24 نوفمبر، 2024 10:24 م
Search
Close this search box.

مع كتابات..  محمد عبده الشجاع: يمكن تحويل لحظات الفرح والدهشة إلى كائن حي اسمه قصيدة أو نص

مع كتابات..  محمد عبده الشجاع: يمكن تحويل لحظات الفرح والدهشة إلى كائن حي اسمه قصيدة أو نص

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“محمد عبده قاسم أحمد الشجاع” كاتب وشاعر يمني، من مواليد محافظة “أب” مديرية العدين 1978. عمل في مجال الصحافة.

صدر له:

  • (قَطراتٌ مِنْ غُرف القَلبِ) شِعر ”دار عبادي” 2006 صنعاء.
  • (جُرحاً توحَّد كيْ يَنْتقِي شَكلْ مَوتِه) شِعر”الهيئة العامة لقصور الثقافة” القاهرة، سلسلة آفاق عربية 2013.
  • رواية “عقلان”.

إلى الحوار:

** كانت حياتك منذ الطفولة لا تخلو من صعوبة وعمل شاق.. كيف أثر ذلك على حياتك ونصوصك؟

– بالتأكيد عشت طفولة كدح وبؤس نتيجة لعوامل عديدة منها فقدان أمي وأنا في الخامسة، هذه الحادثة أوقدت في ذهني وأنا في السابعة بأن ثمة فراغ بانتظاري. إضافة إلى الحرب الأهلية وبؤس الريف الذي شكّل مساحة من العنف لدى الآباء وعدم معرفتهم أبجديات التربية.

ذلك إجمالا راكم أفكارًا ورؤى تبلورت بتلقائية وعكست نفسها على مشواري الأدبي بلا شك، وهذا ملاحظ في القصائد وحتى في رواية “عقلان” الرواية التي ضمت كثير من الإسقاطات بصورة أدبية بعيدة عن السيرة الذاتية.

الطفولة مصدر أساسي للكتابة الأدبية لدى معظم المبدعين لأنها تشكل مخزونا وفيرا من الأحداث والعوارض بشقيها السلبي والإيجابي، وعندما يتم ترجمتها إلى الأدب تصبح ثروة.

والمعاناة هي حالة آنية أي تأخذ مرحلة معينة فتشكل مصدر للإبداع، وفي حالة استمرت فإنها تخلق نفسية محطمة غير قادرة على الإنتاج بشكل طبيعي، والإنسان الصلب بطبعه يتغلب على ذلك ولو بالكتابة.

** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك؟

– الشعر تعبير قبل أن يكون ملكة.. الملكة فطرة موهوبة لكن التعبير بوح واستشعار وإيصال مكنونات القلب والروح إلى الآخر وهو أنجع أنواع الاتصال.

وبعيدًا عن التعريفات التقليدية هو عالم واسع يتيح للفرد فُرص للنجاة من كبت الأفكار إذ يمكن تحويل الخواطر والأزمات ولحظات الفرح والدهشة إلى كائن حي اسمه قصيدة أو نص.

والشعر حالة متقدمة جدا منح العديد من الفلاسفة والكتاب مساحات لاختبار مشاعرهم وآفاقهم العلمية والمعرفية، كونه من أهم الفنون التي تصقل ذهن وفكر الإنسان وكان الاهتمام به قائم على الضرورة لاكتمال الشخصية.

توسعت دائرة هذا الفن عبر مراحل وأخذ منعطفات ومدارس ملهمة وخلاقة، حتى وصل إلى التشبع وأصبح بحاجة إلى التجديد واجتراح سبل وبحور وأدوات حديثة تمنع عنه الرتابة.

وكمدرسة أخيرة متكاملة النضوج يعتبر الشاعر “محمود درويش” حالة متفوقة جدًا وشخصية شعرية أثرت المشهد بصورة مذهلة وحاذقة كما أسس للغة جديدة وصور وأفكار عميقة. وبرغم الأسماء الكبيرة التي لا يمكن تجاوزها بأي حال إلا ثمة قضية محورية وجوهرية استطاع “درويش” إتقان التعبير عنها، ليست بالضرورة القضية الفلسطينية وإنما أبعد من ذلك بكثير.

أنا لي تجربة شعرية متواضعة جدا أعدها حالة من التبصر ورؤية هذا العالم بتفاصيله الأدبية ودافع للقراءة.

سافرت مع “المتنبي والمعلقات وامرؤ القيس وغيرهم وأحمد مطر ودرويش والبردوني والمقالح”، ثم أتت دراستي للفلسفة وتشكل مشروع الكتابة بصورة أوسع.

هي تجربة خرجت منها بنصوص متفرقة تعاني الشتات والمنفى مثلي تماما اليوم. أصدرت عملي الشعري الأول عام 2006 حمل عنوان “قطرات من غرف القلب” صنعاء، وعام 2013 في القاهرة.. الهيئة العامة لقصور الثقافة صدر عمل ثان حمل عنوان “جرحًا توحد كي ينتقي شكل موته”.

** بعد إصدار مجموعتين شعريتين اتجهت لكتابة الرواية.. هل كنت تريد قول شيء مختلف؟

– بالتأكيد وإلا لما خضت هذه المغامرة، على الأقل ثمة قضايا كثيرة عالقة في الذاكرة أو موجودة كانت بحاجة لعمل مثل “عقلان”.

هناك فارق كبير ومسافة طويلة بين قول الشعر والكتابة السردية، أقصد من ناحية التعبير بصورة أشمل.

للرواية هيبة وجلال في العقود الثلاثة الأخيرة حتى الأعمال المتواضعة كفكرة؛ بمعنى أن إصدار رواية صار يشكل جدلا أولا: لتراجع فن الشعر بعد قرون من العطاء، ثانيا: العمل الروائي ليس بالسهل إنه يأخذ شغل ذهني يعرفه عمالقة هذا الفن ورواده، ولذا المسألة ليست كتابة رواية كما قد يغامر البعض. الأمر أشبه بمسؤولية رئيس دولة.

** في رواية “عقلان” لماذا اخترت فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين؟

– الأسباب كثيرة، ربما يصعب حصرها لكن ثمة خطوط وعناوين يمكن لنا إثباتها كمفاتيح هامة للإجابة.

يعتبر عقدي السبعينات والثمانينات من أهم العقود في الوطن العربي واليمن تحديدًا كونهما أسسا لحقبة زمنية جديدة.

في اليمن لم يتم تناول المرحلة أو توثيقها عن طريق السرد عكس كثير من الدول العربية، حيث اشتغلت السينما والدراما والمسرح والأدب وغيره. عكس اليمن حين نأتي لعمل إحصائية أو فرز سوف نجد إنتاجات شبه يتيمة ولم تلامس ذلك الواقع الصعب. باستثناء الروائي الأبرز “محمد عبد الولي” والذي غاص في نفسية اليمني ومحيطه.

أمر آخر هذه الفترة عاش تفاصيلها القاسية جدي ومن ثم أبي وكثير من الرفاق الذي عاشوا تباينا حادا.

وأخيرا وليس آخرا محاولة ربطها بجزء من الطفولة والأهم أنها كانت مشروع على غرار ثلاثية نجيب محفوظ رحمه الله وتوثيق لمرحلة هامة حتى العام 1990.

** في رواية “عقلان” هل اختيارك للريف كمسرح للأحداث بسبب أنه أكثر الأماكن التي تأثرت بالصراعات السياسية أم لسبب آخر؟

– اختيار المكان والزمان من أهم ركائز العمل الأدبي الروائي بحيث يساعدان كثيرا على تنقل الكاتب بين الوقائع والأحداث والربط بينهما. في حالة “عقلان” الأمر كان تلقائيا وكان لا بد من جعل الريف مسرحا لتلك الصراعات. الثورة البلاشفية بدأت من الريف مثلا، إذ من غير المعقول ألا يكون الريف مسرحا لكتابة عمل حول ذلك.

وهناك أسباب أخرى كثيرة فأنا من مواليد الريف وعملت كثيرا في المدرجات الزراعية وسمعت عشرات القصص، كما أنني ارتبطت بالكثير من الأماكن التي مر منها رجال الجبهة الوطنية ورجال الجبهة الإسلامية وحتى غزاة الدولة العثمانية قبل سقوطها وانسحابها من اليمن.

واليمن بطبيعتها ريفية بنسبة كبيرة وهو ما شكل بيئة خصبة أمام القوى الطامحة والطامعة لحمل البندقية، والذهاب بعيدًا من أجل السيطرة على مراكز المدن بما فيها العاصمة.

إذًا “عقلان” كانت حاضرة في الريف، نقلت مشاهدا درامية مشوقة مليئة بالتأمل والهدوء وتقلبات الفصول والعقول والقلوب. كما كانت قريبة من ضجيج البنادق وقهر النساء ومغامرات الصغار.

** لما اخترت أن تحكي عن شخصيات كثيرة. ولما ركزت على شخصيات بعينها كشخصية “عزيز” وشخصية “الشيخ عماد”؟

– في حقيقة الأمر سؤال مهم. أولا العمل هو نتاج تجربة متراكمة بمعنى أنني حشدت الكثير من الأسماء ومثلها الأفكار والقضايا الجوهرية وإن تم تناول بعضها بشكل مختزل. بالإضافة إلى أنني كنت أحاول اختبار قدراتي الكتابية من ناحية وتماسك العمل وأحداثه من ناحية أخرى، لأني عشت مع (ثلاثية) نجيب محفوظ أوقات ملهمة تتبعت أحداثها واندهشت للغتها ومتانتها. ربما خانني التقدير في ضبط الزمن الذي توقف عند عزيز ولم يكبر، لكن كانت هناك إشادات من كثير من القراء بترابط العمل وأحداثه على كثرتها وتنوعها.

فيما يخص التركيز على “عزيز وعماد”. كانت هناك شخصيات عديدة ظلت حاضرة داخل العمل سواء بقوة فعلها أو ظهورها من وقت لآخر. لكن “عماد” حالة خاصة كونه يمثل شيخ القبيلة والسلطة الظل للأنظمة المتعاقبة في المناطق الريفية، ومحاولة البحث عن أفق لإذابة هذه الشخصيات على علاتها وسلبياتها وهي أيضا مارست دورا إيجابيا بحكم العادات والتقاليد التي ما تزال متوغلة تزاحم القانون.

“عماد وعزيز” يمثلان جيلين متفاوتين، كما أنهما يعطيان بعدا ذهنيا للعمل، برغم اختلاف أدوارهما لكنهما كان لا بد من جعلهما اثنين من أهم أبطال العمل.

** في رواية “عقلان” وقف الراوي على الحياد ولم يناصر لا الجبهة الوطنية ولا السلطة لكن قد نشعر ببعض التعاطف منه حين حكي عن شخصية “عبد الغني” الذي اختفى قسريا.. هل هذا صحيح؟

– هناك إسقاطات هائلة داخل العمل من واقع أحداث مرت بطريقة ما. أعني مختلفة لكنها تحولت إلى مشاهد بصيغتها الأدبية مع كثير من الخيال الذي يتأتى للكاتب تباعا وهو يمارس دور الكتابة والفعل والتنقل بين الأحداث والشخوص واستدعاء الأفكار وصولا إلى النتائج..

بالنسبة للحياد وهو طرح دقيق.. أولا الكاتب هو أشبه بلاعب شطرنج يتحكم بالأدوات من خارج بالرقعة. الأمر الأهم أن رجال الجبهة الوطنية والجبهة الإسلامية لم يكونا مختلفين جغرافيا بل كل فرد من أفراد الجماعة هما في الغالب إما جيران من قرية وأحياء واحدة أو من مناطق مترابطة وقريبة من بعضها، وكان ريف مدينتَيْ “تعز وإب” وسط اليمن في الشمال هما مسرح معظم العمليات. بغض النظر أن فكرة الجبهة الوطنية شيوعية اشتراكية تم تصديرها من قبل قيادات النظام في الجنوب والذي كان يتبع الإتحاد السوفييتي سابقا أو بالأصح “معسكر الاشتراكية”. إلا أن الجميع تم استغلالهم بشكل أو بآخر للعب دور لصالح تلك الأطراف كما يحدث اليوم تماما والتاريخ يعيد نفسه.

إذا هذا الحياد وبرغم أخطاء الجبهة الوطنية في أيامها الأخيرة وحتى في بداياتها والتي كانت تقدم على تصفية كثير من رموز وشخصيات اجتماعية (المشايخ)، كان الهدف منه قراءة مستقبلية بأن أي صراع سياسي لا بد وأن يكون بعيدا عن العنف، لأنه محلي ويخلف حربا أهلية طاحنة عكس الاستعمار الخارجي تماما.. وهو أمر خطير ويستدعي ليس الحياد وحسب وإنما إعمال العقل والفكر للخروج بمادة تحدد بعض الأخطاء التي لا يجب ارتكابها مستقبلًا. وأخطاء الدولة تكون أكثر إيلامًا من الجماعات.

شخصية “عبد الغني” كفكرة كانت واقع فرجال الحركة الإسلامية وهم شركاء النظام الذي بدأ يؤسس لدولة مركزية، ارتكبوا أخطاء أيضا سواء من خلال الاعتقالات الواسعة وملاحقة بعض الخصوم رغم الدعوة للمصالحة وقد تضرر كثير من الأفراد جراء ذلك.

** هل الصراعات السياسية التي عانى منها اليمن هي التي أوصلته إلى الأوضاع المأزومة الآن؟

– من ناحية كانت هناك مدخلات كثيرة أدت إلى هذه الأزمات المتلاحقة. إضافة إلى إرث سياسي هش لا يمكن تجاوزه.. وتراكم للمشاكل ودفعها إلى المستقبل دون حلول جذرية الأمر الذي جعلها تنفجر بهذه الصورة.

لكن حتى أكون أكثر دقة فإن تقييم الصراع اليوم يحتاج إلى قراءة مجتمعية واسعة هرمية وأفقية، بعيدا عن تحميل طرف من الأطراف كامل المسؤولية.. وإن كانت الأطراف الفاعلة في المشهد قد ارتكبت أخطاء فادحة، ومنها جماعة الإسلام السياسي التي خلقت صداما فكريا وعقائديا وسياسيا على مستوى النشاط الحزبي وحتى التعليم، لم يتنبه له إلا في فترات متأخرة بمعنى أنه تم استخدام هذه الجماعات لضرب كيانات أخرى لما تملكه من زخم شعبي رافقته العاطفة الدينية.

بمعنى أوسع المجتمع اليمني معقد في تركيبته القبلية والدينية والسياسية مع غياب المشروع الذي كان لا بد من تذويب كل هذه العقد من خلاله، كما أن هناك ظواهر لا تزال تلعب دورا سلبيا، منها انتشار السلاح بصورة مخيفة وانتشار زراعة شجرة القات، إلى جانب التحالفات التي تظهر من وقت لآخر مع دول إقليمية ومجاورة وهذا أضعف كثيرا من الأفكار والطموحات التي كانت تتراكم وتحديدا العملية الديمقراطية والتعددية الحزبية كونها وليدة وناشئة وكذلك حرية الصحافة.

** ما تقييمك لحال الثقافة في اليمن بما يندرج تحتها من نشر وفاعليات ثقافية؟

– بالنسبة لقضايا اليمن الثقافية أصبحت في أسفل السلم من الاهتمامات، بعد أن كانت تخطو بتراكم مقبول ظلت الطموحات أكبر إلى أن جاءت هذه الانتكاسة وتفشت ظاهرة العنف والحرب التي حلت بديلا عن التثقيف اليومي.

نحن اليوم أمام جيل بصحافة ورقية محدودة ومؤطرة، بلا حريات بلا أقلام ناضجة ومتباينة. نحن أمام مسار واحد ومشروع تدميري يسير بخطى حثيثة تدفعه الانقسامات الحادة والتداخلات الدولية وتخادم المصالح المشتركة على حساب “الإنسان”.

السياسة الهشة هي الطاغي على كل شيء، وهي من توجه حياة الناس وتغذيهم بالبؤس والفوارق الطبقية والاجتماعية.

بالنسبة للنشر هناك محاولات لكن لم تعد بزخم ما قبل عشر سنوات، كما أن كثير من المبدعين والإعلاميين نزحوا أو بالأصح هاجروا بعد أن سيطرت جماعة الحوثي سيطرة مطلقة على الشمال، وضيقت على الناشرين والمطبوعات وهناك توجه لغربلة إبداعات سابقة ومحاكمات في انتظار آلاف الكتب والكتّاب.

** لديك مخطوطات لروايات لم تطبع بعد ما السبب وهل تواجه صعوبة في النشر؟

– بالنسبة للمخطوطة هي واحدة البقية أفكار مشتتة وتاريخها يعود للعام 2002 تقريبا، بمعنى أنني نسيتها تماما ولم تعد تشغلني أو تشكل شيء. هي تجربة أولى جميلة حاولت معها اختبار نفسي وأنا الغارق في الشعر.

بالتأكيد هناك صعوبة في النشر رغم المطبوعات الهائلة لكن لا يوجد مشروع منظم كما هي كثير من جهات النشر الحكومية مثلا هنا في مصر.. وهناك محاولات ومشاريع كانت ضخمة وقد برزت مع صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004 و2006 لكن اليوم المشهد مبكي وحزين كحزن يعقوب على ضياع يوسف.

** ما تقييمك لحال النقد في منطقة الشرق وهل يعاني من مشاكل؟

– بالنسبة لتقييم حال النقد في منطقة الشرق ربما السؤال كبير، فأنا لست في الموقع الذي يتيح لي الحديث في هذا الجانب. إنما سأحاول إيراد وجهة نظري. إن كنت تقصدين نقد الأعمال الأدبية فهو في الحقيقة متراجع تماما وهناك محاولات ما تزال تسعى إلى مشروع نقدي له نظرياته وأدواته، أدى دورها أدباء وكتاب حملوا على عاتقهم مشروعي التأليف والنقد في نفس الوقت.. وقد تراجع المشروع النقدي مع ظهور جوائز ضخمة في الخليج العربي وغيره. إنما هناك أصوات وهناك ما يشبه الانطباعات وليس النقد.. أعتقد أن إيقاع الحياة في المجتمع العربي غير مساعد على بناء مشروع نقدي يواكب الإنتاجات الأخيرة.

الأمر الآخر إذا كنت تشيرين إلى عملية النقد إجمالا فهناك مشاريع كان لها أثرا في نقد الفكر عمومًا ونقد النص الديني وكثير من النصوص المقدسة والثوابت.. وأنا على اطلاع بتجارب اعتبرها متقدمة جدًا وخاصة التجارب المصرية وأخرى مغربية بحكم ارتباطها بأوروبا.. لدينا تجربة “إدوارد سعيد”، و”قاسم أمين” فيما ذهب إليه عن المرأة والأبعاد المجتمعية التي كان يرمي إليها، “نوال السعداوي” وما خلقته من جدل واسع، “فرج فودة” وهو التجربة الأهم التي أيقظت كثير من الأسئلة وقد كان ضحية للجهل والتطرف رحمه الله. “محمد عابد الجابري ومحمد شحرور عبد السلام المسدي” أسماء كبيرة تفوقت في مجالها كثيرا على عكس نقاد الأدب الذين إما أنهم اكتفوا بالنظريات القائمة أو انشغلوا بأمور أخرى.

** ما رأيك في فكرة المناطقية وهي أن الأدب في منطقتنا غالبا لا يخرج عن حدود مجتمعه، وهل هناك تهميش متعمد لأدب بعض الدول؟

– الأدب المحلي مسار طبيعي فقط كيف يمكن إيجاد الدهشة فيه ليصبح مادة قيمة أمام الآخر من المجتمعات غير العربية أو يتحول إلى أدب عالمي.

وهنا الإشكالية ليست في أن يغرق الكاتب العربي في المحلية وإنما في كيفية إنتاج عمل فيه فلسفة ورؤية وأفكار إنسانية تعطي انطباعات واسعة، لأن فكرة الأعمال الأدبية ليست في اختزال هوية واحدة أو أيديولوجيا إنما هي فكرة جامعة.

“فيديور دوستفسكي” وغيره كتبوا أعمالا إنسانية ولم تخصص لمجتمع أو شعب بعينه وكذلك كثير من كتاب أمريكا الجنوبية.. صحيح أن الفكرة انطلقت من المحلية لكنها تجاوزتها.. ولدينا في التراث والمجتمع العربي مادة ثرية لتحويلها إلى أعمالا أدبية، وقد التقط هذه الفكرة كثير من كتاب الغرب.. الأدب عموما يحتاج إلى غزارة في قراءة التراث وأنا ركزت على الرواية لأنها الفن الطاغي في اللحظة الراهنة.

هناك تهميش. ولكن السؤال هل هو متعمد فعلا ومن يتحمل تلك. وجهة نظري أن الأمر راجع للخطاب الثقافي والإعلامي العربي غير الموجود وغير الحاضر إلا في المشهد السياسي وفي النسخة السيئة منه. رغم قنوات التواصل الكبيرة والميزانية الضخمة التي تدير هذه المنظومة.

وحتى لا نكون مجحفين فإن التهميش الحادث قابله حراك أدبي غير عادي. على سبيل المثال حظيت الرواية الخليجية دون غيرها بكثير من الاهتمام والدراسة.

أولا لأن هناك تجارب مميزة إضافة إلى الطفرة المادية والعمرانية في هذه الدول. وهناك أمر آخر مهم وهو غزارة الإنتاج خلال ال 15 عاما الأخيرة بغض النظر عن مضمون كثير من الأعمال أو النظر إليها على أنها تجارب ركيكة.. مثلا في السعودية أتت فترة أنتج ما يقارب ال100 عمل في ظرف سنة أو أكثر قليلا وهذا لفت الأنظار..

إجمالا فكرة المناطقية في الأعمال فكرة قد تتعرض للموت حتى وإن كانت تحمل قضية ما لم تخاطب الآخر بأدوات قوية. لكن هذا لا يمنع أن تكون المحلية جزء من توثيق الواقع وصياغته بشكل أدبي لافت.. لأن الإشكالية ليست في المحلية وحسب، قد تكون في القفز مرة واحدة دون المرور بالمحلية وهناك تجارب لم تنجح لأنها حاولت تقمص دورًا أكبر مما يجب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة