6 مارس، 2024 11:41 م
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. محمود الطارقي: مواقع التواصل الاجتماعي ستخلق جيلاً خطيراً من الكتّاب

Facebook
Twitter
LinkedIn

حاورته – سماح عادل :

شعره يحكي تفاصيل غرائبيه.. تفاصيل يومية يعيشها الكاتب بشكل مغاير لما هو مألوف.. يحتفي بالمرأة، ويرصد عبثية الحياة، ويعطي معاني جديدة لتفاصيل قتلها ملل رتابة الحياة.. الشاعر التونسي الشاب “محمود الطارقي” يكتب دون تفكير في مصطلحات وتصنيفات.. حاورته (كتابات) للاقتراب من عالمه المختلف..

(كتابات): تدور قصائدك حول عبث الحياة وتعكس حزن هادئ يكاد لا يحس.. لماذا ؟

  • قصائدي واقعية لأني أكتب الواقع مع إضافة بعض السحر طبعاً.. ونحن نعيش في واقع لم نختر شروطه، ودائماً استعمل كلمة شرط عوض كلمة القانون، لأن القوانين مليئة بالثغرات وأما الشرط فهو القوة الكبرى التي تسيرنا، ومثلاً إلى الآن مازلنا نعيش العبودية مع أن كل القوانين تحرمها، ومن هذا المثال البسيط يمكننا أن نستدل على العبث الذي يحكم عالمنا، فالعبث ليس فوضى كما يخيل لنا، بل هو نظام صارم جداً، وربما بالكتابة فقط نستطيع أن نفضحه ونتحرر منه مع أننا طول الوقت نتحرك في دائرته.

(كتابات): تناولك لتفاصيل الحياة اليومية مختلف.. ولغتك مميزة كيف وصلت لذلك ؟

  • إلى الآن لم أقرأ الكتب.. ولست محيطاً بالدراسات لأني قررت أن أكتب كبدائي يكتشف العالم لأول مرة، وأخوض هذه التجربة إلى النهاية، ولذلك كانت نصوصي مختلفة عن السائد نوعاً ما لأنها تنطلق من الصفر، بلا أية خلفيات فكرية أو منهجية أو تاريخية، أكتب كأنني أول إنسان يكتب، والشرط الوحيد للكتابة بالنسبة لي هو أن أكتب نصاً قادراً على الدفاع عن نفسه، وطبعاً عندما يكون لديك هاجس اكتشاف الكون فكرياً وجمالياً بمنطلقات ذاتية، فإنك ستجمع كل التفاصيل وتكتب بها لأنها آداتك الوحيد لتوليد الصور وصناعة المعنى.

(كتابات): متى بدأت الكتابة ولماذا اخترت قصيدة النثر للتعبير عن نفسك وأفكارك ؟

  • “أريد أن أكتب فوق بطنك شعراً، وتكون سرتك نقطة نهاية القصيدة”، هذا أول شعر كتبته وأنا في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي، وقد كتبته لمعلمتي الشابة.. أذكر أنها في ذلك اليوم كانت تعلق لوحة على الجدار وكان المكان مرتفعاً، فارتفع قميصها ولمحت سرتها فكتبت لها بكل بساطة وعفوية، وطبعاً كنت طفلاً حينها ولا أعرف ما هي قصيدة النثر، ولذلك لا أستطيع أن أقول أني اخترتها بل هي التي اختارتني، وإلى الآن مازلت أكتب ببساطة ذلك الطفل ولا تعنيني التسميات أبداً، وأصلاً بالنسبة لي الشعر الحي لا يُعرّف، فأن نعرّف شيئاً فهذا يعني أننا أعطيناه حكماً نهائياً غير قابل للإضافة فيتجمد ويموت.

