خاص : حاورته – سماح عادل :
“ياسر جمعة” كاتب مصري شاب.. نُشر له مجموعتين قصصيتين، هما: (أصداء نازفة)، و(في مدن الظلال)، وصدرت له مؤخراً رواية (الدفتر السادس) في سلسلة “كتابات جديدة” التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.
إليكم الحوار:
(كتابات): كيف بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور ؟
- تقريبًا عندما جلستُ يومًا على حافة النهر – يسمونه في قريتي “البحر” – وأمسكتُ بقطعة من طمي الأرض، وشكلتها بأصابعي هذه – كانت أصغر – منزلًا، وضعته أمامي ورحتُ أنظر إليه في فرحٍ غض، ما لبث أن تبدل إلى غضبٍ لكوني لا أستطيع أن أرى منزلي من الداخل.. غضبًا دفعني لأعيدها بكفي قطعة طمي لا شكل لها، وألقيتها بعيد.. بعيدًا جدًا. ونسيت غضبي، قمتُ أبحث عنها وأنا مُصر أن أصنع منها طائرًا كبير الجناحين، وما إن انتهيتُ، تركته حتى يجف في مكانٍ لم أجده فيه، أبدًا، كلما عدتُ لأبحث عنه.
لقد فكرت أنه قد طار، رغم كل الافتراضات الأخرى، وإنه يجوب المُدن، ليصنع مع من يلقاهم الحكايات.. حكايات كنتُ أرويها على نفسي وعلى أخوتي والأصحاب.
أذكر أني في هذه الفترة طلبت من مدرسة اللغة العربية، في المرحلة الابتدائية، أن يكون لدينا مجلة حائط، وأظن أنها كانت ترى فيّ موهبة ما بفضل تلك الرسومات والمنحوتات التي كنت أعرضها عليها دائمًا، فوافقت في حماس مشجع، فكانت أول قصة/حكاية مكتوبة لي.
من هنا بدأت الرحلة التي أخذتني منذ الطفولة، ليولد بعدها شغف آخر بالقراءة والغوص في عوالم مختلفة، حلقت بي لمناطق أرحب، وغيرت من نظرتي للأمور وزودتني بالجمال.
(كتابات): بدأت بكتابة القصة القصيرة ثم الرواية.. هل القصة تمثل الخطوة التمهيدية للرواية ؟
- لا.. القصة القصيرة عالم قد لا يجيد مقاربته روائي محترف، فهي قطعًا ليست تدريبًا، أو تمهيدًا للرواية، على الرغم من أنها تبدو كذلك عند البعض.
(كتابات): في روايتك (الدفتر السادس) تتناول الوحدة والحب غير المكتمل حدثنا عنها ؟
- رواية (الدفتر السادس) نص يتناول مثلث العشق الشهير.. الحبيبان والدخيل، حاولت من خلال قصة متعارف عليها أن أبني مشاهد مُختلفة ورؤية جديدة للحكاية، وقد نشرته متجاوزًا قواعد عدد الصفحات وضخامة وطريقة كتابة الرواية التقليدية، لأن قناعتي الشخصية أن القصة، أو الرواية، فكرة قد تكون في ألف صفحة أو عشرة سطور، ولا خوف من ذلك مادام العمل يملك روحًا وكيانًا يدلان عليه.
(كتابات): ما رأيك في حال النشر في مصر سواء الخاص أو العام ؟
- النشر في مصر سوق – ليس له قواعد للأسف – وبه تجار وسماسرة، يستبيحون الإبداع والمبدعين، إلا من رحم ربي.
أما عن تجربتي في النشر في سلسلة كتابات جديدة – التي حُول نصي إليها، عقابًا، لأني طلبت أن أقوم ببعض التعديلات الضرورية – فكانت في الحقيقة تجربة جميلة، وأعتقد أن ذلك عائد لأن التعامل كان مع مبدع يحترم الإبداع، وهو الأستاذ “منير عتيبة”، رئيس تحرير السلسلة، الذي أشكره على تعاونه المحترف والجميل، لذا أعتبر نفسي أكثر حظًاً ممن أعرف أنهم يتعاملون مع السلاسل الأخرى في النشر بالقطاع العام.
(كتابات): هل النقد في مصر يواكب الإنتاج الأدبي المتطور ؟
- لا.. معظم ما أطلع عليه هو انطباعات نقدية، لا تخلو غالبًا من المجاملة، أما النقد المتخصص فنادر جدًا، كما أن معظمه يحكمه المزاج أيضًا.
(كتابات): هل يجد الكتاب الشباب الدعم وما هي الصعوبات التي واجهتك ؟
- الدعم موجود ولكنه بنسب قليلة جدًا لا تستوعب حالة الزخم الإبداعي، مما يفاقم الصعوبات التي تكاد تكون متشابهة مع الكثيرين.. منها ما يدفع للإحباط بسبب عدم التقدير، والتعالي، والمتاجرة. ولكن يبقى دائما الأمل، لأن جواز مرور أي مبدع هو نتاجه الذي سهر عليه.
(كتابات): ما رأيك في كتابات الشباب من جيلك وهل هذا الإنتاج الغزير أمر إيجابي ؟
- المشهد الأدبي حافل بشباب موهوب جدًا، أقرأ معظم ما يكتبون من إبداع تقريبًا، ومعظمهم قد استطاع أن يحفر اسمه في عالم الإبداع بصعوبة بالغة وجهد كبير، رغم كل شيء.
بالنسبة للإنتاج، فإن غزارته أمر محمود، خاصة وأن قارئ اليوم بمقدوره أن يميز الغث من السمين.
(كتابات): ما رأيك في الجوائز العربية وهل ساهمت في ازدهار الرواية ؟
- نعم.. ساهمت الجوائز العربية في ازدهار الرواية، ولكن على حساب الرواية نفسها في المقام الأول، بغض النظر عما انعكس، من جراء هذا، على المشهد الثقافي العام.
(كتابات): هل وسائل التواصل الاجتماعي والتقدم التكنولوجي ساعد المبدعين على الظهور ونشر أعمالهم على القراء مباشرة ؟
- طبعاً ساهمت وسائل التواصل في وصول إبداع الكثيرين لجمهور يتجاوز جمهور دور النشر والصحف الورقية، وليس هذا فحسب، بل إنها، في ظني، قد خلقت أدبياتها المختلفة والفارقة. ومع ذلك، سيظل حلم إصدار كتابًا هو المعنى الغامض الجميل، والذي، للأسف، سيتلاشى يومًا ما، فوسائل التواصل، عاجلًا أم آجلًا، ستقضي على فكرة الكتاب والصحف الورقية، وإن بقى صدى الحلم ملحًا وحميماً.