خاص: حاورتها- سماح عادل
“نوال حسن الشيخ”، شاعرة سودانية مقيمة بالمملكة المتحدة، لها مجموعة شعرية تحت الطبع، تجيد الإنجليزية والروسية والهولندية إلى جانب العربية. حاصلة على بكالوريوس اقتصاد من أكاديمية بلخانوف بروسيا، و ماجستير اقتصاد تخطيط من أكاديمية بلخانوف بروسيا. وبكالوريوس في التعليم والتدريس من جامعة ليدز ببريطانيا، وماجستير في التعليم والتدريس من جامعة ليدز ببريطانيا. وبكالوريوس صحافة من الجامعة العمالية من مصر. وبكالوريوس محاسبة من جامعة نايميخن بهولندا. وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان.
إلى الحوار:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– كان مولدي ونشأتي في مدينة “كوستي” العريقة في وسط السودان والتي تقع علي نيلها الأبيض العظيم. ما يميز هذه المدينة أنها كانت المعبر الرئيسي بين الشمال والجنوب الحبيب (دولة جنوب السودان) كما أنها بوابتنا التاريخية لغربنا الوداع. من يولد ويترعرع في مدينة مثل “كوستي” يكون من المحظوظين لجمال وثراء بيئة هذه المدينة التي تعكس كل أقاليم السودان وسكانهم من القبائل المختلفة، والتي أتت حاملة معها كل موروثاتها الثقافية والإنسانية.
تشبعت من كل هذه الثقافات خصوصا وأن الحي الذي أسكنه حي (الرديف) تقطنه كل هذه السحنات والوجوه السمراء. منذ طفولتي وأنا أرتاد كل حلبات هذه الفنون الشعبية لقبائل الدينكا والقبائل النيلية الأخرى. فنون هذه القبائل ترتبط ارتباطا وثيقا بكل مكونات البيئة من أرض، إنسان وحيوان. كنا نشارك الدينكا وكل القبائل النيلية رقصاتهم الرشيقة التي تعتمد علي حركة الجسد، وأغانيهم التي تصاحبها إيقاعات الطبول ونغمات والآلات الشعبية.
من غرب السودان هناك العديد من القبائل المتعددة الثقافات والفنون وبتعدد هذه القبائل تعددت الآلات الموسيقية والإيقاعات مثل المردوم، الجراري، الهداي، الكمبلا وإيقاع التمتم الذي تميزت به هذه المدينة وأهلها. بالإضافة إلي ارتيادنا لحلقات الزار وبيوت الأعراس.
في الأمسيات وعلي أكواب شاي الحليب كانت أمي تجتمع مع إخوانها وجارتنا المرأة الذواقة “أم ريد” رحمهم الله كنا نستمع إلي أشعار الشاعر الفذ المرحوم “إسماعيل حسن” مع بعض الدندنات من أمي وصديقتها.
كل هذه الأسباب مجتمعة خلقت وأصلت لبيئة داخلية فيني لاستقبال كل أنواع الفنون والتفاعل معها بالكتابة في شكل قصاصات. كتابة الومضة كانت البدايات ومنها تحولت للكتابة المطولة ولكن مازالت الومضة تشغل حيزا داخلي. السفر والتنقل من دولة لأخرى والقراءة بلغات مختلفة أثرت تجربتي كثيرا بالإضافة للتفاعل مع الثقافات المختلفة.
** درست في روسيا وفي انجلترا وفي هولندا وفي مصر، ما سر هذا الجهد الكبير في الدراسة وفي مجالات متنوعة؟
– أولا أنا أحب الدراسة جدا وعندي شغف شديد للدراسات الأكاديمية. دراستي الجامعية كانت بروسيا مدينة موسكو وكان هذا عن طريق المنح. درست الاقتصاد وتخصصت في التخطيط الاقتصادي. عدت السودان للعمل بالمشروع السوداني- الفنلندي لدرأ التصحر والجفاف. بعدها لحقت بزوجي في قاهرة المعز حيث درست بالجامعة العمالية ونلت بكالوريوس في الصحافة العمالية.
عبر برنامج الهجرة وعن طريق الأمم المتحدة هاجرت والأسرة إلي هولندا. للبحث عن موطئ قدم في هذه الدولة كان لابد من دراسة اللغة الهولندية أولا والحصول علي وظيفة ثانيا. درست المحاسبة ونلت دبلومها بالإضافة إلي كورس في إدارة الأعمال وعملت بالرابو بانكRabo Bank.
في عام ٢٠٠٥ قررنا الانتقال إلي بريطانيا لوجود فرص أوسع للأبناء. فبدأت من جديد دراسة اللغة الانجليزية من البداية وحصلت علي درجات الGCSE في اللغة الانجليزية والرياضيات واتجهت بعدها للالتحاق بالجامعة قسم التعليم والتدريس وحصلت علي البكالوريوس وأعقبته بتخرجي في عام ٢٠١٦ بدرجة الماجستير. أعمل حاليا معلمة، هذه المهنة التي أحببتها منذ صغري.. ومن تجربتي الدراسة والتعلم لا يحدهما زمان أو مكان، الرغبة هي الدافع الأساسي لتحقيق طموحات ورغبات الفرد.
** تجيدين أكثر من لغة هل فكرت في كتابة الشعر بغير اللغة العربية؟
– الكتابة بلغة الضاد باللغة الأم فيها متعة وإبداع متجذر ومتأصل فيها. وبالمناسبة الكتابة باللغة العربية ليست سهلة رغم أنها لغتي الأولي. اللغة العربية عالم فيه من الرهبة ما فيه لأنك كلما أبحرت وغصت فيها تجد كنوزا تدهشك بالإضافة إلي أصول القواعد والنحو والصرف. أن تتكلم اللغة العربية يختلف تماما عن الكتابة بها.
راودتني كثيرا فكرة الكتابة باللغة الروسية، لغة الأدب الساحرة ولكن للأسف دائما ما كان يسرقني جمال القراءة ومتعتها. ترجمت بعض النصوص للروسية من باب المتعة فقط.
** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك وهل هو على هامش حياتك العملية؟
– الشعر بالنسبة لي حياة وحاسة سادسة أتحسس بها الكون من حولي، أتحسس به علي إنسانيتي وأربت عليها. الشعر متنفس الروح والعقل نترجم به خطواتنا الحسية والنفسية قبل الحركية. لأن الشعر هو أداة من أدوات التأمل في الكون، كما أنه الأداة الصادقة لترجمة المشاعر الإنسانية (الحزن، الشكوي، الغضب، والحنين).
الشعر أداة من أدوات التغيير كما في الشعر الثوري ويساهم وبشكل كبير في عرض وتغيير بنية المجتمعات. الشعر والموسيقي والغناء سماوات من الألق الحر العفوي الذي يجمل دنيانا ويساعدنا علي التماسك والاستمرار.
لا أستطيع أن أقول أن الشعر علي هامش حياتي لأنه يأخذ ويشكل حيزا كبيرا من حياتي وتكويني ولكني لا امتهنه وكما أسلفت سابقا أعمل بمهنة التدريس وأعشق مهنتي جدا.
** أنت ناشطة في مجال حقوق الإنسان خاصة في مجال قضايا المرأة والطفل واللاجئين حدثينا عن ذلك؟
– الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية ولمدة تجاوزت الثلاثين عاما خلفت تأثيرات سلبية علي حقوق الإنسان السوداني وخاصة الشرائح المستضعفة من النساء والأطفال. في ظل الأنظمة السابقة وخلال كل هذه العقود لم تبارح كل اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المسودات التي كتبت عليها. الإحصائيات في عام ٢٠١٤ تقول أن ٨٠ % من السودانيين علي عتبات الفقر ويواجهون تردي مريع في الأوضاع المعيشية والخدمات الصحية والتعليمية التي جفت وجُففت مواردها بسبب الحروب والكوارث الطبيعية من تصحر وجفاف نزوح وتشريد.
سياسات الدولة العشوائية وغير المسئولة أدت إلي نزوح المواطنين بسبب فقر المناطق والحروب التي يدفعون ثمنها أرواحاً تلو الأرواح. في عام ٢٠١٤ كانت نسبة الذين نزحوا من مناطقهم حوالي ٣٠٠ ألف نازح بالإضافة إلي مليوني شخص يعيشون في مخيمات للنازحين وذلك بسبب الحرب في أقاليم دارفور، النيل الأزرق إقليم كردفان. نسبة الفقر تختلف من إقليم لآخر ويسجل غرب البلاد أعلي نسبة فقر مما يوضح السياسات غير المتوازنة للحكومات.
في ظل كل هذه الظروف القاسية نجد أن شريحة النساء والأطفال تأثرت تأثيراً مباشرا. وارتفعت معدلات البطالة وخرجت النساء والأطفال إلي أسواق العمل الجشعة، والتي يتعرضون فيها لأبشع أنواع الاستغلال والعذاب. غادر الأطفال المدارس وأصبحوا لقمة سائغة للمتحرشين والمغتصبين لهم ولأمهاتهم. وراجت تجارة المخدرات في أوساطهم بترويج من الحكومات الممول الرئيسي لها.
كل هذه الأسباب وأسباب أخرى كثيرة استدعت العمل في هذا المجال لتوفير الحماية لهم أولا. حماية هذه الشرائح تتطلب بذل الكثير من المجهودات لتفعيل القوانين وتوعيتهم بحقوقهم. والتضامن مع هذه الشرائح يكون بالعمل مع المنظمات وخصوصا الحقوقية ذات الأهداف المشتركة وذلك بالندوات والعرائض والمسيرات السلمية للضغط علي الحكومة وفضح سياساتها. وتقديم المساعدات الطوعية في شكل مساعدات طبية، تعليمية وتوفير الغذاء والمأوى.
مهامنا نحن في المهجر توفير المعلومات الدقيقة والإحصائيات للمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والأطفال لتقديم المساعدات اللازمة. واستنفار السودانيين للمساهمة في الحلول بالمال والمعونات اللوجستية ولو جزئية.
العيش خارج الوطن وعملي كمعلمة يجعلني دائمة المقارنة بين أوضاع الإنسان عموما في السودان وفي هذه الدول التي عشت فيها أكسبتني الكثير من الخبرات في التعامل مع هذه الحالات الإنسانية المستحقة. وكل هذه التجارب رسخت إيماني بالعمل الطوعي وبذل الكثير من أجل حمايتهم واستقرارهم. الموضوع كبير للغاية مقابل الإخفاقات الجسيمة في حقوق الإنسان عموما ولكني اكتفي بهذا القدر.
** في رأيك هل تختلف كتابات النساء عن كتابات الرجال خاصة في مجال الشعر، بمعنى هل تتميز نصوص النساء بميزات خاصة؟
– لا أريد الخوض في هذا الخصوص عميقا لأن الكل يعرف الجدل الدائر حول الكتابة النسائية والكتابة النسوية من جانب والكتابة الرجالية/ الذكورية من جانب آخر.
أولا لابد من التفريق بين المصطلحين. كتابة نسائية هذا ما درج المجتمع الذكوري علي تسميتها وهي كتابة محدودة الأفكار والتنفيذ تحت رقابة الذكور. أما الكتابة النسوية مصطلح فرض نفسه في الساحة الأدبية عموما بما فيها الشعر بتزايد عدد الشاعرات والمنتوج الأدبي والفكري وهذا نتيجة حتمية لأن الحركة النسوية حركة سياسية واجتماعية.
مصطلح النسوية هو مصطلح يعبر عن إنتاج المرأة الأدبي والفكري وليس كل ما يكتب عن المرأة.الكتا بة النسوية كسرت طوق العزلة للمرأة من الخوض في بعض القضايا مثل الحب والجنس، كما أنها كسرت الصورة النمطية للأنثى المرسومة من قبل المجتمع الذكوري علي مر العصور. هذا النوع من الكتابة قوض بعض الأفكار المتمركزة حول الذكر/ الرجل.
الكتابة النسوية تأسس لإثبات هوية المرأة فنجد المرأة قد اقتحمت مجالات كثيرة في الكتابة بحثا عن هذه الهوية مثل كتابات الهوية نفسها، الكتابة عن العرق والطبقية في المجتمعات، كتابات عن الثورة والنضال من أجل الحرية. كل ما سبق وغيره من كتابات فضحت وتفضح الظلم الذي يقع علي المرأة في هذا المجتمعات الذكورية وصراع المرأة المستديم من أجل توضيح اختلافها الجنسي، الفكري الفسيولوجي.
بالنظر إلى جوائز الأدب والسلام العالمية والمحلية يتضح جليا تقدم المرأة في هذا المجال. وبالنظر إلي ساحات الشعر عالميا نجد أن المرأة أصبحت صوتا قويا ينادي بالسلام والعدالة الاجتماعية. في الأدب والشعر خصوصا تكتب المرأة بشكل أكثر تحررا وجرأة وطرقت أبواب كل التابوهات المحرمة من قبل المجتمع. المرأة تكتب الشعر بدرجات عالية من الجمال وباستخدام كل جماليات اللغة وإعمال الخيال والتخيل. المرأة تكتب بشفافية ووضوح تام ومنطقي وأكثر مرونة من الرجل. خيال المرأة خيال ثر يضع كل القضايا سالفة الذكر في قوالب شعرية خلابة وأكثر جاذبية للقارئ. أتمني أن أكون قد أجبت علي هذا السؤال بشكل واضح.
** الغزل بالنسبة للكاتبة هل هو مقبول في مجتمعاتنا الشرقية، وهل هناك تفهم في الوقت الحاضر لجرأة الكاتبات في تناول تفاصيل الغزل بالرجل؟
– دعيني أولا أقول لك أننا في السودان كان لدينا مثلا شائعا يقول (المرة أي المرأة لو كانت فاس مابتكسر الراس) بمعنى أن المرأة لا فائدة لها ولكن المرأة عموما كسرت هذا الحاجز، وفي السودان خاصة فأول امرأة في الشرق الأوسط كانت برلمانية هي الأستاذة الراحلة “فاطمة أحمد إبراهيم”.
الآن المرأة هي كائن إنسانيا حيا له حقوقه واجباته وهي في كثير من الأحيان ترعى أسرتها جنبا إلي جنب مع الرجل ولا أكون مبالغة إن قلت أكثر منه.
خلاصة قولي أن المرأة ما عادت ذلك الكائن الضعيف، فلها حق التعبير عن نفسها ووجدت كتابتها بمختلف المذاهب قبولا عند المجتمع. المرأة في كل هذه الثورات من أجل الكرامة والحق الإنساني وأخرها ثورة ديسمبر المجيدة تقدمت الصفوف وبكل جرأة لتدافع عن الوطن وإنسانه. وبخروجها كسرت العديد من الحواجز لتدخل إلي المجالات التي كان يحتكرها الرجل. المرأة اليوم بالإضافة إلي تبؤها العديد من المناصب القيادية نجدها شاعرة وكاتبة روايات ومغنية تفرض وجودها بالجميل والمقنع من عطائها الفكري وعصفها الذهني.
الغزل فعل جمالي وفي أحايين كثيرة لا يعني الرجل فقط فله عند المبدعة عدة تفسيرات منها الوطن علي سبيل المثال، حتى وإن كان التغزل في رجل أليس من حقها؟ بمثل ما يتغزل الرجل في المرأة؟ الكتابة الجمالية لا تعرف القيود وتقيد بالرقابة عليها، عموما أحيلك إلي كم شاعرة فازت في جوائز منافسة بسبب شعرها غزل كان أو شيء آخر.
الثورة الثقافية التي تنتظم السودان وكثير من دول العالم أكيد ستنسف كل الأفكار الرجعية والمستبدة لتنطلق المرأة عنصرا حيويا و فعالا في كل المجالات.
** هل اختلف حال الثقافة في السودان بعد ثورة شعبية كبيرة وكيف ذلك في رأيك؟
– حقيقة كنا نطمح في ذلك ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، أقول لك وبصدق أن آخر اهتمامات حكومة الفترة الانتقالية هي الثقافة، للأسف هناك وزارة اسمها (وزارة الثقافة والإعلام) ولكن عملها الآن هي الناطق الرسمي للحكومة. فإلى الآن تعمل بعقلية النظام الجائر الذي خسرها لخدمة أهدافه أجندته.
كل المنتوجات الفنية كانت أو ثقافية تتم بالمجهودات شعبية أو الفردية. لكن من الجانب الآخر يمكننا القول بأن هنالك مساحات من الحرية نوعا ما ولكن أجهزة الدولة الرسمية كالتلفزيون والإذاعة مازال الوصول إليها صعبا ومازالت تعرض برامج ليست ذات قيمة أدبية وفنية في حين يتم إقصاء كل ما هو مفيد.
** تجهزين لديوان شعر حديثنا عنه؟
– صحيح أنا في مرحلة الإعداد لديوان شعري يحتوي علي العديد من الأعمال المختلفة فكرة ونوعا. ستكون تجربة مختلفة بعد أن كانت أعمالي تنشر متفرقة سيجدها القارئ في ديوان واحد يحمل كثير من ملامحي وملامح الوطن. أتمني أن يجد القبول والقراءة العميقة والنقد الذي يستحقه.
** ماهي أحوال النشر في السودان؟
– حدث ولا حرج، الناس تعاني من أبجديات الحياة من كهرباء وماء وخبز ومواصلات إلخ، لذلك حقيقة استحي أن أحدثك عن مآلات النشر وما وصل إليه من تدني في المستوي والقيمة، إنه يا سيدتي في الحضيض.
وتوقفت كثير من دور النشر والمطابع في السودان بسبب هزيمة الدولار لها. النشر في السودان مكلف جدا جدا وأصبح العائق الأساسي أمام كثير من المبدعين والمبدعات الجيدين وأصبح ينشر من له المقدرة المادية فقط مما فتح الباب أمام كثير من الكتابات غير الناضجة والتي دون المستوي، بينما حرمت كتابات عالية الجودة من الظهور. المواد التي تستخدم مثل الورق والأحبار دون المستوي لأن دور النشر تستخدم المواد الرخيصة الثمن. إذا قارنا بين النشر في مصر نجده أقل تكلفة من السودان لذلك يلجأ بعض الكتاب للنشر هناك.
** هل يجد المغتربون مجالا للتعبير عن أنفسهم والقيام بأنشطة ثقافية في أوطانهم الثانية؟
– نعم بريطانيا هذا البلد الكبير والمتعدد الثقافات منذ زمن بعيد به مساحات كبيرة ومتاحة للتعبير عن النفس بكل أشكال الفنون المختلفة. بلد يسمح لكل المواطنين باستخدام كل دور عرض الفنون من مسارح ومنتديات ودور الجاليات الخاصة والفضائيات الحبيبة من مسارح وغناء علي الطرقات بدون قيد أو شرط. كل المطلوب إخطار السلطات بهدف الحماية. هنالك الكثير من الفعاليات التي ينقلها التلفزيون البريطاني بقنواته المختلفة مثل نقل الاحتفالات الشعبية القوميات المختلفة.
** هل تشعرين بالحنين إلى السودان وكيف يتجلى ذلك الحنين؟
– من منا لا يحمل الحنين إلي وطنه؟ نحن يا سيدتي نسافر وكل ما نحمله هو الوطن الذي تملأ به حقائب قلوبنا. الحنين قاتل ويرزقنا كثيرا البعد عن الوطن وهو في محاضراته العسيرة. الكتابة هي متنفس الحنين الوحيد الذي أملكه الآن. وسائل التواصل قربتنا قليلا ولكنها في نفس الوقت تؤجج الأشواق أكثر.
نصوص ل”نوال حسن الشيخ”
يدان والبحر..
شعرك المعربدُ
يشعل اليدين
يسكب في كأسيهما خمر السفر
يستنفر الأصابع
فتبارز الفراغ
يد اختارت المغامرة
وأخرى ٱثرت السلامة
يدٌ مغامرةٌ
ترقبُ البحر في شوق
تعبثُ بها أمواج القلق
يدٌ كزورق خفيف
تغريه أمواجُ الشَّعر المتلاطمة
يصيبه دوار البحر
وهو ما زال على الشاطئ
رائحة البحر
البواخر المحملة بصندل الشرق المسحور
والزورق الخفيف مازال على الشاطئ يعاني دوار الشعر
ويتنشق رائحة الحناء
والعطور التي تهمي من كفين تعابثان أعلى الشعر
تسكبان ما اختمر في ذهن السودانيات
وفي قنانيٌ الرغبة
التي هشمت زجاج صبر الزورق
فاختار المغامرة
تعبث الأمواج بالزورق
فيغيب هناك
في البعيد
اليد الأخرى ٱثرت السلامة
فالتفٌت كثعبان ماكر
تبحث عن اليابسة
يعترضها جبلان ناهدان
تصعدهما
إلى قمتين حادتين تطعنان سحابة اللهفة
فتهمي حليباً فضيٌاّ
اليدان تنزلقان دون وعي
من أعلى الشعر
ومن قمة الجبلين
إلى …..
حيث النهاية
وحيث مبتدأ الحياة
فيضيعان هناك وإلى الأبد.
———–
فِيْ تِلْكُمُ الْلَيْلَةِ…
كَانَ كُلُّ شيء هَادِئاً إِلَّا مِنْ شَهَقَاتِ الصَّبَاحِ
وَكُنْتُ فَرَاشَةً رَشِيْقَةً تَحُطُّ عَلَى حَدائِقِ الْقُبْلاتِ
ارْتَدَيْتُ أَثوَابَ الرَّبِيْعِ
وَأَسَاوٍرَ الْفَرَحِ
عَانَقْتُ صَدْرَ الْعَالَمِ
وأمسكتُ يد الحياة
فِيْ تِلْكُمُ اللَيْلَةِ…
كُنْتُ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَكَ
قَرَرْتُ تَرْكَ الْجُنُوْنِ خَلّفِي
أَشْعَلْتُ مَوَاقِدَ الذِّكْرَى
وَالْتَهَمْتُ فَارِقَ التَّوْقِيْتِ بِأَظافِرِي
فِيْ تلْكِمُ الَلَيْلةِ….
أَتَى صَوْتُك َ لِيُدْهِشَ أشْواقِي
وَيُربِّتَ عَلَى كَتْفِ النَّجْمَةَ الْبَعِيْدة.
————
بي تحترق الغابة..
أنا صوت الحب والعشق.
يشتعل جسدي بالإشتهاءات..
ولهي يطوي المسافات
لأفيض عليك
فليكن حلماً، ولتكن أمنية لا يهم..
يكفيني أنني ابتسامة بين شفتيك..
طوقني بيديك،
دثرني بدفء أنفاسك،
لأسعى بين الصفا والمروة.. بين ذراعيك
دعني أسافر في عينيك
دعني أبحر فيهما
أنوي رحلةً في خليجك الأزرق..
لأرتوي من بحرك الأبيض
أخترق غابةً متشابكة
يحرسها جنودٌ من الملائكة..
دعني أرتاح وأغزل الشعر بيوت عنكبوت..
سأشتبك بك… أنمو على شطآنك الملتهبة..
لا أنطفئ البتة
بي تحترق الغابة
أنا الشجرة المقدسة..
ثمرة الخطيئة الأولى،
بنت الجذوع اليابسة
أمد جذوري نحو صدرك
أضع المجاز عليك
مواقيتي النزقة
أرفع وجهك المنكسر نحو سمائي المُتنطعة بالنجوم..
وقلبي يطرزه البحر إكليلاً..
أكسو ظهرك بتواريخي
ومشافهتي
وحكايات صباي المعطون في قنينة الإشتهاء.
أحنوُ إليك بثماري اليانعات
وسهولي البدائية..
آخذك إلى مملكتي القديمة..
صولجان أنوثتي وعالمي المنفصم عن الأكوان..
على يدك أضع سنيني اليافعات
ادخلني سرادق أنفاسك،
عرِّ تفاصيل جسدي من كل شيءٍ إلا من صورتك الموشُومة عليه..
خُذني إليك وأطبِق على خصري بكلتا راحتيك حتى يتوقف نبضي
حرر أنفاسي من قبضة الزمن
دعني أعزف على هارمونيكا صدري
واكورديون خصري..
آهاتي مايسترو الأشواق..
فقط ابتسم لتُنير مسرحي
دعني أرقص وأرقص حتى آخر اختلاجات الاشتهاء..
لا تنس أن تضع ختمك علي شفاهي قبل الغياب.