(كتابات): هل ساعدتك وسائل التواصل الاجتماعي على كتابة الشعر بشكل منتظم وسهلت وصولك لقراء مهتمين ؟

  • لا أنكر فضل وسائل التواصل الاجتماعي لأنها ألغت الحواجز بين الكاتب والقارئ، وفي “فيس بوك” مثلاً يمكنني أن أكون كاتباً وقارئاً في نفس الوقت وهذا جميل.. فكل النصوص هنا، أقصد في “فيس بوك”، مفتوحة على الآخر، وكل نص هو تجربة بالضرورة، وأحياناً أحس أن هذا الفضاء الافتراضي واقعي أكثر من الواقع وبإمكاننا أن نتعلم منه الكثير، ونتشارك نصوصنا وتجاربنا ببساطة، هنا ليس عليك أن تلاحق كتب كاتب يعجبك فيكفي أن تدخل إلى صفحته وتستمتع، وأعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي ستخلق جيلاً خطيراً من الكتّاب والقرّاء.

(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في بلدك والعالم العربي ؟

  • كما قلت لك أنا أكتب كبدائي يكتشف العالم لأول مرة، وهذا يعني أنني منعزل عن المشهد الثقافي ولا أستطيع تقييمه، أنا استمتع بتجاربي فقط وأكتبها، وحتى التجارب التي لا أستطيع أن أعيشها أخلقها في خيالي.. في خيالي أكون كل شئ، جندياً وإماماً وعاملاً وفلاحاً وسكيراً وصوفياً ودجالاً وأباً.. ثم في لحظة واحدة ينهار كل شئ وأعود إلى ذاتي الفقيرة التي تبحث عن الغنى وسط التفاصيل التي أجمعها، وأول مرة أحتك فيها بالمشهد الثقافي وجمهور الشعر كانت منذ أسبوعين تقريباً، في ملتقى قصيدة نثر بمدينة نابل، واكتشفت لأول مرة لذة النظر إلى عيون الناس وأنا أقرأ لهم، ولذلك من تجربة واحدة لا يمكنني أن أقيم المشهد الثقافي في بلدي أو في العالم العربي.

(كتابات): هل هناك اتجاه للتغيير من الكتاب الشباب ومحاولة للخروج عن المألوف.. والتمرد على الواقع ؟

  • أعرف العديد من الكتاب الشباب.. مع أنني أكره عبارة “كاتب شاب” لأن كلمة شاب هي إقصاء في الحقيقة وخاصة عندما يستخدمها شيوخ الثقافة، وهي ضمنياً تعني أننا كتّاب من الدرجة الثالثة، وهذا مربك طبعاً لأننا نعيش في العالم الثالث، ومواطنون درجة ثالثة وأيضاً تلاحقنا هذه الطبقية حتى في الكتابة، وتجعلنا كتاباً درجة ثالثة، وطبعاً هذا يدعونا إلى التمرد.. ولكن التمرد بالنسبة لي ليس ضجيجاً وصياحاً بل هو أعمق من ذلك بكثير، التمرد هو العمل في صمت والتأسيس لمرحلة جديدة، وفهم المجتمع ومحاولة ترويض ذائقته، عوض التعالي عليه واتهامه بالسطحية.

(كتابات): هل أنت راضِ على الحياة بكل تعقيداتها خاصة في مجتمع نامي ؟

  • الحياة بكل تعقيداتها في مجتمع نامي هي صعبة بالتأكيد.. ولكنها غنية بالتجارب، فنحن سكان العالم التحتي لا يفوتنا شئ ويمكننا أن نحلم بحياة أفضل دائماً، ومن الحلم تولد اللغة الحالمة ويكون الشعر، وحسب معلوماتي القليلة فإن أكثر الكتابات المؤثرة في تاريخ كل الشعوب هي الكتابات النابعة من العالم الثالث، ولكنها للأسف نادراً ما تغير الواقع، ولذلك دائماً يعود الكاتب إلى ذلك السؤال المعقد “لماذا أكتب ؟”.. ونعود إلى العبث الذي تحدثنا عنه في البداية.

(كتابات): في رأيك هل أثرت ثورات الربيع العربي على إبداع الشباب ؟

  • عندما وصلت عربات الجيش المهشمة.. كانت أول شئ أخضر يزور قريتنا الجافة في تلك السنة، وهذا هو التفسير الوحيد الذي أملكه لعبارة “ربيع عربي”، ولكن وسط كل هذا الغموض لا أنكر فضل الثورات التي شهدها العالم العربي في تحرير الكاتب أكثر من رقابة الأنظمة العربية، وحتى مهاجمتها ويمكننا أن نلاحظ بوضوح تغير ملامح مجتمعاتنا بعد الثورات، ولا يمكننا إلا أن ننصهر مع هذا التغير ونفهمه أكثر لنستطيع أن نستبطنه، ونكتب عنه بوضوح حتى لا نقع في قطيعة بين النص والواقع.

(كتابات): هل تكتب بوعي كامل محاولاً تقديم لغة مختلفة ومعاني خاصة بك وحدك ؟

  • أنا متصالح مع ذاتي لأني أكتب بوعي كامل.. وما لا أفهمه أتركه لغيري، حتى الآن نجحت في صنع زاوية خاصة أطل منها على هذا الكون، وطبعاً الزاوية مازالت حادة إلى الآن وأعمل على توسيعها حتى تنفرج أكثر، وطبعاً لا يتحقق هذا إلا بتوسيع دائرة الوعي أكثر وخوض العديد من التجارب، وربما يصبح هذا البدائي الذي يكتب شخصاً متحضراً ومندمجاً في واقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي أكثر.

(كتابات): هل وجدت صعوبات في طباعة قصائدك في كتاب ؟

  • كتابي الأول “إلى أفنان” كان حلماً جميلاً عشته مع صديقتي السورية أفنان.. وبفضل مساعدتها وتشجيعها لم أحس بأية صعوبة، عملنا معاً على تجميع النصوص ووضعها في كتاب، وقد نجحنا في تحرير الشعر من دور النشر، وتوزيع النسخ المتوفرة بالمجان، وكل الذين آمنوا بالفكرة قاموا بطبع الكتاب وتوزيعه بالمجان أيضاً، ولذلك أشكر كل أصدقائي في سوريا وفلسطين ولبنان، مع العلم أني لا أملك أية نسخة من الكتاب في تونس، وقد أكون أول كاتب يكتب كتاباً ولا يمسكه بين يديه، وهذا يعيدنا بشكل ما إلى دائرة العبث مرة أخرى.

 

نص لمحمود الطارقي :

من رصاصة تخترق النافذة،

فتتناثر شظايا البلور بجانب قتيل آخر

وتلمع

مع آخر دمعة تكونت في عينه…

ومن الطين الأحمر الذي يغلف قبر جدي،

وبعد كل مطر يسيل على الأرض

حتى تتعرى كل الحجارة التي رصفتها فوق جثته…

و من طائر يحط على غصن شجرة،

فأتبادل معه النظرات والخوف…

ومن ورقة يابسة ترتطم بحذائي وأنا أقف في شارع فارغ،

فأبعد رجلي قليلاً ليأخذها الهواء أبعد…

ومن زر مفتوح في قميص أبيض ترتديه سيدة شقراء،

فأطل منه على جلدها لأتعلم الفرق بين الأبيض والأبيض

ثم أواصل فتح زرين آخرين في خيالي

وفي وردة تطل من سور بيت

أتأمل حلمتها…

ومن أطفال حفاة يلمعون الأحذية على الرصيف،

حتى يعكس اللمعان ملامحهم الحزينة…

ومن آثار هذا البلد المطبوعة على الأوراق النقدية،

لأن البنوك مقبرة الحضارة…

ومن سيدة تتصل بزوجها لتستعجل قدومه على العشاء،

فأنتبه إلى الظلام الذي انتشر من حولي

والليل الذي حلّ مرة أخرى…

ومن نقطة نهاية النص،

التي سأجلس بعدها لأتأمل الفراغ…

من كل هذا

أعلم أن كل هذا الوجود لا شئ،

فتمر رصاصة أخرى من النافذة

و تصيب رأسي.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب