22 ديسمبر، 2024 10:15 م

مع كتابات.. هدى حسين:  لكتابة قصة عليك أن تهبط للقاع، قاع المجتمع وقاع النفس البشرية

مع كتابات.. هدى حسين:  لكتابة قصة عليك أن تهبط للقاع، قاع المجتمع وقاع النفس البشرية

 

خاص: حاورتها- سماح عادل

“هدى حسين”  قاصة وكاتبة روائية عراقية، من مواليد بغداد، خريجة بكالوريوس علم اجتماع، تعمل كمدرسة،  عملت سابقاً في أحد المجلات الالكترونية  .صدرت لها أعمال مشتركة عبارة عن (كتاب مشترك بعنوان “شهرزاد في بغداد” سير ونصوص- كتاب مشترك بعنوان “ملاذ آمن” قصص قصيرة- كتاب “رؤيا المرأة في رمضان” قصص قصيرة- كتاب مشترك رواية بعنوان “تراتيل معذبة” وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان “ماسات ثلجية”.

كان لي معها هذا الحوار:

*  متى بدأ شغفك بالكتابة وهل وجدت الدعم من الأسرة؟

– في الحادي عشرة من عمريَ كنتُ أحب الاستماع وقراءة الحكايات المصورة وقصص الكارتون، فكنت أتأمل كل شيء ضمن هذا الإطار، بدأ الأمر معي في سرد يومياتي وتدوينها في دفتر صغير وأثناء ذلك وجدتُ أنني أكتب بطريقةٍ مختلفة عن غيري واكتشفتُ أنني امتلك الشغف في الكتابةِ ولكنني افتقد لتلك الصحوة أو الانطلاقة المناسبة لكي أطور نفسي في هذا الجانب.

وفي ذات يوم تابعت أحد قصص الأنمي التي تعرض على التلفاز في ذلك الوقت كنتُ في سن المراهقة تناول الأنمي قصة فتاة ترغب أن تصبح كاتبة في يومًا ما لكنها كانتْ تفتقد القدرة على الكتابة، وعلمت منها أن ما أنا بحاجةٍ إليه هو الخيال، وأن استشعر كل شيء يلامس قلبي وتقع عليه عيني، وهذا ما شكل بالنسبة لي شرارة الانطلاق الأولى وعندها قمت بكتابة أول نص أدبي لي كان بعنوان “شجرة”، واستطعت أن أجعل الشجرة تتكلم بلسان أدبي، عرضتُ ما كتبته لمدرستي وقد عبرتْ في حينها عن إعجابها ونصحتني أن أكتب المزيد، ومن وقتها أصبحت أوظف خيالي وملكة الكتابة في كل شيء يقع بين قلمي ويدي.

في بادئ الأمر كتمت ذلك عن أهلي ليس لأن أهلي متحفظين بهذا الشأن أو لأنني أعيش في طبيعة اجتماعية مقيدة وإنما كتمت الأمر لأنني شعرت أن ذلك يخصني أنا وأيضًا لا يحتاج أن أفصح عنه.

فالكتابة ليست بالشيء الخطير، لكن حينما أطلعتهم نلت تشجعيهم ومدحهم لي حتى أنني كنت أشاركهم أحيانًا أفكاري بشأن موضوعًا ما أريد أن أكتبه، وأحيانًا هم من يطلبون مني أن أكتب عن موضوعًا ما، فكان الدعم المعنوي حاضرًا وبشدة مقارنة بالدعم المادي، مع ذلك كنت سعيدة بذلك فما احتاجه هو عائلة تؤمن بي أما الباقي سيأتي لاحقًا.

* في مجموعتك القصصية “ماسات ثلجية” في قصة “سندريلا الصغيرة” تناول موضوع شائك وهو اغتصاب طفلة، لما كتبت عن ذلك هذا الموضوع الشائك؟

– ما دعاني للكتابة حول موضوع الاغتصاب هو الحاجة إلى تسليط الضوء على هكذا مواضيع مركونة ومتروكة على رف الحياة، اليوم نحن نتعايش مع هكذا حالات كما وأنها أصبحتْ من الحالات الطبيعية الاعتيادية، حتى وإن ثار الحديث عنها سرعان ما يتم دفنه تحت مسميات العيب والشرف، الاغتصاب والتحرش الجنسي موجود ولا يمكن التستر عليه أو التعامل معه بتهاون.

