خاص : حاورتها – سماح عادل :
“هدى الدغاري” شاعرة تونسية، صدر لها دواوين شعرية (لكل شهوة قطاف، ما يجعل الحب ساقاً على ساق، سبابتي ترسل نيراناً خافتة)، ودراسة عن رسائل “غسان كنفاني” و”غادة السمان”.. وقد شاركت في عدة مهرجانات وملتقيات أدبية تونسية وعربية.. تحاورت معها (كتابات) عن شعرها…
(كتابات): تعتمدين في قصائدك على الصورة الشعرية.. مشاهد حية نابضة تخاطب حواس القارئ.. حدثينا عن ذلك ؟
- أعتقد أنّه ليس على الشّاعر أن يقدم تحليلاً لشعره أو يرصد هو بنفسه مكامن عبقريّته الشعرية أو سماتها.. فهذا يُعد استحواذاً على دور الناقد والمتلقي بشكل عام، النص متن تخييليّ أو مشهديّة قابلة للتأويل وتحريك حواس المتلقي وليس من دور الشاعر الحديث عنها، فقط دوره صنع جماليات تستثير الحواس وتصنع غبطة ما، دون إرهاقه بتقديم تفسيرات لنصّه.
(كتابات): العشق في شعرك يختلط بروح الطفولة والبراءة والمرح.. أليس كذلك ؟
- تعتبر الطفولة دوماً ذاك الصندوق الذي أضعنا مفتاحه لمّا كبرنا.. مليئاً بصور الماضي وأحاسيسنا التي نبتت عندنا أول مرّة، أحداث فرحة وأخرى محزنة فنبقى ردحاً من الزمن نسترجع تلك الصور وتلك الأحداث ولو على شكل بارقات ضوء في القصيدة، أما لو كنت تعنين أن العشق في قصائدي جاء خفيفاً، مرحاً وطفوليّاً، لا أعتقد ذلك.. على الأقل ليست الطفولية سمته الوحيدة، فيَّ أيضاً مخالبٌ، ومناورات المعتّق في العشق !
(كتابات): في ديوان (سبابتي ترسل نيراناً خافتة) يشعر القارئ بروح الأنثى في أرجاء القصائد بدءاً من الكلمات وحتى الحالة الوجدانية.. هل لابد للشاعرة أن تعبر عن نفسها بخصوصية الأنثى ؟
- أكتب أيضاً في قصائد أخرى بخصوصية الذكورة وفي غيرها بخصوصية الطبيعة.. كأن أكون شجرة أو أرنباً مذعوراً أو أكون مثلاً قلباً خالصاً يُنصت إلى العالم بلا جنس معروف، تغيب فيه الذكورة والأنوثة ليقول العالم بروح غنيّة وطريّة أيضاً.
(كتابات): متى بدأت رغبة الكتابة لديك.. ولما جاءت في صورة شعر ؟
- علاقتي بالكتابة كانت مبكّرة من خلال خربشات المراهقة والخواطر الوجودية بشكل عام، نمت بالمطالعة لأتجه بعد ذلك لكتابة المقال في ميادين فنّية متعددة بالصحافة التونسية، وكان الشّعر مبثوثاً في كل هذه المحطات وغيرها، ينضج ويلتمع من دون أنْ يُعلن عن نفسه إلا في السنوات الأخيرة لمّا قرّرت النشر وإصدار دواويني.
(كتابات): هل واجهتك صعوبات كونك امرأة في طريق إبداعك ؟
- لم ألمح أية صعوبات في طريقي ولا ألقي لها بالاً إن وُجدت، أصلاً لا يرتفع صوتك في المنابر إلّا إذا احتميت أو انتميت إلى لوبي أو تجمع، لعلّها أهم صعوبة تواجه الكاتب العربي بشكل عام تُغرقه في منطق القطيع، وقلّة من ينجحون بأصواتهم المتفردة وبنصّهم، لا بمن يحمون ظهورهم, أعتقد وبلا غرور أنني منهم !
(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في تونس ؟
- سؤال لا أحب الإجابة عنه حتّى لا أفْسد على البلد سياحتها الثقافية !
(كتابات): هل يشهد الشعر.. خاصة قصيدة النثر حالة ازدهار.. ولما ؟
- لا يمكن أن نتحدث عن حالة ازدهار.. أظن أنه مصطلح لا يناسب الشعر والإبداع عموماً باعتباره يحيل إلى معنى تجاريّ مرتبط بوفرة الإنتاج أو بتكدس محصول ما، على الأقل هذا تقديري الخاص، ما يمكن قوله عموماً إنّ لنا وفرة في الشعراء وازدهاراً في عددهم، أما الشعر وقصيدة النثر بالخصوص فتتميز بالندرة الملتمعة التي يظل الشاعر يبحث عنها كإبرة في كوم تبن طيلة تجربته، وكلّما ظنّ أنه وجدها وتراءت له لغتها الراقصة بموسيقاها اكتشف أنه ضيّعها فيعاود البحث، هكذا القصيدة تولد عزلاء ويموت الشاعر مهما تكدست دواوينه وهو يلهث للقبض على روح الشعر، روح قصيدة مشتهاة لم يقلها بعد !
(كتابات): ما رأيك في مواقع التواصل الاجتماعي.. وهل ساعدتك في نشر إبداعك ؟
- ضروري ألا نعطي الأشياء أكثر من حقها.. مواقع التواصل الاجتماعي كالتلفزة في فترة ما أو الراديو أو الجرائد كلها أدوات انتشار وتعريف بالكاتب أو السينمائي أو.. أو، الفرق ربما في سرعة الانتشار والقدرة على الوصول إلى الآخر بطرق أكثر نجاعة ربما.. لكن علينا أن ننتبه إلى أن انتشار الكاتب لا يعني علوّ نصّه أو جدّة ما يكتبه، هو فقط أداة انتشار ليس إلّا وهي متاحة للجميع والقليل الذي صنع اسمه لا بكثرة “اللايكات” ولا بقدرته على تبادل المجاملات مع غيره على شبكة التواصل, وإنما نجاحه مرتبط بنصّه.. هذا على الأقل ما يبقى للتاريخ.
علينا ككتّاب أن ننتبه لهذا جيّداً ونعي الأمر حتى لا نسقط في هذا الفخ.
(كتابات): ما هي الروافد التي أثرت بك.. ومن هم الكتاب الذين تفضلينهم ؟
- طبعاً ومن البديهي أني قرأت أكواماً هائلة من النصوص في مناح متعددة واتجاهات متناقضة من الرواية إلى الشعر ومن التصوف إلى الفلسفة ولا يزال أمامي الكثير لقراءته، ولكني أعتبر أن هذا الأمر عاديّ نشترك فيه جميعاً بدرجات متفاوتة وبالتالي لا أؤمن بفكرة التّأثر بكُتّاب معيّنين عليّ أن أسردهم في كل مرّة, بل أؤمن بمحصّلة تلك القراءات ومدى إغنائها لتجربة الكاتب وقدرتها على فتح نوافذ في نصوصه شديدة العمق والخصوبة، جليّة وواضحة للقارئ العادي والنّاقد المختص.
(كتابات): هل يمكن الحديث عن شعر نسائي يهتم بقضايا النساء ويحمل خصوصيتهن ؟
- لا أحب هذه التّسمية ولست من هوّاة النّسوية على الأقل في مستوى الأدب, ليبقى سقف الإبداع عالياً ولا يصل إليه إلا المثابر والعميق بقطع النظر عن جنسه، عليْنا أن نؤمن بهذا رغم أن واقع الحال يشي بعكس ما أقوله، ومع ذلك يبقى الإبداع لا جنس له مهما اشتغل دعاة التّفرقة وتفانوا في ذلك.