خاص: حاورته- سماح عادل
“نصير الشيخ” شاعر وناقد وإعلامي عراقي، ولد في 1962/مدينة العمارة/ العراق، وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين، وعضو اتحاد الكتاب العرب، والمنسق الإعلامي للمجلس العراقي للسلم والتضامن/مكتب ميسان، ويعمل في شبكة الإعلام العراقي/قناة العراقية/مكتب ميسان.
فاز بأكثر من جائزة أبرزها: ( الجائزة الثانية/ الملتقى الشعري للشعراء الشباب/ الجامعة المستنصرية/1994- الجائزة الأولى/حقل الشعر/مسابقة جريدة الزمان/دورة المفكر عزيز السيد جاسم).
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة ولما اخترت الشعر؟
- ربما رصد البدايات تاريخيا يتأخر قليلا، يتقدم ما هو أهم كمية الإحساس المترتب في ذات وروح ذلك الصبي الحالم، والذي أخذته الدهشة بعيدا عن الفلسفة صوب تخوم الحلم الشعري، نهايات سبعينيات القرن الماضي كان قلم الرصاص يخط على دفتر الواجبات المدرسية، كلمات آتية من خيالات مراهقة ربما، أو وصف لشيء يتعذر الإمساك به.. كانت كتابات نثرية في البدء.. لتقودني إلى عوالم الشعر ودهشته اللامتناهية.
(كتابات) كتاب (الإقامة في جسد الشعر) موضوعه نقد الشعر.. حدثنا عنه؟
- لأني في عالم الكلمات سائرا دوما نحو تخوم الشعر، ولأن القصيدة هي عالم مكتفٍ بذاته، تولد أنى شاءت وتقطع عني مزن أمطارها متى ما تريد، ولأن المعرفيات والثقافات تتسلل إلى الروح عبر القراءات المستمرة والمعمقة والتي لا فكاك منها، كان لي هذه المتابعات النقدية في الشعر وجغرافياه، هي قراءات في قصائد ودواوين شعر رصدت فيها تجارب مختلفة، حاولت فيها الوقوف عند معمارية القصيدة أو النص الشعري عبر تحليل فني للوصول إلى إضاءة المعنى العام.. فكان كتابي (الإقامة في جسد الشعر) استنتاجات جمالية لتأمل واع لفضاءات الشعر ونداءاته.
(كتابات) لك عدة دراسات نقدية.. ما تقييمك لحال النقد الأدبي في العراق وهل هو مواكب للإنتاج الغزير للأدباء؟
- نعم لي متابعات نقدية في حقل الشعر بل تعداها إلى (التشكيل العراقي وتحديدا الرسم).. هي محاولات تندرج في إضاءة المشهد الشعري، وبالتالي إبراز المعطيات الفنية والجمالية لمدى اشتغال الشعراء كلٌ حسب منطقته. ويبقى النقد العراقي راصدا ثريا لمنجز الأدب العراقي والعربي عموما، ومتأملا فاحصا لمشهدية الشعر تحديدا.
وكان لسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين بصمة واضحة وحراكا فاعلا لتنمية إستراتيجية نقدية لملاحقة النص الشعري وتحولاته.. لكن منذ تسعينياته خفت هذا الحراك بسبب هجرة معظم النقاد العراقيين وانفتاحهم على آفاق أخرى، كان للنص العربي حضورهم في اشتغالاتهم النقدية.. ناهيك عن النتاج الغزير للشعراء العراقيين والذي أرى أن متابعته وتقصي مساحته قد تصعب بعض الشئ.
(كتابات) في مجموعة “كأس لحياة أخرى” اللغة مكثفة بها إيجاز شديد.. هل تبذل مجهودا في اختيار الكلمات وتعيد الكتابة أكثر من مرة؟
- بعد ثلاث مجاميع شعرية صادرة، صار لابد من تأمل شكل الكتابة في مختبرها الشعري حد التخوف أحيانا من مواجهة الفكرة أو الحالة أو اللقطة المبهرة للقبض عليها شعريا.. فجاءت (كأس لحياة أخرى).. تشذيب لأغصان شجرة الحياة من زاوية تأملها، وهنا لابد أن تكون اللغة مكثفة، تحتفظ بدوالها ومداليلها، مكتنزة بصورها الشعرية حد الدهشة.. من هنا كنت أنا عاملا مثالاً (نحات) لدي أزميلي وأناملي وهما يصنعان بهجة الشعر.
(كتابات) في مجموعة “كأس لحياة أخرى” حضور المرأة طاغي.. ما هي ملامح صورة المرأة فيها؟
- امنحيني حياة يا سيدتي، واسألي كيف تكون دون وجود المرأة..؟ هي حضور طاغٍ في شعري وشعريتي، وهي عنصر مكمل من عناصر حياتي المعاشة.. وكأس لحياة أخرى، كنصوص شعرية هي توقيعات لهذا الحضور المتجدد وبكل ما تحمل أي المرأة.. فهي تارة الحضور والغياب.. وهي تارة الحياة والموت.. وهي تارة الوطن والمنفى.. هي إذا هذا العالم المتماوج الغامض الواضح.
(كتابات) فزت بجائزة قلادة الجواهري الشعرية في سيدني وجوائز أخرى.. ماذا تحقق لك الجوائز؟
- اعتقد أن الجوائز هي استحقاق معنوي لمسيرة الأديب، وهي إشارة توقف لدى الآخر (صناع الجائزة) للنظر إلى محطة تشير مصابيحها إلى أهمية وجدية مشروعك الشعري.. من هنا كانت جائزة (قلادة الجواهري الذهبية) استحقاق فعلي لمدى جدية اشتغالاتي وصدق تجربتي الشعرية.
(كتابات) هل قصيدة النثر هي الشكل الأفضل للتعبير عنك.. ولما؟
- أنا في عالم الكتابة، في ركن منسي أو على المسرح، في مقهى للعابرين أو وحيدا عند منضدتي الخشبية لغرفتي الكابية.. تحولات الكتابة لدي جعلتني استقر عند هذه الأسلوبية ــ إن جاز التعبيرــ ولأني صورة عصر ملئ بالمتغيرات وانتمي لحداثة الشكل في بحثه الدائم عن توافقات فنية وثقافية وجمالية عن دور الشعر.. كانت الكتابة مبتدأ بالشعر الحر( fraa verse ) سباقة لما انتهى إليه نصي الشعري الآن.
(كتابات) ما رأيك في تقسيم الأدباء لأجيال.. وما مميزات جيل التسعينات الذي تنتمي إليه؟
- ربما هي التقسيمات جاءت نتاج رؤية نقدية في محاولة لفك اشتباك القصيدة مع زمنها وعصرها، ووضع مسارات محددة لأسلوبية الشاعر مع مجايليه، ولكن أرى أن هناك تجارب شعرية كتبت ضمن جيلها وعبرت إلى خطوات متقدمة من أجيال ما بعدها، أي أنها ظلت عابرة لتحديد مسألة (الأجيال الشعرية).. أما عني فالنقدية العراقية (وهذا كلام أنا متيقن منه) إنها قد وضعتني في (برزخ)… يطل على تهويمات الجيل الثمانيني، ويضع قدما متقدمة في معترك النص التسعيني المشتبك مع تفاصيل الحياة والحصار والسلطة والموت والمنفى.
(كتابات) هل اختلف حال الشعر والثقافة في العراق بعد 2003 ولما؟
- بكل تأكيد لابد من ظهور حساسية جديدة في الكتابة الشعرية لما بعد 2003، لها مسوغاتها الثقافية والفنية، ومن ثم تكون نتاج عصر ينهل من تقنيات العالم الجديد.
(كتابات) هل مازال الشعر محتفى به من القراء أم تراجع لصالح الرواية والقصة؟
- دعينا نتفق هي جدلية الموت/ الحياة.. الجمال/ القبح.. والشعر هو الصياغة الجمالية لما نريد أن يكون عليه العالم، ذلك أننا ورثة ذلك النشيد السومري منذ أول لوح طيني، وبقينا في صحبة الحزن العراقي المدجج بالنواح، وبقينا أطفالا نصحو على نار الفجيعة دوما في بلاد اسمها.. بلاد السواد.. من هنا لن ينتهي الشعر كنبع يستقي ماءه من الأغوار العميقة للذات والجغرافيا والتأمل على حد سواء.
صدر له شعرا:
- مساقط الظل/بغداد/1997
- في أعالي الكلام/دار الشؤون الثقافية/2000
- تراجيديا الرمل/بغداد/2002
- شجر من محنة الوقت/دار الينابيع/دمشق 2010-
- أريد نشيد المسرة/تحت الطبع/دار الشؤون الثقافية.
- ألهث وضفائرك عطش/مخطوطة.
- الإقامة في جسد الشعر/قراءات نقدية/اتحاد أدباء ميسان/2014
أبرز دراساته النقدية:
- إشكالية الذات في صمت الأكواخ.
- أفق التحديث الشعري/محمود درويش أنموذجا.
- المثقف العراقي..الذات ورماد المشهد.
- العشب المهجور/قراءة في تجربة فاضل العزاوي.
- شعرية البوح والانصياع للغة.
قصيدة نصوص لسيدةِ الغياب
(1)
ويحَ أصابعي ..
تأخرت كثيراً
في جنيّ قطافٍ الفراشات
من سهوبِ
شعركِ الفــاحم
(2)
كفي المتصلبة ..
من البردِ
آثمةٌ ..
لم تدفن عروقها
في خبايا
جسدكِ الباذخ
(3)
في غفلة ..
فكت ضفائرها
تهشمت المرآة،
من الدهشة
(4)
على
التماعِ
أقراطكِ
كانت
تحط
زنابق روحي
(5)
أصابعي ..
دوماً تشيرُ
إلى ظلالكِ النازفة ..
على مرايايّ
(6)
أرى..
زوارق تحرق مراسيها
عند ظلال الانتظار ..
آهٍ،
إنها رسائلكِ
(7)
مستدقاً ..
كمنقار هدهدْ،
هذا الكون
الذي..
لا تنتمينَ إليه
(8)
بك أستعين..
وبالشوارع،
وبأحلامي…..
نصف المضاءة
(9)
في السماءِ الأخرى ..
وعلى أشجارِها العالية ،
تهبط أسرار الحب…
وتنزل قطعان الثلج
وبجنبي دوماً..
يغفو ظلكِ
وتنام شظايا الحرب
(10)
وأنتِ.. تحرقين المسافةَ
صاعدةً،
لبحار النور
تجرجرني،
نظراتكِ ..
من خجلي،
الساقط،
بين يديّ
(11)
قطعةٌ،
من متحفِ أيامي
سيلَ
السوادِ
الذي..
يُجللكِ
(12)
طافحة بالشك،
ضفائركِ….
التي خذلت
يـديّ
***
تراجيديا الرمل
(1)
مبجلةٌ بالخطايا،
أيتها المانحة..
ليل انطفائي
اشتعال السنين
(2)
هي.. دون الآخرين
متلبسةٌ
بإطلاق النار
على القمر
(3)
الظهيرةُ نائمةٌ..
والأفقُ، مسكون بالرمال
وأنت نورسةٌ تتلاشى
في عروقي
(4)
كانت تبللُ أصابعها،
بدمي
فترتعشُ الأشجارْ
(5)
أنتِ،
قضمتِ تفاحة الخطيئة
وأنا،
أقطفُ تفاح المعنى
(6)
حين افترقنا،
كان القمرُ
خارجَ
مدارِ الحُلم
(7)
قلبُ من أحب،
النجمةُ التي سقطت
في كفــي
(8)
ليلكِ المُعتم،
يضيءُ
زجاجاتِ حروفي
(9)
الجسور،
التي لم تطأها خطاكِ،
قناطرٌ قديمـــة
(10)
الشوارعُ،
معلقةٌ بالضجيج
لكنها….. وبلا
حفيف ثيابكِ
خواءٌ طويلْ
(11)
نصفُ الطريق إليكِ،
وعمرٌ أتخمتهُ بالرماد
ركامٌ من الذكرياتِ
التي لا تنام
ولما يزلْ
بعيداً مداكِ
( 12 )
ذات مرة ،
تذكر طعنتها
في أسفل قلبه
أوقد أصابعه شمعاً….
وأوردته بطاقة بريدية،
وأرسلها…
عبر بريد المسافات..!