خاص : حاورته – سماح عادل :
” نصر سامي”؛ شاعر وروائي ورسام تشكيلي وباحث من تونس.. حصل على ليسانس آداب في اللغة العربية، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة، في 1996، ونال شهادة الماجيستير في الأدب العربي، من كلية “الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة”، في 2012، برسالة عنوانها (الجسد في شعر محمود درويش)، حصل على عدة جوائز منها: “جائزة الشارقة للرواية” 2015، برواية (حكايات جابر الراعي) 2014، “جائزة كتارا للرواية” 2017، بمخطوط رواية (الطائر البشري).
إلى الحوار:
(كتابات) : كيف بدأ شغفك بالكتابة.. وكيف نما ؟
- بدأت أكتب الشعر مبكراً، نشرت محاولاتي الأولى في جريدة تونسية وأنا بعد في المرحلة الثانوية، حيث كان النشر في الجرائد في قريتنا وفي معهدنا أمراً شديد الندرة. أتذكر تلك المرحلة باهتمام؛ ففيها قرأت كتباً كثيرة. لكن بدايتي الحقيقية حين انتقلت إلى قسم العربية بكلية الآداب بمنوبة. وخلال السنوات الأربع هناك تمكنت من نحت اسمي ضمن عدد من الكُتاب الذين مثلوا دفقاً جديداً في الشعر التونسي وقتها. ونشرت أوّل كتبي وأنا طالب في كلية الآداب، ثم تواصل الأمر معي طول الوقت.
الكتابة رافقتني مثل مرافقة الأب والأم، ولم ينفصلا عني أبداً. لقد حماني الشعر من الضياع، وأعطاني كل شيء، الصداقات، السفر، المحبة، الشهرة، التقدير.. ومؤخراً مكنتني الكتابة من الحصول على جوائز مهمة. الشغف هو الكلمة الأحب إلى قلبي في التعبير عن تعلقي بالكتابة، الحبّ، الترابط. لقد وجدت في النصوص الأمر الذي أحب أن أظهر من خلاله حدائقي المخفية وثماري المتنوعة.
هناك شخصين كان لهما دور كبير في حياتي الأدبية لولاهما لكان الطريق مختلفاً أو على الأقل صعباً؛ هما أستاذي “علي العطية”، الذي لم يكن مجرد أستاذ بل عالماً جليلاً وأديباً متخفياً، والناقد “محمد لطفي اليوسفي”، الذي جعلني أكتشف أجنحتي. أحب أن أسلّم عليهما.
(كتابات) : في مسرحية (العشاء الأخير) لما استخدمت اللهجة التونسية.. هل هذا موقف من اللغة الفصحى ؟
- أحب اللهجة الدارجة، أحبها في كلام أمي، كلام والدي، إخوتي، بنتي، أحبها في الأغاني وفي كل المرويات التراثية التي أنا مفتون بها، كتبت عديد الأعمال بالدراجة المحكية التونسية لكنني لم أنشر إلا (العشاء الأخير). وسوف تتوالى كتبي بالمحكية. أشعر أنها قريبة مني، ولقد تمكنت من تطويعها لتعبر بالضبط، ليس عن الوجدان العام الذي تنطق به؛ بل عن ثقافات تعتمل في داخلي. لهذا فإن المحكية في كتبي هي محكية مضافاً إليها ما جميع ما يجعل الكلام أدباً.
إنّ وجود مترجم جيد لمسرحيتي للفرنسية مثلاً سوف يزيل بشكل نهائي هذا الموضوع موضوع اللهجة والفصحى. اعتقادي أنهما لغة واحدة، انقسمت. نصفها نزل إلى الأرض وسار بين الناس ونصفها الثاني بقي بعيداً محافظاً على نقائه. أنا لا أميز بينهما. أرتاح بشكل عميق وأقول ما أريد دون أي ضيق بالمحلية وأقدر لو شئت أن أعبر بالعربية. حين يكون لديك بحر، فإنك لا تستغني عن النهر. إنّ التجاور بينهما يعطي مساحات من الجمالية أحبّ أن أجربها وأعيدها. (العشاء الأخير) وقبلها (مديح البيت) وبعدهما مسرحية (مفقود)؛ كلها ضفاف متعددة لقلم واحد، يحاول باستمرار أن يعمق أسئلته ويسنّ فؤوسه في وجه القحط.
(كتابات) : بدأت بكتابة الشعر.. ما ميزة أن تعبر عن نفسك بالشعر ؟
- أن تكتب الشعر يعني أن يكون لك اسم، وأهل، وبلد. يعني أن تصبح قادراً على أن تكون مكوّناً بطريقة ما لعقول كثيرة تقرؤك وأنت لا تعرفها. يعني أن تفرح أناساً وتحزنهم، يعني أن تسقي شجرة وتبلل غيمة وتضيء نجمة. الشعر أعطاني ميزة أن أكون. التعبير شعرياً عن العالم ميزة لا يعرفها إلا من مارسها. وأنا خبرت هذا الفعل الشبيه بالخلق. هل أبدو مغاليا؟ بالتأكيد لا. لقد قلت شيئا بسيطا من حقيقة مفادها أن الشعر ليس أمرا إضافيا أمارسه بل كينونة ووجود.
(كتابات) : أنت متنوع الإنتاج الأدبي من شعر ومسرحية ونقد علام يكشف هذا التنوع ؟
- بدأت شاعرا ولا أزال أعتقد أن الشعر هو عملي الأساسي، لكن كتبت الرواية أيضا والمسرحية والنقد، وأظن أن تلك النصوص هي وجوه متعددة لذات واحدة. وأمارس مع جميع هذه الأنواع الرسم، أرسم لوحات كبيرة الحجم. في ذلك الفضاء الإبداعي أجد نفسي. في الفترة الأخيرة استأثرت الرواية بكل وقتي حيث نشرت روايتين والثالثة ستصدر قريبا، ولديّ مخطوطات جاهزة. هذا التنوع يبدو لي منطقيا، لكنه يثير الأسئلة، وأنا أتفهم ذلك. ما أعتقده أن القصيدة تضيق، فتتسع لفكرتي الرواية والمسرحية، أما النقد فحاجة مركزية فيها أمارس تشريح النصوص وأتذوقها بعمق.
(كتابات) : هل الجوائز الأدبية تحفز الكاتب وتدعمه وما رأيك في الهجوم على بعض الجوائز؟
- الجوائز تالية لفعل الإبداع، يعني تأتي بعده. وفي رأيي هي لا تصنع كتابا، بل تأتي كنوع من الاعتراف والتكريس وتعيد طرح الكاتب باعتباره منتوجا قابلا للتسويق وإعادة الإنتاج عبر الترجمة والفنون المشهدية كالمسرح وغيره. شخصيا تحصلت على جائزتين مهمتين الشارقة وكتارا بروايتي الموجهتين للناشئة “حكايات جابر الراعي” و”الطائر البشري”، وأعتقد أن هذه الجوائز مثلت أمرا مهما في تجربتي على كل المستويات. وحين أشارك في مسابقة أتقبل نتائجها. موضوع التهجم على الجوائز لن يلغي أبدا حقيقة أنها موجودة ومؤثرة، وأنها أحدثت تغييرا حقيقيا في تقدم الإنتاج الروائي.
(كتابات) : هل الأدب التونسي يعاني من عدم الانتشار في العالم العربي ولما في رأيك ؟
- يمكن قول ذلك، لكن تعميم هذا القول فيه إجحاف كبير. الثقافة التونسية متطورة جدا وفيها زخم هائل وأجيال متصارعة ومتفاعلة، وفي جميع معارض الكتب تصادف كتابا تونسيين خصوصا في الدور اللبنانية والمغربية، لكن هناك صعوبات أمام الكتاب الثقافي بشكل عام في الوصول وهذا الأمر لا يخص الأدب التونسي فقط بل يهم أدب جميع الدول العربية تقريبا. فنحن في تونس لا نكاد نعرف الكثير عن آداب عديد الدول العربية. هناك محاولات فردية للخروج بمؤلفاتها إلى العالم العربي وهي تحتاج إلى مجهود مؤسساتي تدعمه الدولة بهدف إيصال الكتاب الثقافي التونسي إلى العالم العربي. نأمل ألا يتأخر ذلك كثيرا.
(كتابات) : في قصائدك هل هناك شغف ما بموسيقى الكلمات ؟
- كتبت عن كتبي بعض الدراسات عن حضور الإيقاع وكيفياته، مما يعني أن قصائدي تحتفي بهذا المقوّم البنائي الذي يعتبر جناحا إضافيا في قصيدتي. لكنني لا أفهم الإيقاع ذلك الفهم الذي يقصره فقط على العروض ومتطلباته بل ينفتح الإيقاع على جميع مستويات النص، بطرائق كثيرة هي مجمل ما جربه الشعراء قديما وحديثا. أحتفي كثيرا بالكلمات، بل يمكنني القول أنني أستأنسها وأصادقها وأنشئ معها علاقات تحنان قوية بعيدة الغور تصبح بموجبها الكلمات عبارة عن بذرات لها هي أيضا فاعلية النمو. للكلمات أيضا تاريخها السري ومعارفها وجسدها وهي تختار بطريقة ما معناها. عندي شغف عال باللغة تحوها وصرفها وبلاغتها، يفتنني الشعر القديم كله وخصوصا شعر المفضليات والأصمعيات وبالطبع أقرأ الشعر الحديث قديمه وحديثه، أتسمع فيه تاريخ الكلمات وليس فقط موسيقاها. إنها متعة وأيّ متعة.
(كتابات) : في ديوان (سفر بوعزيزي) هل امتزج الشعر بحس الثورة ؟
- هذا الكتاب يلخّص عملي الشّعري الذّي استمرّ بصورة متتالية من تاريخ صدور مجموعتي الشعرية الأولى “ذاكرة لاتّساع اللغات”، إلى حدود آخر مجموعة شعرية “عربة لخيل الأساطير”، وصولا إلى اليوم، وهي فترة كنت فيها في أقصى درجات الوحدة، مرميّا بسمّ الخوف والانفراد، معزولا عن كلّ شيء. تمنّيت في أوقات كثيرة الموت، وتمنّيت في أوقات أخرى أن أصير في يد العدم السّوداء كرة دم متخثّرة يرميها في وجه الكون، ليلوّث الصّفاء الذّي كان يسيّجنا بتفاهته. كنت وما أزال مجرّد خطأ في تقاويم الصّواب الطّويلة. لم أحبّ مطلقا ما أنا فيه، ولم أقبله، وفررت طول الوقت من فؤوسه الصّدئة، ونيرانه التّي كانت تسري في تبن العالم.يهتمّ الكتاب بحدث لمس بقوّة كلّ فرد في تونس وفي العالم العربي وفي العالم، وهو ثورة الشّعب التّونسي التّي نجحت في الإطاحة برأس النظام. ونصوص الكتاب تقع قبل هذا الحدث الذّي ما زال متحرّكا، نابضا بالتّفاعل، وأثناءه، وبعده، وهي لأنّها رافقت بعمق هذه الثّورة الشّعبية العميقة، فإنّها عبّرت عنها بطرائق ناسبت الحدث في حرارته وهو يحدث، ثمّ كتبته وهي ترى تحوّلاته ومآلاته وقد مرّت عليه سنوات خمس، ثمّ كتبته وهي تستنطق إخفاقاته في ظلّ الحكومات المتعاقبة التّي فشلت تماما في التّمكين لحداثة تليق بالإنسان في كلّ جوانب حياته. ينتقل الحدث في النصوص إلى صدى بعيد، وتنزلق الأحلام إلى مخابئها، وتبدأ المرارات من جديد في ليّ أعناق الوجود الرّخوة، وتسوء الأحوال، ولا يتغيّر شيء. لكنّ القصيدة لا تعترف بما يحدث، بل تحتزّ مسارها في ذلك اليتم وفي ذلك الأسى والغيظ والعنف، وتقفز، بواسطة ما تمّ ترميزه، على واقعها، وتحتمي بما يستمرّ نابضا بالحياة من تراثاتها، وفي هذا الامتداد تبتني جسدها الخاص، وتنبت فيه حقيقتها، باعتبارها ذواتا كاملة الحقوق.
(كتابات) : ما رأيك في مسار الثورة التونسية وهل أنت راض عن الأوضاع الحالية ؟
- بالطبع راض، لم تكن تونس يوما أفضل من اليوم.يتغيّر المجتمع التونسي في العمق، ولا يكفّ عن التغيّر. يستنبت خياراته من واقعه، يتفاعل، يتجدّد، ويجدّد رؤاه وأفكاره، يتخلّق فيه جيل جديد متفوّق وحي وديناميكي ومتحفز في كل المجالات، يبدع بقوة ويؤثّر في جميع شعوب المنطقة. حدث ذلك بصورة ذاتية، لن يعود الوضع أبدا إلى ما كان عليه. لذلك تتمّ مراجعات سياسية واجتماعية، وتنحلّ عقد كثيرة، وتولد خيارات جديدة، ويحصل نكوص، لكنّ تستمر الحياة جميلة، الآن لا خوف على تونس أبدا. نشعر ببطء التغيير، وثقل فاتورة التحسّن على الحياة الاجتماعية والمعيشية، ولكنّ الوجدان العام لديه أمل في غد أكثر حرية وديمقراطية وحقوق، تديره مؤسسات مستقرة. ويقوم على العدل. بهذا تهزج اليوم أشعار وروايات وأغان وأفلام يراها الجميع متألّقة في جميع منصّات التتويج العربية.
(كتابات) : ما تقييمك لحال الثقافة في تونس؟وهل حياتك خارج الوطن أثرت فيك ككاتب .. وكيف ؟
- المشهد الأدبي التونسي متنوع ومكثف وديناميكي تتجاوز فيه أجيال وحساسيات ونصوص متفاوتة. وأعتقد أن حدث الثورة كان فارقا في اتجاهها نحو الحرية. وهذا الدفق من الحقوق المكتسبة أعطى للنص السردي والشعري التونسي حركية شاقولية قوية لم يعرفها يوما. كما أن تلك الحركية مست جميع الكتاب وننتظر أن تمسّ المشتغلين بصناعة الكتاب والقائمين على سياساته من أجل توفير طريقة سلسة يصل بموجبها الكتاب التونسي ومن ورائه الثقافة التونسية إلى العالم العربي. فيما يخصني فإنني بعيد عن تونس. أقيم في مدينة صلالة العمانية وأعتقد أنني تأثرت جدا بالشخصية العمانية وأحاول من ناحيتي أن أكون مؤثرا ولو قليلا عبر عديد الأنشطة التي أمارسها منذ وصولي. أعتقد أن للبيئة الظفارية تأثيرا يصعب تجاهله في كل كاتب هذا أولا وثانيا هناك أثر عميق للمرويات العمانية شعرا وحكايات وتاريخا. وسوف تظهر بمرور الوقت في كتاباتي.
(كتابات) : وما هي أحلامك وطموحاتك ككاتب ؟
- لي الآن رغبة واحدة وهي إكمال بحث بدأته من سنوات يتعلق بالشعر المعاصر، أتوقع أن أنهيه خلال الفترة القادمة. وأنا بصدد الاشتغال على رواية كبيرة الحجم آمل أن أتمكن خلال نفس الفترة من إنهائها. ولي أحلام شخصية إنسانية بسيطة أتمنى أن أجد لها الوقت الطيب.
أعمال نصر سامي..
كتب شعر:
1- ذاكرة لاتّساع اللغات. شعر. 1996
2- أنهار لأعالي الضوء. شعر. 1997
3- السيرة. شعر. 2001
4- كتاب الحب. شعر. 2006 (كتاب شعري مصوّر بالاشتراك مع الرسّام التّونسي المقيم بألمانيا الهادي العابد. تمّ تحويله إلى عرض مسرحي بدعم من وزارة الثّقافة والمحافظة على التراث بعنوان “مديح البيت”. وعرض في الموسم الثقافي 2007 /2008)
5- هبوط إيكاروس. شعر. 2008
6- عودة أورفي. شعر. 2008
7- أغلى ما في قلبي الوطن، مجموعة شعريّة للأطفال والشباب، 2013.
8- عقد الياسمين. شعر. 2008.
9- عربة لخيل الأساطير. شعر. 2012.
11- سفر البوعزيزي، شعر، 2017
*روايات:
12- الآيات الأخرى
13- حكايات جابر الرّاعي، رواية للنّاشئين، 2014
*مسرحيات:
14- العشاء الأخير. مسرحيّة باللهجة المحلّية. 2010
*كتب نقدية:
15- الجسد في شعر محمود درويش، الأيروسوالتّاناتوس، بحث جامعي، 2014.
16- المضاء والمعتم، محاولات في القراءة، نقد، 2016.