15 نوفمبر، 2024 11:40 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. نجاح عزّ الدّين: ماتزال هناك نساء كثيرات ينمن في مستنقعات الصمت والكبت

مع كتابات.. نجاح عزّ الدّين: ماتزال هناك نساء كثيرات ينمن في مستنقعات الصمت والكبت

 

خاص: حاورتها- سماح عادل

“نجاح عزّالدّين” كاتبة تونسية، أستاذة درجة استثنائية في التعليم، متحصّلة على الأستاذية والماجستير في اللغة والآداب والحضارة العربية. باحثة أكاديمية في أطروحة الدكتوراه حول التجريب في القصّة التونسيّة، لها إصدار نقدي تحليلي لكتاب “المصون في سرّ الهوى المكنون” لإبراهيم الحصري القيرواني بعنوان “في أفانين الهوى” دار دال للنشر اللّاذقية سوريا طبعة أولى 2019. لها مجموعة قصصية بعنوان “كوخ من لبن النساء وأشياء أخرى” دار “نقوش عربية” 2022.

كان لنا معها هذا الحوار الشيق:

* كيف بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطوّر؟

– عرفت الكتابة منذ عرفت القراءة كنت أعتكف لأكتب بعض الخواطر معبّرة عن أحاسيس مختلفة، كانت تنتابني في طفولتي ثمّ في سنّ المراهقة، كان ذلك مجرّد اقتناص للّحظاتي اليوميّة العابرة. ثمّ فيما بعد أقبلت على مطالعة الروايات التونسية والعربية (محمد العروسي المطوي، حسن نص، رشاد الحمزاوي، وتوفيق الحكيم، نجيب محفوظ، ميخائيل نعيمة، جرجي زيدان، حنا مينا، عبد الرحمن منيف، غادة السمان، نوال السعداوي…) كانت كلها معروضة على رفوف مكتبة المعهد الّذي كنت أدرس فيه.

ثمّ نضجت محاولاتي في الكتابة في الجامعة أثناء تنوع قراءاتي الأدبية والحضارية، القديم والمعاصر منها، العربي والغربي خاصة الأدب الفرنسي. سردا وشعرا وهو ما مكّنني من الاطّلاع على الحضارة العربية والغربية الكلاسيكية والحديثة منها.

ثمّ في مرحلة متأخرة جدّا أي بعد عودتي لمجال البحث في الماجستير اشتغلت بالمراجعات، واكتشفت شغفا من نوع خاص في الكتابة وهو استجلاء جماليات الكتابات الإبداعية سواء كان في السرد القصصي أو الروائي أو في مجال الشعر. وقد صقلت هذه المحاولات مشاركاتي المتنوعة في المنتديات والملتقيات في الرواية، خاصة ما كان منها عربيا عن بعد منتدى الرواية السودانية نموذجا أو مكان منها حضوريا محليّا في تونس، في عدد من الملتقيات الّتي انعقدت في بعض الكليّات حول الرواية التونسية.

* حاصلة على درجة الماجستير وتعملين على رسالة الدكتوراه في تخصص اللغة والحضارة العربية.. حدّثينا عن ذلك؟

– تحصلت على الماجستير برسالة تناولت فيها بنية كتاب “المصون في سرّ الهوى المكنون” ل”إبراهيم الحصري القيرواني”، وهو كتاب في أخبار العشاق وتنظير في الحب، وقيم الكتابة فيه ومن هناك تحسّست قدرتي على التّحليل والتأويل والفهم واسترسلت في قراءة نماذج كثيرة من الأدب القديم، ولم أكتف بذلك بل استهوتني الإبداعات المعاصرة أيضا السردية والشعرية. ثم اشتعلت بعد ذلك على المراجعات واكتشفت شغفا جديدا في الكتابة وهو استجلاء جماليات الكتابات الإبداعية سردا وشعرا. وتحسست قدرتي على التحليل والتأويل والفهم والتفسير. وقد أثمرت هذه التجارب في الكتابة العديد من المقالات والمحاضرات والحوارات الّتي سيجمعها مؤلّفا سيصدر قريبا وأرجو أن يضيف إلى مجال قراءة النصوص ونقدها.

