8 مارس، 2024 11:22 م
Search
Close this search box.

مع كتابات..”منى العساسي”: يحتاج المبدع أن يكون محاربا ليشق طريقه

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورتها- سماح عادل

“منى العساسي” كاتبة وروائية وقاصة مصرية، ولدت في إحدى قرى محافظة الشرقية، وتخرجت من قسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة الزقازيق، صدر لها ثلاث روايات.

إلى الحوار:

** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– قد لا نعلم متى أو كيف تبدأ الأشياء، نحن نكتشف أنفسنا عبر التجربة من خلال التعلم والخطأ، فأنا لا أعلم تاريخ محدد يمكنني فيه أن أحدد بدقة متى بدأ الأمر ولا كيف، لطالما كنت قارئة جيدة للأدب والعلوم الإنسانية يستهويني بشكل خاص الروايات وعلم النفس والفن التشكيلي، لكن الحقيقة أني لم أخطط يوما لأن أكون كاتبة لذا أظن أن الكتابة هي من وجدت طريقها إلي، كنت أكتب خواطري في دفاتر المدرسة واحتفظ بها في قصاصات متفرقة كنوع من تفريغ الشحنات الانفعالية والوجدانية، حتى انتشرت المنتديات والمدونات على جوجل فبدأت بنشر خواطري عليها من ثم “الفيسبوك”.

أما عن كتابتي للروايات فقد بدأت مؤخرا بعد عودتي من المملكة السعودية، كتبت رواية “نقش على خاصرة الياسمين” التي تدور أحداثها في السعودية، ورواية “جبل التيه” في نفس الفترة تقريبا، غير إن “نقش على خاصرة الياسمين” سبقت “جبل التيه” في النشر فقد صدرت قبلها بعام، في ذلك الوقت لم أكن متأكدة أن هذه النصوص تعد روايات، والحقيقة لم أكن مهتمة بمعرفة ما هي أثناء كتابتها، كنت أكتب لأتحرر من ثقل الحياة.

** تأجل مشروع الكتابة لديك، هل يمكن القول إن أهم أعباء المرأة الكاتبة رعاية الأطفال والاهتمام بالأسرة باعتبارهم عملها الأساسي، وأن هذا العمل ربما يعوق مسيرة الكتابة لديها؟

– لا أعتبر الكتابة عمل، لكن بشكل عام عندما يكون لدي المرأة أطفال يكون الاعتناء بهم مدفوع بغريزة الأمومة حتى لو كان هذا على حساب ما تريده لنفسها، فالكاتبة ككل النساء، منهن من يستطعن التوفيق بين رعاية الأطفال والعمل، ومن تتخلى عن العمل كليا لترعى الأطفال، ومن تؤجل أحلامها حتى تتفرغ لها، وهناك الكثيرات ممن تموت أحلامهن في المنتصف، ومن وجهة نظري يمكن التوفيق بين رعاية الأولاد والعمل سواء كان بالكتابة أو غيرها من الأعمال إذا توافر لدى المرأة وأفراد أسرتها نوع من التعاون والدعم والإيمان.

** في روايتك “جبل التيه” تناولت القرية في الماضي وفي الحاضر، كما تخيلت قرية فاضلة تنتفي فيها كل السلوكيات السيئة والشرور حدثينا عن ذلك؟

– الرواية تدور أحداثها في عقل مضطرب، نتيجة لحادث فقد كبير في ترعة الغريق لذا أتت الرواية تحمل مستويات عدة، والكثير من الإسقاطات في الماضي والحاضر، فالرواية تبدأ برصد الحياة في القرية القديمة “قرية الغريق” النموذج الوارد في النص ليمثل كل القرى المصرية وما كانت تعانيه من فقر وصعوبة في الحياة، انتشار الأمراض والأوبئة وصعوبة الحصول على العلاج، العلاقات الاجتماعية بين الفلاحين والعزلة المبنية على الخوف، والغرق في الخرافات والحلول الميتافزيقية، حيث التخبط وغياب القيادة الواعية وسيطرت (التيه) على العقول فيكون المخلص بالنسبة لهم هو نفسه بواب الجحيم المتمثل في الساحرة “تيه”.

بينما القرية الحديثة أتت في ثوب واقعي يتناول اللحظة بكل معطياتها عبر مثلث “خالد” وأسرته وحبيبته “مريم”، فنرى صعوبة الزواج والعلاقات الافتراضية التي أصبحت ملاذ الشباب بسبب صعوبة الزواج، تدهور الحالة الاقتصادية للناس، حالة الضباب وعدم الاستقرار والتوتر التي كانت تسود الشارع المصري، أما المدينة الفاضلة أتت وكأنها خلق جديد بعد أن هوت قرية الغريق على عروشها،  بنيت داخل جبل التيه الذي نبت في معزل عن الفساد الذي سيطر على العالم الغريق، قرية تنتصر للعلم تعترف بالقدرات الخاصة المتمثلة في”السيد” إسماعيل حاكم جبل التيه، تتمتع بقيادة حكيمة تمثلت في أمينة “السيدة الأم”، وديمقراطية ممثلة في مجلس الاثني عشر، تعترف بالعلم والتكنولوجيا ممثلين في “خالد”، تنبذ الصراعات الدينية والعرقية والجنسية، تتقبل الجميع وتتكاتف من أجل الدفاع عن نفسها ضد قوى الشر المتمثلة رمزيا في “ليليث” تنتصر للمحبة والإخاء.

** في رواية “ليالي الهدنة” أيام متوالية من الشعور بانهزام الذات، واغترابها وحزنها الشديد. هل يمكن القول إن المرأة الكاتبة تنشغل أكثر بذاتها وانعكاساتها وهزائمها وانتصاراتها أكثر من انشغالها بالعالم الخارجي؟

– في ظني المحرك الأساسي لكل كتابة إبداعية أيا كان نوعها هو أحداث ومواقف مستنا وأثرت فينا بشكل ما سلبا أو إيجابا سواء كنا نحن أبطالها أم آخرين، فرواية “ليالي الهدنة” ليست رواية ذات فردية مُعينة في شخص بعينه، بل هي رواية الذات الأنثوية في مطلقها، رواية كل أنثى تشعر بالغربة والابتزاز والانكسار، فبطلتها دون اسم، ستجدينها حولك في كل مكان في الشارع، في السوق، في محطة القطار، في النادي، في المكتب المجاور.

** في رواية “ليالي الهدنة” قلت إن الرجل الخمسيني كان رمزا للمجتمع الذكوري الذي يقهر المرأة ويعاملها بقسوة وإهمال، هل تكتبين للدفاع عن قضية المرأة ولرصد الأوضاع البائسة التي تعيش فيها في مجتمعات منغلقة؟

– الرجل الخمسيني أتى لا يحمل اسما نموذج للمجتمع الذكوري الأبوي في قمة سلطته وانهياره معنا، فالمرأة حقا تعاني كثيرا جدا، والرواية انعكاس لأوضاع فاسدة تسيطر على مجتمعاتنا، صرخة في وجه الاستسلام والضعف الأنثوي، تنتهي أحداثها بقتل البطل “الرمز الذكوري” والتمثيل بجثته على مسرح متخيل، ليكون الخروج ميلاد جديد، ثورة على آباء تخلو، دعوة لكل امرأة أن تعتد بذاتها وتؤمن بنفسها وقدرتها ولا تكتفي بالحياة في ظل رجل، فظلال الرجال تحجب النور ولا تق شر الاحتراق.

** هل الكتابة المعتمدة على المشاعر أكثر ثراء في رأيك من تلك المعتمدة على العقل؟

– لا انتصر لنوع على الآخر، أرى في اختلاف الكتابات وتنوعها ثراء كبيرا للمشهد،  كل نوع له قراءه ومتذوقيه وله أيضا تأثيره الثقافي والحضاري، استغرب الكثير من المثقفين الذين يملون على الكاتب الطريقة التي يجب أن يكتب بها ربما لأنهم لم يستطيعوا التألف مع النصوص، كأن يقول له (اكتب في التاريخ أو لا تكتب في الخيال)، وكأن فن الرواية برمته يجب اختصاره في نوعه المفضل، في العالم ما يقارب عشرين نوع روائي لكل نوع متذوقيه ومحبيه ومن غير الموضوعي مطلقا الانتصار لنوع وخسف الأرض بأخر، أو محوه من المشهد كليا لمجرد أنه لم يفهمه أو لا يروق لذائقة أحدهم الفردية.

** ما تقييمك لحال الثقافة في مصر؟

– الحقيقة لا أعلم فالتقييم ليس أمرا سهل، المؤسسة الثقافية تبذل جهدا لكن دائما نرجو منها المزيد، وهناك مؤسسات ثقافية حرة تقوم بجهد كبير أيضا لكنه غير كافي فالثقافة بحاجة لمزيد من الدعم والمبدعين المصريين يستحقون أكثر، الوسط قاسي وطارد وليس داعم ويحتاج المبدع أن يكون محارب ليستطيع أن يشق طريقه داخله، أن يتحلى بالصبر والإيمان والدأب والعمل المتواصل وقوة التحمل ليصنع لنفسه مكانا داخله.

** ما رأيك في النشر الذي يأخذ طابعا تجاريا وهل واجهتك صعوبات في النشر؟

– عندما تكون كاتب جديد قادم من خارج الوسط كليا تكون كالأعمى في منتصف شارع كبير، تواجه صعوبات لا حصر لها، دور النشر اختصرت دورها في طبع الكتاب ووضعه على الرف، وعلى الكاتب الاعتماد بشكل كلي على نفسه للترويج لعمله وهذا أصعب بكثير من النشر ذاته.

** هل هناك اختلافات بين كتابات المرأة وكتابات الرجل وما هي هذه الاختلافات؟

– لا أشعر أن هناك اختلاف بينهما، فأنا من المؤمنين بفكرة موت المؤلف لـ “رولان بارت” وأن يقرأ العمل الروائي كعمل قائم بذاته بعيدا عن الكاتب مهما كان اسمه أو جنسه، عندما أقرأ رواية “بيت الأرواح” للرائعة “إيزابيل الليندي” أشعر بنفس المتعة والحرفية التي أشعر بها وأنا أقرأ “خريف البطريرك” أو “مائة عام من العزلة” لماركيز.

** هل الكتابة بجرأة تخيف الكاتبة وهل يجول داخلها رقيب داخلي يذكرها دوما برد فعل المجتمع لما تكتبه؟

– في المجتمعات الشرقية نعم نشعر بذلك الرقيب دائما، لكن بشكل شخصي لا استسلام لذلك بسهولة وأحاول دائما ترويض اللغة لأقول ما أؤمن به، فالكتابة بالنسبة لي رصد وتغير وتقويم واصطدام ومعالجة واستمتاع وتعبير عن ذات الكاتب وقناعاته الشخصية ومبادئه وأفكاره سواء اتفق ذلك مع الجماعة أو لا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب