خاص: إعداد- سماح عادل
“منيرة الشايب” صحفية وكاتبة ومذيعة ومترجمة تونسية، من الصحافيات والكاتبات التونسيات اللواتي بصمن اسمهن بالقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية BBC من خلال برامجها الإذاعية والوثائقية ومن خلال إثراءها للمشهد الإعلامي في المملكة المتحدة كمحللة للشؤون السياسية لدول شمال إفريقيا، حصلت على شهادة جامعية في الأدب واللغة الإنجليزية.
أول كتاب لها بنسختيه الإنجليزية والعربية بعنوان “هل كل سائق التاكسي في لندن اسمه رودجر؟” يرصد تجارب ثرية وطريفة عاشتها في مسيرة عملها مع القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية ومع الأقسام الأخرى التي التحقت بها لاحقا كما سلطت الضوء في كتابها على الانقلاب الأبيض الذي حصل في تونس 1987 وفترة اندلاع الانتفاضات العربية والتي انطلقت شرارتها الأولى من تونس.
كان لي معها هذا الحوار الشيق:
* في كتابك الأول حكيت عن تجربة انضمامك لبي بي سي وكونك التونسية الوحيدة والفرق الثقافي الواسع الذي شعرت به، حدثينا عن ذلك؟
حين انضمامي الى بي بي سي، التحقت بها أيضا وفي الفترة ذاتها زميلة تونسية أكبر سنا، وكانت تعمل صحفية في تونس. عندما انتهت فترة تعاقدها مع بي بي سي وعادت إلى تونس، التحق بالقسم العربي بعد ذلك ببضع سنوات زميل شاب، لكنه غادر أيضا وبقيت التونسية الوحيدة في المؤسسة بكاملها لسنوات. طبيعي أن الواحد منا يفتقد أبناء وبنات وطنه الأصلي حين يقيم خارجه، لكن الانشغال بالعمل والتحمس للتجربة الجديدة والحرص على أداءها على أحسن وجه، إضافة إلى العيش في المدينة العالمية الكبيرة ذات الأعراق المختلفة، لندن كل ذلك لم يترك المجال للتفكير كثيرا.
تجربة الإقامة في العاصمة البريطانية جاءت أيضا ببعض المفاجآت خاصة في البداية. فبالإضافة إلى الجوانب العملية في بريطانيا كونها مختلفة بشكل ملحوظ عن بقية العالم (القيادة على اليمين بدلاً من اليسار والقياس بالميل بدلاً من الكيلومتر أو القدم والبوصة بدلاً من السنتيمتر والوزن بالرطل بدل الكيلوغرام) واختلاف النظام System بشكل عام عما تعودت عليه في بلدي، الذي كسائر دول المغرب الكبير، يتبع النظام الفرنسي. وجدت أن لغة الأدب الإنجليزي التي درستها وتخصصت فيها في الجامعة لا مكان لها في اللغة الإنجليزية الحديثة. حتى أنه قيل لي مرة أن ” لغة شكسبير ذهبت معه”.
في لندن هناك أيضا مناطق لها لهجة خاصة بها تعرف بال Cockney وتبدو للوهلة الأولى كأنها لغة أخرى. فنطقها مختلف اختلافا كبيرا عن الإنجليزية التي تعلمتها، إضافة الى عبارات وجمل تختص بها هذه اللهجة. لقد استغرق الأمر مني وقتا حتى افهم هذه اللهجة.
لكن صدمتي كانت أكبر لدى اكتشافي أن قلة ممن قابلتهم كانوا يعرفون مكان تونس على خريطة العالم. فعندما كنت أقول أنني من تونس، I’m from Tunisia كثيرا ما كنت أسأل عما إذا كنت أقصد تنزانيا Tanzania أو إندونيسيا Indonesia. حتى اني سالت مرة إن كنت أذهب إلى الجامعة في تونس على ظهر جمل. كنت في حيرة من أمري وأتساءل كيف أن كثيرين لا يعرفون بوجود بلد يعتبر وجهة سياحية مهمة قريبة جداً من أوربا.
لكن تخصصي في دراسة اللغة والأدب الإنجليزي ساعدني كثيرا في فهم المجتمع البريطاني، ومما ساعد أكثر هو الانفتاح على ثقافة المجتمع الجديد وعاداته وتقاليده والاحتكاك الوثيق بها، وهو ما سهل عملية التأقلم والانصهار في المجتمع.
* رصدت أيضا في كتابك الأول تفاعلك مع الانقلاب الذي يدعى الانقلاب الأبيض في تونس احك لنا؟
– كما أتذكر بوضوح أحداث أواخر عام 2010 – 2011 وانطلاق أول شرارة ما يسمى “الربيع العربي” في بلدي الأم، أتذكر أيضا اليوم الذي أصبح فيه زين العابدين بن علي رئيسا للبلاد في انقلاب أبيض في السابع من نوفمبر 1987.
كنت في دوام ليلي الليلة السابقة، وعندما استيقظت من النوم في اليوم التالي، فتحت الراديو كما أفعل عادة، فاذا بأهم خبر في بي بي سي القسم العربي والقسم العالمي، هو عن انقلاب «أبيض» في تونس. لم استوعب على الفور، فجلست انتظر التفاصيل بفارغ الصبر. فتبين لي أنه كان انقلابا غير عنيف والسبب الذي قدم هو أن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة لم يعد مؤهلا للحكم لأسباب صحية. أتذكر إنني قلت في نفسي «هذه ليست أخبارًا جيدة لأن بن علي رجل عسكري». اتصلت بعائلتي على الفور للتأكد من أنهم جميعا ً آمنون وشاركوني مشاعر القلق حول التغيير.
طوال مسيرتي في بي بي سي، كانت تونس بالكاد تظهر في الأخبار، بالنظر إلى أنها كانت بلدا هادئا في منطقة مضطربة. في الواقع، كنت دائماً أسأل رؤساء القسم العربي البريطانيين عن سبب ذلك وعن البث إلى تونس وإلى المغرب الكبير بأكمله على الموجة القصيرة. لذا، عندما رأيت الوطن الأم يتصدر عناوين ليس فقط بي بي سي العربية، ولكن جميع الخدمات الأخرى بما في ذلك الخدمة العالمية باللغة الإنجليزية وكل وسيلة إعلامية دولية تقريبا.
وهو نفس البلد الذي قبل ذلك بقليل لم يعرف الكثيرون على مستوى العالم حتى مكانه على خريطة العالم، اعتملت في نفسي مشاعر متضاربة. فجأة، بدأ صحفيون من أقسام أخرى داخل بي بي سي في الاتصال بالقسم العربي بحثا عن صحفيين تونسيين لتقديم معلومات أساسية. كنا قليلين جدا في ذلك الوقت وفجأة أصبحنا جميعا «خبراء» في الشؤون التونسية.
* كيف كان رد فعلك على ثورة الياسمين؟
-لا أحب هذه التسمية لأنها تعطي الانطباع بأنها ثورة ناعمة. برأيي أنها لم تكن كذلك، فقد سقط فيها عشرات الموتى والجرحى وكانت مضاعفاتها مدمرة من مختلف النواحي. حين بدأت الاضطرابات في أواخر 2010 ـ 2011, كنت ما أزال اعمل مع بي بي سي وكنت قد عدت للتو من عطلة قصيرة، لأجد بلدي تونس يحتل عنوانين جميع القنوات الإخبارية تقريبا حين اندلعت الاحتجاجات في مدينة واحدة لتتقدم بسرعة إلى المدن الأخرى، وتنتشر مثل النار في الهشيم.
خرج الناس من جميع مناحي الحياة إلى شوارع كل ركن من أركان البلاد، مطالبين أولاً بنهاية البطالة خاصة في صفوف الشباب ثم بإنهاء الفساد، وبالمساواة في توزيع الثروة، والإطاحة بالحكومة التي شعروا أنها تسببت في كل تلك المشاكل. لم تتوقع معظم وسائل الإعلام أن تتطور الأحداث في تونس بتلك السرعة خاصة وأن تونس نادرا ما كانت تحتل عناوين الأخبار الدولية قبل ذلك.
شاهدت المتظاهرين وهم يرشقون قوات الأمن بالحجارة، وقد قامت هذه الأخيرة بالرد بالذخيرة الحية. لأيام وأسابيع شغلتني صورة بعينها: متظاهرون فارون بينما أفراد قوات الأمن في ثياب مدنية يطاردونهم. يسقط شاب على الأرض ويهاجمه هؤلاء بعنف بالضرب والركل. لأيام وليال، لم أستطع الابتعاد عن شاشات التلفزة وبقيت أتابع التطورات وأتصل بعائلتي في تونس باستمرار للاطمئنان عليهم.
فجأة شعرت بأن لندن كانت تبعد ملايين الكلومترات عن الوطن الأم. وكان الأمر مؤلما بشكل خاص لدى متابعة الأخبار والشعور في الوقت ذاته بالعجز تماما عن فعل أي شيء أمام الدمار السريع الذي كان يحدث في وطني الأم.
وفي يوم 14 كانون الثاني/ يناير، تابعت خبر تنحى الرئيس بن علي عن منصبه ومغادرته البلد، وكيف حافظ الجيش على وجوده الشامل في البلدات والمدن التونسية. وأسال شريط فيديو لمحام معروف يجوب الشارع الرئيسي الخالي في تونس العاصمة هو شارع الحبيب بورقيبة في وقت متأخر من تلك الليلة، يصرخ ‘بن علي هرب’ وبثته عدة وسائل إعلام دولية قشعريرة، أسال دموعي ودموع الناس في تونس وخارجها كما سبب لي قلقا شديدا مما هو آت.
فجأة وجدت نفسي أبحث عن شيء يذكرني بتونس التي أعرفها: تونس الأمان، تونس الاستقرار، وليس تونس الفوضى التي اتضحت لي من تلك الصور والتقارير. ولن أنسى أبداً كيف غيرت التلفزة الوطنية في تلك الليلة اسمها من قناة تونس7 ـ وهو الاسم الذي عرفت به منذ تاريخ وصول بن علي إلى السلطة في 7 نوفمبر 1987 ـ إلى التلفزة الوطنية. ولم يقتصر التغيير على الاسم ـ فبعض الوجوه التي عُرفت بأنها قريبة من حكومة بن علي وأصبحت مرافقة تقريباً للقناة، اختفت فجأة وحلت محلها وجوه جديدة لم نرها من قبل. وفي الليلة نفسها، نظمت لمحطة نقاشاً حياً شكك في كل شيء وفي كل شخص، بمن فيهم أحد مقدميها الرئيسيين ودوره في الدفاع عن بن علي من خلال القناة ذاتها. شعرت أن الأمر كان بمثابة انتقام…
غير أن الأحداث الجسام التي وقعت في مصر في كانون الثاني/ يناير 2011 بعد فترة وجيزة من أحداث تونس، ثم ليبيا جعلتني والكثير من التونسيين نشعر أن رياح التغيير القوية جاءت من تونس وتحديدا من المدينة التي ينحدر منها محمد البوعزيزي، سيدي بوزيد في الوسط الغربي لتونس.
* لما فكرت في الكتابة عن حياتك في كتاب؟
– الكتيب ليس سيرة ذاتية ولا مذكرات، بل هو يرصد بعضا من أكثر المواقف طرافة صادفتها خلال مسيرتي الصحفية على مدى أكثر من عقدين من الزمن مع القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي أو مع الأقسام الأخرى التي التحقت بها أو في المهمات الرسمية التي كلفت بها في الدول العربية والأوروبية والإفريقية وفي الولايات المتحدة الأمريكية. ولكي أوصلها للقارئ كان يجب وضعها في إطارها الزمني والمكاني.
أنا نشأت في بلد بزعامة أول رئيس بعد الاستقلال في عام 1956 الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي استثمر في أهم شيء، إلا وهو التعليم ومجانية التعليم للإناث كما للذكور، مما جعل البعض يعتبرونه سابقا لعصره بينما اعتبره أخرون علمانيا راديكاليا.
فالمجتمع القمعي ما قبل الاستقلال حرم النساء بشكل خاص من التعليم. لكن الوضع بدأ يتغير تدريجيا بعد الاستقلال، حين منحت المرأة التونسية حقوقا كثيرة لا سيما الحق في التعليم والمساواة في الأجور وفرص السفر بحرية والحق في طلب الطلاق.
إما أنا فلم أعرف سوى هذه الأفكار والسياسات والحقوق التي كانت بالنسبة لي ولبنات جيلي من المسلمات. فما الذي أخذتُه أنا وأخواتي وبنات جيلي من تونس بورقيبة، سوى قدرٍ من التعليم العمومي المجاني الجيد وكثير من الإيمان والثقة بأن التعويل على الذات والمثابرة طريق طويلة ولكنها توصل الى مكان ما.
الروايات الواردة في هذا الكتيب هي نتاج تأملاتي في حياتي المهنية والشخصية على حد سواء. قررت جمعها في كتيب لأني اعتقد أني عشت تجارب غير مألوفة.
* هل فكرت في عمل ترجمات لكتب؟
– أعشق الترجمة كما اعشق القراءة والكتابة ولا مانع لدي في اكتشاف كتاب جدد والغوص في عوالمهم في كل مرة.
* كم سنة عشت في بريطانيا وكيف كانت الحياة هناك بالنسبة لك؟
ما زلت أقيم في بريطانيا، وما عشته في لندن أكثر مما عشته في بلدي تونس وأستطيع أن أقول أني تأقلمت مع كل شيء إلا الطقس الذي يتغير في اليوم الواحد الف مرة.
كما أنى أقمت صداقات وثيقة ما يزال بعضها قائما إلى اليوم مع صحفيين وصحفيات من كل قارة تقريبا ومن بلدان لم أكن أسمع عنها إلا في الأخبار أو على خريطة العالم: يورغواي، بيرو، بورما أو مينمار كما تسمى الآن، الهند، هونغ كونغ، الفليبين، نيجيريا، وغيرها كثير.
في مسيرتي المهنية، أستطيع أن أقول وبكل ثقة إنني عملت مع عمالقة كانوا يتقنون المهنة ويحترمونها وكان لأصواتهم وقع فوري على المستمعين لأنها تلهم الثقة. وأنا فخورة جدا إلى اليوم إنني دخلت عالم الصحافة والإعلام من بابه الكبير.
كنت وما أزال أجد متعة حقيقية في العمل على البرامج الوثائقية أكثر بكثير من الأخبار والبرامج الإخبارية. فالوثائقيات بالمقارنة فيها مجال أكبر للخلق والإبداع والتأثير. إذ كثيرا ما كنت أسافر لجمع المادة التي احتاجها ومحاورة أناس حقيقيين حول قضايا حقيقية، مما يزيد متعتي واتساع الأفق.
من خلال هذه البرامج الوثائقية، طرحت مختلف القضايا، أبرزها ما يسمى «الربيع العربي»، وحقوق الإنسان، و«الحرب على الإرهاب»، وقضايا المسلمين في أوروبا، والهجرة غير الشرعية، وقضايا الشباب ووضع المعاقين جسديا في العالم العربي. بعض المواضيع التي طرحتها تعتبر من الممنوعات في كثير من البلدان العربية، مثل جرائم الشرف، وختان البنات، وتعاطي المخدرات، والتربية الجنسية، وغيرها كثير.
في إطار الإعداد لتلك البرامج حاورت رؤساء دول، ووزراء، وسياسيين بارزين عرب وأجانب، وشخصيات معارضة، ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ومتخصصين في مجالات مختلفة، وفنانين، وكتاب، ورياضيين إضافة إلى أناس عاديين. العمل على هذه المواضيع ومع أناس من جميع مناحي الحياة كان دائماً وما يزال يفتح آفاقا جديدة للمعرفة بكل أنواعها.
* لك كتاب ثان بعنوان “ريم والعملاق” لما فكرت في الكتابة للأطفال وهل هناك صعوبة الكتابة للأطفال؟
– في الواقع، كتبت قصة الأطفال أولا باللغتين الإنجليزية والعربية، وبحثت عن ناشر ولم أجد. وعندما حدث الكوفيد وبعده الحجر الصحي، فكرت في استغلال الوقت في إنهاء مشروع الكتيب، موضوع نقاشنا ووجدت لنسختيه الإنجليزية والعربية ناشرا وبسرعة فاجأتني.
الكتابة للأطفال تنطوي على تحديات كبرى أبرزها أننا ككهول علينا أن نفكر مثل الأطفال لشد انتباههم. ولأن قصة الأطفال “ريم والعملاق” مستوحاة من طفولتي، لم أجد في الفكرة صعوبة، لكني وجدتها في النهاية حيث اضطررت لتغييرها عدة مرات للذهاب بمخيلة القارئ الصغير بعيدا، وأرجو إن أكون قد وفقت.
* ما تقييمك لحال الثقافة في تونس في الوقت الحالي؟
– تماما كما في كل القطاعات الأحرى، تأثر قطاع الفن والثقافة في تونس بكوفيد ومضاعفاته الكثيرة، لكن الحمد لله، بدأت الحياة الثقافية في تونس تعود إلى طبيعتها الآن، من مهرجانات موسيقية لعل أبرزها مهرجان قرطاج الذي يعود هذا العام بعد انقطاع دام عامين وإنتاجات سينمائية ومسرحية وإصدارات جديدة ومعارض للكتاب في كل ولاية (محافظة) تقريبا.
في كل مرة أزور فيها بلدي، ألاحظ هذا الحراك الثقافي والفكري وأسعد به كثيرا. أحيانا أكون في شارع الحبيب بورقيبة أهم شوارع العاصمة وألاحظ وجود خيمة، فيدفعني الفضول لمعرفة ما يحدث وأفاجأ إما بعزف موسيقي أو بتمثيلية للأطفال أو بندوة مع مفكر أو كاتب.
كما أن هناك شبابا موهوبين متخصصين في موسيقى الراب لا يتوقفون عن إنتاج أغاني جديدة بألحان إبداعية وكلمات ومعان عميقة، أغلبها ينتقد الأوضاع ويدعو إلى الإصلاح. لهؤلاء جمهور عريض يحفظ أغانيهم عن ظهر قلب. هناك أيضا شباب ينبشون في التراث التونسي ويعيدون توزيعه إضافة الى مزج أنماط أخرى. بالفن والثقافة يقاوم الشباب مختلف المشاكل والتحديات التي تواجهه بشكل يومي. طبعا هناك تحديات يعيشها الفنان والمثقف التونسي اليوم لعل أبرزها نقص التمويل والدعم وإعطاء الأولوية لفنانين عرب على حساب الفنان التونسي, وهذه مشكلة مستمرة.
* هل واجهتك صعوبات في النشر وما رأيك في ظاهرة النشر التجاري المتسيدة في الوقت الحالي؟
– في نشر “هل كل سائق تاكسي اسمه رودجر” الذي أتممته في فترة الحجر الصحي الأول، وجدت ناشرا لكل من النسختين العربية والإنجليزية بسرعة فائقة. وكان ذلك من بواعث فرحة وسعادة عارمة بالنسبة لي.
واجهت مشكلة في نشر قصة الأطفال، فقد اتصلت بعدد من دور النشر هنا في بريطانيا وأميركا وكندا وطلبت مني مبالغ خيالية مقابل قصة قصيرة لا يتجاوز عدد صفحاتها الخمس عشرة صفحة. تركت الموضوع إلى أن اخبرني صديق في تونس يملك مطبعة أنه يفكر في تنفيذ فكرة مبتكرة في عالم الطباعة الرقمية وهي الطباعة حسب الطلب، فوافقت والحمد لله طبعت النسختان العربية والإنجليزية مقابل مبلغ معقول.
شيء مؤسف أن دور النشر أصبحت تتردد في النشر أو تطلب مبالغ طائلة لأن هناك الكثير من المواهب التي تستحق الفرصة كي يكتشفها العالم. أظن أن السبب الرئيسي لهذا هو تقلص مستوى القراءة ليس فقط في المنطقة العربية بل على مستوى العالم، وهو شيء محزن للغاية لأن الكتب تأخذنا الى عوالم أخرى، عوالم كتاب من مختلف بقاع العالم، وتجاربهم في الحياة وأفكارهم ومشاعرهم، لنستلهم منهم ونتعلم منهم الكثير.
* مسألة الهوية والانتماء، هل تعتبرين نفسك بريطانية أم تونسية؟
– كثيرا ما اسأل هذا السؤال، صحيح أنى قضيت فترة أطول في بريطانيا وأحمل جنسيتها وتعلمت الكثير من إقامتي بها. أنا تونسية في اسمي، الذي ما يزال البعض هنا يجدون صعوبة في نطقه رغم كل محاولاتي، وفي طريقة تفكيري وتعبيري ومشاعري وذكريات طفولتي. احمل الهويتين بفخر وباعتزاز ولا غموض لدي حول انتمائي.