجموعتين من الأطفال إحداهما عادية والثانية شاذة.
وفي مؤتمر عقد في روما في أبريل عام 1905، قرأ دكتور هنري بوني (1830-1921) تقريرا أعده (الفريد بينيه- سيمون)، حيث أعلنا أن تطوير المقياس الموضوعي قادرا علي تشخيص درجات مختلفة من حالات التخلف العقلي، وبعد حوالي الشهرين تم الإعلان عن اختبار بينيه- سيمون للذكاء وذلك في عيادة نفسية في باريس.
وهذا المقياس (الاختبار) يغطي وظائف متعددة وهي الحكم، والفهم، والاستدلال (الوظائف اعتبرها (بينيه) مكونات أساسية للذكاء)، وتم تقنين المقياس علي عينة بلغ حجمها 50 طفلا.
وقد أعد (بينيه) مقياسه ليقيس جميع الملكات القابلة للقياس والمرتبطة بمستويات النمو العقلي، مكون من عدد كبير من الأسئلة التي لم ترتب بالنسبة للعمليات العقلية التي يقيسها، وإنما رتبت بالنسبة لصعوبة الفقرة، حيث أن السؤال الأول يكون أسهلها والأخير أصعبها، وفكرة الاختبار مبنية علي قياس العمليات العقلية العليا، والتي كانت في نظر (بينيه) أنها عمليات تركيبية ابتكارية ذاتية النقد، كما أن الذكاء عملية معقدة التكوين متعددة الجوانب والمظاهر.
تعديل عام 1908..
في هذا التعديل تم إضافة بنود (أسئلة) جديدة وحذفت البنود التي لم تثبت صلاحيتها، وقد صنفت هذه البنود في مستويات عمرية، أي طبقا لمستويات العمر ومستوي صعوبتها، فقد حدد مستوي صعوبة السؤال تجريبيا من خلال حساب النسبة المئوية لعدد الأطفال الذين يجيبون عن كل سؤال إجابة صحيحة.
أطلق علي المقياس الجديد (نمو الذكاء عند الأطفال) وقد تحول تركيز هذا المقياس من غير الأسوياء إلي الأسوياء، كما استبعدت اختبارات المعتوهين، وقد اشتملت عينة التقنين علي 203 من الأطفال، والعمر العقلي يتحدد بالعمر القاعدي (العمر الزمني الذي يجتازه الطفل ويجتاز الأعمار السابقة عليه) ثم يضاف إليه عام إضافي لكل 5 أسئلة من المستويات الأكثر.
ولكن ما يؤخذ على هذا التعديل هو أن بعض الأسئلة فيه كانت تتأثر بما درسه التلاميذ في المدرسة، كما أن عدد الأسئلة في الأعمار المختلفة لم يكن متساويا وأن تعليمات إعطاء الاختبار لم تكن كاملة، وأن الأسئلة كانت سهلة جدا في الأعمار العليا إذا كانت عالية بالنسبة للفئات الدنيا ومنخفضة بالنسبة للفئات العليا. بالإضافة إلى ذلك فإن درجة العمر العقلي لا تفهم كمعيار للتفوق والتخلف إلا إذا ارتبطت بالعمر الزمني للطفل.
تعديل عام 1911..
في هذا التعديل تم إضافة وحذف بعض الأسئلة في بعض الأعمار، إلا أن هذا التعديل لم ينل النجاح الذي نالته الصورة المنشورة عام 1908 والتي تم ترجمتها إلى عدة لغات.
قام (بينيه) بتعديل المقياس عام 1911 ونشره باسمه منفردا، وأصبح يقيس ذكاء الفرد حتى سن الرشد، وقد تضمن هذا التعديل أيضا إعادة ترتيب الاختبارات مرة أخرى، وزيادة عددها بحيث أصبح عدد الاختبارات داخل المقياس 54 اختبارا بزيادة قدرها 24 اختبارا عن الصورة الأصلية الصادرة عام 1905. وحدد (بينيه) عـدد من الاختبـارات (الأسئلة) في كل مستوي عمـري فجعله (5 أسئلة لمستوى 15، 5 أسئلة لمستوى الراشد)، وبعد تساوي عدد الأسئلة في كل مستوى أمكن إعطاء كسور من العمري العقلي.
مقياس ستانفورد- بينيه – تيرمان تعديل 1916..
إن أكثر محاولات تعديل المقياس شهرة في تاريخ القياس النفسي هي محاولة لويس ماديسون تيرمان (1877- 1956) أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد، وتم عرض المقياس باسم مقياس ستانفورد- بينيه للذكاء، ظهرت الطبعة الأولي لهذا المقياس عام 1916.