خاص: حاورتها- سماح عادل
“هندة محمد” شاعرة تونسية مقيمة بجزيرة جربة بالجنوب الشّرقي التّونسي، حاصلة على شهادة جامعيّة في العلوم القانونية وتعمل مستشارا قانونيّا بشركة خاصة، صدر لها مجموعتان شعريّتان.
إلى الحوار:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– اكتشفت شغفي بالكتابة والأدب مبكّرا جدّا كان ذلك في سنواتي الدّراسيّة الأولى عندما كنت أنال أحسن عدد في الفصل في مادّتي اللّغة والتّعبير الكتابيّ. وهو ما جعلني أتعلّق كثيرا بالكتب وبقراءتها على اختلاف مواضيعها وأجناسها، وقد ساعدني عمّي “نور الدّين” رحمه الله في تنمية هذه الموهبة، فقد كان يدرس ويسكن بغداد عاصمة الشعر والثقافة، وفي كلّ مرّة يعود فيها إلى تونس كان يحمل معه هدايا رائعة من الكتب الثريّة والقيّمة, حتى أني أذكر جيدا عندما أهداني أوّل كتابَيْ شعر “مديح الظّلّ العالي” ل”محمود درويش” وديوان المتنبّي وكنت في الصفّ الخامس وقتها.
وبعد ذلك بدأت بالمشاركة في البرامج الإذاعية المهتمّة بالأدب ومن بين البرامج وقتها برنامج “مسالك الكتابة الأدبية” للنّاشئة بالإذاعة الوطنيّة الذي كان من إعداد و تقديم الدّكتور “المنجي الشّملي” رحمه الله والأستاذة “هند عزّوز”. وبعدها شاركت في الملتقيات الشعريّة ونلت العديد من الجوائز. وبالنّسبة لي كانت البداية الحقيقيّة مع فترة دراستي الجامعيّة ومع نادي الأربعاء الأدبي بدار الثّقافة الطّاهر الحدّاد بالمدينة العتيقة، والذي كان يشرف عليه الأستاذ الشّاعر والرّوائي “يوسف رزوقة”. و قد أخرج هذا النّادي أسماء شعريّة وأدبيّة جميلة جدّا أثرت السّاحة الثّقافيّة في تونس حتّى اليوم.
** ماذا يعني الشعر بالنّسبة لك وماذا يحقق لذاتك؟
– الشّعر بالنّسبة لي هو الحياة وكلاهما وجهان لنَفَسٍ واحد وروح واحدة. هو النّفس الذي كلّما اختنقت يطلع قصائدا، لا تعنيني الأشكال والأجناس فهي التي تختارني. مرّة يحملني قلمي إلى النّثر ومرّة إلى التّفعيلة ومرّة إلى الشعر العموديّ. الأهمّ بالنّسبة لي أن أقول وأن يكون ما أقوله لائقا بالشّعر،وبالمتلقّي.
سألني أحد الأصدقاء يوما عن أهميّة الشعر في حياتي، فأجبته بأنّ الشّعر “صوتي” الذي يترجم عنّي حالاتي وأفكاري، إن لم تكن مشبعا بالشّعر لن تستطيع كتابته ولا منحه ما يستحقّ من ضوء وروح، وإن لم تكن لك روح قادرة على النّطق فلا تأمل أبدا أن تكتب نصّا قادرا على الحياة.
** في رأيك هل فقد الشعر بهاءه في مقابل صعود نجم السرد من رواية وقصة؟
– لم يفقد الشّعر بهاءه و لن يفقده أبدا. والدّليل أنّه بقي صامدا كلّ هذه الحقب والعصور رغما عن كلّ المتغيّرات، ولن يستطيع أيّ جنس إلغاء جنس أدبيّ آخر، فكلّ له أهميّته وخصوصيّاته الفنيّة الفكريّة والإبداعية.
وما يقترفه بعض الشّعراء اليوم من كتابة القصّة والرّواية هو من باب اقتحام تجارب مختلفة وليس هجرا للشّعر لنقص فيه، والدّليل أنّ الشّعراء قادرون جدا على كتابة كلّ الأشكال الأدبيّة بإبداع وجماليّة فائقة والأمثلة على ذلك كثيرة.
** تأهّلت إلى مرحلة ال15 شاعرا من برنامج “أمير الشعراء” الموسم السّابع، هل هذه البرامج ناجحة في إعادة الشعر إلى التواجد على الساحة الثقافية؟
– برنامج أمير الشّعراء كان وما يزال من أهمّ البرامج التي أعادت للشّعر رونقه وسطوته الكبيرة ومهما كانت نواقصه فلا يمكن أن ننكر أبدا شغف الشّعراء به وتطلّعهم في كلّ موسم للمشاركة والمواكبة.
فقد استطاع مسرح شاطئ الرّاحة بهيبته وسحره أن يسلّط الضّوء على تجارب شعريّة رائعة كانت تقتصر فقط على المحليّة، ومنهم تجربتي إذ قدّمني للجمهور العربيّ كأفضل ما يكون، ومنحني الكثير من الثقة في نفسي وفي نصّي، خاصّة وأنا أتعرّف إلى تجارب جديدة ومختلفة من كلّ الوطن العربي وأقف أمام آلاف المشاهدين والمتابعين.
** في ديوانك “ظلال لامرأة واحدة” لماذا تندمج الطبيعة وتتشابك مع شعور الكاتبة وأحاسيسها، وما سر احتفاء الشاعرة المرأة بالطبيعة؟
– لا نستطيع الانسلاخ أبدا عن الطّبيعة هي جزء منّا ونحن نحيا بها، الماء والغيم والتّراب والنّار. كلّها تفاصيلنا وحكاياتنا بشكل أو بآخر. والمبدع المفكّر خاصّة يعلم جيدا ما لهذه العناصر من الأثر في نفسه وفي إبداعه واليوم تختلف رؤية المبدع للطّبيعة عمّا كانت عليه ربّما مع المدارس الرّومانسيّة والرّومانطيقيّة. وقد أصبحت الطّبيعة اليوم وهي في قصيدة الشّاعر- وحسب رأيي- أكثر حياة وانفعالا و”جُرأةً”.
** في ديوانك “ظلال لامرأة واحدة” الاغتراب، الخيبات، الغياب، هل أصبح الشعر في الوقت الحالي يعبر عن هزائم الذات أكثر من انتصاراتها؟
– لم يقتصر كتابي على ما ذكرت، بالعكس، لقد كان احتفاء بالأنثى المرأة، المدينة، الأرض. في كلّ حالاتها في ضعفها وقوّتها وهيبتها وإيمانها وأفكارها ورؤاها.
الخيبات والغياب والاغتراب جزء لا يتجزّأ من مسارنا الإنساني. تماما مثل أن تتغيّر الطّبيعة فجأة من طقسها المشمس الدّافئ إلى طقس بارد قاس عاصف ربّما، هذي هي تقلّبات الحياة التي هي غذاء الشّاعر المبدع وسماد قصائده. ولا يمكن أن نتحدّث عن انتصارات إن لم نعرّي هزائمنا و نكشف تداعياتنا.
** لم اتجهت إلى كتابة الرواية وبماذا تختلف كتابة الرواية عن كتابة الشعر لديك؟
– كتابة الرّواية تجربة مختلفة جدّا عن كتابة القصيدة، ممتعة حدّ التعب ومتعبة حدّ المتعة، فإن تمسك بتفاصيل كثيرة وتصنع منها عملا أدبيّا راقيا أمر يتطلّب كثيرا من الجهد والوقت والمعرفة والرّوح. وأنا الشّغوفة بالتّفاصيل حتى في قصائدي بالروائح والنكهات والخفايا والدّروب والمنعرجات و…و… وجدت في كتابة الرّواية سحرا بطعم مختلف ورائحة جديدة خاصّة وأنّ مساحة القول أكبر وأكثر.
** في رأيك هل تختلف الكتابة لدى النّساء عن الكتابة لدى الرجال وما هي الاختلافات؟
– لا أؤمن أبدا بكتابة “نسويّة” وكتابة “ذكوريّة” فالإبداع لا يتجزّأ والجمال لا يتجزّأ إما أن تكون كاتبا موهوبا مبدعا أو لا. والأمر يسري على الجنسين، فقد نقرأ كتابات ذكوريّة أكثر نعومة من نصّ كتب على يد شاعرة أو كاتبة والعكس كذلك.
** ما تقييمك لحال الثقافة في تونس خاصة بعد ثورة الياسمين؟
– الثّقافة في تونس بخير رغم هذا “الصّخب الأدبيّ” ورغم هذا الاكتظاظ وسطوة وسائل التّواصل الاجتماعيّ إلا أنّ الأدب في بلادنا بخير، فقط لا بدّ من فكر نقديّ حقيقيّ، راق وواع. بعيدا عن المجاملات و المزايدات. فبلادنا تزخر اليوم بتجارب أدبيّة مهمّة سواء كانت في الشّعر أو الرّواية والقصّة وحتّى في باقي المجالات الفنيّة الإبداعية.
** هل واجهتك مشاكل في النشر ولم نشرت خارج تونس وما رأيك في النشر الذي يأخذ طابعا تجاريا؟
– في كلّ عالمنا العربيّ يعاني المبدع من مشكلته الأولى والأهمّ وهي النّشر، فتكلفة النّشر اليوم باهظة جدّا. إضافة إلى مشكلة التّوزيع. فنحن في تونس مثلا أغلب دور النّشر تقتصر على الطّباعة وتوكل لصاحب الكتاب مهمّة التّوزيع وهو أمر متعب جدّا. فمجموعتي الأولى “وللماء ليلُهُ أيضا” نشرتها في تونس في دار المنتدى للثّقافة والإعلام لها كلّ الشّكر، وتكفّلت وحدي بتوزيعها، طبعا مشكورة وزارة الثّقافة التّونسيّة التي تقدّم دعمها الدّائم للكاتب وتقتني منه مجموعة مهمّة من النّسخ تقوم بتوزيعها على المكتبات العموميّة ودور الشّباب والثّقافة. أمّا مجموعتي الثّانية فقد نشرتها خارج الوطن في دار موزاييك للدّراسات والنّشر في اسطنبول، والحمد لله شاركت في كلّ المعارض الدّوليّة ونالت صدى مهمّا لدى القرّاء والمتابعين.
أمّا بالنّسبة للنّشر التّجاري فلا أرى مانعا في أن تراوح دار النّشر بين الغثّ والسّمين خاصّة وأنّها مؤسّسة تجاريّة بالأساس شئنا ذلك أم أبينا والأكيد أنّها تهتمّ بالرّبح الماديّ. فقط أتمنّى لو أنّ كلّ دار نشر تكون فيها لجنة قراءة متكوّنة من أساتذة في النّقد واللّغة والأدب حتّى يستفيد القارئ والكاتب على حدّ سواء وحتّى نتفادى هذا “الصخب” الذي يزيد عن حدّه يوما بعد يوم.