أمّا في مجال أطروحة الدكتوراه فإنني أعمل على التجريب في القصة التونسية أساسا من خلال عدد من المدونات، وسأحاول مواكبة الهواجس الحضارية والفكرية ساعية إلى تجديد آفاق الانتظار وما يجد من قضايا، مبرهنة على أن القصة التونسية، تمر بمراحل من التجريب، وألوانا من الكتابة متعددة، باعتبار التّجريب مشروعا ثقافيا في الأدب التونسي الحديث، يعمل على تنمية التواصل بين أطراف المعادلة الجمعية مضيئا أنفاق الوعي الإنساني.

* لك إصدار في مجال النّقد الأدبي القديم بعنوان “في أفانين الهوى” لما استهواك مجال النّقد؟

– إنّ لظهور هذا الكتاب الفضل في دخولي عالم الكتابة عامّة وإن كنت لا أعتبر نفسي ناقدة، فإنّني قارئة مختلفة عن القارئ العادي أسعى باستمرار لاستكشاف جماليات الأعمال الإبداعية، الّتي تتلبّسني يوما بعد يوم كلّما ازداد شغفي بقراءة الروايات والقصص وأحيانا الأشعار. إن كتاب “في أفانين الهوى” قد تناول بالتّحليل مدوّنة “المصون في سرّ الهوى المكنون” وهي مدوّنة عربيّة مغمورة، لم تنل حظها من الإشعاع والدّرس، مثلما لقيت بعده مدوّنة “طوق الحمامة في الألفة والألاّف” لابن حزم عبر الزمن. باعتبار طرحهما لمسألة الحبّ في أدقّ تفاصيلها.

وقد استجليت فيها بنية الكتاب وقيم الكتابة في إطار بحث أكاديمي.  لقد اكتشفت في نفسي رغبة في قراءة الإبداع وما يكتب عن الإبداع. فأنسقت إلى التّعبير عمّا شدّني في الروايات والقصص وأحيانا الأشعار، من لغتها وطرافة أسلوبها. وتراني أبحث بين ثنايا صفحاتها عن الإنشاء على غير السّائد مستفيدة ممّا تراكم من هذه القراءات المتنوّعة، وأجدني أستجلي أيضا ما ميّزها عن غيرها من الأعمال الإبداعية الّتي اطّلعت عليها. باعتبار النّقد مرحلة لاحقة مهمّة لمواكبة الأعمال الإبداعيّة.

*هل يعاني النّقد من إشكاليات في الوقت الحالي؟

– لئن بدا على السّطح اتّساع دائرة النّقد في العصر الحاضر خاصّة بعد ما عرف “بالربيع العربي” وما ساهم فيه من إثراء للساحة الثقافية والأدبيّة، والمشهد السردي بالتّحديد بعد انفتاح أغلب الكتّاب والشّعراء على مواقع التّواصل الاجتماعي المختلفة والمتنوّعة. فإنّ مجال النّقد يشكو الفوضى، وانعدام الاختصاص والحرفية.

حيث نجد كلّ من هبّ ودبّ يصول ويجول ويبدي رأيه لا فرق بين قارئ عادي انطباعي وقارئ حصيف والعبارة ل”عبد الفتاح كيليطو”، فكثرت النصوص الانطباعيّة الّتي تغلب عليها النزعة التّمجيدية الّتي تقاس فيها قيمة الإبداع بعدد اللايكات عبر “الفايسبوك”، واستبدلت العصبية القبلية بالعصبية ال”فايسبوكية” وتكتّل مجموعة من المساندين ضدّ مجموعة أخرى لدوافع قد لا يعرفها صاحب النصّ نفسه، فيرفع من شأن نص ضعيف إلى سموات وتبتذل نصوص أخرى وتتجاهل وتهمّش وتتدحرج إلى القاع.

النّقد اليوم تهدّده الشللية والرأسمالية والتكنولوجيا، وفي الآن نفسه هو محتاج إلى كل ذلك دفعة واحدة، ليكون قادرا على استيعاب تسونامي الكتابات المختلفة، الّتي تزداد شيئا فشيئا، وتنتشر في كل لحظة. وإنّني في هذا النطاق أضمّ صوتي إلى صوت النّاقد الأردني الفلسطيني “إبراهيم السّعافين” الّذي يدعو إلى جعل النّقد اختصاصا أكاديميّا يتحصّل فيه على شهادات علمية، لمن يريد أن يقتحم أغواره. و أن يكون النّاقد أوّلا صاحب ملكة نقدية، وليس مجرّد مطبّقا للنّظريات، ومنقادا للمدارس النقدية الوافدة، دون اعتبار للسّياق الثقافي والاجتماعي والسياسي، الّذي نشأ فيه، النّص الإبداعي. النّقد هو المعول الوحيد، الّذي لا يمكن أن تنهض الكتابة وتبلغ مستوى الإبداع إلا عبره وبه.

* هل لك نشاطات في مجال السينما وماهي؟

– السينما ليست إلّا شغفا شخصيّا. يأتي في مرتبة ثانية بعد الكتابة. ولم أتكوّن فيه تكوينا أكاديمي.  فقط كنت أدير ناديا للسينما، في إطار التنشيط الثّقافي في المؤسسة التربوية الّتي أشتغل فيها كأستاذة في اللّغة والآداب والحضارة العربية. أطّرت في هذا النّادي مجموعة من التلامذة، الموهوبين، والمغرمين بفن السينما. نناقش أفلاما ونكتب السيناريو ثمّ نوزّع الأدوار وقد تمخض عن هذا النّادي أكثر من شريط سينمائي قصير وقع تصويره من قبل التلامذة، وتوقّف نشاط النادي بعد اجتاحتنا جائحة كورونا ولا أعلم حتىّ الآن هل سأكرّر هذه المغامرة أم لا.

 * في مجموعة “كوخ من لبن النّساء” وصفتيها في المقدمة بأنّها نصوص تعبّر عن وجع، ما يزال يجتاح الذات الفرديةّ. جسّدته لغة تتطلّع إلى مخالفة الخطاب السّائد، مستنبطة بعض ملامح المسكوت عنه، في المجتمعات العربية المحافظة. هل حاولت تخطّي التابوهات في هذه القص؟

– تخطّي التابوهات هو مشروع بصدد التخطيط له وما قدمته في مجموعتي القصصية ليس إلّا جسّا للنبض تمثّلته في بعض النصوص، محاولة التخلّص من عقدة الولاء للمواضيع الممجوجة الّتي صارت مستهلكة في الكتابة السّردية. فجعلت للحيوان نصيبا في نصوصي في أقصوصة” إيجا” ونقلت جوانب من بواطن نفس الإمام الواعظ الّذي تفجّرت فيه مشاعر مختلفة جعلته يرتمي في أحضان راقصة في أقصوصة “عودة الرّوح”، وعرّيت التضارب بين حقيقة الدين ومن يمارسه في أقصوصة “ناسكة العمارة”. طبعا كان للسياسة أيضا موطأ قدم في “زمن الضفادع”.  ولامست أيضا مواضيع عديدة مازلت المرأة الكاتبة خاصّة في عدد من البلدان العربية تخشى الخوض فيها، وقد تمنع مطلقا من طرحها لأسباب ذاتيّة واجتماعية وسياسيّة، وهي مواضيع عرفت بالثالوث المحرّم “الدين والسّياسة والجنس”.

وأعمل الآن على كتابة نصّ سردي مختلف عن مجموعتي القصصية “كوخ من لبن النّساء” سأكون فيه أكثر جرأة وأكثر تخلّصا من تابوهات المجتمع المختلفة. فتخطّي التابوهات يقتضي تحرّرا ذاتيا قبل كلّ شيء فالكتابة إذا لم تتجرّد من كلّ القيود لن تبلغ الإبداع ولن تحقّق ما يصبو إليه الإنسان. فمن اختار سبيل الكتابة عليه أن يحفر طريقه في عمق البحار ويواجه كل الأمواج متجنّبا النصوص الغثّة والباردة.

