16 نوفمبر، 2024 11:40 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “محمد راجح” : هناك حالة استسهال ومعظم ما يُقدم لا يمكن تسميته أدبًا !

مع (كتابات) .. “محمد راجح” : هناك حالة استسهال ومعظم ما يُقدم لا يمكن تسميته أدبًا !

خاص : حاورته – سماح عادل :

“محمد راجح” كاتب وسيناريست مصري.. من مواليد المنصورة 1982، حصل على بكالوريوس تجارة عام 2003، درس السيناريو وعمل كمحاضر للسيناريو بعدة مراكز ثقافية، صاحب مدونة “حكايات وكلام”، صدر له في آب/أغسطس 2011 المجموعة القصصية (عندما يتكلم الصمت)، وفي كانون ثان/يناير 2013 ظهر له سينارواية (ربع مواطن), وهو تصنيف جديد من ابتكاره يجمع ما بين السيناريو والرواية، وصدر له في كانون ثان/يناير 2014 رواية (هَبْ يَكّ) وطبعت للمرة الثالثة مؤخراً.. حاورنه (كتابات) للإقتراب أكثر من فكره وابداعه..

(كتابات): كيف تشكلت رغبة الكتابة لديك وكيف نمت ؟

  • منذ الصغر وأنا أهرب من العالم إلى الكتب.. لم يكن ليجذبني أي شيء من حولي سوى المطبوعات، بدأ الأمر حين كنت في العاشرة تقريبًا، رأيت كتيبات صغيرة في يد مَن هم أكبر سنًا في شلتنا الصغيرة، شلة المنطقة طبعًا، أبناء الجيران في العمارة وشارعنا. كانوا يسمون كل الكتيبات ألغازًا، نسبة إلى أعمال الرائع “محمود سالم” وألغازه، ولم أكن أعلم أني سأدخل هذا العالم ولن أخرج منه، بدأت في تكوين مكتبتي الخاصة.. أذكر أنني كنت أحتفظ بكتيباتي في صندوق لعبة “طاولة” خشبي كان لجدي، وبالطبع كان محرّم على أي أحد غيري أن يمسه، كنت بالفعل أدخل كل يوم إلى صندوقي السحري فيبدو العالم من حولي باهتًا جدًا أو غير موجود.

كل البهجة والأحلام كانت في الكلمات.. وكبر الصندوق لتنتقل كتبي ومجلات “الكوميكس”, التي فتنتني إلى درج “النيش” الكبير، لكني لم أشعر بالاكتفاء بالتلقي قط، ثمة صوت داخلي يلح عليّ أن أصنع عالمي الخاص، بالطبع جاءت محاولاتي الأولى ساذجة وطفولية، في سن السابعة عشر بدأت أكتب قصصًا قصيرة، وهكذا دارت طاحونة الأدب بروحي، واتسعت مكتبتي حتى احتلت كل جدران غرفتي. أمّا عن تنمية الكتابة فلا سبيل سوى القراءة ثم القراءة ثم القراءة.. أنا أؤمن جدًا بقاعدة أن القراءة أولًا والكتابة عاشرًا، مع كل كتاب جيّد يتغير الإنسان، يصبح أكثر فهمًا للحياة، فما بالك بالكاتب.

(كتابات): لمَ اتجهت لدراسة السيناريو.. وهل أفادك ذلك في كتابة الرواية ؟

  • أن يتجسد خيالك.. هذا ساحر، والسيناريو يفعل هذا، فُتنت بفكرة أن يتحول ما أكتبه إلى واقع حقيقي ملموس، أن تخرج الشخوص من خيالي ليراهم العالم وينفعل معهم، يخاف عليهم ويحبهم. السيناريو وسيط مرئي، والسيناريست يكون مسؤولًا عن كافة انفعالات متلقيه، كونه خالقًا لكل مفردات هذا العالم الذي يصنعه (ليراه) الآخرون، بأماكنه ولغته وشخوصه وأحداثه، هكذا ينطبع فنُّه على حواس الجمهور.. هناك مقولة أعتز بها كثيرًا لـ”چان ميتري”، وهو الناقد الفرنسي الكبير الذي وضع البذرة الأولى لمهرجان “كان”، يقول فيها: “الرواية قصة تنظم نفسها في الدنيا، بينما السينما دنيا تنظم نفسها في قصة”.

 

قطعًا على الصعيد الأكاديمي أفادتني دراسة السيناريو في كتابة الرواية، فالروائي والسيناريست والقاص، كلهم، يسعون لتقديم (الحدوتة) بأفضل ما يمكنهم، وإن اختلفت أدواتهم، فهناك نقاط تماس في (الصنعة) بشكل عام، كخلق الشخصية، والبناء الدرامي، وموضع الحبكات. هذا أفادني جدًا ويجعلني ممتنًا.

(كتابات): في رواية (هب يك) تناولت فترة حكم الإخوان وما فعلته بمصر والموجة الثانية من الثورة 30 حزيران/يونيو كما أسميتها.. هل تعتقد أنها نجحت كثورة في تحقيق أهدافها ؟

  • 30 حزيران/يونيو لم تكن ثورة بالمعنى المفهوم.. أعتبرها كما قلت موجة من موجات الثورة الأم في 25 كانون ثان/يناير، أو إحدى تبعاتها، أما عن إذا ما كانت حققت تلك الموجة أهدافها، فهي بالفعل قد انتزعت الإخوان من حكم مصر، كان هذا هدفًا رئيساً وتصحيحًا للمسار. وبنظرة أكثر شمولية لمفهوم الثورة وأهدافها، فلم يتحقق أي شيء بعد، الحسنة الوحيدة هي أن هناك جيل قد رأى جانبًا من الحرية وعرف أن الكرامة هي السبيل الوحيد للنجاة، جيل سيصعب كثيراً أن يُقمع.

(كتابات): روايتك (هب يك) طبعت للمرة الثالثة… هل تعتبر ذلك نجاحًا وأن لك جمهور من القراء.. وفي رأيك ما سر نجاحها ؟

  • أعتبر هذا رواجًا، والفارق كبير بين الرواج والنجاح.. النجاح هو أن أقرأ (الجريمة والعقاب) فأظل لأشهر يطاردني كابوس أنني (راسكولينكوف) وقد قتلتُ المرابية العجوز بينما أهرول في شوارع روسيا القديمة وأراها بالضبط كما وصفها العظيم (دوستويفسكي).. النجاح هو أن يهبط ما كتبت على رأس القارئ كالخبر الأسود أو المصيبة كما يقول (كافكا)، وأن أراقص (زوربا) على شاطئ (كريت) فتتغير فلسفتي في الحياة، أن يحدث تغييرًا فعلياً في حياة القارئ، وتنضج رؤيته. بينما الرواج هو ما يرضي ناشري ويجعله متحمسًا لأن يوقّع معي عقدًا جديدًا.

ولا أحب أبدًا كلمات مثل “جمهوري من القراء” أو”قرائي” أو “جمهوري”, فالقارئ سيظل قارئًا حتى لو اندثرت أنا من الحياة، أنا قارئ وكاتب وهو قارئ، فإذا أحب ما أكتب فذلك يرضيني جدًا ويسعدني.. وبرأيي أن سر رواج (هب يك) هو عامل التشويق، وأنني احترمت جدًا عقلية القارئ، فلم أقدم حلولاً سهلة أو أشخاصًا أحادية البعد. ودعيني أعترف أنني لم أكن أجلس إلى مقعد (الأديب) وأنا أكتب “هب يك”، بل كنت ألعب دور (الحكواتي) مستخدمًا تقنيات سينمائية في الحكي، وحاولت مخلصًا أن أكون بارعًا.. بضمير مستريح أقول إن عملي المقبل (يبقى وحيدًا) هو الذي كتبته وأنا أجلس على مقعد الأديب، فقد استغرقت ثلاث سنوات في كتابته على صغره، وخلال هذه الفترة لم أكف عن قراءة الأدب الحقيقي، أدب جيد وناجح وعظيم.

(كتابات): في رواية (هب يك) كانت هناك شخصية “ياسر همام” الناشر النصاب الذي يتلاعب بأحلام الكتاب الشباب.. ما رأيك في حركة النشر في مصر ؟

  • حركة النشر في مصر عشوائية وساذجة وهاوية ولا تهدف للنشر أصلاً، إلا من رحمه ضميره وغيرته على الأدب وكيانه كناشر.. وهم قليلون جدًا، وعدا ذلك فهم لا ينشرون سوى غسيلهم المتسخ لا أكثر.

(كتابات): ما تقييمك لحال الثقافة في مصر والعالم العربي ؟

  • في البدء علينا أن نعرّف الثقافة.. الثقافة هي ما يرسخ في (السلوك) بعد أن ننسى كل ما تعلمناه في المدارس، أي ما ينطبع في سلوكنا، إذاً المثقف هو من لديه سلوك إنساني متحضر.. أما عن الثقافة بمفهوم الفنون وأهلها عمومًا فالوضع مزري، وسخيف، ونشهد هذه الأيام هجمة وهابية أخشاها كثيرًا.. دعك من أن المثقفين الحقيقيين قِلة، وأن هذا هو زمن الادعاء والموهومين بجدارة؛ حال الثقافة هو التصدّع.. لكني آمل أن سرعان ما سيزول كل مدّعي أو موهوم، فإن (مصفاة) الزمن لا تبقي إلا على الحقيقيين فقط.

(كتابات): أزمة فيلم (مولانا) هل تشير إلى الظلم الذي يقع على الكتاب الشباب من قبل الكبار الذين حققوا النجاح والشهرة.. وهل تم إنصافك ؟

  • لا أحب الخوض في موضوع فيلم (مولانا) بعدما انتهت قصتي معه.. فأنا لن أتاجر بتجاربي أبدًا.. بشكل عام، طبعًا هناك ظلم واقع على الكتّاب الشباب – الحقيقيين منهم – إنهم يقاتلون لجعل صوتهم مسموعًا.. يحاربون الشللية والبيروقراطية والتعنت والتجاهل ويتعرضون للسرقات أحيانًا.. وقطعًا لم يتم إنصافي، لكني أقاتل مع المقاتلين.

(كتابات): ما رأيك في كتابات الشباب.. وهل غزارة انتاجهم سببها دور النشر التي تسعى للربح أم حدوث تغييرات اجتماعية وسياسية أفرزت جيلاً من المثقفين الواعين الذين يعبّرون عن أنفسهم ؟

  • للأسف هناك حالة سيولة واستسهال.. معظم ما يُقدم لا يمكن تسميته أدبًا أو كتابة جيدة.. هو شيء لا أدري كنهه أصلاً، والعجيب أن من يقرأونه يقررون كتابة مثله على اعتبار أن (ما هي سهلة أهي).. وتبدأ موجة جديدة من الهراء، ونمشيها بالهاء أفضل، وبالتأكيد السبب في ذلك هو سعي مدّعين النشر للربح ليس أكثر.. في رأيي أن التغييرات التي حدثت أفرزت جيلاً يعرف الحرية والكرامة كما قلت، وهذا مكانه إما في الميدان أو أمام صناديق الانتخابات، أو في الحياة العامة والخطة الإنتاجية، ليس بين دفتي كتاب أبدًا، فهذا حرم له قدسيته.

(كتابات): في رأيك هل هناك إقبال من الناس على القراءة في مقابل هذا الإنتاج الأدبي الغزير ؟

  • بخلاف من يقرأون من الأساس وهذه طبيعة حياتهم، يوجد إقبال مستحدث، وهناك نوعان من هذا الإقبال، الأول هو محدثو القراءة التي يعتبرونها موضة، وهو نوع موجَّه ومُقلِّد، وآمل أن يعرف طريقه الصحيح فيما بعد.. أما النوع الثاني فهو يذكرني بـ(مجاملات الأفراح) و(النقطة), التي تنهمر من أصدقاء الكاتب، وأهل الكاتب، وحبايب الكاتب، و(كُتّاب) الكاتب الذين قرروا أن يكونوا كُتّابًا مثله، وبهذا يكون النوع الثاني عبارة عن حلقات مفرغة من أناس يقرؤون ويكتبون لبعضهم البعض.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة