خاص: حاورته- سماح عادل
” هيثم جبار” شاعر عراقي، ولد في البصرة 1974، يعمل بالصحافة، وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في البصرة، صدر له مجموعتان شعريتان الأولى بعنوان “زاد الطريق” سوريا 2011، والثانية “حياة بكامل أوهامها” سوريا 2017، وكتاب نقدي يحاكي النقد المجاور اسمه “بالونات ثقافية”وهو عبارة عن مقالات في سايكولوجية المثقف أي نقد الناص وليس النص.
إلى الحوار:
(كتابات) في مجموعة “حياة بكامل أوهامها” يعلو صوت الحزن والإحساس بالفقد واغتراب الذات إزاء كل ذلك.. حدثنا عنه؟
- في (حياة بكامل أوهامها) صوت عال جدا، أعلى من صوت الحزن والفقد واغتراب الذات, ربما لم تسمعيه بعد إلا إذا أعدت قراءة المجموعة مرة ثانية أو ثالثة, هو صوت السؤال عن سر هذه الحياة هل هي حياة فعلا أم وهم؟ صوت التمرد على إدارة هذه الحياة التي تدار من قبل شيء مجهول إدارة غير منصفة. يعلو صوت الاعتراض والسخرية من إدارة سر هذه الحياة وهذا الوجود في أغلب القصائد.
(كتابات) في مجموعة “زاد الطريق” الوطن والحرب لا ينفصلان وكأن الحرب حقيقة لا تنتهي؟
- بالفعل الحرب بالنسبة للعراقيين حقيقة وليس وهما ولم ولن تنته منذ أكثر من 4000 عام، منذ أيام كلكامش ولحد الآن العراق يقاتل, يقتل مرة وينقتل ألف مرة, في كل عشرة سنوات تقام حرب جديدة أو ثورة أو انتفاضة, والذي اطلع على تاريخ العراق القديم أو الحديث يدرك الحقيقة.
خذ مثلا منذ تأسيس الدولة العراقية بل قبل تأسيسها عام 1920 اندلعت ثورة العشرين وأصبح الحكم ملكيا, وفي أثناء الحكم الملكي حصل أول انقلاب عسكري في المنطقة قام به “بكر صدقي” عام 1936, بعدها بعدة سنة, اندلعت ثورة “رشيد عالي الكيلاني” عام 1941 وأسس حكومة الإنقاذ الوطني, بعدها اندلعت ثورة “عبد الكريم قاسم” والقضاء على الحكم الملكي وحل محله الحكم الجمهوري عام 1958, بعدها بسنة واحد قامت ثورة “عبد الوهاب الشواف” في الموصل وكركوك, بعدها بسنوات قليلة قامت ثورة البعث المشؤومة عام 1963 بالإطاحة بالحكم الجمهوري ل”عبد الكريم قاسم” وحل محله حكومة الحزب الواحد, بعدها ثورة 17 تموز عام 1968، صراعات على كرسي الحكم بين أعضاء الحزب نفسه وتصفية الحزبين المعارضين حزب الدعوة والحزب الشيوعي تصفية تامة, بعدها عام 1980 أشبه بالانتفاضة والثورة بعد اعتقال “محمد باقر الصدر” وتم إعدام أكثر من مئة ألف عراقي من مريديه وأتباعه, إلى الانتفاضة الشعبانية عام 1990 التي راح ضحيتها أكثر من مائتي ألف عراقي خلال ثلاثة أسابيع, بعدها انتفاضة 17 / 3 / 1999 التي راح الآلاف من الشباب ضحاياها والذين تم إعدامهم في الشوارع وهدم منازلهم واعتقال عوائلهم من قبل النظام, إلى أن سقط هذا النظام المشئوم عام 2003, وحتى بعد سقوطه كانت ضحايا الحرب الطائفية التي بدأت من عام 2005 إلى يومنا هذا آلاف مؤلفة من النساء والأطفال ضحايا, فلو نلاحظ أن العراق كل عشرة أعوام أو أقل أو أكثر بقليل يشهد ثورة وجريان أنهر من الدم . فنحن شعب ولد في رحم الحروب وخرج من صلب الثورات, هذا قدرنا وهذا مصيرنا التعس.
(كتابات) في مجموعة “زاد الطريق” صورة الأم موازية لصورة الوطن المستباح.. لما؟
- الأم هي الوطن الحقيقي للإنسان ليس فقط العراقي بل لكل شخص, والوطن الذي لا توجد فيه أم هو ليس وطن هو مقبرة. خدعنا قادتنا ورؤساؤنا باسم الوطن والوطنية عشرات السنين, وعرفوا كيف يضحكون على عقولنا باسم الوطنية, يستنزفون دماءنا من أجل حروبهم العنجهية, دافعوا من أجل الوطن, قاتلوا من أجل الوطن ولاسيما صدام حسين وجمال عبد الناصر على سبيل العد وليس الحصر, والنتيجة ماذا ؟؟ النتيجة أنه ملايين المصريين هجروا مصر بحثا عن لقمة العيش, وملايين العراقيين هجروا العراق بحثا عن الأمن والأمان. الوطن أرض جرداء تحترم من يعمرها ويسكنها ويزرعها بالمقابل تعطي من يعمرها الأمان ومن يزرعها الأكل ومن يسكنها والعيش الكريم, أما أن نزرع ولا نأكل ونبني ولا نسكن فهذا في البلدان العربية فقط, لا أدري لماذا توجد أزمة سكن فقط في البلدان العربية؟ الصين مليار ونصف ولا توجد عندهم أزمة سكن, لذا نرى الكثير من شبابنا العربي اتخذ بلدان الغرب وطنا له ولا ألومهم على ذلك. فلا وطن حقيقي سوى الأم.
(كتابات) في شعرك هل تحاول كتابة لغة خاصة بك؟
- ليس أنا فقط بل كل شاعر يحاول أن يخط له خطا يختلف فيه عن الآخر, وإلا يبقى يقلد أصوات الآخرين, وهذا ليس بالشيء اليسير أو البسيط, نشرت قبل فترة ليست بالقليلة قلت قصيدة النثر في البصرة ترتكز على أربعة شعراء وذكرت أسماءهم, بقية الشعراء أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على رأسي, لأن الشعراء الأربعة كانت لهم لغة خاصة تختلف كل لغة عن لغة قرينه, أما أنا بالتأكيد أطمح وأحاول أن أصنع لي لغة لعالمي الخاص.
(كتابات) انتقلت من الشعر العمودي لقصيدة النثر مباشرة لما.. وكيف ساعدتك قصيدة النثر في التعبير؟
- قصيدة النثر هي قصيدة العصر, إن سر خلودها في تنوعها، لم تكتب بشكل واحد, ولو نحدق مليا بقصيدة النثر الأولى لكُتاب مجلة شعر “أنسي الحاج” “محمد الماغوط” “أدونيس” نرى قصائدهم تختلف عما كتبه الأجيال التي جاءت بعدهم, والجيل الذي تبعهم يختلف عن كتابة هذا الجيل, قصيدة النثر لم تكتب بنفس واحد ولا بشكل واحد لذا فهي لن تموت, مثل ما ماتت قصيدة العمود أو قصيدة الشعر الحر فلم يتجاوز عمر قصيدة التفعيلة إلا خمسة وعشرين عاما, كتبها “السياب” وأصحابه الرواد في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وانتهت في منتصف الستينيات بوفاته, أما قصيدة النثر هي الآن المتربعة على عرش الأدب العالمي وليس العربي حسب.
نعم في بداياتي كتبت القصيدة العمودية وفزت بجائزة بالقصيدة العمودية ولكن تيقنت أن العمودي لا تجديد فيه ولا حداثة, يبقى الشاعر العمودي مقيدا ليس في الوزن والقافية فقط, بل أن بنية الجملة الشعرية في القصيدة النثرية تختلف اختلافا جذريا عن بنية الجملة الشعرية في القصيدة العمودية, الجملة الشعرية في القصيدة العمودية تكتب ببلاغة تقليدية, البلاغة التي درسناها في المدارس المتوسطة الإعدادية, أما القصيدة النثرية تكتب بطرق عدة في كل جيل تجد طريقة جديدة تختلف عن طريقة الجيل السابق.
(كتابات) سميت كتابك “بالونات ثقافية” انتقدت فيه سكولوجية المثقف.. كيف ترى المثقفين العرب؟
- حقيقة المثقف العربي خيّب آمالنا, لسببين: الأول عدم اهتمام السلطات به كمثقف يُرعى من قبل الدولة, لو كان هناك ضمان صحي واجتماعي واقتصادي لكل مثقف في بلده لما باع المثقف نفسه, لذا نرى دائما مثقفينا العرب يركضون وراء الدولار أنى ذهب تبعوه, هذا السبب أنتج السبب الثاني, جعل من مثقفنا العربي مثقفا ثقافة شفاهية أو ثقافة تحريرية, أي إذا تكلم يعجبك كلامه, وإذا كتب مقالة يعجبك مقاله, ولكن فعل ثقافي لا يوجد, لذا نرى المثقف العربي كلامه في واد وفعله في واد آخر, اضرب مثلا بأدونيس الرب الأول للحداثة العربية ومن رواد قصيدة النثر, ولكنه يأتي ضيف شرف لمسابقة شاعر المليون أو أمير الشعراء بحفنة دولارات, ولا يأتي لمهرجان أو ملتقى لقصيدة النثر حتى لو تكلفوا بكل نفقاته, كذلك أكبر كتاب ونقاد الوطن العربي تشتريهم أبسط مجلة خليجية لا تمت للثقافة بصلة وربما تملي عليهم ما يكتبون بحفنة من الدولارات وهلم جرا.. لا أحب ذكر الأسماء تجنبا للمشاكل.
(كتابات) بما تصف جيلك والذي عانى من ويلات الحرب والصراع ؟
- جيل الفوضى, لأن الحرب لا تخلف سوى الفوضى, من هذا المنطلق لو اطلعت على جميع قصائد العراقيين ستجدينها لا تخلو من الحرب, أما الذي لم يذكر الحرب في نصوصه إما أنه غير عراقي, أو عراقي مغترب.
(كتابات) هل واجهتك صعوبات في الكتابة؟
- الصعوبة تكمن في البحث عن المعلومة والتأكد من صحتها في كتابة المقال, علما أنها صعوبة لذيذة تحس وأنت تكتب أو تبحث بلذة ومتعة ما بعدها متعة, أما في كتابة الشعر لا اعتقد هناك صعوبة بقدر ما يصيبك وجع وألم وحسرة ولاسيما إذا كانت القصيدة في قلبك وهي بمرحلة اختمار ونضوج، وإن أخرجتها قبل اكتمال نضوجها ستخرج قصائدك قاصرات, أو كما قال شعرنا العراقي “كريم جخيور” ( لا أحب القصائد الخدج).
(كتابات) قلت “لا توجد شاعرة متميزة، فأغلب شاعراتنا العربيات والعراقيات يكتبن خواطر إلا ما ندر” هل هذا هجوم قاسى على إبداع المرأة؟
- ليس هجوما على إبداع المرأة, ولكنها حقيقة, حين قلت لا توجد شاعرة متميزة إنها حقيقة, لدينا الكثير من الشاعرات ولكن كل شعرهن يشبه بعضه بعضا, أعطني أنت شاعرة بمستوى نازك الملائكة, بمستوى عاتكة الخزرجي, بمستوى فدوى طوقان, بمستوى لميعة عباس عمارة, كل الشاعرات الموجودات الآن في سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر والمغرب العربي، قلت لك لا أحب ذكر الأسماء، كلهن لولا مواقع التواصل الاجتماعي والانفتاح الاليكتروني لم يعرفهن أحد.
وكلمة إلا ما ندر تدل على أن هناك شاعرات جميلات بنصوصهن ومتمكنات من حرفتهن ولكنهن لا يستطعن أن يتجاوزن أسماء الشاعرات التي ذكرتهن سلفا, علما أن “السياب” و”قباني” و”الجواهري” و”درويش”, تجاوزهم الجيل الذي تبعهم, وجيل مجلة “شعر” تجاوزهم شعراء مثل “قاسم حداد” و”عباس بيضون” و”سركون بولص”, وهؤلاء تجاوزوهم أيضا شعراء في مصر مثل “أحمد الشهاوي” و”عاطف عبد العزيز” وفي العراق “كاظم الحجاج” و”طالب عبد العزيز”, وجاء بعد هؤلاء شعراء برزوا بأسمائهم ونصوصهم ولكن لم نسمع شاعرة تجاوزت نازك لحد الآن, لدينا شاعرات ويكتبن قصائد جميلة ولكن ليس بالمستوى الذي يجعل هذه الشاعرة ظاهرة عربية مميزة ومعروفة, بمستوى الروائية الجزائرية “أحلام مستغانمي” مثلا.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق والبلدان العربية؟
- ثقافة الموت والإرهاب وثقافة العنف والقتل والطائفية, هي المتفشية في العراق وجميع بلداننا العربي, ليس العراق فقط من يبكي على ماضيه, بل أغلب الدول العربية كان ماضيها القريب أجمل بكثير من حاضرها, لأن ثقافة تلك العقود كانت تتغذي روافدها من السينما, والكتاب, والصحيفة, والمجلة, والمسرح.
أما الآن فروافدنا التي تتغذى عليها الشعوب العربية هي المساجد, التكيات, الحسينيات, دور العبادة, عتبات الأولياء, مراقد الصالحين, لذا كانت أمهاتنا وخالاتنا وعماتنا يمشين في الشارع سافرات كالزهور ناشرات شعورهن ولا يمسهن أحد بكلمة أو بنظرة سوء, أما الآن بناتنا وأخواتنا مبرقعات ولم يسلمن على أرواحهن, فقد استطاع الظلاميون أسلمة كل شي, أسلمة الحياة بكل مفاصليها, المشروب مؤسلم (بيرة إسلامية) راقصة ترقص بحجاب (راقصة إسلامية) ممثل أو مطرب زوجته محجبة وترقص بجنبه, كيف استطاعوا أن يؤسلموا الشعوب العربية؟؟ وهذا حديث طويل عريض لا يسعه هذا الحوار, بل ما الذي جعل الشعوب العربية تنفر من المدنية التي كانت مهيمنة في العقود الماضية ولاسيما عقدي الستينات والسبعينات, وتتجه إلى الإسلاموية العنيفة بالعقود الأخيرة؟؟.
(كتابات) ما هي روافد تكوينك الثقافي ومن الكتاب الذي أثروا بك؟
- الرواية, هي منبع الثقافة التي انهل منها حتى الشعر, حقيقة أنا مولع بقراءة الروايات وكتبت الكثير من المقالات عن الرواية, وكان ل”ميلان كونديرا” الفضل الكبير برواياته الرائعة التي التهمتها واحدة بعد الأخرى, وكذلك “ماركيز” و”هنري ميلر” و”جان ماري” “غوستاف لوكليزيو” و”يوسا”, والكثير الكثير من الأسماء العربية والأجنبية التي لا تحضرني ولكني أقولها صـراحة, وقلتها في إحدى المقالات (إذا أردت أن تعيش أكثر من حياة, عليك أن تقرأ أكثر من رواية ).