*في مجموعة “كوخ من لبن النّساء” هناك تنوّع ما بين يوميات وما بين قصص، هل استقيت قصصك أيضا من الواقع وما حجم الخيال المستخدم في نسج القصص؟ 

– كلّ ما ينشئه خيالنا ما هو إلّا إعادة وترتيب وتركيب لتجربتنا المادّية والحسّية، فحتّى حكايات ألف ليلة وليلة لها جذور في الواقع، ولن يستطيع خيال الإنسان مهما حاول أن يتجاوز هذا الواقع. لقد استقيت أحداث قصصي من شواغلي، وآلامي، وجعلت شخصيات قصصي بأصواتها المختلفة، صدى لزوايا وجهات نظري، وأيضا استلهمت أحداث قصصي من تجارب من حولي، وممّا تمخّض عن قراءاتي. غير أنّه لا يخلو عمل أدبي من خيال. لا تستساغ هذه الأحداث الواقعية إلا بصياغتها بطريقة مخاتلة، أتلاعب فيها بسياق السرد، لأنشئ نصّا متخيّلا تختفي فيه الذات ولا تعلن عن نفسها. تظلّ أهميّة الخيال في القدرة على التّحوّل من العوالم المرجعيّة إلى عوالم متخيّلة تتأثر بالمتخيّل الفردي.

وحتّى في اليوميّات كنت أشرّد خيالي فيتحوّل الزّمن الماضي إلى زمن الحاضر ومهما اجتهد كاتب اليوميّات وادّعى الالتزام بالمرجعي فلن تسعفه الذاكرة لذلك هو ينتقي أحداثا دون غيرها فلا وجود لحقيقة مطلقة ونهائية. إنّ الكتابة الإبداعية مهما كان نوعها لا تخلو من خيال والكتابة إن فقدنا فيها الكذب لن يبق لنا ما يكفي للحياة والإبداع حسب أنشتاين “هي أن نرى ما يراه الآخرون وأن نفكّر فيما لم يفكّر فيه أحد”

* في مجموعة “كوخ من لبن النّساء” رغم قولك إنّك لم تهتمّي بفكرة التّصنيفات الحادّة للأجناس الأدبيّة وأنّ الكتابة هي الّتي تفرض نفسها، رغم ذلك استعنت برأي “كمال الرّياحي” عن الكتابة عن الذّات في العالم العربي وهو: “هي كتابة موصومة بالدونية والشّك، والرّداءة. وهي درجة ثانية من الأدب لأنّه لم يكن هناك تقليد من ناحية، ومن ناحية ثانية لأنّ من كتب في تلك الأجناس الأدبية، كتب بطريقة أخلاقوية تمجيدية جعلت من سيرهم سيرا مزيّفة” على الرغم من أنّه رأي مهاجم لم؟

– أوّلا أنا لا تعنيني مسألة التّصنيفات الأجناسية فالكتابة الإبداعية عندي سابقة للأجناس. واتباعها ليس ضروريا بل أعتبرها قيودا تحدّ الكتابة وما جمعي للقصص واليوميات في كتاب واحد إلّا تعبير عن هذا الرّفض ولا أولي أهمية إلّا للكتابة بأيّ شيء وكتابة كلّ شيء.

ثانيا إنّني لا أرى فيما قاله الرّياحي رأيا مهاجما بقدر ما يؤكّد صعوبة الكتابة السيرذاتية في الأدب العربي.  لذلك أعتبر نفسي قد جازفت بكتابة هذه اليوميات الّتي أعدها مجرّد اجتهاد. لقد اقتنصت بعض اللّحظات العابرة من حياتي اليومية المهنية والشخصية وأقرّ بأنني لم أفلح كثيرا في الإلمام بها جميعا. وأعترف أنّني لم أخترق أسوارا، كان يجب أن أتخطاها.  وهو ما أتّفق فيه مع الرّياحي.  فنحن في عالم ما يزال محكوما بالكبت. ويقتضي أن نتمرّد ونواجه الذّات، ونتخلص من الأفكار الدونية المسقطة على كتابة السيرة الذاتية، حتّى تنعتق من التّكلف والسّطحيّة.

* ما تقييمك لحال الثقافة في تونس بما في ذلك النّشر؟

– يبدو أنّ الواقع الاقتصادي في تونس، قد انعكس على الواقع الثقافي. حيث سيطر عليه المفسدون والانتهازيون. وهم شلّة يعملون لصالح مجموعة ضيّقة.  وهي وجوه ممجوجة تتحكمّ في المعارض الوطنية والدولية للكتاب، والتظاهرات والمهرجانات الثقافية في مختلف الفنون، (أدبا وموسيقى ومسرحا وسينما…)  ولا تعمل على تطوير المشهد الثقافي والرّقي بالذوق العام وتأسيس للوعي والفكر، بقدر ما تقتنص المناصب، وتبحث عن الربح المادي، وتخريب مفهوم الدولة، والحط من كرامة الفرد، بالاستعانة بمعاول الإعلام المدجّن، والمال الفاسد.

لكن في المقابل نجد مشهدا نخبويا في طور التّشكّل باجتهاد فردي يدفعه التفاؤل بتأسيس مشهد ثقافي جديد. لئن كانت هذه النخبة ماتزال مغمورة ومهمّشة. فهي تعمل في صمت، في شكل نوادي ثقافية، تتوجّه للمتقبل الشّاب خاصّة، في شتى الميادين الثقافية. كذلك لا ننكر دور عدد من الإذاعات المحليّة الحديثة النشأة، في المساهمة في تعديل الكفّة، والّتي يتنبأ لها بأنها ستكون المنافس البديل للمشهد الإعلامي المتعفن.

أمّا دور النّشر في تونس فيبدو، من خلال تجربتي البسيطة معها، بعد إصداري لمجموعتي القصصية، فإنّها لا تعمل على توزيع الكتاب ولا تبذل مجهودا كافيا للتّعريف بالمؤلّفين.

دور النّشر في تونس تفتقد إلى استراتيجية تسويقيّة: الكتاب لا يوزّع لا محلّيا ولا دوليّا، تكتفي دور النّشر غالبا باسترجاع رأس المال، فتبيع عددا من النّسخ لوزارة الثقافة التي تدعمهم بنسبة محدودة، حيث يركن الكتاب في مستودعاتها، مهملا إلى أن يتلف. وإمّا تكتفي بنسخ عدد ضئيل من الكتاب تلقي به في مكتبة واحدة بالعاصمة ولا يبلغ المناطق الدّاخليّة خلافا لما ينصّ عليه العقد الّذي قد يقيّد المؤلّف لثلاث سنوات.

يبقى الكتاب التونسي مغمورا وأحيانا لا يعتنى إلّا بعنوان واحد لكاتب واحد، على مدار السّنين على حساب عناوين كثيرة. دور النّشر في تونس جبانة لا تجازف وتميل للمجهود الأدنى، لا تواكب العصر وتجهل دواليب التّسويق الحديثة، لذلك لا يعرف المشرقي الأدب المغاربي التونسي بالتّحديد.

* في رأيك هل تختلف الكتابة لدى النساء عنها لدى الرجال ولم؟

– الكتابة عندي بشرية إنسانيّة لا فرق لديّ بين النّساء الكاتبات أو الرجال، ولا أحبّ استعمال لفظ الكتابة النسوية لأنه مصطلح يطفح بالعنصرية، باعتبار الكتابة لا جنس لها ولكن يمكن أن نتحدّث عن كتّاب رجال يكتبون عن شواغل المرأة، فأقول إنّه لا أحد أقدر من المرأة نفسها يمكن أن يبسط قضاياها غيرها، خاصّة المرأة الّتي استطاعت أن تتخلّص من سلطة الوصاية الذكورية وتقتحم عالم البوح والتعرية، سواء كانت الكتابة في السيرة الذاتية أو في كتابة السيرة الغيرية السردية أو في الشعر. وما تطرحه من نبش في مختلف المسائل وقد أثبتت فعلا لنفسها وللعالم جدارتها، الّتي طالما كان الرجل معتّما عليها ومشكّكا فيها، عبر العصور.

في هذا النطاق أتّفق مع ما قاله الكاتب د عزوز لحسن “يجب التّشكيك في كلّ ماكتبه الرّجال حول النساء لأنّهم كانوا وما يزالون خصما وحكما في الوقت نفسه”. لكن يقتضينا الإنصاف أنّ نذكر أيضا أنّه ماتزال هناك نساء كثيرات ينمن في مستنقعات الصمت والكبت. في أعماقهن بحيرات راكدة وأحلام عكرة.

الكتابة إذن بحر عميق يمكن لكلّ من يشعر بالحاجة إليه أن يسبح فيه. لا جنس للكتابة ولا وطن لها تقول الكاتبة الروائية التونسية “حفيظة قارة بيبان”: “سأظلّ أركض إلى براري حرّيتي، إلى ورقي، وأظلّ أكتب لأحطّم وأعيد الخلق على هواي، بحثا عن حياة أخرى أسمى وأجمل”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة