خاص: حاورته- سماح عادل
“محمد عبد الجليل شعابث” كاتب عراقي، من مواليد: 1965 بابل، العراق، درس في كلية الإعلام، قسم العلاقات العامة، حاصل على دبلوم صحة عالي، وهو رئيس هيئة الأحياء والتحديث الحضاري- بابل. وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وعضو جمعية الرواد الثقافية- بابل، وعضو مؤسس هيئة تراث النجف، وعضو اتحاد الشعراء الشعبيين- بابل، وعضو مؤسس هيئة السياحة والآثار- بابل. له مئات البحوث والمقالات في التراث الشعبي في عديد من الصحف والمجالات العربية والعراقية.
صدر له:
1- كتاب شبابيك حلية، صور من التراث الشعبي.
2- كتاب كشكول حلي.
3-كتاب أيام في الهند، رحلة في تراث الشعوب.
4- كتاب اللغة السايسانية في التراث الحلي.
5-كتاب بائع الهم، مجموعة قصصية.
6- كتاب ضجيج جميل، مجموعة قصص قصيرة وومضات.
إلى الحوار:
(كتابات) لما اخترت مجال التراث الشعبي وهل لديك شغف به؟
- إن اختياري للتراث الشعبي كان بهدف معرفة تاريخ الأسلاف، والتعرف على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لديهم، من خلال دراسة أحوال الناس وعاداتهم وتقاليدهم، كذلك أجد متعة في التعرف على ودراسة كل ما هو قديم.
(كتابات) في كتاب “اللغة السايسانية في الحلة” لما اخترت أن توثق هذه اللغة؟
- في كتاب “اللغة السايسانية في الحلة” اللغة السايسانية نسبة إلى ساسة الخيل، وليس اللغة الساسانية المعروفة.
منذ أن بدأت الكتابة في التراث الشعبي حاولت أن لا اجتر ما كتبه الباحثون من قبلي، فكنت دائما أفتش عن المواضيع المنسية والمهجورة التي لم يسلط عليها الضوء، ومنها هذه اللغة فهي لغة سرية مندرسة كان يستخدمها ساسة الخيل في تعاملاتهم التجارية، وذلك من خلال التفاهم فيما بينهما بهذه اللغة بعيدا عن أسماع الزبائن, ويعتبر كتاب اللغة السايسانية هو أول كتاب يوثق لهذه اللغة الشفاهية.
(كتابات) في كتاب “اللغة السايسانية في الحلة” ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء التوثيق؟
- إن أهم الصعوبات التي واجهتني خلال البحث عن مجاهيل هذه اللغة هو عدم وجود مصادر إلا بعض من كبار المحتفظين ببعض مفردات هذه اللغة، هذا مما جعل مدة البحث تربو على عشر سنوات أو أكثر.
(كتابات) هل البحث في مجال التراث الشعبي يجد دعما سواء من الدولة أو من الوسط الثقافي؟
- مازال المثقف العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص يعتمد على جهوده البحثية الفردية، بسبب إغفال الدولة في هذا الجانب وحتى الوسط الثقافي للأسف لازال بعيدا عن هذا المجال.
(كتابات) تكتب القصة القصيرة.. هل كتابة الأدب أكثر متعة بالنسبة لك من الأبحاث؟
- إن صنعتي الأولى هي البحث في التراث الشعبي، وأجد متعة في هذا المجال، ولكني أكتب القصة القصيرة لأوثق أحداث ربما تكون على مساس بالتراث الشعبي.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في العراق؟
- إن الحكومات المتعاقبة أهملت المثقف العراقي لعقود عديدة، إذ غيب المثقف بشكل تام، وذلك لتعسف الحكومات، ولكن بعد عام 2003 بدأ الانفتاح تدريجيا نحو الثقافة والمثقف ولكن ليس بمستوى الطموح مع الأسف.
(كتابات) هل تراجع الاهتمام بالتراث في رأيك بالنسبة للإنسان العادي وبالنسبة للمثقفين أيضا وما هي الأسباب؟
- إن انشغال الناس بالهموم اليومية ودخول الاتصالات الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي كل ذلك أدى إلى انشغال الجيل الجديد بكل ما هو حديث، ونسوا تراثهم وتاريخهم بحجة الحداثة ولكن لازال قليل من الناس يهتمون بالتراث (لو خليت قلبت).
(كتابات) هل أثرت ظروف الحرب والصراعات على العراق وتراثه في رأيك وكيف؟
- من المؤكد أن الحروب تأكل اليابس والأخضر ومنها الثقافة والفن وكل ما يمت بالحياة بصلة، وكان نصيب العراق حروب متتالية لم تدع للمثقف العراقي أن يتنفس ويعبر عن رأيه، ويكتب عن تراثه إلا بمقدار ما تريده السلطة، لذلك كان للحروب أثرها الكبير في تأخر العراق في هذا المجال.
(كتابات) ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتب وما هو جديدك؟
- إن من أهم الصعوبات التي واجهتني ككاتب وباحث هو الخوف من تهديدات السلطات التابعة للنظام المباد، فالكلمة الحق كان لا يسمح بقولها، أما في وقتنا الحاضر فلا زال الكاتب والباحث يطبع كتبه على حسابه الخاص، فليس للدولة ومؤسساتها الثقافية أي دعم لمثل هذه المشاريع، أما ما هو جديدي في مجال التراث فهناك كتاب جاهز للطبع يتحدث عن مفردات تمس حياة الناس في الماضي، وفي مجال القصة سيصدر لي قريبا مجموعة قصصية أسميتها (ضجيج جميل).
قصتين لمحمد عبد الجليل شعابث..
أمنية لم تتحقق..
“جلس يراقب أكوام الخشب التي تملأ خانه القديم، الذي كان يتخذه مكانا لنجارة التوابيت، كان يومها متعبا.قرر أن يستريح لأنه لم يأخذ إجازة منذ أكثر من أربعين سنة، تأملها جيداً، وبدأ يحاور نفسه متخذاً من تلك الأخشاب صديقا له يساعده ربما في الإجابة عن أسئلته. أشعل سيكارته الأولى بعد ارتشافه قدح الشاي الكبير الذي تعود أن يشربه من مقهى الحاج محمد المجاور لدكانه. كان سؤاله الأول: كم عملت من التوابيت خلال كل تلك السنين الطويلة، وكم من التوابيت ستتمكن من عملها لاحقا، وهل تعرف تلك الأخشاب إنها ستصبح يوما مأوى للموتى، وكم، وكم، وكم… أسئلة كثيرة أحس بعدها بالغثيان، وقال في نفسه: لماذا اخترت المهنة الأصعب، والأقسى التي ينفر منها الناس ماذا لو كنت قد تعلمت نجارة المهاد مثلا؟ تركت عمري يذهب بين توابيت الموتى فلم أعرف طعما للحياة كل ما أتمناه هو زيادة في الموت لأبيع أكثر. تحولت إلى رجل قاسي القلب قليل العاطفة قالها بمرارة، ولكني اليوم سأنهي معاناتي هذه إلى الأبد سوف أعلن من الغد إني غيرت مهنتي بأخرى، وهي صناعة المهاد لتكون بعدها فرحتي بالولادة، وليس الموت. قام من مجلسه، وهو يسحب نفس سيكارته الأخير، ثم تقدم نحو حزم الخشب المصّطفة، والمرصوفة في أسفل الأرض إلى أعلى سقف الخان العالي. ليخبرها إن وظيفتها من الآن قد تغيّرت، وسوف تكون من الغد مهاداً للأطفال. بدأ يقلبها ببصره، ويعّدها ليحسم أمره، لكن خشبة كبيرة سقطت فجأة فاهتزت لها أكوام الخشب، وبسرعة متناهية انقلبت فوق رأسه أحدث ذلك صوتا، وجلجلة كبيرة، وواضحة. هرع الجيران إلى المكان وإذا بصاحبهم يئن تحت أكوام الخشب المتراكمة، وبصعوبة فائقة استطاعوا أن يخرجوه، ولكن كان في رمقه الأخير. أشار بيده إلى أحدهم، وقال كلمته الأخيرة: اسألوا أكوام الخشب لماذا اعترضت، وامتنعت أن تكون معي في رحلتي الجديدة التي كنت أعّد لها؟ هل عرفت هي كذلك إن الموت في بلدي أصبح أثمن من الولادة؟”.
شجرة السدر..
“أتذكر بيت عائلتنا الكبير في محلة الجامعين المحلة الأقدم في مدينتنا الجميلة، وكيف كنّا نستمتع بالصعود إلى شجرة السدر الكبيرة ذات الجذع البدين الذي بانت عليه آثار الزمن فأمتزج لونه مع قدم جدران البيت العتيقة, نصعد إلى تلك الشجرة المباركة التي كانت الأمهات تسميها بالعلوية دون معرفتهن السبب، إنها شجرة مقدسة عند أقدم الشعوب والأمم التي كانت تسود أرضنا الطيبة. نصعدها لجني ثمار النبق تارة، وتارة أخرى للعب واللهو وسط صيحات الأهل خوفا علينا من السقوط رغم كل ذلك كنّا بمنتهى الفرح، والغبطة رغم لسعات أشواك أغصانها الدامية التي لا نأبه بها أبدا، كان بيتنا هو الأكبر في المحلة، وكان فيه كثير من الأبناء والأحفاد حتى أن هناك أقارب لنا جاءوا من بعيد فسكنوا فيه باعتبار أن هذا البيت هو وطن للجميع، كل هؤلاء كانوا يأكلون في صحن واحد تجمعهم الألفة والمحبة، تمّر السنون يتغير الحال كثيرا كبرت العائلة وغادر كثير من أفرادها ولم يبق منهم سوى ثلاثة أخوة. في يوم ما أرادوا أن يقسّموا ذلك البيت بينهم لأنهم ضاقوا من العيش معا مثلما كان آباؤهم وأجدادهم، الكل يريد أن تكون شجرة السدر من حصته، والكل يعلم أنها ملك الجميع. اختلفوا، تشاجروا، وتناحروا حتى وصل بهم الحال إلى أقصى درجات الحقد والكراهية، ونسوا أنهم أشقاء كانوا يوما يأكلون في صحن واحد، استغل الجيران ذلك الاختلاف والضعف والفرقة خصوصا وأن أحد الأخوة قد استجار بهم ليكونوا معه ظناً منه انه سيكون في موقف الأقوياء ليمكنه ذلك من الاستحواذ على شجرة السدر، بعدها تبعه الآخر ليكونا معا ضد أخوهم الثالث الذي لم يقبل أن يتدخل الغرباء بينهم، واشتد الحال واستولى الجيران على أغلب الدار بحجة وقف الاختلاف. تأخر الوقت كثيرا والجيران لازالوا محتلين دار الأخوة الثلاثة، عندها انتبهوا لفعلتهم التي ستحرمهم من بيتهم إلى الأبد، وظل الحال حتى جاء رجل حكيم دلّهم على طريقة للحل تسهل عليهم استرجاع بيتهم المسلوب. قال الحكيم عليكم بإخراج الغرباء من داركم بعدها لكم طريقان للحل الأول أن تقطعوا شجرة السدر من داركم وهذا سيجلب لكم العار، أو أن تقسموا ثمارها بينكم مثلما فعل آباؤكم من قبل فقبلوا بذلك الحل بعدما أنهكهم التعب”.