خاص: حاورته – سماح عادل :
“هيثم الشويلي” كاتب وروائي عراقي.. مواليد دولة الكويت عام 1974، حاصل على شهادة بكالوريوس رياضيات من جامعة بغداد، وهو عضو “الاتحاد العام للأدباء والكتاب” في العراق، وعضو نقابة الصحافيين العراقيين وعضو نقابة المعلمين العراقيين.. عمل محرراً ثقافياً لصحف ومجلات عدة كصحيفة (أخبار اليوم)، و(صدى الحياة)، مجلة (الخالدون)، و(اللقاء)، ومجلة (أحرار).
كما عمل مقدماً ثقافياً لبرنامج (الورشة الثقافية)، وعرض البرنامج على قناة (المسار) الفضائية. وعمل مقدماً لبرنامج (رؤى ثقافية)، الذي عُرض على قناة (الغدير) الفضائية، والذي يتناول حوارات ثقافية لأدباء في تخصصات ثقافية عامة.
حائز على المركز الثاني في “جائزة الشارقة للإبداع الروائي العربي الثقافي” لعام 2014، عن رواية (بوصلة القيامة)، أصدر مجموعة قصصية بعنوان (للحبِ وجهٌ آخر)، ورواية (إعترافات شبه مشبوهة)، بالإضافة إلى رواية (بوصلة القيامة)، ورواية (الباب الخلفي للجنة).
إلى الحوار:
(كتابات) : تكتب القصة القصيرة والرواية كما أنك تعمل في مجال الصحافة الثقافية .. علام يدل هذا التنوع ؟
- القصة هي البوابة الرئيسة للدخول إلى عالم الرواية.. لكل جنس من الأجناس ثمة مهارات خاصة، إذ تعتمد القصة على الإختزال والتكثيف وضمور مساحة التحرك اللغوي، لذا حين يشعر الكاتب بأنه يحتاج لمساحة أكبر ويكبر في أعماق قلبه الخيال يدخل إلى عالم الرواية، العالم المحفوف بالمسرات والأوجاع، بالخير والشر، العالم المشحون بالشخصيات المختلفة منها الرئيسة والثانوية والهامشية التي لا تؤثر على مسار الرواية، لذا يكون الكاتب عند هذه النقطة متنوعاً، وحين يكون أكثر ثقافة وغزارة يكون أشبه بناقد لا يكتب من فراغ بل عن دراسة وقراءة ودراية.
أما بالنسبة للصحافة الثقافية؛ هو ناتج من تشخيص بعض الهفوات والمغالطات والمجاملات، التي تدور في كل المحافل العربية والجوائز الخاضعة للإخوانيات وبعض المتسلقين في الوسط الثقافي، لذا نحتاج إلى أن نؤشر هذه المناطق المعتمة في فضاء الثقافة الحقيقية، وهذا ما يجعلنا نكتب في المجال الثقافي دون غيره.
(كتابات) : في رواية (الباب الخلفي للجنة) .. هل الحب هو الأهم، حيث لا يهتم بفروقات الدين والعرق ؟
- كل كاتب يريد الإفصاح عن شيء في متن روايته.. أو إيصال رسالة ما، وكانت رسالتي الأسمى هي الحب ونبذ كل الأشواك الطائفية والقومية والمذهبية، كنتُ أريد البوح بنظرية أن الإنسان أقدس وأسمى الموجودات ولا علاقة للأديان بذلك، كما أردت القول بأن الجنة لمن يملك في قلبه حباً، وليس لمن يتكأ على الدين وهو بعيدٌ كل البعد عن إنسانيته الحقيقة ومصداقاً لقوله [إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم].
(كتابات) : في رواية (الباب الخلفي للجنة) .. هل التصوف والروحانيات وسيلة للتخلص من ثقل الواقع ووطأته ؟
- في الرواية نعم.. لكن في الواقع لا أعتقد لئلا يصفني الآخر بالجنون، إلا أن جمال السرد في أن نكتب بجنون، وهذه مرتبة لا يصلها إلا من يملك خيالاً عالياً، لكنا ككتاب نختلف عن الآخرين في خلق عوالمنا الخاصة بنا، وفعلاً من خلال كتاباتنا نهرب من الواقع المر إلى واقع كتابي أكثر جمالية.
(كتابات) : في رواية (بوصلة القيامة) .. تناولت السجن وقمع السلطة وحكيت عن الحاكم الذي تحول من متجبر لهارب في بطن الأرض .. حدثنا عنها ؟
- حققت رواية (بوصلة القيامة) المركز الثاني في “جائزة الشارقة للإبداع الروائي العربي” عام 2014، لم يكن الفوز إعتباطياً، بل كان عن قناعة تامة وثقة عالية بالسرد العراقي المميز، والذي بات يفرض نفسه على المشهد السردي الروائي العربي.. (بوصلة القيامة) رواية عراقية تؤرشف للألم العراقي السابق المفروض عليه في ظل الحكومات المتسلطة على رقاب البسطاء والفقراء من الناس، وهي دليل إدانة ووثيقة على ظلم النظام السابق، يقول “كارلوس فوينتس”: (المؤرخون الحقيقيون هم الروائيون).. ومن هذا المنطلق فكل الرواة هم يؤرشفون ويوثقون لحقب زمنية معينة، كما أنني مقتنع تماماً بمن يقول أن الإبداع ينبع من الألم، صعبٌ جداً أن تجد طريقك للإبداع بلا ألم يحرك مشاعرك أو يحاول أن يأخذ بيدك لبداية الطريق الإبداعي، وقد أشعلتُ فتيل السرد منذ الصفحات الأولى، بقولي في مقدمتها.. (كلُّ الرواياتِ لمْ تكنْ أقربَ منَ الخيالِ بقدرِ الحقيقةِ التي أصبحتْ شيئاً من الخيالِ في مملكة الجحيم).
(الروايةُ تحكي قصّةَ رجلٍ تشبّثَ بالحياةِ بقوةِ مقاتل، رجلٌ يملكُ ثلاثَ أمهاتٍ ورابعَتَهُم الجدّة).
بهذه الافتتاحية شغلتُ ذهن القارئ وشحذتُ همته لمعرفة هذا المقاتل الذي يصارع الموت والحياة في آن واحد، لم يكن مقاتلاً عسكرياً يرتدي بزتهُ العسكرية، بل كان مقاتلاً يقاتل الموت في حياته ولعب القدر لعبته الدنيئة معه، هذا المقاتل الغريب يروي قصته بدءاً من رحم أمه؛ وكيف كان يتصارع معها من أجل الخروج إلى هذه الدنيا، لكنها كانت تخشى عليه من ظلم السلطة وجبروتها فكانت تضغط بقوتها لئلا يخرج من رحمها معانقاً ألم الدنيا؛ إلا أنه كان يطرح تساؤلات عدة تجعل القارئ يبحث عن إجابة لكل هذه التساؤلات، بعد هذه الإفتتاحية تحلق الرواية بشيء من الدهشة بوصفِ الراوي ليوم ولادته فكتب.. (لمْ يكنْ يوماً شتائياً شديدَ البرودةِ جداً، ولمْ يكنْ يوماً حاراً من أيامِ الصيفِ القائظ، ربما كانَ يوماً ربيعياً معتدلاً أو يوماً هادئاً، أو ربما يوماً لا يحملُ أيَّ لونٍ أو طعمٍ أو رائحةٍ.. ربما كانَ يوماً من أيامِ الألمِ، لا أشكُّ قط أنني كنتُ عائقاً لوالديّ اللذينِ يرزحانِ تحتَ وطأة المطاردة أو البحث عنهما بتهمة الإنتماء إلى أحزاب أخرى أو العمل ضد السلطة الحاكمة آنذاك، وقت أن أشتدّ المخاض بوالدتي التي بدأت تصارع طلقات الولادة في وضح النهار، وضعهما في ذلك الوقت لم يكن ليسمح لهما بالخروج نهاراً والشمس ما زالت تعتلي كبد السماء معانقةً الأفق بشغف وحرارة، كانت أمّي تصارع الألم وأنا أحاول أن أضجّ منتفضاً عليها، لم أكن فضولياً لهذه الدرجة الكبيرة لأحاول استراق بصيص أملٍ لأرى النور، بل الساعات القادمات كفيلة لأعانق النور رغماً عن أنف القدر، أبي كان يتوسل بأمّي الصبر حتى غروب الشمس لئلا يقعا فريسة سهلة بيد الجلادين الذين يبحثون عنهما، الشمس ما زالت تكابر، يعتلي صراخ أمّي ويشتد وأنا أحاول تمزيق أحشائها شاقّاً طريقي باحثاً عن هموم جديدة أشارك بها أبي وأمّي وأشاطرهما الهم والحزن، كنا أنا وأمّي نتشاجر ونتصارع.. هي تحاول إبقائي متشبثةً بي، وأحاول أنا تمزيق أحشائها لأخرج)، هذه المقدمة تحيلنا إلى تساؤلات عن سبب الألم المفتعل، لماذا تحاول الأم إبقاؤه في رحمها متشبثة به على الرغم من ألم الولادة ؟.. ما سبب المطاردة ؟.. هل الأحزاب خطيرة لهذا الحد الذي تخشاه السلطة ؟.. لماذا يصف يوم ولادته بيومِ من أيام الألم على الرغم من أن الأغلب يبتهجون ويفرحون لمقدم الولد ؟.
بالإضافة إلى التساؤلات الكثيرة التي يتبناها متن الرواية، أضف إلى ذلك إنني كتبتها بشاعرية عالية، فحظوظي الشعرية تجعلني أضيف نكهة الشعر عليها؛ لأنقل القارئ من البؤس التي تحمله الرواية في متنها إلى شيء من الرومانسية الممزوجة بلذة الخوف والقهر، فحين يدخل بطل الرواية السجن يشاهد على الجدران كتابات غريبة تسرقه من مرارة الخوف والشعور بالموت إلى متعة وقشعريرة تنتاب جسده وهو يبحث في الحروف الملقاة على جدار أسود، والتي كُتبت بدمائهم، المعتقلون، المعدومون، الإسلاميون، الشيوعيون، حتى الذين ليس لهم أي ذنب أيضاً هم سكنة هذه الزنازين، لكن في النهاية هي رواية محزنة مؤلمة تعبر عن الوجع العراقي.
(كتابات) : ما رأيك في حال النقد في العراق والعالم العربي ؟
- النقد اليوم بات مختلفاً جداً فقد أصبح القارئ نفسه حتى البسيط ناقداً إنطباعياً، يبحث في مكامن اللذة القرائية، ويكتب عنها عبر الكثير من المواقع الإلكترونية، وأخص بالذكر موقع (Goodreads)، الذي ساهم بشكل كبير في التعبير عن النص بصراحة كبيرة من خلال تدوين الإنطباعات.
وأما الناقد المختص صار لا يقرأ كثيراً، ويعتمد على قراءاته السابقة في الكتابة، ربما بسبب عجزه أو بسبب عدم اللحاق بالمطبوعات الأدبية الكثيرة، التي تصدر في العام الواحد والتي تفوق الإستيعاب.
(كتابات) : هل الجوائز العربية تعد حافزاً للكاتب على الإستمرار ودعماً له ؟
- الجوائز حافز وضوء.. فالكاتب مخبوء بين رفوف الإبداع ولا يظهر للعيان أو يراه الناس إلا حين يحصد جائزة ما من الجوائز العربية والعالمية المعترف بها، ولا أقصد الجوائز التي تتداولها المواقع الإلكترونية التي لا تملك معياراً للإحتراف والإبداع.
(كتابات) : في رأيك هل الرواية العراقية لفتت الأنظار في البلدان العربية في الآونة الأخيرة .. ولما ؟
- الكتابة العراقية الحديثة بعد الإحتلال الأميركي للعراق، أختلفت إختلافاً جذرياً تاماً.. ففي هذه الفترة بالتحديد أضيف وجع جديد لبقية مواجع العراقيين، أضف إلى ذلك أن النظام السابق كان يقمع كل من يعبر عن مواجعه أو يحاول أن ينتقد الواقع بكتاباته، كلنا نعرف أن الوظيفة الرئيسة للرواية هي طرح مشكلة من مشاكل المجتمع؛ ومن ثم إيجاد حل مناسب لها في المتن الروائي، لكن بأسلوب أدبي مميز شامل لكل مفاتن الرواية من تشويق وفكرة ولغة، لذا أستطاعت الرواية أن تهيمن على زمن القصيدة، فأنا أعتبر القصيدة ترف روحي على إختلاف الرواية التي تحمل القارئ على أكف الوجع، فنحن اليوم نجد أن الكاتب العراقي بات يكتب بتحرر عالٍ من دون أية ضغوطات تمارس بحقه نظراً لعدم فرض أية إجراءات تعسفية بحقه، كما لو دققنا بمقولة “غيرار غينت”، التي تقول أن الإبداع ينبع من الألم، سندرك أن ذلك عين الصواب، فالحروب والأوجاع والدمار والخراب، التي يعيشها اليوم العراق تجعل من كل هذا مسرحاً للأحداث، وهذا المسرح ما يشحذ ذهن الكاتب وهمته في تدوين كل شيء، ففي عام 2014 حققت رواية (فرانكشتاين في بغداد) جائزة “البوكر”، وكذا من العام نفسه رواية (بوصلة القيامة) حصدت جائزة “الشارقة” للإبداع الروائي العربي، وهذا ما يعطيني دليلاً واضحاً وجلياً أن السرد العراقي يفرض نفسه وبقوة، وإذ نظرنا للروايتين وجدناهما تحملان أهدافاً مشتركة، ألا وهو الأرشفة للوجع العراقي في حقبتين متفاوتتين؛ فالأولى جاءت لتؤرشف لمأساة الإحتلال وما جناه العراق من قتل ودمار وخراب، والثانية جاءت لتكتب عن الحقبة التي ما قبل عام 2003، حين كان يمارس النظام ضغوطاً غير معلنة أمام العالم كله بحق شعبه، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تطور الرواية العراقية بشكل ملفت للإنتباه.
(كتابات) : هل واجهتك صعوبات ككاتب ؟
- أحتاج للهدوء وإلى قليل من الموسيقى أنثرها فوق رأسي وكثير من الفراشات تحوم حولي وأغمض عيني وأدخل إلى عالم مجهول.. هذا العالم هو من يملي عليّ الكتابة، لذا وقتها أكتب ببراعة كاتب عبقري، أكتب ما لم يخطر على بال إنسان، أنا كاتب يحلم كثيراً كي يكتب قليلاً، إن توفرت لي هذه الظروف فلن أواجه أي صعوبات أبداً.
(كتابات) : هل يمكن القول أن معظم الروايات العراقية تؤرخ للوطن وما مر به من أحداث وصراعات وحروب ؟
- الكتابة هي المعين الأساس لمعالجة الأزمات الثقافية والاجتماعية والفكرية.. وقد تجد راوٍ يكتب في رواية من رواياته كل ذلك، فالرواية بكل تأكيد تناقش مشكلة اجتماعية تسود المجتمع، وهنا على الراوي أن يكون معالجاً في حل مشاكل المجتمع منوهاً لها في متنه الحكائي السردي، وقد يتبنى الراوي فكراً معيناً وهدفاً أساسياً ليعطي إنطباعاً للقارئ بما يريد أن يوصله إليه، لكن الروائي الجيد هو من يكتب بالفكر المعتدل الفلسفي المغاير عما جاء به كل الرواة، فثقافة الإختلاف هي بحد ذاتها عبارة عن مشكلة، إلا أن الكاتب الجيد هو من يُوَفَقْ في المعادلة بين الثقافات المختلفة، لكن في النهاية كل هذه الثقافات تضيف للقارئ معرفة وأفق جديد في إشكالية الأزمات المطروحة على الساحة الثقافية، لذا فهو يؤرخ للوطن بكل حيادية، بلا إنحياز أو سياسات لهذا الطرف أو ذاك.
(كتابات) : هل أختلف حال الأدب والثقافة في العراق بعد 2003 ؟
- المشهد الأدبي العراقي بات يستعيد عافيته بعد التغيير، أي بعد عام 2003.. إذ بزغت الرواية العراقية وبقوة وفرضت حضوراً لافتاً مبهراً في الساحة الأدبية العربية والمحلية، وخير دليل على ذلك حصادها على الجوائز العربية والعالمية والمحلية، ربما لأن العراق كان ومازال حتى يومنا هذا مسرحاً للحدث، فالحدث مستمر، وهذا الحدث هي المادة الأصلية التي يستقي منها الكاتب الروائي العراقي مادته الإبداعية، لكن بإضافة تقنيات السرد الحديثة عليها لتبهر القارئ العربي، الملفت أيضاً للنظر أن الكاتب العراقي على الرغم من الألم الذي مازال حتى يومنا هذا فهو يكتب بأمل، بحياة، بحب، فتارة يمزج الألم بالحب والمحبة، دائما ما ينتصر للحياة في نهاية المطاف، وهذا ما يضيف خاصية جمالية وروحية إنسانية، فالروائي ينظر إلى البعيد وهو يتنبأ للمستقبل في سردياته، فعلى الرغم من ازدحام السرد بالسوداوية لكنه في نهاية النفق المظلم يترك بصيص أمل ونور للقارئ.