خاص: حاورتها- سماح عادل
“نيفين الهوني” كاتبة صحفية وشاعرة ليبية، ليسانس آداب- قسم إعلام- شعبة صحافة- جامعة قاريونس، وماجستير صحافة مكتوبة والكترونية من الجامعة العربية للعلوم تونس. صدر لها ثلاث مجموعات شعرية ومجموعة قصصية.
إلى الحوار:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– بدأت صغيرة جدا في الكتابة حتى أنني في البداية كنت أنسج قصصا من الخيال وأحكيها للأطفال الأصغر سنا عندما أرغب في تهدئتهم وإثارة انتباههم عن الشغب، ولأنني تربيت في بيت جدتي لأمي وهو كبير وبه حديقة كبيرة وبعض الحيوانات ومليء بالطيور، كانت قصصي تدور حول هذه الحيوانات وحديثنا السري الذي كنت أعتقد حينها أنني أسمعه وأفهمه. ثم بعد دخولي المدرسة منذ كنت في الابتدائي برعت في حصة التعبير، وقد شجعني الجميع على الكتابة آنذاك فقد ولدت من حسن حظي في أسرة متعلمة بدء من جدتي التي ربتني وهي من مواليد 1923 وتوفيت منذ أشهر عن عمر 97، وصولا لباقي الأسرة والحمد لله الكل يرى أن التعليم والثقافة قيمة كبيرة، وحيث أن والدي كان صحافيا قبل أن يترك الصحافة وينتقل لقطاع النفط، وأعمامي بين شعراء وإعلاميين وفنانين. لم يكن لدي أي مشكلة وربما كانت الموهبة وراثية ومن حصة التعبير تطور الأمر لكتابة القصص وقراءتها في حصة المكتبة.
** أنت سفيرة السلام عن دولة ليبيا في التجمع العربي للسلام. حدثينا عن ذلك؟
– كان هذا منذ عدة سنوات عندما تأسس التجمع العربي لحماية السلام في فلسطين وتم اختياري لأكون سفيرة للسلام عن دولة ليبيا، وقد حاولنا أن نعمل على تحقيق السلام بالكلمة والحرف ومن ثم نحدث التغيير على الأرض في مجتمعاتنا، إلا أنني وعن تجربة وعدة مسميات اتحادات ومنظمات دولية وهمية وجمعيات أهلية، والعشرات من المهام الخاصة بالمجتمع المدني والتي تصب في مجملها في مواضيع سلمية، هي غير ناجحة وتفتقد إلى روح الاستمرار والمثابرة. لذا بت مؤخرا أعتذر عن هكذا مهام لأنها مجهودات ضائعة ولا فائدة حقيقية منها، ما أثبت نجاحه هو مشاركتنا ضمن برامج الإعلام في مكتب اليونسكو ليبيا، قبل أن يغلق لأسباب مجهولة، وهنا أحب أن أوجه تحية للأستاذة والإعلامية رجاء العباسي التي أعطتنا من وقتها وجهدها الكثير.
** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك ولما اتجهت لكتابة القصة القصيرة؟
– أكتب الومضات مع كل نبضة ينبضها خافقي، لكنني لا أنشر إلا القليل الشعر هو النبض الذي يحيني ولا يمكنني استبداله أو تغييره، ولدي ثلاث مجموعات شعرية “الولة.. همس المساءات” الثلاث عن أمانة اللجنة الشعبية للإعلام والثقافة سابقا عام 2007، و”تسابيح النوارس” عن الدار المصرية السعودية عام 2010. وأخيرا “وطن التفاصيل” عن دار السعيد للنشر والإعلام، على الرغم من أنني كما أخبرتك سابقا كتبت القصة قبل الشعر بكثير.
فأول قصة قصيرة نالت استحسان معلمتي آنذاك كنت في الصف الرابع الابتدائي، واعتقدت المعلمة أنني قمت بنقلها عن مجلات الأطفال المنتشرة في حينها، سامر اللبنانية التي كانت تصدر عن مجلة وصحيفة الكفاح العربي، واللتان كانتا في بيتنا شيء مقدس، ومجلة ماجد الإماراتية التي كانت تصدر هي أيضا أسبوعية. والمجلات غير المنتشرة مثل مجلة سمير المصرية وميكي ومجلة تان تان، وروايات الجيب التي تحصلت عليها زمن القطيعة عن طريق جدتي لأمي، التي كانت تسافر لمصر بلدها كل عام عبر اليونان، فتجلب لي معها كل ما هو غير متاح في المكتبات الليبية آنذاك، لكنها حين تيقنت من أنني من كتبتها دعمتني وشجعتني أبلة “فوزية البزوطي” ونلت جائزة عن القصة القصيرة عام 91.
ولدي مجموعة قصصية واحدة عن دار إبداع عام 2014 بعنوان “قصاصات مطبوعة”، أما الشعر فقد كتبت الشعر في المرحلة الإعدادية وكنت أكتب مقدمات البرنامج الإذاعي الصباحي سجعا وطبقا، ثم لاحظت معلمة اللغة العربية الأمر ووجهتني لقراء الشعر العربي، أذكر أنني كنت أحفظ قصيدة الزير سالم مذ كنت في الصف الخامس الابتدائي، وهي من مقررات منهج الصف الثالث الإعدادي.
أول جائزة عن (شعبية بنغازي) في مسابقة مدارس الثانوية كانت عام 92 عن قصيدة عمودي وطنية، وعام 93 عن قصيدة عمودي وطنية، وأكتب العاطفي لكن دون أن يطلع عليه أحد، وكان معلم اللغة العربية في القسم الأدبي الذي قاتلت حتى انتسب إليه لرغبة أسرتي ومعلماتي أن أنتسب للقسم العلمي لتميزي، لكنني كنت قد قررت منذ عامي التاسع أن أكون صحافية رغم رفض الجميع، لذلك كان معلم اللغة العربية مصري الجنسية، الله يرحمه، اسمه محمد أبو الرجال وكان عجوزا آنذاك، ورغم تعبه من التدريس يحرص على تنمية المواهب في الفصول الدراسية. فهو من يشجعني على الكتابة خارج دروس حصص التعبير، ويطلب مني قراءة ما أكتبه على زميلاتي، ثم التدريب على الارتجال في التعبير.
عندما دخلت الجامعة توقفت عن المناشط الجامعية بسبب الدراسة وتعليمات والدي بالتركيز على القسم الذي لم يكن يحبه الإعلام، لكن دكتوري العراقي فيصل مقداد اكتشف لي نصا كنت قد كتبته أثناء المحاضرة فوق مذكرة النقد الأدبي، وعندما سألني أجابت صديقتي تكتب ولا تنشر فطلب مني الاستمرار في كتابة الشعر الحر، ثم جاء في آخر العام الدراسي ونظم أمسية شعرية في مركز الفاتح للمتفوقين خارج الجامعة، حضرها لفيف من الشعراء والأدباء في مدينتي، وكانت أول مرة أحتك فيها بالجمهور النخبوي، وأذكر كان من الحضور القاص الليبي سالم العبار، والشاعر خطاب الطيب خطاب، والقاص والأديب محمد السنوسي الغزالي والشاعر صالح قادربوه وآخرين، أعتذر الذاكرة لم تعد تسعفني، ومنها انطلقت.
ثم بعد العمل الصحافي نشرت نصوصا في “الزحف الأخضر والشمس والجماهيرية والفجر الجديد” باسم مستعار وهو “ابنة الجنوب” حتى لا تؤثر نصوصي على تحقيقاتي الصحافية الساخنة، وعملي الميداني عن قضايا المواطن، إلى أن شاركت عام 2004 في أول مهرجان رسمي كشاعرة وصحافية مهرجان “زلة” ومهرجان “زلطن” وهنا انظلمت القصة مع وجود الشعر، فلم أعد أشارك إلا كشاعرة حتى عام 2006 و2007 حيث كنت عضوة لجنة تقييم القصة القصيرة في مهرجان ابداع المرأة على مستوى ليبيا، ثم مشاركة في طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية في أمسية قصصية نسوية أقيمت في طرابلس، ثم عام 2018 في معرض تونس الدولي للكتاب في الأمسية القصصية الرسمية الخامسة، وإلى يومنا هذا تظلم القصة معي حيث يدعونني كشاعرة وينسون أنني قاصة.
** في ديوانك “وطن التفاصيل” قسمتي النصوص على أيام السنة وفقا للفصول الأربعة وكأن هذا اعتراف منك بتأثير التغييرات المناخية على المزاج والنفسية وحتى على التعاطي مع العشق.. حدثينا عن ذلك؟
– نعم أنا أؤمن جدا بتأثير الفصول والمناخات على الإنسان ومزاجه ونفسيته، وبالتالي على المحيطين به وخاصة الحبيب أو الشريك أو الزوج بالدرجة الأولى، إلا أنني كتبت عن الربيع في فصل الخريف وتحدثت عن الخصوبة والبراعم والغيث في فصل الخريف على الرغم أنها من صفات الشتاء، لأن الوطن تتغير فيه درجات الحرارة حسب حضور الشخوص ووفق تجاوبهم مع اللحظة وليس حسب مناخ الفصل الحقيقي غالبا.
** في ديوانك “وطن التفاصيل” صورة الرجل المعشوق، رجل قوي آسر أقرب للبطل الخيالي في الأساطير بسحره واحتواءه ومقدار تمكنه من روح الحبيبة وقلبها. ماذا تعكس هذه الصورة في رأيك؟
– كتبت عن هذه الصورة ربما للبحث عن هذه الشخصية التي يعتبرها البعض خيالية وربما أنا على وشك الاقتناع بأنها فعلا خيالية، لكنني مستمتعة بالكتابة عنها أو لأخبر القراء أن الرجل الحقيقي هو هذا البطل الذي ترغب النساء في العيش معه وبناء أسرة وخلق حياة متكاملة. فهي انعكاسا لأحلام الحياة الرومانسية الحقيقة والتي تخلق مناخا متزنا ينتج أبناء أصحاء وبالتالي مجتمعا سليما ومعافى.
** في ديوانك “وطن التفاصيل” ما سر الإيجاز الشديد والتكثيف وهل سعيت لعمل لغة خاصة مميزة؟
– بعض النصوص جاءت عفوية وقد نشرتها كما هي لأنني لا أحب الاشتغال على النص، أفضل البوح من القلب للقارئ فما يخرج من القلب يصل حتما إلى القلب، لكن هناك نصوصا فضلت أن أختار مفرداتي الخاصة والتي أستخدمها كلزمة منذ سنوات، رغم عدم انتشارها في الكتابة كثيرا وقد تطرقت لذلك الشاعرة والروائية والصحافية التونسية الثريا رمضان، تحدثت عن ذلك في دراسة ستنشر في مجلة “الحياة الثقافية” المتخصصة تحت عنوان “وطن التفاصيل لنيفين الهوني أم هي تفاصيل وطن” حيث جاء فيها: “لكنه عالم مكثف كتب بلغة متزنة عرفت الشاعرة من خلاله كيف تختصر الفكرة”، وتقول أيضا “إن الهوني تعيد صياغة الجسد بشكل شاعري مكثف داخل الومضة الواحدة حتى أنها في الكثير منها تحرق القارئ بتفاصيل التفاصيل من خلال أقصر الجمل وتضرب مثلا بومضة ولأن التسلّل ملعبي قرّرت دسّ أصابعي هناك”، حيث تقول أيضا “هذه الجرأة التي اكتسبها النص تضفي تميزا على مجموعتها الشعرية هذه وتثير فضول القارئ للغوص في كوامن هذه اللغة التي خلقت داخل فصول مختلفة عن السائد لتبني ومضات متصلة في الفكرة منفصلة في التوقيت ومواسم حارقة بلظى اللغة الشبقيّة، وانتشاء الصور الإيحائية وتفاصيل الشدّ والجذب مع كل مرحلة من مراحل الحكاية التي بنت عليها الشاعرة نيفين الهوني مجموعتها الشعرية”.
** في ديوان “وطن التفاصيل” كتابة أيروتيكة محملة بفيض من المشاعر والأحاسيس المرهفة، ومن خلال كلمات لها دلالات متعددة وإيحاءات نفسية ثرية. هل يتقبل المتلقي الكتابة الأيروتيكة من كاتبة وهل هناك إشكاليات تعانيها الكاتبة التي تختارها للتعبير في نصوصها؟
– نعم أذكر أن الشاعرة المصرية الكبيرة شريفة السيد كتبت عن ذلك في تقديمها للكتاب، والذي اعتز بأنها من قدمته بهذه الدراسة المستفيضة والثرية عنه، وقالت أنني أكتب أحلامي والحقيقة أنني أكتب أحلام الكثيرات اللواتي لا يستطعن البوح عنها وأختزل تفاصيل شهدتها أو سمعتها أو عشتها، في كلمات من السهل الممتنع تبوح ولا تعلن، ورغم ذلك أجد أحيانا متلقى لا يعجبه الأمر بل ويرفضه ويهاجمني، ناهيك عن تفاصيل من خياله الواسع التي يود لو ألصقها بي حول الكتابة عن التجارب الخاصة بالكاتبة، والاتهامات بالإباحية والخوف على المجتمع و..الخ، من القصص القديمة المكررة والمعادة منذ عشرات السنين فلا هم يملون ولا نحن سنتوقف عن الكتابة.على الرغم من أن هناك نصوصا لي وبالتأكيد لغيري من الشاعرات يقبعن في الأدراج ولا نجرؤ على نشرهن، خاصة في مجتمعات الحروب والأزمات وتعددية الأطياف الدينية الحديثة على مجتمعنا والتي تصل إلى حد التشدد، وبالتالي نفضل بقائهن حتى يفرج الله.
** ما تقييمك لحال الثقافة في ليبيا وتونس بما أنك تتواجدين فيها في الوقت الحالي؟
– للأسف الثقافة في أغلب الدول التي أتواجد فيها بائسة، وتعاني سيطرة اللوبيات والتعامل عن طريق الانتماءات الأيدلوجية ومحاولات الإقصاء، وامتلاء الأوساط الثقافية بالدخلاء والأدعياء هو حال الجميع دون استثناء. وحتى الدول التي نتابع مثقفيها ونتناقش معهم ونسمع صرخاتهم عبر ما يكتبون وعلى وجه الخصوص بلدان ما يسمى (الربيع العربي) الذي لم نر منه شيئا. والحال والحديث والواقع والتفاصيل والفضائح الأدبية والثقافية ليست خفية، ولا أدعي أنني فقط من أعرفها، فالكواليس لم تعد كواليسا صارت عرضا فرجويا مجانيا يوميا، وبالتالي لا أجد ما أضيفه سوى أن فكرة الفوضى الخلاقة التي جلبها لنا المستعمر في شكله الجديد، لم تكن خلاقة أبدا واستمرارنا على هذا الحال سيؤدي بنا إلى الهاوية إن لم نكن قد شارفنا على الوقوع فيها.
** عملت في مجال الصحافة لسنوات طوال وخاصة في مجال الصحافة الثقافية. احكي لنا عن مسيرتك وهل تعاني الصحافة الثقافية من إشكاليات في رأيك؟
– بدأت الصحافة مبكرا وسنوات خبرتي تصل إلى 23 عاما من العمل المتواصل، ناهيك عن سنوات الدراسة الأربع والتي كنت أكتب فيها في صحيفة الجامعة قاريونس، وعملت في مجالي الصحافة المكتوبة والمسموعة، فقد عملت لسنوات كمعدة ومقدمة برامج ثقافية واجتماعية ودينية في إذاعة بنغازي المحلية وإذاعة الجماهيرية العظمى سابقا الأم وفرع بنغازي. وبالنسبة للصحف كتبت في كل الصحف والمجلات الليبية والحمد لله وبعض العربية، ونشرت نصوصي في تونس وليبيا ومصر السودان الإمارات وسوريا هذا باختصار شديد.
أما عن معاناة الصحافة الثقافية وإشكالياتها فهي كثيرة، وأولها عدم الاهتمام بها واعتقاد الكثيرين أنها أسهل أنواع الكتابة الصحافية، ولعل في تطاول بعض الدخلاء على المهنة من باب الكتابة الشعرية أو القصصية أكبر دليل على معاناتها ومعاناتنا معها. فهم لا يستوعبون بأنه تخصص يدرس في الجامعات، أنا أنجزت رسالة الماجستير عن الصحافية الثقافية وتدريبي العملي كان عبر استحداث صفحة ثقافية شبابية في صحيفة العرب اللندنية، التي تفتقر إلى لغة الشباب في الملف الثقافي الخاص بها، ولكن للأسف حتى أثناء التطبيق العملي للصفحة وإخراجها لم أشعر بأن هناك نوع من الاهتمام بالأمر.
وبعد مناقشة الرسالة تحولت إلى كتاب علمي لم ينشر بعد احتفظ به ضمن أرشيفي، وفقط مازلنا ليومنا هذا نرى شاعر لا يفرق بين الضاد والظاء في الكتابة أو الذال والدال ويتبجح علينا نحن الصحافيين المتخصصين بأنه مشرف ملف ثقافي، ثم أيضا يتطاول بقوله ما هو الملف الثقافي إلا بضع نصوص من هنا وهناك. أذكر أن فنانا ومخرجا ذات ليلة لم نهار لم نرى فيه وجه الشمس، تم تكليفه في أحد صحف ليبيا كمشرف ملف التراث، فما كان منه إلا أن نشر شعرا شعبيا هجائيا من قبيلة ضد أخرى، وإذ بالصحيفة بين ليلة وضحاها في المحاكم والقضايا بسبب الأخ الذي لا علاقة له بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد، وليته يفهم في الشعر أو في اللغة ليفرق بين الذم والمدح وبين ما يقال في الخيام الشعرية أو الأفراح والمناسبات الاجتماعية وبين ما ينشر في الصحف، أكتفي بذلك لأن الكلام في هذا الموضوع موجع جدا.
** في كتابة القصة القصيرة هل تستمدين أحداثها وشخوصها من الواقع أم يلعب الخيال دورا كبيرا؟
– بالتأكيد هناك بعض المواقف التي يمر بها الإنسان وتستدعي الكتابة عنها وكذلك الأشخاص، لكنني في الأغلب أترك للخيال براحات من الظهور وإبراز نفسه في الحكايا التي أكتبها، خاصة في النهايات وبعض التفاصيل والحوارات التي أحاول الهروب منها إلى خيالي، وما كان من المفترض أن يقال.