وسواء أكانَ موجه نحو الأطفال أم الكبار فهو حالة اجتماعية خطيرة تهمش براعم الطفولة داخل أطفالنا وتحطم النفس السوية، تفسد طبيعة النظام الاجتماعي. كلا منا لابد وأنه سمعَ أو رأى بأم عينه مثل هكذا حالات تحصل في المجتمع من قبل أصحاب النفوس الضعيفة والضمائر النائمة، دون أن يكون هناك رادعًا يردعه أو قانون قوي يوقفه عند حده، أو منظمات تطوعية توعوية تهتم بشأن الطفل والطفولة، قادرة على توعية الطفل بشأن السلوكيات التي يفتعلها المغتصب لكي يقوم بفعلته وكيفية الدفاع عن النفس.

ولكون الكاتب جزء من عملية بناء مجتمع صالح واعي مدركًا للحقيقة الحياة، رأيتُ أنه من الضروري أن يكون الموضوع مرهونًا بقلمي، وأيضًا لشعوري بالأسف من واقعنا المتعسف، فكتبت لعل أن يكون هناك من يقرأ ويأخذ الأمر على محمل الجد للحد من هكذا حالات.

* في مجموعتك القصصية “ماسات ثلجية” في قصة “استلاب” تناول طريف للاستلاب الذي يحدث للإنسان نتيجة تواصله مع الهواتف الذكية والتطور التكنولوجي الهائل حديثنا عن ذلك؟

– يا له من اسم مفعم بالرموز والأرقام ذاك الذي يسمى بالعالم الرقمي، عالم مواز في حياتنا ظهر بعد مليار المحاولات ووضع تحته كل تلك المنجزات الإنسانية الأولى.

الحياة لا تمضي على وتيرة واحدة والتقدم والتطور مطلوب لخدمة الإنسان وليس لسلب ذات الإنسان، قد يتمادى العلم على الحياةِ، ولكنه يجبرنا على أن نتمادى على أنفسنا وهذا ما يحصل اليوم أغلبنا منفصل عن الحياة الواقعية منغمسًا فيما يسمع بالانترنت وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي، حياتنا أصبحت مربوطة به كما أننا لم نعش يوما دونه، أين ذهب الأهل والأصحاب؟ وأين اختفت اللقاءات؟، وأين دثرت الضحكات؟ وأين ضاعت الرسائل الورقية؟

كتبت عن ذلك الاستلاب الذي أصابنا دون سابق إنذار، ودون وعي منا أننا نفقد جزء منا ونضيع بين سلبيات هذا العالم، أنا واحدة من بين الملايين من الأشخاص الذين حالما يمسكون الهاتف يتناسون كل شيء ويسلبون عن ذاتهم، نحمله عند خروجنا وعند طعامنا وعند قيامنا بنشاطاتنا وعند جلوسنا مع الأهل والأصحاب وعند نومنا، اختصر علينا الأزمنة والأماكن، فالأعياد فيه والأحزان فيه بل حتى اللقاءات تجرى فيه أنه لشيء مهيب لو فكرنا بجدية.

تأثيراته ليست فقط اجتماعية وإنما نفسية وجسدية وتربوية، هناك الكثير من يعانون من حالات نفسية، وآخرون جسدية والبعض تضررت أخلاقه وتبدلت أما للأسوأ وإما للأفضل وفقًا لميوله وتطلعاته نحو هذا العالم المخيف. رغبت من خلال ما كتبته أن يستشعر القارئ من حروفي أننا نضيع عن أنفسنا يومًا بعد يوم.

* في قصصك هل تستمدين الأحداث والشخصيات من الواقع أم أن الخيال يلعب دورًا كبيرًا؟

– أثناء كتابتي لقصة ما، يكون جل اهتمامي هي الفكرة أو بالأحرى الرسالة التي أريد أن أوصلها للمتلقي، ففي اللحظة التي أمسك فيها القلم يأخذ الخيال دور القيادة لصياغة الأحداث والشخصيات لذا أغلب القصص التي كتبتها في كتابي “ماسات ثلجية” ولدتها الفكرة الواقعية.

* تخصصك علم الاجتماع، وعملت كمعالجة نفسية كيف أفادك ذلك في الكتابة؟

– لنقل أن تخصصي في علم الاجتماع وضع العالم برمته تحت يدي، علم يدرس كل ثغرات المجتمع بكل تفاصيله الصغيرة، هذا ما يحتاجه الكاتب في نظري، في الحقيقة ممتنة لذلك القدر الذي قادني إليه، ما قدمه لي تخصصي هو أدوات الباحث الاجتماعي، خرجت وأنا امتلك ما يكفي لكي أضيفه إلى أدواتي الأدبية، التحليل ودراسة وربط الحالة بكل الفروع الحياتية أو بالأحرى العلوم الإنسانية هذا ما اكتسبته من علم الاجتماع، التعمق بدراسة المشاكل الاجتماعية ودراسة حالة الفرد ضمن هذا المشكلات.

كل ذلك يجعلك الشاهد والمتحكم والمغير الأول في مجريات المشكلة أو الحالة، كل ذلك جعلني مهتمة بمعرفة الإنسان ذاته، فدفعني الأمر إلى أن أصبح معالجة أو مستشارة نفسية وأثناء عملي هذا تعرفت على الكثير من الشخصيات والنفسيات والمشكلات الاجتماعية والنفسية والصراعات الذاتية والقصص التي يخفيها الجميع ولا يبوح بها للعلن، فتعلمت أنه إذا أردت أن تعرف كيف تُحيك قصة أو رواية عليك أن تهبط للقاع، قاع المجتمع وقاع النفس البشرية حتى تخرج بعد ذلك بالحقيقة التي تستحق أن تروى وتعالج.

* هل واجهتك صعوبات في النشر، وما هي هذه الصعوبات؟

– ليس ثمة طريق غير مقفر وخالي من العثرات والهفوات غير المحسوبة، ففي رحلتي الأدبية وبحثي عن المفتاح الذي سينير كتابي الأول واجهت الكثير من الصعوبات المتعلقة حول إيجاد دار مناسبة تستقبل نصوصي.

لاحظت أن أساليب النشر وسياستها وطريقة التعامل مع الكتاب والكاتب تختلف من دار لآخر، وأيضًا اختلفت عن سابقتها وربما هي كانت كذلك منذ زمن طويل ولكن متسترًا عليها لقلة دور النشر.

أسوأ ما اكتشفته أن أغلب الدور التي أتحدث معها تبحث عن الربح الخاص والمنفعة الذاتية أكثر من المنفعة الإنتاجية والعمل المرموق، بعضهم رفض التعامل معي لكوني كاتبة في خطواتها الأولى و منجزها الأول فبات متعذرًا بأعذار واهية لا يصدقها سوى الأحمق، لأن سياستها لا تدعم الكتاب الجدد، وإنما خصصت للشخصيات المعروفة في الوسط الاجتماعي والإعلامي.

في حين الأخرى تنتج لأصحاب النفوذ والجهات الخاصة بها، والقسم الثالث الدور التي تستقبل الجميع لكنها مقابل ذلك توقع الكاتب تحت مصيدة النصب والاحتيال والغش بالخفاءِ وتمارسه على الكثير من الكتاب وبالأخص الكتاب مثلنا الجدد على هذا الوسط.

ناهيك عن الأسعار الخيالية التي يصرحون بها للكاتب الذي وقع في دوامة الحيرة بين المجازفة بكل شيء والتأمل بالنجاح الذي سيعوض الخسارة، أو العزوف عن الإصدار الورقي ومتعته وللجوء للإنتاج الالكتروني (كتاب إلكتروني) لقلة التكلفة التي يتطلبها، ولسهولة نشره وإيصاله إلى مختلف البقاع.

* هل تجدين مشاكل في حضور فاعليات ثقافية في الوسط الثقافي في بلدك بسبب كونك امرأة؟

– أثناء تواجدي ضمن النشاطات الفنية والفعاليات الثقافية سواء كانت دورات تعليمية أو ندوات وغيرها، لم أتعرض أو أواجه مشكلة حول كوني امرأة، بالعكس تمامًا كانت هناك مساحة وفيرة وربما الأكبر للمرأة للمشاركة والتفاعل، العنصر النسوي كان حاضرًا بقوة وبشكل يفوق التواجد الذكوري، يمكنني القول أنها داعمة لظهور المرأة العراقية ودخولها للعالم الأدبي سوى في الشعر أو القصة أو الرواية.

* ماتقييمك لحال الثقافة في العراق وهل يدعم الكتاب والكاتبات؟

– ولأننا نعيش في حقبة زمنية مختلفة عن سابقتها فإن الجانب الثقافي في المجتمع العراقي تغير كثير، اليوم الفرد أو المثقف العراقي أصبح واعيًا بما يكفي لاستيعاب هذا التحولات التي يشهدها الواقع الثقافي، حيث ساهم الانفتاح والاطلاع على العالم الخارجي في قلب الكثير من الرؤى وحطم الكثير من القيود المانعة للإبداع والظهور من جديد في مختلف الفنون.

ليس فقط الجانب الأدبي الذي أثبت حضوره بقوة ضمن هذا السياق، لاسيما بروز المرأة بشكل صريح وواضح وكأنها أخيرًا قررت ترك كهف الأعراف والتقاليد والخروج للعالم الآخر، ووضع بصمتها في قائمة المبدعين، فلقد رأيناها حاضرة ومبدعة في الأدب، الرياضة، العلوم والقيادة، التربية والفن…الخ.

رغم هذا الحضور والكم الهائل من المبدعين إلا أن مسألة الدعم مازلت محصورة بين الكتاب أنفسهم، نعم هناك دعم من قبل الكتاب أنفسهم حيث أن كل الفعاليات والمشاركات تكون من قبل جهات معينة ليست من قبل منظمات أو جهات حكومية مسئولة عن تنظيم ودعم هذا الجانب، مهتمة بمصير الإنسان المبدع بصورة عامة والكاتب بصورة خاصة.

* هل توجد اختلافات بين الكتابة لدى النساء وبين الكتابة لدى الرجال في رأيك، وماهي ملامح هذه الاختلافات.

– نعم الاختلاف واضح ولا يحتاج إلى رأيي اثنين في ذلك، الطريقة التي يكتب بها الرجل مختلفة تمامًا عن التي تكتب بها المرأة. كلنا نعرف كيف أن الرجل يصوغ العبارات كما وأنه يقود الجياد، عرفناه جسورًا في الانتقاد وهائمًا بالحب والاشتياق وثائرًا حين الحزن والرثاء، طالما هو يمتلك الأدوات التي تدعمه وبالأخص خروجه من دائرة العادات والتقاليد التي لا تكاد أن تضعه ضمن حساباتها، مَلك الحرية في التعبير والغوص في أعماق الشعور بلا قيود.

بعكس المرأة التي ما أن ظهرت حتى أرداها المجتمع في كهفها، مما جعلها ضعيفة الرؤى وغير قادرة طرح أفكارها بحرية وثقة، متحفظة على الكثير حتى أن كتاباتها اقتصرت على مواضيع معينة فنراها دائمًا تعبر عن رغباتها لا عن الفكرة والموضوع، لذا نجدها حاضرة بكل نصوصها لا شعورها، وهنا لا أقصد جميعهن وإنما نسبة معينة منهن مازلن حبيسات أنفسهن والمجتمع، بالرغم من ذلك، إن التاريخ يشهد أن بعضهن برزت أقلامهن كإحدى أفضل الكاتبات والشاعرات استطعن أن ينافسن الرجال في ذلك منهن، “نوال السعداوي، غادة السمان، نازك الملائكة، مي زيادة”…وغيرهن ممن صنعن لهن اسمًا في الوسط الأدبي.

* ماهو رأيك في مصطلح ” الأدب النسوي” وهل تستعين في أدبك إلى الدفاع عن قضايا المرأة وكشف التمييز الواقع على المرأة في المجتمع؟

– أرى فيه الكثير من الخصخصة، حالما تقرأ كلمة “الأدب النسوي” سرعان ما تدرك أنه مصطلح خاص بالنساء فقط، عالما تضع المرأة فيه باكورة أفكارها، يراه الرجال هشًا لكونه يحمل نون النساء، حذرون جدًا من الخوض فيه ظنًا أنه يحمل الكثير من الفخاخ.

أما بالنسبة إلى مسألة الدفاع، أنا من الذين لا يريدون التحيز لفئة معينة، نعم قد أسلط الضوء على المرأة في مواطن ما وأسعى توضيح ذلك التمييز، لكن لا يعني أني أقف ضد الرجال أيضًا، مؤمنة بمبدأ العدل لا المساواة.

* هل تخافين من الكتابة بجرأة، وتشعرين أن هناك رقيب داخلي يمنعك من تجاوز القيود التي يضعها المجتمع والتقاليد؟

– حسنًا لا أخاف من الكتابة بجرأة، ولدي كتابات قد كتبتها بجرأة ولم تنشر ليس لأني أتحفظ من مجتمعي أو أخشى من ذلك الرقيب الداخلي الذي ولدته الموروثات، لكني أحاول الحفاظ على لون مختلف ومميز ويمثلني أكثر، إضافة إلى ذلك أرى أن وجود ذلك الرقيب الداخلي هو الذي سيحدد الكثير من المسارات في حياة الكاتب لا أرى بوجوده ضير، فالكاتب المحترف يعرف متى؟ وأين؟ يخرج نفسه من ذاك الرقيب.

* هل في رأيك يواكب النقد غزارة الإنتاج، وهل يحتفي بإنتاج الكتابات.

– لا أرى أنه يواكب فما زال هناك الكثير من الكتاب خلف الضوء وأن حصل واحتفى بأحدهم فإن هذا الاحتفاء يكون موجه نحو الفئة المعروفة لا غير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة