وكالات – كتابات :
يُعتبر “مقياس النيل”؛ في “الروضة”، ثاني أقدم الآثار الإسلامية في “مصر”، والذي بُنِي في عهد الخليفة “المتوكّل”؛ بالعصر العبّاسي، بعد مسجد “عمرو بن العاص”، في مدينة “الفسطاط”.
صحيحٌ أن أهمية الآثار الإسلامية تنطلق من أهميتها الدينية، إلا أن الناحية الحضارية لا تقلّ أهميّة أبدًا عن الناحية الدينية. فالآثار هي دليلٌ واضح، وشاهدٌ أيضًا، على عمق الحضارة الإسلامية عبر التاريخ.
“مقياس النيل”، في الطرف الجنوبي لـ”جزيرة الروضة”؛ بمدينة “القاهرة”، ظلّ وسيلة المصريّين لمئات السنين للتنبؤ بمؤشر “نهر النيل”، وما يمكن أن يكون عليه وضع المياه في مواسم الزراعة المختلفة.
من خلال المقياس، كانت تتحدّد كمية وأنواع المحاصيل التي يمكن زراعتها خلال العام كلّه. ولعلّ المعلومة التي قد لا يعرفها الكثيرون، أنه – وعلى أساس منسوب المياه داخل المقياس – كان يتمّ تحديد الضرائب للعام الزراعي التالي.
“مقياس النيل” لتحديد نسبة الضرائب..
يعود التاريخ الذي شُيّد فيه “مقياس النيل” إلى فترة الحكم الإسلامي في العصر العباسي، وبالتحديد في عام 861م، وكان ذلك في عهد الخليفة “المتوكّل على الله” العباسي، أي منذ أكثر من 1150 عام تقريبًا.
وبحسب موقع “وزارة السياحة والآثار”؛ في “مصر”، فقد كان “نهر النيل” يفيض سنويًا ويُغرق الحقول المحيطة به، قبل بناء “السدّ العالي”؛ في “أسوان”؛ عام 1960. وكانت مياه الفيضان المرتفعة تتسبّب بجفاف الأراضي الزراعية، قبل أن تنحسر في نهاية العام، ممّا يعطل عملية الزراعة.
فاستُخدم المقياس لمعرفة مستوى الفيضان، والأهم: لتحديد نسبة الضرائب التي تُفرض على أصحاب الأراضي الزراعية، المستفيدين من مياه “نهر النيل”، وكان هذا الغرض الأساس من بناء المقياس.
والمقياس هو النسخة الرابعة، بعد 03 مقاييس فرعونية أخرى سبقته، وقد خضع للعديد من عمليات الترميم واستمرّ في أداء مهمته حتى عهدٍ قريب من بناء “السدّ العالي”، قبل 100 عام فقط.
ويُعتبر أقدم مبنى تمّ بناؤه بعد الفتح العربي؛ في العام 641م، والذي حافظ على شكله الهندسي الأصلي.
عراقي شيّد “مقياس النيل” بأمرٍ من الخليفة المتوكّل..
في حديقة “مقياس النيل”؛ بـ”جزيرة الروضة”؛ يقف تمثالٌ أنيقٌ في حديقة المقياس، لـ”أحمد الفرغاني”، واسمه الكامل: “أبوالعباس أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني”.
وهو عالم رياضيات وفلكي ومهندس، بزغ نجمه لدى بلاط الدولة العباسية، فأوفده الخليفة “المتوكّل” العبّاسي من “العراق” إلى “مصر” لبناء “مقياس النيل”، الذي يُعدّ ثاني أقدم أثرٍ إسلامي في “مصر”؛ عام 861م (247هـ)، بعد مسجد “عمرو بن العاص”؛ في مدينة “الفسطاط”.
المقياس عبارة عن عمودٍ رخامي مُثمّن الشكل، يقف بداخله، طوله: 19 ذراعًا. ويتوسّط المقياس بئرٌ مبطّنة بالحجر، قمّتها مستطيلة وقاعها مستدير، وقد حُفرت على جدرانها الآيات القرآنية التي لها علاقة بالمياه والنباتات والرخاء، وكذلك علامات القياس التي استُخدمت لتحديد ارتفاع الفيضان.
تقول “مروة ربيع”، مدبّرة “متحف مقياس النيل”، إن الطبقة السفلية من المقياس مصنوعة على شكلٍ دائري لأسباب هندسية. فالدائرة هي الشكل الوحيد الذي يجعل المياه تدخل بانسيابية، من دون اندفاع.
وتُضيف، في حديثٍ إلى قناة (الغد): “حين تدخل المياه وتهدأ، بعيدًا من التيارات المائية، تصعد إلى المربّع في الطابق الأعلى. وحين تصل المياه إلى مستوى: الـ 16 ذراعًا، تكون بذلك قد وصلت إلى المنسوب المثالي لزراعة كلّ المحاصيل”.
قبل قرنٍ واحدٍ فقط، بُني غطاءٌ هرمي للمقياس يُشبه القلم. لكن ميزة المقياس الأساسية، من الناحية الهندسية، هي الطراز الإسلامي الموجود بداخله.
اليوم؛ أصبحت هناك “بحيرة السدّ العالي”؛ التي بُنيت في القرن الـ 20، فتوقف عمل “مقياس النيل”. والمقياس في البحرية بات يُنسب إلى سطح البحر، عكس المقاييس في العصور القديمة، يعني يُقال مثلاً: منسوب البحيرة هو: 180 مترًا فوق سطح البحر.
ولكن هناك أيضًا طرق لمعرفة المناسيب التي تترجم إلى كميات، من خلال الأقمار الصناعية.
خصائص “مقياس النيل”..
مراحل بناء المقياس تتّسم بالتنظيم الدقيق، منذ البدء في حفر البئر والأنفاق الموصلة إليها، وحتى إنتهاء العمل تمامًا في بنائها: جدرانها، وأنفاقها، والعمود الذي وُضع في محور البئر تمامًا.
والحفرة التي أُنشئت لبناء البئر مربّعة، لا يقلّ عرضها عن عشرة أمتار، ويصل ارتفاعها إلى: 12 مترًا. لذلك، ومن أجل بنائها، كان يستلزم حفر: 1200 متر مكعّب على الأقلّ من الأتربة والطين.
وهذا المقياس الأثري عبارة عن:
عمود رخامي يرتكز على قاعدة من الخشب الجميز، الذي لا يتأثر بالمياه، ومُثبّتٌ من أعلى بواسطة جائز شداد.
بئر مربّعة مشيدة من ثلاث طبقات: السفلى على هيئة دائرة، تعلوها طبقة مربعة ضلعها أكبر من قطر الدائرة، والمربع العلوي والأخير ضلعه أكبر من المربع الأوسط.
درجٌ حول جدران البئر من الداخل، يصل إلى القاع.
ثلاث فتحات في الجانب الشرقي، توصل المقياس بالنيل.
تعلو هذه الفتحات عقود مدبّبة ترتكز على أعمدة مدمجة في الجدران.
في الجانبين الشمالي والشرقي من “مقياس النيل”، نُقشت كتابات أثرية بالخط الكوفي. أما في الجانبين الجنوبي والغربي، فهناك نقوشٌ تعود إلى أيام “أحمد بن طولون” – وهو أمير “مصر” ومؤسّس “الدولة الطولونية”؛ في “مصر” و”الشام”؛ عام 868م.