خاص: حاورته- سماح عادل
“ميثم عبيد جواد السعدي” كاتب ومخرج مسرحي عراقي مغترب، يعيش في الولايات المتحدة/ كاليفورنيا. تخرجت في معهد الفنون الجميلة بغداد في قسم الإخراج المسرحي عام 1986، وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين 1986، وهو عضو منظمة المرأة والطفل في شيكاغو، ومسئول قسم الإعلام والفنون2011، وصديق جمعية سايكلوجية الطفل العالمية 2009، وعضو شرف في التجمع المسرحي الكندي العربي 2013.
وكان لنا معه هذا الحوار:
** لما اخترت مجال المسرح وهل شغفت به منذ الطفولة؟
– نعم فعندما كنت تلميذا في الابتدائية كانت عندنا دروس موسيقى وفنية ورياضة، وكنت ميالا إلى درس التربية الفنية ودرس الموسيقى, وعام 1965 اختارني معلم الصف لأكون ضمن كورس الأناشيد وأول نشيد أديته بصوتي كان “بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان”. كان ذلك في مدرسة الفيحاء الابتدائية في مدينة الحلة، وبعدها بسنتين انتقلنا إلى بغداد وأصبحت تلميذا في الصف الرابع بمدرسة قس بن ساعدة الأيادي..
واستمريت بمتابعة النصوص والعروض المسرحية في مدينتنا الصغيرة، في مراكز الشباب والكشافة واتحاد الشباب، وبدأت أطور نفسي بالقراءة عن المسرح والمسرحيات العالمية والعربية ل”سعد الله ونوس وتوفيق الحكيم جليل القيسي” وأسماء كبيرة في وطننا العربي حتى أصبحت طالبا في معهد الفنون الجميلة.
** قمت بعمل عدد من الأعمال المسرحية في السودان وليبيا حدثنا عن ذلك؟
– نعم كانت رحلتي إلى السودان ومنها سافرت إلى ليبيا عن طريق البر، وقطعنا الصحراء بسبعة أيام، كانت رحلة شاقة جدا جدا حيث كان الطيران محظور إلى ليبيا… وفي ليبيا عملت مدرسا لمادتي تاريخ الفن وطرق التدريس في شعبة التربية الفنية بمعهد يوم الوفاء بمدينة تاجوراء الحبيبة. وعملت مع النشاط المدرسي أيضا وأخرجت مسرحيات لأطفال، وحازت على جوائز كثيرة اذكر منها مسرحية “حصان الريح” ومسرحية “الشهيد غيث”، وهذه عن قصيدة للشاعر الليبي الكبير “أحمد رفيق المهدوي” وحصلت بها على رسالة شكر وتقدير. وأفضل عمل تناولت فيه اضطهاد الأطفال من قبل الاحتلال الطلياني إلى ليبيا، وكان العرض بحضور وفود رسمية من أندونيسيا والفلبين. ومسرحيات كثيرة أخرى.
**هل يختلف المسرح الموجه للطفل وما هي الصعوبات في كتاباته وإخراجه؟
– بالتأكيد فالطفل له عالم خاص وطبعا علماء النفس قسموا مراحل الطفولة إلى ثلاث فئات عمرية، ونصوص الأطفال صعبة جدا عند البدء بإخراجها، مثال على ذلك كنت أجري التمارين على عمل مسرحي، وكان التلاميذ من طلبة الخامس الابتدائي بعمر من 10 سنوات إلى 12 سنة. وبعد مرور شهر من التمارين ذات يوم دخلت إلى المسرح فوجدت جميع الممثلات والممثلين على الخشبة قلت: صباح الخير، قالوا: صباح النور يا أستاذ إحنا عندنا اقتراح. قلت: ما هو. قالوا: نريد أن تجلس وتشاهدنا كيف قمنا بإخراج المسرحية. قلت لهم: موافق. قالوا: ولا تقاطعنا، قلت: وإذا قاطعتكم. قالوا: نتركك ونذهب ولا نعود. قلت: والله لن أقاطعكم. وبعد أسبوع أكملنا مستلزمات العرض.
وفازت المسرحية كأجمل عمل، ثم تحدثت الممثلة سارة وهي الآن طبيبة في ليبيا، قالت: نحن نشكر الأستاذ ميثم لأنه تعامل معنا بأبوة وحب وصدق ونشكره لأنه جعلنا نعشق المسرح.
** أحدثت مسرحيتك “مدارات على كوكب شمسي” جدلا احكي لنا عنها؟
– لقد تأثرت بمدرسة لويجي بيرانديللو الايطالي، وكتبت النص على طريقة ست شخصيات تبحث عن مؤلف، لأنه تبنى المدرسة التكعيبية كأدب. وتتميز المدرسة التكعيبية كلوحة بأنها لم تكتمل، وكذلك في ست شخصيات تبحث عن مؤلف تظهر للجمهور كأنها لم تكتمل، وكذلك فإن الشخصيات التي اخترتها للعمل شخصيات من المجتمع، وكان التركيز على بعض رجال الدين المنافقين، حيث نراهم ذو هيئة فيها هيبة ورهبة لكنها في الواقع مقنّعة… مع الأسف جميع الشخصيات متناقضة مع نفسها، وحين أردت إخراجها في ليبيا قدمت النص إلى النشاط المدرسي، والنشاط المدرسي قدمها إلى النشاط السياسي فأحالوها إلى المخابرات، وحين استدعوني للتحقيق بخصوص النص سألوني عن كل شاردة وواردة في النص. وعدت إلى البيت ليلا ولم تتم الموافقة على النص، ثم بقيت محتفظا بالنص علما انني كتبت النص عام 1987.
** كتبت مجموعة قصص قصيرة جدا ما سر اتجاهك لهذا النوع من الأدب؟
– هو ليس اتجاه بل عندما كنت طالبا في المتوسطة وكان عمري 15 سنة كنت أتابع كتابات الأستاذ الكبير زكريا تامر، ووجدت مسابقة للقصة القصيرة جدا جدا، وشاركت في المسابقة بعد مساعدة مدرس اللغة العربية وبعثتها، وفازت القصة ومن شروطها أن تكون اقل من 80 كلمة. ولكن الظروف جعلتني أتوقف عن متابعة المجلة، لأنها لم تصل إلى العراق لأسباب سياسية. وبقيت أحاول أن أخوض هذا المجال بين الفينة والأخرى، وآخر قصة قصيرة جدا كتبتها العام الماضي، وسوف أرفقها بعد الانتهاء من أجوبتي على الأسئلة الجميلة والرصينة .
** حدثنا عن مشروعك الفلسفي في المسرح؟
– فوبوس وديموس لثنائية العرض المسرحي، وهذا المشروع هو يعتبر تجريب في المسرح، حيث اعتمدت على عدة افتراضات وهذه الفرضيات هي أنني افترضت أن جميع الفنون تشبه المجموعة الشمسية، وافترضت أن المسرح يشبه المريخ، ولأن المسرح يشبه المريخ اعتمدت على الظاهرة الفلكية للمريخ حيث فيه قمرين حين يأفل القمر ديموس يظهر القمر فوبوس….
(وهذين القمرين اكتشفهما عالمين أمريكيين وأطلقا عليهما أسمائهما)
وطبعا ثنائية العرض المسرحي جعلتني أقسم الخشبة إلى قسمين، وهنا صار تغيير في جغرافية المسرح والعمارة المسرحية، فصار القسم ديموس على يمين الجمهور وفوبوس على يسار الجمهور. وقدمت أول تجربة في الجزائر في مهرجان بجاية الدولي للمسرح عام 2014 علما أن ابتكاري قد تم تسجيله في مؤسسة الكابيرايت الأمريكية. وكان العرض في المهرجان قد أحدث ضجة كبيرة ومن النوع الإيجابي، وقد كان الجمهور مكتظا.
وحين انتهى العرض كنت وراء الكواليس أقوم بتأدية الصوت للممثل في مسرحية “عواقب”.. وحين خرجت من وراء الكواليس وجدت كاميرات التلفزيون الجزائري والمخرج والمصورين والجمهور كلهم على الخشبة ومن فرط الفرحة شهقت باكياً..
ولنجاح التجربة إعلاميا وجماهيريا، تمت استضافتي من قبل الأستاذ الكبير الفنان “عمر فطموش” محافظ المهرجان استضافني لتقديم نسخة جديدة من “فوبوس وديموس”، وطبعا تم اختيار هذا التجريب من قبل الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ مادة النقد، في كلية الآداب جامعة حلوان، وقد استفدت كثيرا من ملاحظات طلبته، وقدمت التجريب الثاني في مهرجان بجاية الدولي للمسرح عام 2015. بعملين يتحدثان عن معاناة المرأة وظروفها إبان استفحال الميليشيات الظلامية في العراق.
** المسرح العراقي كان مزدهرا في الزمن الماضي كيف ساءت أحواله في رأيك؟
– المسرح في كل الأوطان يعيش كبوة لكنه ينهض كحصان أصيل, أرى إن المسرح العراقي في نهضة جميلة بوجوه جديدة، إذ رحل الرواد والمتألقين أيام العقود الماضية، لكن المسرح لن يأفل قمره أبدا, مازالت المهرجانات المسرحية في كل مدن العراق الرئيسية. قد يشاهد النظارة بعض الأعمال الركيكة، لكن هي هكذا لكن على الرغم من ركاكتها لكنها قدمت بجهود الممثلين والفنيين ويستحقون كلمة شكرا..
المسرح العراقي بعافية فقد مرت على العراق سنوات عجاف بعد الغزو الأمريكي واستفحال الميليشيات الإرهابية المسلحة، وتدخل دول الجوار بالشأن العراقي، حيث تم تحريم وغلق دور السينما والمسارح بعد قصفها من قبل قوات التحالف. وأقول شكرا لكل الأيادي الشريفة التي عملت على نهضة الفنون، وخاصة الدكتور “جبار جودي” نقيب الفنانين العراقيين وإقامة المهرجان العراقي للمسرح، والدكتور أحمد حسن موسى مدير السينما والمسرح، حيث تم تأهيل مسرح الرشيد بكوادر دائرته الأفاضل.
** ما الإشكاليات التي يعاني منها المسرح في المنطقة ككل في رأيك في الوقت الحالي؟
– الإشكاليات أن المهرجانات العربية في مدن الدول أغلبها متزامنة في بدايتها وحتى في ختامها، وكذلك هناك ظاهرة سخيفة وهي أن الاستضافات في بعض المهرجانات العربية تكون حسب المنافع، استضيفني واستضيفك وضيوف المهرجانات نراهم متواجدين في أغلب المهرجانات العربية كلجان تحكيم أو ضيوف شرف أو لإقامة ورشات. وجميعها مكررة. وهذه الظاهرة تستفحل يوما بعد يوم, لكن! هناك مهرجانات رصينة جدا جدا. في القاهرة مهرجان المسرح التجريبي العظيم، والشارقة مهرجان الهيئة العربية للمسرح والفجيرة مهرجان المونودراما وقرطاج في تونس ومهرجانات المغرب أيضا، وفي قطر مهرجان مسرح الطفل وفي العراق المهرجان الدولي الذي تقيمه دائرة السينما والمسرح ومهرجان العراق المسرحي الذي تقيمه نقابة الفنانين العراقيين.
** قلت أنك ناصرت في بعض مسرحياتك قضية المرأة احكي لنا؟
– لقد تناولت معاناة المرأة في كتاباتي بعد أن أخرجت مسرحية الصوت البشري لجان كوكتو، بطولة الفنانة هناء محمد، وكانت أطروحة تخرجنا أنا وهناء وقد أخرجت العمل على مذهب المدرسة السوريالية.. فكتبت (مدارات على كوكب شمسي), ثم كتبت (فلا أنا بلقيس ولا فيكم نبي) ولأن النص حاز على محبة الجمهور والفنانين في مهرجان بجاية الدولي، كتبت نص “شيزوفرينيا”. وقد شاركت بنص “شيزوفرينيا” في مهرجان القاهرة الدولي للمونودراما وقد حصلت على الترتيب الثاني، وارفق شهادة مهرجان القاهرة الدولي ومديره الدكتور الفاضل أسامة رؤوف المحترم وله مني ألف تحية.. وحتى نص “السجان” تناولت فيه معاناة المرأة وكيف يساء إليها وهي بريئة….
** شخصية الكاتب وشخصية المخرج هل هناك صراع يدور بينهما؟
– الحقيقة هو أن المخرج المؤلف الثاني للنص وبالتأكيد ستكون هناك علاقة بين الكاتب والمخرج، واسميها علاقة في التفسير والرؤية لذلك حين تناولت نص الصوت البشري أو الصوت الإنساني لجان كوكتو، قرأت نصوص كوكتو منها “الآلة الجهنمية” وقرأت السوريالية لجان كوكتو من جماعة الستة المؤسسين لهذه المدرسة, لأن المخرج يعرف الكاتب من خلال نتاجاته الشعرية والسردية والمسرحية.
وقد تنشأ علاقة اجتماعية بين المؤلف والمخرج إذا كانوا متقاربين في المكان، ولو أن العالم أصبح قرية صغيرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي, لكن! للأسف إن بعض المخرجين يهملون كتابة اسم المؤلف في حين يركزون على اسم صاحب المقهى ههههه, وهناك ظاهرة سيئة جدا ولا تنتمي إلى المسرح أبدا، لأن المسرح مهذب الأرواح السامية ويرتقي بها ليجعلها ترفرف كجناحي عصفور تبحث عن آيات الجمال والنقاء والطهر. هي سرقة النصوص المسرحية والأدبية وحتى سرقة الديكور وأشياء أخرى وهذه لا تمت للمسرح بصلة، واكتبها باللون الأحمر لأجل محاربتها، وعلى نقابة الفنانين والجهات ذات العلاقة أن تعاقب اللص وحرمانه من المشاركة في الأعمال الدرامية والمسرحية. حتى يعتذر وأن يتعهد بعدم تكرارها ليكون عبرة لمن تسول له نفسه بفعل مشين كسرقة النصوص المسرحية والأدبية والفنية.
كلمة أخيرة:- أقول أن الفن أرقى ثمار الحضارة، ومن يسيء للفن بسرقة نص أو لوحة أو أي نوع من أنواع الأدب والفن لا يستحق أن يكون بيننا.